عدد الابيات : 36
عَلَى نَفَحِ الْعِطْرِ الْإِلَهِيِّ، أُنْشِدُ
وَأُبَاهِي بِمَدْحِ الطِّيبِ مَنْ لَمْ يُمَجِّدُ
سَارَةُ، يَا وَهْجَ الْجَمَالِ تَصَاغَرَتْ
شَمْسُ الضُّحَى خَجَلًا، وَفِي الْأُفُقِ تُعَقِّدُ
عِطْرُكِ؟ سِرُّ الْكَوْنِ يُسْكِرُ عَاشِقًا
وَيَفِيضُ سِرًّا لَا يَنَالُهُ مُقَيَّدُ
مَا زُرْتُ جَنَّاتِ الرَّبِيعِ مُتَيَّمًا
إِلَّا وَأَغْصَانُ الزُّهُورِ تُحَسِّدُ
رَوْضُ الْعُطُورِ أَمَامَ طِيبِكِ خَاشِعٌ
يُطَأْطِئُ الرَّأْسَ إِذَا الْأَنْسَامُ تُشْهِدُ
فِي جِيدِكِ الْكَوْنُ اسْتَدَارَ فَدُرَّةٌ
بَرْقٌ، إِذَا مَا لَاحَ فِي الْعِطْرِ يُرْعِدُ
يَا سَارَةَ، الْأَفْلَاكُ تَهْوَى رُوحَكِ
وَالْمِسْكُ يَحْنُو لِلثَّرَى كَيْ يُؤَيِّدُ
شِفْتِ الزَّمَانَ بِرَوْنَقٍ عَطِرٍ جَرَى
فِي صَدْرِهِ قَلْبُ الْكَوَاكِبِ يُحْشَدُ
وَاللَّهِ، لَوْ صُبَّتْ عَطَايَا طِيبِكِ
فِي الْبَحْرِ، مَا غَرِقَ الْفَضَاءُ، وَأَخْلَدُ
عِطْرُ الْجَمَالِ عَلَى شِفَاهِكِ آيَةٌ
لَا يُدْرِكُ الْأَفْهَامَ سِرًّا يَتَوَقَّدُ
قُلْتُ الشِّعْرَ، وَالْفُصْحَى عَلَى عَتَبَاتِهِ
بَاتَتْ تُعِيدُ مَدَائِحِي وَتُرَدِّدُ
سَارَةُ، يَا عِطْرَ الْأُلُوهَةِ، مَنْ أَتَى
بِمِثْلِ مَدِيحِي، فَلْيُقَاسِمْهُ أَحْمَدُ
مَا كَانَ لُبَيْدٌ فِي الْمَدَائِحِ سَيِّدًا
لَوْ لَمْ يُبَاهِ النَّجْمَ فِي الْغَزَلِ الْأَسْوَدُ
وَاللَّهِ، يَا أَرْضَ الْقَصَائِدِ، لَمْ تَرَ
نَفْحًا كَنَفْحِ الْعِطْرِ إِذْ يَتَأَبَّدُ
فَإِذَا شَكَكْتُمْ فِي بَدِيعِ مَدِيحِنَا
هَاتُوا كَلَامًا، وَاسْأَلُوا مَنْ يُجَوِّدُ
يَا سَارَةَ، الْأَرْوَاحُ فِي طِيبِكِ انْثَنَتْ
وَالْمُزْنُ مِنْ نَفَحَاتِ عِطْرِكِ تُزْبِدُ
إِنْ لَاحَ ظِلُّكِ فِي الْمَدَى، خَرَّتْ لَهُ
أَوْتَادُ أَرْضٍ، وَالْقُلُوبُ تُعَبِّدُ
فِي كَفِّكِ الْأَيَّامُ تَسْرِي طَائِعَةً
وَالدَّهْرُ فِي أَلْحَانِ سِحْرِكِ يُغَرِّدُ
يَا سَارَةَ، الْأَسْرَارُ فِي عَيْنَيْكِ خَاشِعَةٌ
تَبُوحُ بِسِرٍّ عَنْ جَمَالٍ يُخَلَّدُ
عِطْرُ الْمَدَى مِنْ حُسْنِ وَجْهِكِ زَهْرَةٌ
يَتْلُو السَّنَا، وَعَبِيرُهُ لَا يُحَدَّدُ
أَنَّى وَجَدْتُ النُّورَ أَسْمَعُ هَمْسَهُ
يُنْبِئُنِي أَنَّ السَّنَاءَ مُقَيَّدُ
سَارَةُ، فِي عَرْشِ الْمَدِيحِ مَلَكْتِهِ
وَالْحُسْنُ فِي تِيجَانِ طِيبِكِ يُبْعَدُ
وَاللَّهِ، لَوْلَا أَنْتِ مَا شَدَّ الْمُنَى
رُوحًا، وَلَا زَانَ الْخَيَالَ الْمُجَوَّدُ
عِطْرُكِ أُسْطُورَةُ الزَّمَانِ، وَبِالْهَوَى
تَسْرِي الْأَحَادِيثُ الَّتِي لَا تُبَدَّدُ
هَذِي الْقَوَافِي فِي هَوَاكِ مُحَلِّقَةٌ
تَعْلُو السَّمَاءَ، وَتَرْتَقِي حَيْثُ تُسْعَدُ
فَهَنِيئًا لِلْعِطْرِ الَّذِي قَدْ شُبِّهَتْ
بِهِ النُّجُومُ، وَمَا لِعِطْرٍ مُنَافِدُ
سَارَةُ، يَا عِطْرَ الْجِنَانِ، نَسِيمُهُ
يَغْزُو الْقُلُوبَ، وَكُلُّ قَلْبٍ يَسْجُدُ
إِنْ لَاحَ عِطْرُكِ فِي الْأَنَامِ، كَأَنَّمَا
عَادَ الرَّبِيعُ، وَبُورِكَتْ فِيهِ الْمَعَابِدُ
يَنْسَابُ فِي الْأَرْوَاحِ سِرًّا نَاعِمًا
يَسْرِي كَمَاءِ النَّهْرِ إِذْ يَتَفَرَّدُ
مَا كَانَتِ الْأَنْفَاسُ تَعْرِفُ حُبَّهَا
لَوْلَا نَفَحُكِ، فَهُوَ أُفُقٌ يُؤَيِّدُ
سَارَةُ، عِطْرُكِ لِلْأَنَامِ بَشِيرُهُمْ
فِيهِ الْحَيَاةُ، وَوَجْهُ دُنْيَا يُجَدَّدُ
يَا مَنْ إِذَا سَرَتِ النَّسَائِمُ مِنْكِ، كَمْ
غَطَّتْ ثَرَى الْأَحْزَانِ، وَالْفَجْرُ يُورِدُ
فِي كُلِّ نَفْحَةِ عِطْرِكِ حُسْنٌ لَمْ يَزَلْ
يُحْيِي الْقُلُوبَ كَمَا الرَّبِيعُ يُجَوِّدُ
يُرْوَى بِهِ ظَمَأُ الزَّمَانِ، كَأَنَّمَا
حَفَّتْ بِهِ الْأَرْوَاحُ تَسْعَى وَتُحْمَدُ
عِطْرُكِ، يَا سَارَةُ، فَوْقَ مَدَارِكٍ
تَحْيَا بِهِ الْأَكْوَانُ حُسْنًا وَتَشْهَدُ
كَمْ قِيلَ فِي عِطْرِ الْجَمَالِ، وَلَكِنَّمَا
عِطْرُكِ نُورٌ مَا يُطَالُ، وَلَا يُحَدَّدُ
1280
قصيدة