عدد الابيات : 30
أَحِبَّتِي هَلْ بَعْدَ هَجْرٍ تَجَدَّدِي؟
وَهَلْ لِلتَّلَاقِي بَعْدَ بَيْنٍ مِنْ غَدِ؟
تَرَكْتُمْ فُؤَادِي فِي ظَلَامِ مَتَاهَةٍ
وَخَلَّفْتُمُونِي بَيْنَ نَارٍ وَمَوْقِدِ
بَكَيْتُ فَمَا نَفَّسْتُ عَنِّي غَلَائِلِي
وَلَا رُدَّ جَرْحُ الشَّوْقِ مِنْ دَمْعِ مُنْجِدِ
أُقَلِّبُ وَجْدِي بَيْنَ قَلْبٍ وَأَعْيُنٍ
فَلَا الْقَلْبُ يَسْلُو وَالْعُيُونُ كَمُرْعِدِ
وَكُنَّا كَضَوْءِ الْبَدْرِ فِي نُصْرَةِ الدُّجَى
فَفِي لَيْلِ فُرْقَانَا تَبَدَّدَ مَوْعِدِي
فَلَمَّا رَحَلْتُمْ حُطِّمَ الْعُمْرُ بَغْتَةً
وَمَا لِيَ فِي بَعْدِ الْحَبِيبِ مِنْ عَمَدِ
عَلِيلٌ بِحُبِّي فَالْوِدَاعُ مُصَيِّبَةٌ
وَمَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَغْلَى مُسْعِدِ
سَيَرْحَلُ عَنِّي فِي غُرُوبٍ مُؤَرِّقٍ
كَأَنِّي أَرَى الدُّنْيَا تَشُبُّ عَلَى الْيَدِ
وَأَخْفَيْتُ دَمْعِي فِيمَا انْسَلَّ مِنْهُمُ
جَمُوعٌ تَذُوبُ الْحُزْنَ فِي جَوْفِ مُرْعِدِ
وَقُلْتُ لَهُمْ لَا تَذْكُرُوا فِي فِرَاقِكُم
حَدِيثَ الْهَوَى فَالْعُمْرُ يَكْفِيهِ مَقْعَدِي
فَلَوْ كَانَ دَمْعِي يَشْتَرِيكُمْ بِحُرْقَةٍ
لَبِعْتُ عُيُونِي بَيْنَ سَاكِبِ مُنْشِدِ
وَلَكِنَّهُ الْحُبُّ الَّذِي يَسْلُبُ الْفَتَى
وَيَجْعَلُ دَمْعَ الْعَيْنِ يَهْمِي كَالزَّرَدِ
فَلَوْ يَعْلَمُ الْمُشْتَاقُ مَا قَدْ لَقِيتُهُ
لَسَالَ عَلَى خَدَّيْهِ دَمْعُ الْمُوَحِّدِ
أَسِيرٌ بِعَيْنَيْكِ وَالدَّمْعُ مِنْبَعِي
وَمَا كُنْتُ أَرْجُو غَيْرَ عَوْدٍ لِمَوْعِدِي
فَوَيْلٌ لِقَلْبٍ قَدْ تَشَظَّى بِشَوْقِهِ
وَوَيْلٌ لِعَيْنٍ لَا تَمَلُّ مِنَ الرَّمَدِ
أَيَا لَيْلَ أَشْجَانِي وَأَوْجَاعَ مُهْجَتِي
أَمَا آنَ أَنْ يَجْلُوَ الدُّجَى عَنْ تَسَهُدِي؟
وَهَلْ تُرْجِعُ الذِّكْرَى حَبِيبًا أَفَلْتُهُ
وَلَوْ غَفَرَ الدَّهْرُ الذُّنُوبَ لِمُجَرَّدِ؟
تَنَاوَحَتِ الرَّيْحَانُ فِي مَهْبِطِ الْهَوَى
وَمُزِجَتْ دُمُوعُ الْبَيْنِ بِالتُّرْبِ أَسْوَدِ
فَوَاحَزَنِي، لَوْ كُنْتُ أَدْرَكْتُ وَصْلَهُ
لَمَا ذُقْتُ صَبْرًا فِي جَحِيمِ التَّوَقُّدِ
أَرَى الدَّمْعَ يُذْرِي فَوْقَ خَدِّي كَأَنَّهُ
مَزُونٌ تُسَاقَطُ فِي جُفُونِ مُنْكَدِ
وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي بِبَحْرِ جُفُونِهِ
غَرِقْتُ، وَكُنْتُ الْحَاذِرَ الْمُتَزَهِّدِ
وَمَا زِلْتُ أُبْدِي فِي الْغَرَامِ تَذَلُّلِي
لَعَلَّ الَّذِي أَهْوَاهُ يُبْدِي تَوَدُّدِي
فَمَا زَادَ إِلَّا صَدَّ الْوِدَادِ وَتَجَبُّرًا
وَأَصْبَحْتُ فِي قَيْدِ الْهَوَى الْمُتَقَيِّدِ
وَلَمَّا دَنَتْ سَاعَاتُ فَرْقَى مُوَدِّعِي
تَنَاهَدَ دَمْعِي فِي الْخُدُودِ الْمُوَرَّدِ
وَقَالَ: أَمَا زِلْتَ الْبُكَاءَ مُعَذَّبًا
فَقُلْتُ: أَمَا زِلْتَ الصُّدُودَ بِمُقْصِدِي؟
وَدَاعًا أَيَا مَنْ قَدْ سَبَيْتَ مُهْجَتِي
وَرُحْتَ تُجَرِّعُنِي عَذَابَ الْحُبِّ التَّمَرُّدِ
وَمَا طَابَ لِي سَيْرٌ وَعَيْنُكَ تَدْمَعُ
وَلَا غَاضَ صَوْتِي مِنْ بُكَاءٍ مُرَدَّدِ
لَئِنْ غِبْتَ عَنِّي فَالرُّؤَى لَكَ شَاهِدٌ
وَصَوْتُكَ فِي سَمْعِي يَعُودُ وَيُرْتَدِي
وَإِنْ كَانَ بَعْدُ الْبَيْنِ أَقْصَى مَضَاضَةً
فَحَسْبُكَ قَلْبًا مَا وَلَنْ يَتَصَبَّرَ بَعْدَ صَدِي
1055
قصيدة