عدد الابيات : 39
يَا لَيْلُ، هَلْ كُنْتَ شَاهِدًا يَوْمَ أَشْرَقَتْ
شَمْسُ الْجَمَالِ عَلَى قَلْبِي فَأَنْبَهَرَا
فِي كَفِّهَا السِّحْرُ، فِي عَيْنَيْهَا مَلْحَمَةٌ
كَأَنَّمَا الْكَوْنُ قَدْ أَهْدَى لَنَا الْقَدَرَا
سَارَةُ، يَا نَسْمَةَ الْفَجْرِ الَّتِي نَزَلَتْ
كَالْوَحْيِ تَمْحُو عَنِ الْأَرْوَاحِ مَا انْكَدَرَا
أَقْسَمْتُ أَنَّ الْهَوَى مُذْ حَلَّ فِي مُهْجَتِي
صَارَ الْجِنَانَ، وَصَارَ الْحُزْنُ مُنْدَثِرَا
إِذْ لَاحَ وَجْهُكِ فِي أُفُقِ الْهَوَى قَمَرًا
سَكَنْتُ قَلْبِي فَصَارَ الْعُمْرُ مُزْدَهِرًا
أَنْتِ السَّمَاءُ الَّتِي أَهْوَى تَأَمُّلَهَا
وَأَنْتِ نَجْمٌ أَضَاءَ اللَّيْلَ وَابْتَدَرَا
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الْحُسْنَ يَأْسُرُنِي
حَتَّى أَتَيْتِ، فَصَارَ الْعِشْقُ مُسْتَعِرَا
سَارَةُ، وَمَا سَارَةُ إِلَّا بَدْرٌ مُكْتَمِلٌ
قَدْ حَازَ مِنْ كُلِّ نُورٍ نِصْفَ مَا اخْتَصِرَا
شَعْرٌ كَسَحْبٍ عَلَى أَكْتَافِهَا انْهَمَرَتْ
وَجِيدُهَا كَاللُّجَيْنِ النَّقِيِّ مُنْفَطِرَا
عَيْنَاكِ بَحْرٌ بِهِ الْأَرْوَاحُ مُغْرِقَةٌ
مَنْ ذَا يُقَاوِمُ سِحْرَ الْعَيْنِ إِذْ نَظَرَا
يَوْمَ الْتَقَيْنَا، بَكَى الْوَرْدُ الَّذِي شَهِدَتْ
عَلَيْهِ أَنْفَاسُنَا، وَالْعِطْرُ قَدْ نُشِرَا
رَقَصَ النَّسِيمُ عَلَى أَنْغَامِ قُرْبِكِ لِي
وَأَزْهَرَتْ رَوْضَةُ الْأَيَّامِ مُخْتَصِرَا
كَأَنَّمَا الْكَوْنُ قَدْ أَهْدَى لَنَا لَحْظًا
يُشْفِي الْقُلُوبَ، وَيُنْسِي كُلَّ مَا عَبَرَا
رَأَيْتُهَا وَالضِّيَاءُ الْغَضُّ يَكْسُوهَا
كَأَنَّهَا الْبَدْرُ، أَوْ كَأَنَّهَا الزَّهَرَا
نَادَتْ، فَأَجْفَلَ قَلْبِي مِثْلَ مُرْتَجِفٍ
وَالنَّبْضُ يَعْصِفُ، لَا صَمْتًا وَلَا خَبَرَا
قَالَتْ: "أَرَاكَ غَرِيبَ الدَّارِ، مِنْكَ أَنَا؟"
فَقُلْتُ: "يَا حُسْنَ مَنْ أَهْوَاهُ مُبْتَكَرَا!"
طَافَتْ عَلَى مَسْمَعِي كَالْمَاءِ رِقَّتُهَا
فَصَارَ كُلُّ الَّذِي حَوْلِي بِهَا أَثَرَا
يَا رَبَّةَ السِّحْرِ، يَا مَنْ طَيْفُهَا مَلَكِي
يَا مَنْ هَوَاهَا سَقَانِي الصَّبْرَ وَالظَّفَرَا
أَنْتِ الْحَقِيقَةُ، كُلُّ الْعِشْقِ يَجْمَعُهُ
وَجْهٌ كَصَوْتِ الْمَدَى، يَزْهُو إِذَا انْتَصَرَا
فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرَاهَا، كُنْتُ مُنْتَظِرًا
كَالْمَوْجِ يَسْأَلُ عَنْ شَطٍّ، فَلَا عَثَرَا
هِيَ الْعُذُوبَةُ فِي دُنْيَا أَرَاهَا سَرَابَ
وَهِيَ الْحَقِيقَةُ، لَا وَهْمًا وَلَا صُوَرَا
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الدَّهْرَ يَغْدِرُ بِي
وَأَنَّ قَلْبِيَ بَعْدَ الْوَصْلِ قَدْ كُسِرَا
قَدْ غَابَ وَجْهُكِ عَنْ عَيْنِي، فَمَا سَكَنَتْ
رُوحِي، وَمَا هَدَأَ الْإِحْسَاسُ وَالذِّكَرَا
سَارَةُ، يَا نَجْمَةً فِي اللَّيْلِ حَالِمَةً
يَا طَيْفَ عُمْرٍ مَضَى، يَبْكِيكَ مَنْ غَدَرَا
أَيْنَ الْأَمَانُ الَّذِي كُنَّا نُحِسُّ بِهِ؟
قَدْ صَارَ أَطْيَافَ حُزْنٍ لَا يُطَاقُ ثَرَى
مَا زِلْتُ أَكْتُبُ شِعْرِي عَنْكِ مُنْسَكِبًا
كَأَنَّمَا كُلُّ بَيْتٍ مِنْكِ قَدْ شُطِرَا
لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ أَنَّ الشَّوْقَ أَضْرَمَنِي
كَالنَّارِ تُشْعِلُ غَابَاتٍ إِذَا اشْتَعَرَا
أَحْبَبْتُكِ الدَّهْرَ، لَا أَنْسَى هَوَاكِ وَإِنْ
طَالَ الْفِرَاقُ، وَأَدْمَى الْقَلْبَ وَانْكَسَرَا
يَا سَارَةَ الْحُبِّ، هَذَا الْقَلْبُ مَسْكَنُكِ
يَبْقَى عَلَى عَهْدِهِ، وَالرُّوحُ مُفْتَخَرَا
لَكِنَّ يَوْمَ الْفِرَاقِ كَانَ مُدَمِّرًا
وَمَزَّقَ الْقَلْبَ حَتَّى بَاتَ مُحْتَضِرَا
أَبْكِيكِ فِي لَيْلِ حُزْنِي، وَالنُّجُومُ مَعِي
تُشَارِكُ الدَّمْعَ حَتَّى الْبَحْرَ قَدْ سَكَرَا
يَا لَيْتَ عَهْدَ الْهَوَى يَبْقَى بِلَا أَلَمٍ
فَالْحُبُّ يُشْقِي إِذَا الْأَقْدَارُ قَدْ مَكَرَا
يَا سَارَةَ الْقَلْبِ، مَا زَالَ الْهَوَى أَمَلًا
يَخْضَرُّ فِي كُلِّ حِينٍ حَيْنَمَا تَتْكَبَرَا
لَوْ عَادَ وَقْتُكِ، لَوْ عَادَ اللِّقَاءُ لَنَا
لَأَزْهَرَتْ فِي دُرُوبِ الْعُمْرِ أَقْمُرَا
أَنْتِ الْحَيَاةُ، وَإِنْ غِبْتِ، فَمَمْلَكَتِي
بِلَاكِ ظُلْمَةُ لَيْلٍ يَائِسٍ قَفَرَا
فَلْتَشْهَدِ الدُّنْيَا أَنِّي عَاشِقٌ أَبَدًا
وَأَنَّ قَلْبِيَ قَدْ أَهْدَى لَكِ الْعُمُرَا
سَارَةُ، يَا مَجْدَ أَيَّامِي، وَيَا أَمَلِي
لَكِ الْقَوَافِي، وَلَكِ الْقَلْبُ مُبْتَهِرَا
هَذِي الْمُعَلَّقَةُ فِيكِ الْيَوْمَ أَرْفَعُهَا
إِلَى السَّمَاءِ، فَقَلْبِي مِنْكِ قَدْ هَدَرَا
إِنْ كُنْتِ تَسْمَعِينَ، فَاذْكُرِي عَاشِقًا
قَدْ صَارَ فِي حُبِّكِ الْجَنَّةَ وَالسَّعَرَا
1280
قصيدة