عدد الابيات : 70
طباعةأَيَا طَيْفَ مَنْ أَهْوَى، بِلَيْلٍ مُنَزَّلِ
تَمَايَلْتَ فِي عَيْنِي كَأَنَّكَ أَوَّلِي
تَهَادَيْتَ مِثْلَ الْبَدْرِ فِي لُجَّةِ الدُّجَى
وَأَيْقَظْتَ قَلْبِي مِنْ سُبَاتٍ مُعَطَّلِ
فَأَلْقَيْتَ فِي دَرْبِ الْهَوَى نَارَ وَلْهَتِي
فَبَاتَتْ لَهِيبًا فِي الضُّلُوعِ تُجَدِّلِ
رَأَيْتُكِ، يَا نُورَ الْوُجُودِ، فَإِنَّنِي
تَائِهٌ كَأَنِّي أَسِيرٌ فِي جَلَالِكِ مُثْمِلِ
جَمَالُكِ طَاغٍ، فِي الْمَدَى يَتَسَرْبَلُ
وَفِي حُسْنِهِ كَالسِّحْرِ بِالْعَيْنِ يُسْدَلِ
وَشَعْرُكِ كَأُفُقٍ مَسَائِيٍّ نَاعِمٌ إِذَا
مَا تَنَاثَرَ فَوْقَ وَجْنَتَيْكِ الْمُقَلِ
وَأَنْتِ زَهْرُ الرَّوْضِ حِينَ يُشِعُّهُ رَبِيعُ
الْهَوَى فِي الْفَجْرِ بَيْنَ الْمُنَوَّلِ
إِذَا مَا بَسَمْتِ الْكَوْنَ، أَشْرَقَ ضَاحِكًا
وَصَارَ جَبِينُ الْأَرْضِ أَنْدَى وَأَجْمَلِ
أَيَا مَنْ أَتَى مِثْلَ النَّدَى فِي شَذَاهُ
وَأَسْكَنَ فِي قَلْبِي شَذًى لَا يُزَلْزَلِ
قِفِي لِي، فَإِنِّي فِي حُضُورِكِ عَاشِقٌ
وَمِنْ دُونِ عَيْنَيْكِ الْهَوَى غَيْرُ مُكْتَمِلِ
لَهَا مِنْ مُحَيَّا الْحُسْنِ نُورٌ مُقَدَّسٌ
يُضِيءُ بِلَيْلِ الْقَلْبِ شَمْسًا تُهَلِّلِ
وَعَيْنَاكِ، إِنْ لَاحَتْ، بَحْرٌ عُمْقُهُ يَسُوقُ
الْجَوَى وَالدَّهْشَةَ دُونَ مُجَامَلِ
وَفِي وَجْنَتَيْكِ الْبَدْرُ يُسْكَبُ نُورُهُ
كَأَنَّهُمَا غَيْمٌ بِمَاءِ دَمْعِ الْمَدَامِلِ
إِذَا مَا رَسَمْتِ الْبَسْمَةَ فَوْقَ ثُغُورِكِ
تَهَامَسَ فِي الْكَوْنِ الْخَلَائِقُ تَهْلِلِ
فَمَنْ ذَا يَرَى تِلْكَ الْمُحَيَّا وَلَا يَرَى
حَيَاةً عَلَى شَفَةِ الْجَمَالِ تُرَتَّلِ
وَفِي جِيدِكِ الرِّيمُ، الرَّقِيقُ بَهَاؤُهُ
كَأَنَّهُ قَوْسٌ مِنَ النُّورِ مُعْتَدِلِ
يَطِيرُ الْهَوَى فِي مَشْيِكِ مِثْلَ فَرَاشَةٍ
تُغَازِلُ فِي رَوْضِ الْغَرَامِ وَتَنْزِلِ
غَدَائِرُكِ السَّوْدَاءُ تُلْقِي بِظِلِّهَا عَلَى
اللَّيْلِ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ الْمُقَلَّلِ
وَفِي خَصْرِكِ الْمَرْسُومِ سِحْرٌ إِذَا بَدَا
كَأَنَّهُ سَيْفٌ عَلَى الْقَلْبِ مُسْتَهِلِّ
أَيَا نَجْمَ حُسْنٍ، كَمْ أَضَاءَتْ خُطَاكِ
لِي دُرُوبًا مِنَ الْأَشْوَاقِ فِي لَيْلِ مَنْزِلِ
أَيَا زَهْرَةَ الْأَحْلَامِ، صِرْتِ مُلْهِمِي
وَفِي نَبْضِ قَلْبِي نَارُ عِشْقٍ تُشْعِلِ
وَهَامَتْ بِيَ الْأَشْوَاقُ حَتَّى كَأَنَّهَا
بِحَارٌ تُلَاقِي مَوْجَ شَوْقٍ مُزْمَلِ
تَعَالَيْ نُجَدِّدْ عَهْدَ حُبٍّ مُؤَبَّدٍ
تَخُطُّهُ الْأَرْوَاحُ فِي الصِّدْقِ مُفْضَلِ
فَفِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْكِ شَوْقٌ مُضِيءٌ
يُلَامِسُ جُرْحَ الْقَلْبِ شَوْقًا مُكَبَّلِ
وَكَيْفَ لِقَلْبِي أَنْ يُطْفِئَ نَارَهُ،
وَفِيكِ لَهِيبُ الشَّوْقِ مِثْلَ الْمُرَجَّلِ
رَأَيْتُكِ نَجْمًا فِي السَّمَاءِ مُضِيئًا،
يُرَافِقُنِي فِي لَيْلِ حُزْنٍ مُهَلْهَلِ
سَأَكْتُبُ فِيكِ الشِّعْرَ، عُمْرِي، كَأَنَّهُ
كِتَابٌ عَلَى صَفَحَاتِ حُبٍّ مُرَتَّلِ
وَفِي هَمْسَةِ الْعِشْقِ الَّتِي قَدْ هَمَسْتِهَا،
شِفَاءٌ لِقَلْبٍ كَانَ بِالْأَلَمِ مُثْقَلِ
أَيَا قِبْلَةَ الْأَرْوَاحِ، صِيرِي مَلَاذَهَا،
فَأَنْتِ حَيَاةُ الْقَلْبِ إِنْ صَارَ مُجْهَلِ
وَإِنْ غِبْتِ يَوْمًا عَنْ فُؤَادِي، فَإِنَّهُ
يَظَلُّ يُنَادِيكِ بِدَمْعٍ مُهَطَّلِ
جَمَالُكِ، يَا حُسْنَ الْوُجُودِ، طَاغِيَةٌ
وَلَكِنَّ خُلْقَكِ فَوْقَ الْحُسْنِ مَرْحَلِ
أَيَا مَنْ بِعَيْنَيْهَا ابْتِدَاءُ مَحَبَّتِي
وَفِي كَفِّهَا رُوحُ الْكَرَامَةِ تُشْعَلِ
سَأَلْتُ عَنِ الْأَخْلَاقِ فِي زَمَنِ الْهَوَى
فَكُنْتِ مِثَالًا لِلْفَضَائِلِ تُنْقَلِ
إِذَا مَا تَحَدَّثْتِ ارْتَسَمَ نُورُ حِكْمَةٍ
كَأَنَّكِ بَوْحُ الْحُسْنِ فِي النُّورِ يُرْسَلِ
كَأَنَّكِ مِنْ خُلُقِ الْمَلَائِكِ جَوْهَرًا
وَمِنْ بَشَرِ الْأَرْضِ قَلْبًا يُدَلَّلِ
فَكَيْفَ لِمِثْلِي أَنْ يَرَى غَيْرَكِ الْمَدَى
وَأَنْتِ مَدَى الرُّوحِ الَّتِي لَا تُعَطَّلِ
إِذَا مَا سَأَلْتُ الْكَوْنَ عَنْكِ، فَإِنَّهُ
يُجِيبُ بِأَشْعَارٍ لَهَا الْقَلْبُ يَهْمَلِ
أُحِبُّكِ، فَلَيْسَ الْحُبُّ وَصْفًا مُجَرَّدًا
وَلَكِنَّهُ قَلْبٌ مُتَشَوِّقٌ بِرُوحٍ يُؤَمَّلِ
فَفِيكِ الْتِقَاءُ الْحُسْنِ بِالطِّيبِ
إِنَّهُ لِقَاءٌ عَلَى ضَوْءِ النُّجُومِ يُحَفَّلِ
فَكُونِي بِقَلْبِ الْعَاشِقِينَ مَلَاذَهُمْ
وَأَنْتِ سَمَاءُ الْحُبِّ، بَلْ أَنْتِ أَجْمَلِ
أَلَا يَا حَمَامَ الشَّوْقِ فِي اللَّيْلِ غَنِّ لِي
فَقَدْ صَارَ قَلْبِي بِالْأَسَى غَيْرَ مُحْتَمِلِ
أَرَاكِ بِعَيْنِي كُلَّ حِينٍ مُسَافِرًا
وَأَحْيَا عَلَى أَمَلِ اللِّقَاءِ الْمُؤَجَّلِ
يُمَزِّقُنِي شَوْقِي كَأَنِّي مُوَحَّدٌ
بِجُرْحِ فِرَاقٍ فِي الْحَنَايَا مُتَجَمِّلِ
إِذَا غِبْتِ عَنْ عَيْنِي، فَفِي الْقَلْبِ لَوْعَةٌ
تَكَادُ تُذِيبُ الرُّوحَ بِالدَّمْعِ الْمُنْهَلِ
كَأَنَّكِ مَاءُ الْعُمْرِ يَجْرِي بِعَذْبِهِ
وَبِالْبُعْدِ أَضْحَى الْقَلْبُ عَطْشَاً مُغْتَسِلِ
أَحِنُّ إِلَيْكِ، وَالْحَنِينُ سَلَاسِلٌ
تَقُودُ فُؤَادِي فِي الطَّرِيقِ الْمُهَلِّلِ
أَيَا مُنْتَهَى الرُّوحِ، اشْتِيَاقِي زَادَنِي
كَأَنِّي أَسِيرٌ فِي الدُّجَى غَيْرَ مُرْتَحِلِ
أَتِيهُ إِذَا مَا جِئْتِ طَيْفًا بِخَاطِرِي
كَأَنَّكِ صُبْحٌ فِي الظَّلَامِ مُتَكَبَّلِ
وَأَبْكِي إِذَا لَاحَ الْغَمَامُ مُغَيَّبًا
كَأَنَّكِ فِيهِ الْحُلْمُ ظَلَّ مُبَدَّلِ
أَيَا نَجْمَ شَوْقِي، لَا تَغِيبِي عَنِ الْمُنَى
فَفِي بُعْدِكِ الْعُمْرُ كَئِيبٌ وَمُعْتَزِلِ
أَيَا رُوحَ قَلْبِي، قَدْ كَتَبْنَا مَلَاحِمًا
بِدَمْعِ اللَّيَالِي فِي الْكِتَابِ الْمُطَوَّلِ
وَهَلْ يُمْحَ حُبٌّ قَدْ زَرَعْنَاهُ فِي الْوَرَى؟
كَزَرْعٍ بِرَوْضٍ لَا يَزَالُ مُتَهَلِّلِ
فَأَنْتِ سَمَاءُ الْعِشْقِ إِنْ لَاحَ بَرْقُهَا
وَفِي نَجْمِهَا سِرِّي الَّذِي كَانَ مُقْفَلِ
وَإِنْ سَأَلَتْنِي الْأَرْضُ يَوْمًا عَنِ الْهَوَى
فَقُلْتُ: هَوَاهَا فِي الْفُؤَادِ مُسَجَّلِ
سَأَكْتُبُكِ التَّارِيخَ، أَنْتِ حِكَايَتِي
وَأَنْتِ الَّتِي تَبْقَيْنَ مَعْنَى الْمُؤَمَّلِ
فَإِنْ غِبْتِ عَنْ عَيْنِي، فَطَيْفُكِ حَاضِرٌ،
يُلَوِّنُ أَيَّامِي كَقَوْسٍ مُجَلْجَلِ
أَيَا زَهْرَةَ الْعُمْرِ الَّتِي لَا تَذْبُلُ
وَفِي عَبَقِهَا أَحْيَا كَنَجْمٍ مُتَهَلِّلِ
خُلُودُكِ فِي قَلْبِي كَنَبْضٍ مُؤَبَّدٍ
يُضِيءُ لِيَ الدَّرْبَ الْمُظْلِمَ الْمُضْمَحِلِّ
فَلَا تُطْفِئِي نَارَ الْغَرَامِ بِغَيْبَةٍ
فَقَلْبِي أَسِيرٌ بَيْنَ جُرْحٍ مُطَوَّلِ
وَكُونِي كِتَابَ الْعُمْرِ، نَبْضًا وَصَفْحَةً،
نَخُطُّ بِهَا أَبَدَ الْحَيَاةِ الْمُكَمَّلِ
أَيَا وَجْهَ أَيَّامِي، أَرَاكِ قَصِيدَتِي
وَأَنْتِ كِتَابُ الْعُمْرِ فِي كَفِّ مُبَجَّلِ
تَعَالَيْ لِنَحْيَا فِي الْخُلُودِ قَصِيدَةً
عَلَى الْعِشْقِ يُتْلَى كُلَّ فَجْرٍ وَيُرَتَّلِ
سَنُشْعِلُ شُمُوعَ الْحُبِّ فِي دَرْبِنَا مَعًا
وَنَحْيَا كَطَيْفَيْنِ بِلَيْلٍ مُخَضَّلِ
وَنَدْعُو عَلَى أَعْتَابِ أَيَّامِنَا الْمَدَى
لِيَحْفَظَ عِشْقًا لَا يَزَالُ مُتَأَمَّلِ
فَإِنْ طَالَ بِي الدَّهْرُ، أَظَلُّ مُخَلِّدًا
لِقَلْبٍ أَحَبَّ الصِّدْقَ فِي الْعِشْقِ مُعْتَدِلِ
وَإِنْ فَارَقَتْ رُوحِي حُضُورَكِ يَوْمًا
سَأَبْقَى حَكَايَا الْعِشْقِ فِي الْكَوْنِ تُعْتَمَلِ
فَعُودِي إِلَى قَلْبِي، نُجَدِّدُ عَهْدَنَا
عَلَى الْحُبِّ مِيثَاقًا طَوِيلًا مُفَصَّلِ
وَيَا أَيُّهَا الْكَوْنُ الْكَبِيرُ بِشَمْسِهِ
أَشْهِدْ بِأَنَّ الْحُبَّ أَضْحَى مُجَمَّلِ
سَنَمْضِي مَعًا، لَا الْفَجْرُ يُطْفِئُ نَارَنَا
وَلَا اللَّيْلُ يُخْفِي دَرْبَ عِشْقٍ مُكَمَّلِ
خِتَامًا، أَقُولُ الْحُبُّ نَجْمٌ مُؤَبَّدٌ
عَلَى الْأُفُقِ يَبْقَى فِي السَّنَا مُتَوَكِّلِ
1280
قصيدة