عدد الابيات : 69
طباعةدِمَشْقُ يَا قِبْلَةَ الْأَرْوَاحِ وَالْهِمَمِ
يَا دُرَّةَ الْكَوْنِ، يَا مَجْدًا عَلَى الْقِمَمِ
يَا جَبْهَةَ الشَّرْقِ، يَا تَاجًا عَلَى أَبَدٍ
يَسْطُو عَلَى الدَّهْرِ بِالْإِشْرَاقِ وَالشُّمَمِ
أَيَا دِمَشْقُ، وَنَبْضُ الْمَجْدِ يَسْكُنُهَا
كَأَنَّمَا خُطَّ مِنْهَا الْعِشْقُ فِي الْقِدَمِ
شَمَمْتُ تُرْبَكِ، وَالْأَسْرَارُ فِي عَبَقٍ
تُصْغِي إِلَيْكِ كَصَوْتِ النَّايِ وَالنَّغَمِ
يَا أُمَّ أَرْضٍ إِذَا اشْتَاقَتْ لِنَكْهَتِهَا
أَلْقَتْ إِلَيْكِ سَلَامَ الْحُبِّ مِنْ أُمَمِ
فِيكِ الْعُرُوبَةُ تَاجٌ لَا يُدَانِسُهُ
لَيْلٌ وَلَا خَافِقٌ مِنْ حِقْدِ مُتَقَدِمِ
أَيَا دِمَشْقُ، دِمَاكِ الْمَاءُ فِي ظَمَأٍ
وَالْأَرْضُ عَطْشَى إِلَى أَنْقَاضِكِ النَّعِمِ
قُومِي فَأَنْتِ شُمُوخُ الْأَرْضِ قَاطِبَةً
وَأَنْتِ غَارُ الْفِدَى فِي مَوْطِنِ الْقِيَمِ
قَدْ كُنْتِ لِلدَّهْرِ أُمًّا حِينَمَا عَجَزَتْ
خُطَاهُ أَنْ يَبْتَنِيَ لِلْمَجْدِ كَالْهَرَمِ
وَالْخُلْدُ فِيكِ، وَلَوْ نَادَى الْغُزَاةُ بِهِ
سُحْقًا لَهُمْ، إِنَّ خِلًّا عَارَهُ أَلَمِ
دِمَشْقُ، يَا جَبْهَةَ الْأَحْلَامِ، مُلْهِمَتِي
يَا لَحْنَ نَايٍ عَلَى الْآهَاتِ مُبْتَسِمِ
لَكِ الْقَصَائِدُ خَفْقُ الرُّوحِ أَبُثُّهَا
عِطْرًا يُحَلِّقُ فِي الْآفَاقِ كَالنَّسَمِ
مَاذَا يَقُولُ الْجَوَاهِرِيُّ إِذَا سَمِعُوا؟
هَذَا الْقَصِيدُ يَسِيلُ الْحَقَّ فِي الْقَلَمِ
فَابْقِي دِمَشْقُ فُؤَادَ الْأَرْضِ نَابِضَةً
وَعَهْدُ مَنْ عَاشَ فِي ذِكْرَاكِ لَمْ يُقْسَمِ
يَا سَيِّدَةَ الْحُسْنِ، يَا مِعْرَاجَ صَبْوَتِنَا
يَا وَجْهَ حُورٍ عَلَى الْأَمْوَاجِ كَالشُّمَمِ
يَا جَوَاهِرِيُّ، دِمَشْقُ الْيَوْمَ شَاهِدَةٌ
إِنِّي رَسَمْتُ لَهَا شِعْرِي بِلَا نَدَمِ
قَدْ أَبْدَعْتَ، وَلَكِنْ هَا أَنَا وَطَنٌ
يُشْرِقُ الْحَرْفُ مِنِّي مِثْلَمَا الْعَلَمِ
يَا رَاكِبًا فِي اللَّيْلِ إِنْ كُنْتَ هَادِيًا
قُلْ لِلْمَغُولِ إِنَّنَا عَنِ الْحَقِّ لَا نَغْنَمِ
دِمَشْقُ عَرْشُ الْمَجْدِ أَشْرَقَ نَجْمُهَا
وَفِي كَفِّهَا السَّيْفُ الْقَوِيُّ وَحَاسِمِ
دِمَشْقُ بِالْأَبْطَالِ قَدْ أَنْشَأَتْ مَعْرَكَتَهَا
مِنْ هَرْجِ الظُّلْمِ نَزِيلٌ تَحْتَ السَّلَمِ
لَمَّا تَرَاجَعَتْ خَيْلُهُمْ فِي صَوْلَةٍ
تَحَطَّمَ الْمَدَى وَتُغَنِّي عَنِ الْأَلَمِ
إِذِ السَّيْفُ فِي أَيْدِينَا سَيْفُ نَصْرٍ
بِأَيْدِي عُمَّارِ الْكِرَامِ وَالْهِمَمِ
إِذِ السَّيْفُ فِي أَيْدِينَا بَرْقٌ لَامِعٌ
تُعِيدُ بِهِ الْأَيَّامَ مَجْدًا يُقَاوِمُ
فَإِنْ تَأْمُرُوا فِيهِ فَسَيَغْدُو وَعْدٌ
وَيُكْتَبُ فِي كُتُبِ الْأَجْيَالِ فِي الْقِدَمِ
ثَأَرْنَا لَكُمْ سَيْفَ الْحَقِّ فِي دِمَشْقٍ
وَهَبْنَا الْجُودَ وَالْمَوْتَ كَمَا التَّرْمِ
إِنْ تَمْضِ الْوُجُوهُ فَحَطَّمَتْ سَقْفَهَا
أَبْطَالُنَا يُجَاهِدُونَ فِي الْمَدَى الْعَظْمِ
فَلْتَرْتَوِي فِينَا السِّهَامُ فَتَذَكَّرُوا
أَنَّ الْعِزَّ مِفْتَاحُهُ هُوَ السِّبَاقُ الْمِيمِ
بِغَضَبِ الْأَسْوَارِ عَلَى جَبِينِكُمْ تَدُورُ
مِنْ عَهْدٍ قَدْ بَدَأْنَا بِالْقُدُمِ مَبْسَمِ
وَالْفُرْسَانُ الْأَبْطَالُ قَدْ سَطَّرُوا لَنَا
فِي قَلْبِ التَّارِيخِ ثَوْرَةً تَصِيرُ عَلَمِ
إِنْ كَانَ بَشَّارُ قَدْ أَلْقَى مَرَارَتَهُ
فَقِسْنَا الرَّدَّ بِأَبْصَارٍ وَأَلَمِ
سَوَاعِدُ الصَّحْرَاءِ حَامِيَةٌ نَحْنُ
تَكْسِرُ الْمَدَى كَمَا يَفْعَلُ الْفَهْمِ
فَأَنْتِ يَا دِمَشْقُ قَدْ تَأَلَّقَتْ فِينَا
يَا سَيِّدَةَ الْأَرْضِ يَا أُمَّ الْمَسَارِمِ
قُدْنَا لَكِ النَّصْرَ وَانْبَرَى لَنَا أَمَلٌ
كَمَا يَنْسَابُ الْمَطَرُ مِنَ الْأَعْلَى قِمَمِ
فَإِنْ جِئْنَا فِي عِرَاكٍ فَالْمَوْتُ فِينَا
أَقْوَى وَأَبْقَى مِنْ كُلِّ هَذَا الْعَلَمِ
وَهَا هُنَا مَاضِينَا وَهَا هُنَا تَارِيخٌ
تُسَطِّرُهُ الدِّمَاءُ عَلَى فَجْرٍ جَدِيدٍ قِدَمِ
يَا دِمَشْقُ يَا مَهْدَ الْفَاتِحِينَ، لَا زِلْتِ
أَمَلًا لِكُلِّ طَارِقٍ نَحْوَ الْبُعْدِ الْفَهْمِ
أَقُولُ فَاسْمَعِي، وَلَا تُلامِي يَا صَمْتٍ
فَالْحَقُّ يَصْنَعُهُ لَنَا شُجْعَانُهُ الْهِمَمِ
لَا يَبْقَى ظُلْمٌ مَا دَامَتِ الْأَرْضُ هُنَا
تَسِيرُ فِي دَرْبِهَا لَا يَمَلُّ مِنْ عَلَمِ
أَمَّا الْكَرَامَةُ فَحَبْلٌ مَتِينٌ فِينَا
نَحْيَا عَلَى الْحَقِّ، وَلَا يَضُرُّنَا الْهَمِ
يَا دِمَشْقُ، لَا تَفَرَّقِي عَنْ دَرْبِكِ
فَالْعَدُوُّ يَشْهَدُ لَنَا فِي كُلِّ يَوْمِ
نَعُودُ كَمَا الْأَبْطَالِ، نَهْدِمُ السُّدُودَ
وَنَطْوِي الْمُسْتَقْبَلَ عَلَى حُسْنِ الْمِيمِ
فَالْأَرْضُ تَحْيَا بِدِمَاءِ الرِّجَالِ الْكِرَامِ
وَنَشِيدُ النَّصْرِ فِي أَعَالِي الْقِمَمِ
فَإِنَّ الظَّلَامَ قَدْ وَلَّى حِينَ أَشْرَقَتْ
بِأَنْوَارِ الْحَقِّ فِي صَفْحَةِ الْعَلَمِ
وَرَجَعَتِ الشَّمْسُ تُضِيءُ بِعَزِيمَةٍ
سَنَبْقَى عَلَى عَهْدِنَا، لَا زِلْنَا فِي الذِّمِ
وَمَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ، فَإِنَّنَا سَنَغْدُو
أَقْوَى مِنَ الْجُرْحِ وَأَعْتَى مِنَ الْأَلَمِ
هُنَا دِمَشْقُ، مَهْدُ الْحَقِّ وَالْآمَالِ
مَاذَا بَعْدَ الدِّمَاءِ؟ مَاذَا عَنِ الْحُلْمِ؟
مَاذَا عَنِ الْقَلَمِ الَّذِي خَطَّ بِحِبْرِنَا
سَوْفَ نَبْقَى، سَنَكْسِرُ كُلَّ الْبُهُمِ
دَرْبُ الْأَبْطَالِ لَنَا، وَالنَّصْرُ شَاهِدٌ
عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لَا يَمُوتُ فِي الْمَدَى الْأَلِيمِ
دِمَشْقُ يَا حُلْمًا بِنَا، يَا أَرْضَ الْإِبَاءِ
سَنَبْقَى بِهَا نَرْفَعُ رَايَةَ السُّمِ
دِمَاءٌ جَرَتْ فَوْقَ الرُّبَى قَدْ خَطَّتْ
أُسْطُورَةً عَنْ صُمُودٍ لَا يُضَامُ الْعَدَمِ
وَالسَّيْفُ فِي قَبْضَاتِنَا يَصْدَحُ بِالْعُلَا
يَرْوِي حِكَايَاتِ الْفَخَارِ عَنِ الْقِمَمِ
يَا أَرْضَ شَامٍ، يَا رَبِيعًا خَالِدًا
فِي كُلِّ قَلْبٍ زُرِعَتْ حُبًّا كَالْعَلَمِ
مِنْهَا انْطَلَقْتِ كَالصُّقُورِ كَرَامَةً
وَعَلَى جَبِينِكِ عِزٌّ فِي خُطَى الْأُمَمِ
لَنْ يَنْحَنِيَ فِيكِ الْجَمَالُ لِعَابِرٍ
فَالشَّمْسُ تُشْرِقُ مِنْ جِبَاهِكِ فِي النِّعَمِ
مِنْ دِجْلَةٍ لِلنِّيلِ نَبْقَى أُمَّةً
دِمَشْقُ فِيهَا قِبْلَةٌ تَبْقَى إِلَى الْقِدَمِ
هَذِي دِمَاؤُكِ يَا دِمَشْقُ شَرِيعَةٌ
تَبْقَى عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ بِلَا أَلَمِ
فَإِنَّ أَعْدَاءَ الْحَقِّ مَا زَالُوا يَسْعَوْنَ
لَكِنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَ فَخْرَ الْأُمَمِ
هُنَا الرِّجَالُ إِذَا دُعُوا لِمَعْرَكَةٍ
جَاءُوا كَأَمْوَاجٍ تَكْسِرُ كُلَّ الْعَدَمِ
وَفِي الْجِبَالِ لَهُمْ ذِكْرَى مُخَلَّدَةٌ
تَحْكِي عَنِ الْعِزِّ فِي كُلِّ الْقِمَمِ
يَا دِمَشْقُ، يَا نُورًا يُضِيءُ طَرِيقَنَا
يَا رَمْزَ عِزٍّ، يَا دَلِيلَ الْحِكَمِ
إِنْ كَانَ فِي الْأُفُقِ ظَلَامٌ دَاهِمٌ
فَأَنْتِ شَمْسٌ تُشْرِقِينَ بِلَا أَلَمِ
وَفِي الصَّبَاحِ تُزَيِّنِينَ أَيَّامَنَا
كَالْحُلْمِ يَزْهُو فِي أَبْهَى الْقِيَمِ
يَا مَنْ كَتَبْتِ الْمَجْدَ فَوْقَ صَفَحَاتِنَا
يَا مَنْ جَعَلْتِ الْحَقَّ أَعْظَمَ الْقِسَمِ
نَحْمِيكِ بِالدِّمَاءِ يَا أُمَّ الْفَاتِحِينَ
فَفِيكِ سِرُّ النَّصْرِ فِي كُلِّ عَلَمِ
إِنْ عَادَ غَازٍ أَوْ تَحَدَّانَا عَدُوٌّ
فَدِمَشْقُ حُرَّةٌ، تَحْيَا بِلَا سَقَمِ
سِيرُوا عَلَى دَرْبِ الْكَرَامَةِ إِخْوَتِي
فَفِيهَا عِزُّ النَّصْرِ يَسْمُو بِلَا نَدَمِ
يَا شَامُ، يَا قَلْبَ الْعُرُوبَةِ إِنَّنَا
فِيكِ انْطَلَقْنَا لِنُضِيءَ الدُّرَرَ فِي الْقِمَمِ
سَتَبْقِينَ يَا شَامُ رَمْزًا خَالِدًا
يَحْكِيهِ تَارِيخٌ بِنَصْرٍ مُرْتَسِمِ
يَا مَنْ صَنَعْتِ الْمَجْدَ فِي أَبْهَى صُوَرٍ
فَلَا زَالَ ذِكْرُكِ فِي كُلِّ قَلَمِ
1280
قصيدة