عدد الابيات : 20
لَعَمْرِي لَقَدْ غَاضَ الْفُرَاتُ بِرَحِيلِهِ
وَجَفَّ نَدَى الْأَرْضِ الْمُبَارَكَةِ الْعَذْبِ
تَرَكَتْ قُلُوبَ الْأَهْلِ تَحْتَ لِظَى الْجَوَى
تَفِيضُ دُمُوعًا كَالسُّحَابِ عَلَى الْغَرْبِ
رَجُلٌ إِذَا عُدَّ الْكِرَامُ تَصَدَّرُوا
وَإِنْ صَاحَ دَاعِي الْحَرْبِ كَانَ بِلَا هَرَبِ
سَمَيْدَعُ أَمْجَادٍ، وَغَيْثُ مُنَائِحٍ
وَصَخْرٌ تَهَاوَى عِنْدَ صَوْلَتِهِ النَّدْبِ
أَقَامَ لِجَارِيهِ الْحُصُونَ بِرِفْقَةٍ
وَكَانَ لَهُمْ فِي كُلِّ نَازِلَةٍ شُهْبِ
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْعَصْرِ كَانَتْ كَفُّهُ
كَغَوْثِ الْأَمِيرِ الْحُرِّ فِي اللَّيْلِ مُعْتَبِ
تَظَلُّ مَعَانِيهِ كَمِسْكٍ تَضُوعُهُ
وَتَجْرِي نَدَىً مِثْلَ السَّحَابِ بِلَا كَرْبِ
وَكَمْ مِنْ حَزِينٍ جَاءَهُ مُسْتَغِيثًا
فَعَادَ غَنِيَّ الرُّوحِ مِنْ عطفه الرَّحبِ
وَإِذَا الْحَدِيثُ دَنَا يَفِيضُ بِحِكْمَةٍ
كَشَمْسِ النَّهَارِ الطَّاهِرَةِ بِلَا حَجْبِ
وَكَانَ لَنَا سِرْجُ الظَّلَامِ بِنُورِهِ
وَحِصْنُ الدِّفَاعِ فِي الرَّخَاءِ وَالْكَرْبِ
مَضَى وَالْمَعَالِي حَائِرَاتٌ لِفَقْدِهِ
كَأَنَّ الْبِحَارَ الْجَارِيَاتِ بِلَا عَذْبِ
فَيَا أَيُّهَا الْجَبَلُ الَّذِي كُنْتَ قَائِدًا
أَرَاكَ تَوَارَيْتَ بِظِلٍّ مِنَ الْغَيْبِ
وَلَكِنَّ ذِكْرَاكَ الْجَلِيلَةَ فِي الْوَرَى
سَتَبْقَى كَتَاجٍ فِي الْمَحَافِلِ وَالْخُطَبِ
فَمَا ضَاعَ مَنْ بَنَى الْمَعَالِي بِيُمْنِهِ
وَمَا خَانَ عَهْدَ الْوَصْلِ فِي الْعُسْرِ وَالرَّخَبِ
فَعِشْ يَا عَمَّاهُ فِي الْجِنَانِ كَمَا رَجَتْ
قُلُوبُ الْأَحِبَّاءِ الْعِظَامِ وَذُو النُّجُبِ
لَعَمْرِي أَيَا أَحْمَدُ مَوْتُكَ صَاعِقٌ
وَلَكِنَّهُ مَجْدٌ لِرُوحٍ بِلَا عَيْبِ
رَحَلْتَ وَقَدْ كُنْتَ السَّحَابَ لِنَازِلٍ
وَالشَّمْسَ تُنِيرُ الطُّرُقَ فِي كُلِّ مُرْتَقَبِ
فَإِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَبْكِي فِرَاقَكُمْ
فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ تُبَاهِي بِكَ النُّجُبِ
مِعْيَارُ قَصِيدٍ لَا يُضَاهِيهِ شَاعِرٌ
فَمَنْ يُدْرِكُ الْعَلْيَا وَمَنْ يَرْقُ لِلُّهَبِ
1280
قصيدة