الديوان » عمار شاهر قرنفل - الرحال » بين الموت والحب

عدد الابيات : 160

طباعة

أَلَا هُبِّي بِذِكْرَى الْحُبِّ وَاسْقِيهَا

قَدِيمَةً طَافَتِ الْأَرْوَاحَ تُحْيِيهَا

هِيَ الرُّوحُ إِنْ غَابَتْ تَوَارَى أُفُقُنَا

وَعَادَ ظَلَامُ الْعُمْرِ يَسْتَفْزِيهَا

لِلَّهِ حُبٌّ إِذَا مَا لَاحَ مَبْدَؤُهُ

أَسَالَ الْعَذْبَ مِنْ دَمْعٍ يُعَانِيهَا

تَرَى الْقُلُوبَ لِسِرِّ الْحُبِّ خَاشِعَةً

كَمَنْ بَكَى النَّدَمَ الْمُرَّى بَوَاكِيهَا

الْحُبُّ نَبْضُ الْحَيَاةِ الْمُشْتَعِلُ

يُضِيءُ لِلنَّفْسِ آفَاقًا وَيُزْهِيهَا

إِذَا بَسَطَتْهُ يَدُ الْعِشْقِ حَارِسَةً

غَدَتْ الدُّنْيَا رَبِيعًا فِي مَسَاعِيهَا

تَفِيضُ فِيهِ رُؤَى الْأَشْوَاقِ مُنْعَطِفًا

حَتَّى تَغَنَّى السَّمَاءُ مِنْ تَغَازِيهَا

فَتَنْبَتُ الْأَرْضُ زَهْرًا مِنْ تَرَفُّقِهِ

وَتَشْتَعِلُ النَّارُ فِي قَلْبٍ يُوَاصِيهَا

يَا مَنْ سَكَنْتِ جَنَاحَ الْحُبِّ سَامِيَةً

كَأَنَّ بَدْرَ السَّمَاءِ مِنْ حَنَاوِيهَا

أَنْتِ الْوُجُودُ الَّذِي يَجْتَاحُ ذَاكِرَتِي

كَمَوْجَةٍ ضَرَبَتْ قَلْبِي تَتَالِيهَا

فَصِرْتُ مَسْلُوبَ قَلْبٍ، تَسْكُنِينَ بِهِ

حَتَّى كَأَنِّي عَبْدٌ لِعَاشِقِيهَا

الْحُبُّ تَاجُ الْبَشَرْ إِنْ صَفَتْ مَلَكُهُ

وَأُذِلَّتِ النَّفْسُ لِلرُّوحِ تُحْنِيهَا

هُوَ الْجَمَالُ إِذَا مَا شَاعَ فِي نَفْسِنَا

صَارَتْ دُرُوبُ الْهَوَى شَمْسًا تُلَاقِيهَا

مَنْ يُدْرِكُ الْحُبَّ يَغْدُو فِي مَعَالِمِهِ

كَسَاحِرٍ كَشَفَ الْأَسْرَارَ يُمْلِيهَا

فَتِلْكَ هِيَ الْحُبُّ نَبْعٌ لَا يَنُضُّ جَرَى

فِي نَبْضِ قَلْبٍ إِلَى الْخُلْدِ يُرْضِيهَا

أَلَا قُلْ لِلشَّوْقِ إِنَّ الْجَمْرَ يَحْرِقُنِي

كَأَنَّهُ فِي حَشَايَ النَّارُ تُذْكِيهَا

يَفِيضُ قَلْبِي إِذَا مَا الْبُعْدُ يَجْتَاحُهُ

كَسَيْلِ دَمْعٍ جَرَى مِنْهُ يُبْلِيهَا

أَغُضُّ طَرْفِي فَلَا أَلْقَى سِوَى ظُلَمٍ

وَأَسْمَعُ الْهَمْسَ فِي طَيْفٍ يُنَادِيهَا

يَا لَيْلَةَ الْبُعْدِ، كَمْ طَالَتْ مَوَاجِعُنَا

وَزَادَ لَوْعَتَهَا ذِكْرَى نُحْيِيهَا

كَأَنَّ كُلَّ الزَّمَانِ الْبَعِيدِ مَرْسُومٌ

عَلَى جَبِينِ الْمُنَى وَالصَّبْرُ يُبْكِيهَا

أَسِيرُ فِي خَطَوَاتِ الشَّوْقِ مُنْكَبِرًا

وَكُلُّ دَرْبٍ إِلَيْكِ الشَّوْقُ يُدْنِيهَا

تُرَاوِدُ النَّفْسَ أَحْلَامٌ مُعَطَّرَةٌ

بِذِكْرِكِ، فَتَحْتَوِي الْآهَاتُ بَاقِيهَا

تَغْتَالُنِي لَحْظَةُ التَّفْكِيرِ فِيكِ إِذَا

غَفَتْ جُفُونُ الْمَدَى وَالصَّمْتُ يُؤْوِيهَا

يَا طَيْفَكِ الْحُلْوَ، لَا تَزَلْ تُراقِصُنِي

فِي كُلِّ أُمْسِيَةٍ طَيْفًا أُسَامِيهَا

أَتَذْكُرِينَ هَوَانَا؟ كَيْفَ أَوْقَدَهُ

رَبِيعُ حُبٍّ سَقَتْنَا مِنْ أَمَانِيهَا

تِلْكَ اللَّحَظَاتُ مَسْطُورٌ خَفَائِلُهَا

فِي كُلِّ رُوحٍ، كَأَنَّ الْحُبَّ يُحْيِيهَا

أُسَابِقُ اللَّيْلَ حَتَّى أَلْتَقِيَ طَيْفَكِ

فَالشَّوْقُ نَارٌ وَمَا مِنْ مُطْفِئٍ فِيهَا

أَذُوبُ حُبًّا كَمَنْ ذَابَتْ أَمَانِيهِ

فَصَارَ حُزْنًا تَغَنَّى فِي أَهَاجِيهَا

فَإِنْ أَتَى الْوَصْلُ، اجْتَاحَ الْمَدَى فَرَحًا

كَشَمْسِ صُبْحٍ تُنَادِي النُّورَ يُحْيِيهَا

هَذَا هُوَ الشَّوْقُ، لَوْحَاتٌ مُلَوَّنَةٌ

بِأَلْفِ مَعْنًى تَرَى الْعَيْنُ مَعَانِيهَا

فَيَا فِرَاقًا أَذَابَ الرُّوحَ فِي كَمَدٍ

كَسَيْفِ غَدْرٍ يُمَزِّقُ مَنْ يُلَاقِيهَا

كَأَنَّ لَيْلِيَ صَارَ الْحُزْنُ رَاكِبَهُ

وَالدَّمْعُ نَهْرٌ يُسَاقِي الْوَجْدَ دَاجِيهَا

أُطِيلُ نَظَرِي لِطَيْفٍ غَابَ عَنْ بَصَرِي

كَأَنَّهُ وَهْمُ رُوحٍ لَمْ تُلَاقِيهَا

أَبِيتُ أُحْصِي نُجُومَ اللَّيْلِ مُرْهَقَةً

تُذِيبُ نَفْسِي، كَأَنَّ الْحُزْنَ يُغْرِيهَا

أَسْتَنْهِضُ الذِّكْرَى، أَرْجُو فِي دُرُوبِهِمُ

خُطًى تَرُدُّ رُوَاةَ الْحُبِّ تُحْيِيهَا

أُحَاوِرُ الْبَدْرَ فِي لَيْلٍ يَفِيضُ أَسًى

أَرْجُو الْجَوَابَ، وَلَكِنْ لَا يُوَافِيهَا

كَمْ خَطَّ لَيْلُ الْفِرَاقِ فِي مَفَاصِلِنَا

مِنَ الْجُرُوحِ، تُعَانِيهَا أَمَانِيهَا

إِذَا الْتَقَى طَيْفُهَا فِي الْحُلْمِ أَزْمِنَةً

عَادَ الْفُؤَادُ غَرِيبًا فِي مَعَالِيهَا

لَوْلَا الْأَسَى، لَسَكَتْ أَوْتَارُ أُغْنِيَتِي

فَالْحُبُّ أَلْحَانُ شَكْوَى فِي أَغَانِيهَا

أَيَا حَبِيبَةَ رُوحِي، كَيْفَ أَلْتَمِسُ

فِي بُعْدِكِ الطُّهْرَ؟ أَشْوَاقِي تُنَادِيهَا

قَدْ كَادَ قَلْبِي يُوَارَى فِي تُرَابِ أَسًى

لَوْلَا رَجَائِي بِنُورٍ مِنْ بَوَاقِيهَا

أَنْتِ الشِّفَاءُ إِذَا مَا الدَّاءُ أَرْهَقَنَا

وَالْجُرْحُ فِي النَّفْسِ لَا يُجْدِي مُدَاوِيهَا

أَلَمُ الْفِرَاقِ جِرَاحٌ فِي مَفَاصِلِنَا

لَوْلَا هُنَاكَ أَمَانٍ كُنْتِ تَفْنِيهَا

يَا نَجْمَةً أَشْرَقَتْ فِي لَيْلِ غُرْبَتِنَا

لَوْلَا ضِيَاؤُكِ، أَيْنَ الرُّوحُ تُلْقِيهَا؟

فَعُودِي إِلَيَّ، فَهَذَا الْقَلْبُ مُغْتَرِبٌ

حَتَّى يُلَاقِي يَدَيْكِ، يَسْتَجِيبُ لِيْهَا

أَيَا مَلِيحَةَ عَيْنِي، كَيْفَ أُخْفِيكِ؟

وَالشَّوْقُ نَهْرٌ تَفِيضُ النَّفْسُ فَيَاضِيهَا

أَمُدُّ كَفِّي لَكِ أَرْجُو عُطْفَ مَنْظَرِهَا

كَغَارِقٍ نَشَدَ الشُّطْآنَ تُنَاجِيهَا

أَنَا الضَّعِيفُ إِذَا مَا غِبْتِ عَنْ بَصَرِي

وَالْقَوِيُّ إِذَا مَا أَنْتِ تُحَامِيهَا

أُحَاوِرُ النَّجْمَ فِي لَيْلٍ تَشَوُّقُهُ

لَعَلَّهُ يَحْمِلُ الْأَسْرَارَ يُهْدِيهَا

يَا مَنْ بَقَاؤُكِ أَمَانٌ فِي مَفَاوِزِنَا

كَالسِّرْبِ يَحْمِلُ فِي الصَّحْرَاءِ حَادِيهَا

أَرَاكِ نُورًا يُضِيءُ الدَّرْبَ مُكْتَمِلًا

وَالْغَيْمُ يَرْوِي جَفَافَ النَّفْسِ يُحْيِيهَا

إِنِّي أُنَاجِيكِ فِي صَمْتِ الْغَرَامِ، وَفِي

صَخَبِ الْوُجُودِ، وَفِي أَشْوَاكِ قَافِيهَا

عُودِي، فَمَا زَالَتِ الْأَيَّامُ تَشْهَدُنَا

حُبًّا يُغَذِّي دُرُوبَ الْعُمْرِ يَرْوِيهَا

لَوْلَاكِ مَا زَانَ لِلْعُشَّاقِ مُلْتَقًى

وَلَا تَزَيَّنَتِ الدُّنْيَا بِمَغْنِيهَا

فَكُونِي قُرْبِي، كَيْفَ الْعُمْرُ أُكْمِلُهُ؟

وَالْقَلْبُ مُلْتَاعٌ يَدْعُوهَا وَيُرَجِّيهَا

أَنْتِ الْحَيَاةُ، وَفِي عَيْنَيْكِ أُبْصِرُهَا

وَالْقَلْبُ نَبْضٌ بِحُبِّكِ يَبْتَغِيهَا

مَدَى الْوُجُودِ يَعِيشُ الْآنَ فِي رَجَفٍ

مِنْ بَعْدِ شَوْقٍ يُرَتِّلُ فِي تَنَاشِيهَا

لَوْلَاكِ مَا كَانَتِ الْأَحْلَامُ تُزْهِرُنَا

وَلَا أَضَاءَتْ قَنَادِيلُ الْمَغَانِيهَا

حُبُّكِ الدُّرُّ، أَغْلَى مَا تَمَلَّكَنَا

فَأَنْتِ أَرْضٌ، وَفِيكِ النَّبْضُ يَأْوِيهَا

هُوَ الْعَبِيرُ الَّذِي فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ

يَفُوحُ عِطْرًا وَيُبْقِي الرُّوحَ تُحْيِيهَا

يَا مَنْ تَفِيضُ دُرُوبُ الْعُمْرِ مِنْ نَهَرٍ

حُبًّا جَرَى، فَصَفَتْ أَشْوَاقُ أَهْلِيهَا

أَنْتِ الْمَصِيرُ، وَمِنْكِ الْبَدْءُ يَنْبَثِقُ

وَفِيكِ نُورُ الْحَيَاةِ يَسْرِي دَوَاعِيهَا

أَقُولُهَا صَادِقًا: أَنْتِ الْوُجُودُ، وَفِي

حُبِّكِ صَارَتْ لَنَا الْآمَالُ نُحْيِيهَا

يَا مَنْ تَفِيضُ بِحُبِّ النَّاسِ كُلِّهِمُ

تَكُونُ أَنْتِ السَّبِيلَ الْآنَ تَجْرِيهَا

فَعُودِي، لِلْحُبِّ فِي أَضْلَاعِنَا نَبَضٌ

يَسْتَمِدُّ عِطْرَ الْحَيَاةِ مِنْ تَفَانِيهَا

أَنَا الْجَرِيحُ، وَدَائِي فِي صُدُورِكِ لَا

تَشْفِيهِ إِلَّا يَدٌ، مِنْكِ أَسْقِيهَا

وَهَلْ تُرَى تَرْحَمِينَ الْقَلْبَ مُنْهِكَةً

أَضْنَاهُ صَمْتُ الْأَسَى، يَبْكِي أَمَانِيهَا؟

أَجْسَادُنَا ذَبُلَتْ، وَالْأَرْضُ قَاحِلَةٌ

فَأَيْنَ أَنْتِ؟ رُؤَاكِ الْيَوْمَ تَرْوِيهَا

يَا مَنْ تُدَاوِينَ جُرْحَ الْعُمْرِ فِي صَبْرٍ

هَلْ تُدْرِكِينَ دَوَاءَ النَّفْسِ يُحْيِيهَا؟

أُطِلُّ صَوْتِي بِأَنَّاتِي، فَهَلْ سَمِعَتْ

أُذْنَاكِ شَكْوَى الْمَدَى؟ حُبًّا أُحَاكِيهَا

لَوْلَاكِ، كَيْفَ تَطِيبُ النَّفْسُ مُتْعَبَةً؟

كَيْفَ الرُّجُوعُ إِلَى دَرْبٍ يُوَافِيهَا؟

أُنَاجِي رُوحَكِ فِي ظُلُمَاتِ أَوْجُعِنَا

لَعَلَّهَا تَنْفُضُ الْأَشْبَاحَ تُفْنِيهَا

قَدْ أَصْبَحَ الْعَيْشُ جُرْحًا لَا يَطِيبُ لَنَا

إِلَّا إِذَا كُنْتِ فِي الدُّنْيَا تُلَاقِيهَا

أَطْلُبُ صَبْرَكِ، إِنِّي فِي شَقَاءٍ، فَهَلْ

تُنْجِينَنِي؟ أَمْ تَكُونُ الْيَأْسُ يَطْوِيهَا؟

أَيَا مَلِيحَةَ قَلْبِي، لَا تُفَارِقِينِي،

فَالْجِسْمُ دَاءٌ، وَأَنْتِ الطِّبُّ يَشْفِيهَا

أَمْسِكْ يَدِي، فَالْعُمْرُ بَاتَ مُرْتَجِفًا

كَوَرَقَةٍ فِي رِيَاحِ الْحُزْنِ تَذْرِيهَا

إِنَّ الْيَدَيْنِ جُسُورٌ بَيْنَ قُلُوبِنَا

تَصِلُ الْمَدَى، وَتُزِيلُ الْخَوْفَ تُقْصِيهَا

أَخْشَى الْفِرَاقَ، فَهَلْ تُبْقِينَ فِي يَدِنَا

عَقْدًا يَقِيهَا زَمَانًا يَبْتَغِيهَا؟

يَا مَنْ بَقَاؤُكِ أَمَلٌ فِي دُرُوبِ غَدِي

فَكُونِي قُرْبِي، فَهَذَا الشَّوْقُ يُبْقِيِهَا

أَنْتِ النَّجَاةُ إِذَا مَا أَوْجَعَتْنَا رِيَاحٌ

تُدْمِي الْجِرَاحَ، وَلَا تُبْقِي أَمَانِيهَا

أَخَافُ أَنْ تَبْتَعِدِي، فَالصَّبْحُ مُظْلِمُنَا

إِذَا غَفَتْ يَدَاكِ عَنْ قُرْبِي تُدَانِيهَا

قَدْ صِرْتِ لِي سُلَّمًا فِي طُولِ أَزْمَتِنَا

وَمِئْذَنًا فِي طُقُوسِ الْحُبِّ نَبْنِيهَا

أَنَا الطَّفِيفُ إِذَا مَا غَابَ ضِيَاؤُكِ عَنْ

دَرْبِ السَّلَامِ، وَلَا دُنْيَا تُلَاقِيهَا

فَعُودِي إِلَيَّ، فَإِنَّ الرُّوحَ مُرْهَقَةٌ

تَرْتَجِفُ الْآنَ مِنْ أَشْبَاحِ مَاضِيهَا

أَمْسِكْ يَدِي، لَا تَدَعْنِي فِي مَتَاهَتِنَا

فَالْعُمْرُ شَوْقٌ، وَأَنْتِ الْوَصْلُ يَرْوِيهَا

أَيَا ضِيَاءَ ظَلَامِي، كَيْفَ أَفْتَقِدُكِ؟

وَالرُّوحُ تَشْتَاقُ نُورًا فِي مَغَازِيهَا

أَنْتِ الْحَيَاةُ، وَبِالْأَحْلَامِ تَرْفَعُنَا

لِسَمَاءِ حُبٍّ، وَقَلْبٌ بَاتَ يَفْدِيهَا

كَيْفَ السُّكُونُ إِذَا مَا غِبْتِ عَنْ أَمَلِي؟

فَالْعَيْشُ دَمْعٌ، وَأَنْتِ الْوَصْلُ يَشْفِيهَا

يَا مَنْ تُضِيئِينَ أَفْلَاكَ الدُّجَى أَبَدًا

هَلْ تُدْرِكِينَ نِدَاءَ الرُّوحِ يُنَادِيهَا؟

أَنَا الْغَرِيقُ، وَإِنَّ الْحَبْلَ فِي يَدِكِ

تَشُدِّينَنِي، فَتُزِيلِينَ مَآسِيهَا

إِنَّكِ الدَّهْرُ إِذَا مَا غَابَ عَنْكِ غَدِي

يُصْبِحُ الْقَلْبُ صَحْرَاءً تُلَاقِيهَا

يَا مَنْ بَقَاؤُكِ فِي دَرْبِ الْمَدَى أَمَلِي

لَا تَتْرُكِينِي، فَإِنَّ النَّفْسَ تُزْكِيِهَا

أَعِيشُ فِي كُلِّ أَوْجَاعِي أُنَادِمُهَا

وَأَنْتِ بَلْسَمُهَا، أَنْتِ الَّذِي يُرْضِيِهَا

قَدْ صِرْتِ نَجْمَ سَمَائِي، فَاسْتَمِرِّي لِي

فَالْعُمْرُ أَنْتِ، وَكُلُّ الْحُبِّ يُنْجِيهَا

يَا مَنْ أَضَاءَتْ لَنَا الدُّنْيَا بِطَلَّتِهَا

كُونِي الْقُرْبَ، وَرُوحَ الْعُمْرِ نُهْدِيهَا

عُذْرًا إِلَيْكِ، فَإِنَّ الْبُعْدَ قَدْ قَسَرًا

سَاقَ الْفُؤَادَ لِدُنْيَا مَا تُنَاجِيهَا

قَدْ كَانَ قَلْبِي مَعَ الْأَيَّامِ فِي أَلَمٍ

وَلَمْ يَزَلْ حُبُّكِ الدِّفْءَ الَّذِي يَطْوِيهَا

هَلْ تَغْفِرِينَ لِغُصْنٍ جَفَّ مَنْبَتُهُ؟

وَمَا زَهَتْ فِي حَنَايَاهُ أَغَانِيهَا

أَنَا الْمُقَصِّرُ، فَهَلْ قَلْبُكِ يَحْمِلُ لِي

صَفْحًا يُعِيدُ الْمَدَى وَالنُّورَ يَرْوِيهَا؟

يَا مَنْ غَفَرْتِ لِذَنْبِ الْعُمْرِ فِي حُلُمِي

كُونِي السَّمَاحَ، وَقَلْبَ الْأَرْضِ يُنَادِيِهَا

قَدْ كَانَ شَوْقِي يُنَادِينِي لِقُرْبِكِ، لَكِن

الطُّرُقَ ضَاقَتْ، وَمَا خَفَّتْ مَسَاعِيهَا

قَدْ غِبْتُ عَنْكِ، وَقَلْبِي مَا تَغَيَّرَ فِي

حُبٍّ لَكِ الْبَحْرُ تَسْبِيحًا يُغَنِّيهَا

أَرْجُوكِ صَفْحًا، فَإِنَّ الْحُبَّ يَغْفِرُنَا

وَمَا تَهَاوَتْ دُرُوبُ الْعَهْدِ فِي أَيْدِيهَا

عُودِي لِقَلْبِي، فَإِنَّ الْعُمْرَ مُلْتَهِبٌ

بِالْأَشْوَاقِ، وَرُوحًا كُنْتِ تَسْقِيهَا

يَا مَنْ رَسَمْتِ دُرُوبَ الْحُبِّ فِي أَمَلِي

هَلْ تُغْفِرِينَ؟ فَإِنَّ النَّفْسَ تُفْدِيهَا

أَنَا الْمُتَيَّمُ، حُبِّي جُرْحُهُ أَلَمٌ

يَشُقُّ صَدْرَ الْفُؤَادِ، لَا يُدَاوِيهَا

أَبْكِي اللَّيَالِي طَوِيلًا فِي وُحُودَتِهَا

وَالنَّجْمُ يَسْمَعُ شَكْوَى الرُّوحِ يُرْثِيهَا

أَيَا حَبِيبَةَ قَلْبِي، كَيْفَ أَحْمِلُهُ؟

وَالشَّوْقُ نَارٌ تُذِيبُ الْعُمْرَ تُفْنِيهَا

أَرَاكِ طَيْفًا يُدَاعِي فِي خَوَاطِرِنَا

ذِكْرَى تُعِيدُ الْحَنِينَ، وَمَا يُنَادِيهَا

هَلْ تَسْمَعِينَ نَشِيجَ الْحُبِّ مُرْتَجِفًا؟

فَالصَّوْتُ أَدْمَى مَدَى الْآهَاتِ يُلْقِيهَا

قَدْ أَصْبَحَ الْعَيْشُ دَمْعًا فِي جُفُونِ غَدِي

يَرْوِي الْقَصَائِدَ شَوْقًا مَا يُجَارِيهَا

أَنْتِ الْحَيَاةُ، وَقَدْ صَارَتْ مَلَامِحُهَا

أَلْوَانَ حُزْنٍ، وَقَلْبًا بَاتَ يَشْكِيهَا

لَوْ كَانَ دَمْعِي سَبِيلَ الْقُرْبِ أَتَّبِعُهُ

لَسَارَ دَهْرَ الْمَدَى، يَرْجُو أَمَانِيهَا

أَنَا الْغَرِيبُ بِأَوْجَاعٍ تُرَافِقُنِي

فَكُونِي قُرْبِي، لِدَمْعِي كَيْفَ أُخْفِيهَا؟

أَبْكِيكِ شَوْقًا، وَلَيْلِي دُونَ طَلَّتِكِ

دُجًى طَوِيلٌ، وَرُوحًا بَاتَ يَفْدِيهَا

أَرَى الْمَنُونَ يَخْطُو نَحْوَ مَجْلِسِنَا

ضَيْفًا ثَقِيلًا، وَمَا أَحْلَى تَنَاسِيهَا

أَخْشَى الرَّحِيلَ، وَقَلْبِي دُونَ رُؤْيَتِكِ

كَطَيْرِ صَيْفٍ تَرَكَ الْأَحْلَامَ يَأْوِيهَا

يَا مَنْ حُضُورُكِ فِي أَيَّامِنَا أَمَلٌ

إِنِّي أُصَارِعُ دُنْيَا الْيَأْسِ أَجْتَزِيهَا

لَوْ كُنْتِ تَدْرِينَ كَيْفَ الرُّوحُ مُرْهَقَةٌ

وَالْمَوْتُ يَخْطُو خُطَاهُ فِي مَرَابيِهَا

أَعِيشُ أَرْجُو الْبَقَاءَ الْيَوْمَ قُرْبَكِ، لَكِن

الزَّمَانُ جَارَ، وَمَا خَفَّتْ أَفَاعِيهَا

أَنْتِ الْحَيَاةُ، وَفِيهَا مَا يُقَاوِمُنِي

لِدَفْعِ مَوْتٍ أَرَاهُ الْآنَ يَرْمِيهَا

يَا مَنْ أَضَاءَتْ دُرُوبَ الْعُمْرِ فِي أَمَلِي

لَا تَتْرُكِينِي، فَإِنَّ الرُّوحَ تَفْدِيهَا

قَدْ صِرْتِ لِي قُبْلَةً أَرْجُو دُعَاءَكِ لِي

لِبَعْثِ أَحْلَامِنَا، وَالرُّوحُ تُسْمِيِهَا

إِنَّ الْفِرَاقَ كَأَوْجَاعِ الْمَدَى قَدَرٌ

لَكِنَّ صَبْرَكِ فِي الْقَلْبِ يُنْجِيهَا

فَكُونِي قُرْبِي، وَرُوحَ الْعُمْرِ أَحْمِلُهَا

فَالْمَوْتُ يُقْصِي النَّدَى، وَالْحُبُّ يُبْقِيهَا

أَلَمُ الْجِرَاحِ يَطِيبُ الْوَصْلُ يَشْفِينَهُ

لَكِنَّ بُعْدَكِ نَارٌ لَا أُطَاوِيهَا

جِسْمِي يُصَارِعُ أَوْجَاعًا تُمَزِّقُهُ

وَقَلْبِي أَشَدُّ عَذَابًا فِي تَرَاعِيهَا

أَرَاكِ بَلْسَمَ جِسْمِي، حِينَ أَلْمَحُكِ

تَطِيبُ جِرَاحٌ، وَتُشْفَى فِي تَدَاوِيهَا

أَمَّا الْفِرَاقُ، فَسَيْفٌ فِي الْخُلُودِ غَرَزَ

يُذِيبُ صَخْرَ الْمَدَى، يَهْدُّ بَانِيهَا

أَنَا الْعَلِيلُ، وَلَا شَكْوَى تُسَاعِدُنِي

إِلَّا رُؤَاكِ، وَرُوحًا فِي مُدَاوِيهَا

هَلْ تَسْمَعِينَ أَنِينِي فِي غَيَاهِبِهِ؟

فَالْحُبُّ جُرْحٌ، وَصَبْرُ الْقَلْبِ يُؤْذِيهَا

أَنْتِ الْحَيَاةُ، وَلَا شَيْءٌ يُسَاوِيكِ

إِنْ غَابَ ظِلُّكِ، تَغْدُو الرُّوحُ تُشْقِيهَا

لَوْ كَانَ بُعْدُكِ أَلَمًا يَرْتَجِي طِبًّا

لَكَانَ طِبُّكِ قُرْبًا يُطْفِئُ تَنَاهِيهَا

قَدْ صَارَ شَوْقِي دَوَاءً لَا يُفَارِقُنِي

فَكُونِي بَلْسَمَ أَوْجَاعٍ أُنَاجِيهَا

يَا مَنْ غِيَابُكِ فِي عُمْرِي مُصِيبَةُ دَهْرٍ

إِنْ حَلَّ طَيْفُكِ، تَهْدُو فِي تَسَابِيهَا

قَلْبِي يَفِيضُ دُمُوعًا كَيَنْبُوعِ أَسَى

تَسِيلُ أَنْهَارُهُ، وَلَا تُوَازِيهَا

أَنَا الَّذِي جَفَّتِ الْأَشْوَاقُ فِي مَدَنِي

وَمَا تَوَقَّفَتِ الدَّمَعَاتُ تُحْيِيهَا

عُيُونُنَا تَرْتَجِي طَيْفًا يُوُارِيهَا

وَالدَّمْعُ يَغْمُرُ أَوْجَاعًا تُسَاوِيهَا

قَدْ صَارَ لَيْلُ أَسَى الْعُمْرِ يَسُوقُنِي

إِلَى ظَلَامٍ طَوِيلٍ، لَا أُدَاوِيهَا

أَنَا الْغَرِيبُ بِآهَاتٍ تُرَافِقُنِي

وَالْعَيْنُ مُبْتَلَّةٌ بِالدَّمْعِ تَشْقِيهَا

هَلْ تُدْرِكِينَ كَثِيفَ الْحُزْنِ فِي نَفْسِي؟

فَالْحُبُّ شَمْسٌ، وَفَقْدُ الْحُبِّ يُقْصِيهَا

أَنَا الْبُكَاءُ، وَلَا صَبْرٌ يُجَافِرُنِي

وَلَا مَنَايَا لِقُرْبٍ تَرْتَجِي فِيهَا

قَدْ صَارَ دَمْعِي سَبِيلًا لَا يُفَارِقُنِي

إِلَّا إِذَا عُدْتِ، فَالْعَيْنَا تُلَاقِيهَا

يَا مَنْ أَضَاءَتْ لَنَا الدُّنْيَا بِطَلَّتِهَا

كُونِي الْقُرْبَ، وَرُوحَ الْعُمْرِ نُفْدِيهَا

قَدْ صَارَ حُبُّكِ أَشْعَارًا أُرَتِّلُهَا

فَلَا الْبُكَاءُ، وَلَا النِّسْيَانُ يَطْوِيهَا

أَعُودُ أَذْكُرُ أَيَّامًا جَمَعْنَاهَا

وَكُلُّ نَجْمٍ شَهِيدٌ فِي مَغَانِيهَا

كَيْفَ النَّسِيمُ يُدَاعِي خَدَّ طَلَّتِنَا؟

وَالرُّوحُ تَزْهُو بِأَحْلَامٍ تُنَاجِيهَا

تَسَامَرَتْ ضِحْكَةُ الْأَيَّامِ فِي لَهَفٍ

وَالْعُمْرُ يَنْسَى شُجُونًا كَانَ يَشْقِيهَا

يَا مَنْ حُضُورُكِ أَعْيَادٌ تُبَارِكُنَا

وَغَيْبَتُكِ حُزْنُ أَزْمَانٍ يُقَاسِيهَا

أَنْتِ الشِّفَاءُ، وَقَدْ صَارَتْ مَلَامِحُهُ

وَجْهَ الْحَيَاةِ، وَأَحْلَامًا نَرْوِيهَا

لَوْ كَانَ قُرْبُكِ بَحْرَ الْعُمْرِ أَغْرَقُهُ

لَكَانَ عَذْبًا، وَمَوْجًا لَا أُلَاقِيهَا

حَلَمْتُ أَنَّا بِرَوْضِ الْعُمْرِ نَقْطِفُهُ

زَهْرًا يُعَانِقُ فَرَحًا فِي مَغَازِيهَا

نَبْنِي الْأَمَانِيَ عُرُوشًا مِنْ جَمَالِ هَوًى

وَالدَّهْرُ يَشْهَدُ أَشْوَاقًا نُحَاكِيهَا

إِنْ خَانَ عُمْرِي وَدَتْ دُنْيَايَ تُكْمِلُهُ

رُوحًا تَذُوبُ بِوَصْلٍ كُنْتُ أُهْدِيهَا

وَإِنْ دَنَا أَجَلِي، فَاذْكُرِي لَحَظَاتِنَا

وَكُونِي لِلْعَهْدِ نُورًا لَا يُطَافِيهَا

هَذَا الْوَفَاءُ كِتَابٌ قَدْ خَطَطْتُ لَهُ

فَاقْرَئِي حُرُوفًا بِدَمْعِ الْعَيْنِ يَرْوِيهَا

أَنْتِ الْمَلِيكَةُ، وَالرُّوحُ الَّتِي عَهِدَتْ

أَنْ لَا تُفَارِقَ ذِكْرَى الْحُبِّ تَحْمِيهَا

لَكِنْ إِذَا طَالَ دَهْرُ الْبُعْدِ فِي أَلَمٍ

فَتَذَكَّرِينِي دُعَاءً كَانَ يُنْجِيهَا

كَيْفَ الْوَدَاعُ؟ وَقَلْبِي مَا نَوَى فِرَقًا

فَالْحُبُّ يُزْهِرُ بَذْرًا لَا يُنَادِيهَا

فَإِنْ بَكَيْتِ عَلَيَّ، فَاذْكُرِي لَحْنًا

كَانَ الْحَيَاةَ، وَذِكْرَى لَنْ تُسَاوِيهَا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

عمار شاهر قرنفل - الرحال

1280

قصيدة

عمار شاهر قرنفل، كاتب وشاعر ومدوّن، يحمل دبلومًا في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة حلب. وُلد في سلقين في 31 مارس 1972، فكان للحروف فيه ميلاد آخر. عاشق للشعر، رحّال بين الكلمات والمعاني،

المزيد عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

أضف شرح او معلومة