عدد الابيات : 38
إِلَى نِزَارٍ، كَأَنَّ الْحُبَّ مَنْبَعُهُ
مِنْ نَهْرِ شِعْرِكَ يَرْوِي الْعِشْقَ مَعَانِينَا
يَا سَيِّدَ الْحَرْفِ، يَا تَاجًا عَلَى شَفَةٍ
تُضِيءُ بِالشَّوْقِ أَرْوَاحًا مَوَاطِينَا
مَا كُنْتَ شَاعِرَ عَصْرٍ، بَلْ مَلَاكَ هُدًى
يَمْشِي عَلَى سَطْرِ عِشْقٍ لَا يُدَانِينَا
كَتَبْتَ عَنْ أُنْثَى، فَجِئْتُ الْآنَ أَكْتُبُهَا
رُوحًا تَفُوقُ خَيَالَ الشِّعْرِ قَوَافِينَا
قُلْتَ الْعُيُونَ لُغَاتٌ لَا تَبُوحُ سِوَى
بِمَا يُذِيقُ الْهَوَى فِي الْحُبِّ تَائِهِينَا
فَهَاكَ عَيْنَيْ حَبِيبَتِي، كَأَنَّ بِهَا
سِحْرًا يُقِيمُ صَلَاةَ الْعِشْقِ رَاكِعِينَا
وَمَا الشِّفَاهُ سِوَى مُوسِيقَى تُرَتِّلُهَا
أَلْحَانُ قَلْبٍ، كَطَيْرِ الْفَجْرِ يَشْدِينَا
وَفِي حَدِيثِ الْهَوَى، كَانَتْ مَلَاكًا، بَلْ
قَصِيدَةً خُلِقَتْ مِنْ نَجْمِ عَنَاوِينَا
نِزَارُ، لَوْ جِئْتَ تَسْأَلُنِي: مَنِ الْأُنْثَى؟
لَقُلْتُ: كَوْكَبُ شَوْقٍ فَوْقَ مَاضِينَا
شَعْرٌ كَلَيْلِ الْعِرَاقِ الْحَالِمِ اتَّشَحَتْ
بِهِ الْمَجَرَّةُ، فَازْدَانَتْ مَرَائِينَا
وَخَصْرُهَا؟ مَوْجَةٌ فِي الْبَحْرِ تَغْزِلُهَا
رِيحُ الْجَمَالِ لِتُنْسِي كُلَّ مَآسِينَا
كَفَّانِ؟ يَا دَهْشَةَ الْآفَاقِ حِينَ بَدَتْ
كَالْوَرْدِ، تَحْكِي عَنِ الْأَسْرَارِ رَيَاحِينَا
أَمَّا حَدِيثُ الْحُسْنِ، فَابْتَسَمَتْ فَقُلْتُ لَهُ:
أَنْتَ الْمُعَلِّمُ، لَكِنْكَ لَمْ تُعَادِّينَا
يَا نِزَارُ، كُنْتَ نَجْمَ الْعِشْقِ، غَيْرَ أَنِّي
جِئْتُ الْقَوَافِيَ عَاشِقًا يَمْلَأُ أَمَانِينَا
كَتَبْتُ لِلْحُبِّ أَسْفَارًا، أُعَلِّمُهَا
أَنَّ الْهَوَى وَطَنٌ يَسْمُو وَيُعْلِينَا
إِنْ كُنْتَ سَيِّدَ حُرُوفِ الْعِشْقِ، فَاعْذُرْ
قَدْ جَاوَزَ الشَّوْقُ أَقْلَامِي دَوَاوِينَا
فَيَا أَمِيرَ الْقَصَائِدِ، كَيْفَ أُوقِفُنِي؟
وَالشِّعْرُ بَحْرٌ، وَمَوْجُ الْحُبِّ يُغْرِينَا
مَا كُنْتَ وَحْدَكَ نِزَارَ الْعِشْقِ فِي لُغَتِي
أَنَا وَرِيثُكَ، فَامْنَحْنِي مَيَادِينَا
نَكْتُبُ الْهَوَى مَعًا، نَزْرَعُ بِهِ أَمَلًا
يُضِيءُ لِلْأَرْضِ حُبًّا كَانَ دَفِينَا
يَا نِزَارُ، أَيْقُونَةَ الشِّعْرِ الَّذِي خُلِقَتْ
لِتَمْلَأَ الْأَرْضَ عِشْقًا، عَذْبَ رُوحِينَا
أَتَيْتُ أَكْتُبُ عَنْ حُبٍّ يُزَلْزِلُنِي
وَيُشْعِلُ الْكَوْنَ إِحْسَاسًا وَتَحَانِينَا
تَغْفُو الْقَصَائِدُ إِنْ لَمْ تُشْرِقِ امْرَأَةٌ
تَرْوِي تَفَاصِيلَنَا شَوْقًا وَوَجْدِينَا
قُلْتَ النِّسَاءَ سَمَاوَاتٍ مُعَلَّقَةً
وَهَا أَنَا الْيَوْمَ أَكْتُبُهَا تَكْوِينَا
بَيْضَاءُ، مِثْلُ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَلَقٍ
تُضِيءُ رُوحِي، فَنَغْدُو اللَّيْلَ رَاضِينَا
عَيْنَا حَبِيبَتِي؟ هَذَا السِّحْرُ يَسْكُنُهَا
كَأَنَّمَا اللَّهُ أَوْحَى النُّورَ جَفَانِينَا
وَشَعْرُهَا؟ لَوْحَةٌ مِنْ لَيْلِ عَبْقَرِيٍّ
نَسَجَ النُّجُومَ عَلَى الْآفَاقِ تَيَاجِينَا
أَمَّا يَدَاهَا، فَإِنْ طَافَتْ عَلَى جَسَدِي
صَارَ الْوُجُودُ أَغَانِيَ حُبٍّ تُحْيِينَا
كَتَبْتُ عَنْهَا، وَقَدْ زَادَتْ بِأُعْجُوبَةٍ
عَنْ كُلِّ أَوْصَافِ شِعْرِكَ فِي دَوَاوِينَا
يَا نِزَارُ، هَلْ كُنْتَ تَعْرِفُ أَنَّهَا وَطَنٌ؟
وَأَنَّهَا حِينَ تَحْضُرُ تُسْكِنُ مَوَانِيْنَا؟
هِيَ الْجَمَالُ الَّذِي لَوْ قُلْتَ عَنْهُ مَضَى
لَعُدْتُ أَكْتُبُهُ طُوفَانَ زَمَانِينَا
هِيَ الْفُصُولُ جَمِيعًا، رَيِّعُ زَهْرَتِهَا
يَفِيضُ حُبًّا، فِي الْهَوَى أَغَانِينَا
وَإِنْ ذَكَرْتَ الْقُبَلَ، فَامْنَحْنِي غَيْمَتَهَا
أَعِيشُ مِنْ بَرْدِ أَنْفَاسِ الْهَوَى عِطْرِينَا
يَا نِزَارُ، كُنْتَ نَجْمًا، غَيْرَ أَنَّ يَدِي
قَدْ أَمْسَكَتْ قِمَمَ الْعِشْقِ تُعْلِينَا
قُلْتَ الْقَصَائِدَ أَرْضًا لِلْخَيَالِ، وَهَا
قَدْ أَصْبَحَتْ حَقْلَ عِشْقٍ بَيْنَ أَيْدِينَا
فَلْتَشْهَدِ الْأَرْضُ أَنِّي قَدْ كَتَبْتُ لَهَا
مَا لَا يُقَالُ إِذَا مَا الشِّعْرُ يَأْتِينَا
وَأَنَّنِي مِنْكَ، يَا نِزَارُ، قَدْ وَرِثْتُ
سِحْرَ الْحُرُوفِ، وَعَلَّمْتَ الْقَوَافِينَا
سَأَكْتُبُ الْآنَ حَتَّى تُشْرِقَ الْأَبْجَدِيَّةُ
فِي كُلِّ قَلْبٍ غَرَامًا، ثُمَّ تَأْوِينَا
وَإِنْ ظَنَنْتَ بِأَنَّ الْبَحْرَ يَسْكُنُنِي
فَقَدْ جَعَلْتُ مِيَاهَ الْبَحْرِ تَحْيِينَا
1280
قصيدة