عدد الابيات : 160
طباعةأَلَا قِفْ بِيَ، يَا شِعْرُ، امْلَأِ الْقَلْبَ تَفْتِينَا
فَفِي سَارَةَ السِّرُّ الَّذِي لَا يُعَرَّفُ فِينَا
كَأَنَّ الْجَمَالَ اسْتَوْدَعَ الْكَوْنَ جَوْهَرَهُ
وَحِينَ أَرَادَ الْكُلَّ صَاغَكِ تَكْوِينَا
تَمَنَّعْتِ، لَا خَوْفًا، وَلَا ضَعْفَ عَاشِقَةٍ
وَلَكِنَّكِ الْكِبْرِيَاءُ فِينَا وَيَكْفِينَا
إِذَا مَدَحَ النَّاسُ النِّسَاءَ تَحَيُّرًا
فَنَحْنُ نُسَائِلُ: هَلْ تَجَلَّى سَرِينَا؟
سُلِي بَدْرَ تَمُّوزٍ، سُلِي نَجْمَ غَاسِقٍ
أَمَا خَافَ نُورَكِ حِينَ لَاحَ وَغَارَ فِينَا؟
أَيَا بِنْتَ عِزٍّ فِي الْحَيَاءِ مَهِيبَةٌ
وَمَا خُلِقَتْ إِلَّا لِتُبْهِرَ نَاظِرِينَا
رَأَيْنَاكِ، فَارْتَدَّتْ قَوَافِينَا خَجِلًا
وَشَاعِرُنَا أَلْقَى الْقَوَافِي مُعَلِّينَا
إِذَا سَارَ طَيْفُكِ فِي الدُّرُوبِ، تَتَابَعَتْ
خُطَى الشِّعْرِ نَحْوَكِ سُجُودًا يُنَاجِينَا
عَجِبْتُ لِأَوْصَافِ الْجَمِيلَاتِ قَبْلَهَا
كَأَنَّ اللِّسَانَ بِهَا يَضِلُّ وَيُعْمِينَا
وَمَا كُنْتُ بِالْهَائِمِ إِنْ لَمْ أَرَ السَّنَا
وَلَا كُنْتُ بِالصَّبِّ إِذَا لَمْ تُحْيِينَا
كَأَنَّكِ وَهْمٌ فَاضَ مِنْ نَفْسِ شَاعِرٍ
وَأَدْرَكَ أَنَّ الْحَرْفَ أَضْنَاهُ تَبْيِينَا
تَرَكْتِ الْهَوَى نُسْكًا، وَتَحْتَ عَبَاءَةٍ
مِنَ النُّورِ، زَادَ الْبُعْدُ فِيكِ تَدَيُّنَا
إِذَا ذَكَرَتْكِ الْأَرْضُ، تَاهَتْ بِزَهْوِهَا
وَإِنْ خَطَرَتْ، خَرَّ الْغَمَامُ تَبْكِّينَا
لَكِ اللَّهُ، مَا أَبْقَى لِعَيْنَيْكِ مَوْضِعًا
لِغَيْرِ الدُّهُولِ، وَلِلْحَنِينِ مُقِيمِينَا
تَدَلَّيْتِ مِنْ فَلَكِ الْجَمَالِ بِأَنْجُمٍ
كَأَنَّكِ بَيْنَ الْخَلْقِ كُنْتِ تَدَانِينَا
وَمَا زَلْزَلَتْ قَلْبَ الْفَصِيحِ قَصَائِدٌ
كَمِثْلِكِ، يَا سَارَةَ، تَسْلُبُ هَامِينَا
إِذَا ابْتَسَمَتْ، غَارَ الرَّبِيعُ وَرَاقَهُ
نَدَاهَا، فَأَغْرَى فِي الْحُقُولِ شَيَاطِينَا
وَإِنْ غَضِبَتْ، فَالْبَرْقُ أَطْفَأَ نَارَهُ
تَوَاضَعَ مِنْ نُورٍ رَآهُ مُحْيِينَا
فَمَا مَدْحُ مَنْ قَدْ سَوَّدَتْنَا بِجَفْنِهَا
سِوَى خَوْفِنَا مِنْ أَنْ تَكُونِي تَسَلِّينَا
كَتَبْتُكِ فِي خَافِي الْقَصِيدَةِ هَيْبَةً
وَيَا شِعْرُ، هَلْ تَجْنُو الْعُيُونُ جَنَانِينَا؟
رَأَتْهَا الدُّنَا فَارْتَدَّ مِنْهَا زَمَانُهَا
وَشَابَتْ لَيَالِيهَا وَقَدْ كَانَتْ تُدْنِينَا
تَخَطَّتْ، فَكَادَ الْأَرْضُ تَرْجُفُ خَطْوَهَا
وَأَشْجَارُهَا انْحَنَتْ تُحْيِي مُحَيِّينَا
إِذَا مَشَتِ الْأُنُوثَةُ، كَانَ خُطَاهَا
نَشِيدَ الْمُلُوكِ، وَخَلْفَهَا الْكَوْنُ يُصَفِّينَا
تَمَنْطَقَتِ الْهَيْبَةَ حُسْنًا وَتَاجَهَا
وَسَارَتْ عَلَى الْأَيَّامِ تَصْغُرُ وَادِينَا
كَأَنَّكِ حُلْمُ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا أَتَوْا
لِيُخْضِعُوا الدَّهْرَ الْمَرِيضَ وَيَشْفِينَا
وَمَا نَظْرَةٌ مِنْكِ، وَإِنْ لَمْ تُصِبْ فَتًى
سِوَى سَهْمِ عِشْقٍ قَدْ تَهَاوَى لِيُدْنِينَا
أَيَا سَارَةُ، مَا هُزَّ عَرْشٌ بِأُنْثَى
كَمَا هَزَّ فِي عَيْنَيْكِ مَا لَا يُوَازِينَا
رَآكِ الْهَوَى، فَاسْتَنْكَفَ الدَّرْبَ مُقْبِلًا
وَأَغْرَى بِكِ الْمُشْتَاقَ، يُغْوِيكِ تَلْقِينَا
لَكِ الْحُكْمُ، إِنْ قَالَتْ عُيُونُكِ جُمْلَةً
تَكَادُ تَمِيدُ الْأَرْضُ، تَخْضَعُ قَاضِينَا
وَإِنْ لَمْ تَقُولِي، فَالسُّكُوتُ رِسَالَةٌ
تُقِيمُ عَلَى بَوْحِ الْجَمَالِ مَعَانِينَا
أَلَا كَمْ تَجَلَّتْ فِيكِ أَسْرَارُ قُدْرَةٍ
إِذَا مَرَّ طَيْفُكِ، طَأْطَأَ الْحُسْنُ نَاصِينَا
وَمَا الشَّمْسُ إِلَّا ظِلُّ سَارَةَ حِينَمَا
تُطِلُّ، فَيَنْشَقُّ الصَّبَاحُ لِيُحْيِينَا
كَأَنَّكِ فِي عَرْشِ الْجَمَالِ خَلِيفَةٌ
تُنَزِّلُ آيَاتِ الدَّلَالِ تَلَاوِينَا
خُذِي مَجْدَ كُلِّ الْحُسْنِ، إِنِّي شَاعِرٌ
يُبَاهِي بِأَنَّكِ كُنْتِ مَنْ صَاغَ لَحْنِينَا
يُخَاتِلُنِي طَرْفُ السُّؤَالِ إِذَا بَدَا
فَأَيْنَ أَنَا؟! أَمْ مَنْ أَنَا حِينَ تَدْنِينَا؟
أَمُرُّ عَلَى وَصْفِ النِّسَاءِ، فَيَنْثَنِي
قَلَمِي، وَيَأْبَى غَيْرَ سَارَةَ تَدْوِينَا
غَدَوْنَا نُصَلِّي فِيكِ صَمْتَكِ خَاشِعِينَ
كَأَنَّكِ دِينٌ لَا يَزَالُ بِنَا مُقِيمِينَا
يُسَلِّمُ وَجْهَ اللَّيْلِ إِنْ لَاحَ طَيْفُكِ
فَيُكْبِرُ نَجْمَاهُ، يُكْرِمُ مَسْاعِينَا
وَإِنْ لَاحَ نُورُكِ، صَاحَتِ الْكَائِنَاتُ:
"سُبْحَانَ مَنْ سَارَةَ كَانَتْ لِتُبْدِينَا"
فَيَا سَارَةَ الْمَهِيبَةَ الْحَسْنَاءِ، لَوْ
رَضِيتِ، لَصَارَ الدَّهْرُ عَبْدًا يُنَادِينَا
تَجَلَّتْ، فَمَا لِلْحُسْنِ مِنْ قَبْلُ هَيْئَةٌ
تُحِيطُ بِسِرِّ الْحُسْنِ إِلَّاكَِ تَكْفِينَا
حَيَاءٌ، كَأَنَّ الْأَرْضَ تَخْشَعُ طَيْفَهُ
وَتُسْكِتُ فِيهِ الصَّوْتَ كَيْ لَا يُدِينَا
إِذَا مَا مَشَتْ، تَمْشِي السَّمَاحَةُ مِثْلَهَا
وَيُنْزِلُ سِرُّ الطُّهْرِ فِيهَا سُكُونِينَا
مَلِيكَةُ صَمْتٍ لَا يُقَالُ بِجَفْنِهَا
وَلَكِنْ يَقُولُ النُّورُ فِيهَا خُفُوتَينَا
وَلَيْسَ بِجَفْنِ الْغِيدِ إِلَّا تَبَسُّمٌ
وَلَكِنَّهَا تَرْوِي الْبَصَائِرَ تَبْيِينَا
أَتَتْنَا، كَأَنَّ الْوَقْتَ فِيهَا مُعَلَّقٌ
وَفِيهَا الزَّمَانُ ارْتَدَّ مِنْ فَرْطِ تَحْنِينَا
وَفِيهَا، إِذَا أَغْضَتْ، جَبِينٌ مُطَهَّرٌ
تُصَلِّي لَهُ الدُّنْيَا وَتُقْبِلُ تَلْقِينَا
هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي إِنْ غَابَ وَصْفُكَ عَنْهُ
فَذَاكَ لِأَنَّ الْحُسْنَ أَعْيَا يَمِينَا
تَفَتَّحَ فِيهَا الْمَعْنَى، وَسَالَتْ بَلَاغَةٌ
عَلَى وَجْنَتَيْهَا تُخْرِسُ الْمُتَنَبِّينَا
وَلَا الْفَجْرُ، إِنْ لَاحَتْ، يُقَارِنُ نُورَهَا
وَلَا الْبَدْرُ إِنْ دَارَتْ يُسَاوِي مَعَادِينَا
كَأَنَّ الْأَثِيرَ اخْتَارَ فِيهَا مَقَامَهُ
وَقَالَ لِصَمْتِ الْخَلْقِ: أَنْصِتْ لِعِينَا
فَمَا هَزَّنِي شِعْرٌ، وَلَا أَغْوَتِ الرُّؤَى
كَمِثْلِ الَّتِي أَهْدَتْ إِلَى الْقَلْبِ تَدْيِينَا
وَفِيهَا تُرَى الْأَشْيَاءُ أُخْرَى، كَأَنَّهَا
تُحَوِّلُنَا مِنْ مَادَّةٍ سُحرٍ لِيَقِينَا
أَيَا سَارَةُ، الْأُنْثَى الَّتِي إِنْ تَأَمَّلَتْ
تُقِيمُ مِنَ الْأَضْدَادِ طُهْرًا وَسِرِّينَا
نَرَاهَا، فَتُورِقُ فِي الدَّوَاخِلِ زَهْرَةٌ
مِنَ السُّكْنِ، مِنْ صَمْتٍ، يُحَرِّرُنَا دِينَا
هِيَ الْفِتْنَةُ الْبَيْضَاءُ، لَا نَارَ حَوْلَهَا
وَلَكِنَّهَا تُشْعِلُ الْقُلُوبَ وَتُغْرِينَا
إِذَا ضَحِكَتْ، هَبَّتْ عَلَى الْأَرْضِ نَسْمَةٌ
مِنَ الْقُدْسِ، تُحْيِينَا إِذَا مَا تَنَاسَيْنَا
وَإِنْ سَكَنَتْ، سَكَنَتْ بِهَا الْكَائِنَاتُ
كَأَنَّ بِهَا الْأَكْوَانُ تَسْتَتِرُ حِينَا
فَمَا سَارَةٌ إِلَّا تَجَلِّي بَلَاغَةٍ
تَفَرَّدَتِ الْأَكْوَانُ أَنْ تَتَفَنَّنَا
فَيَا شِعْرُ، قِفْ، خِفْتُ لِقُدْسِ سَارَةٍ
فَإِنِّي أَرَاكَ الْآنَ تَخْشَى وَتُحْيِينَا
أَقِفُ أَمَامَكِ، وَالْكَلَامُ لِيَ خَصِمٌ
كَأَنَّ الصَّمْتَ فِي عَيْنَيْكِ يُسْلِمِينَا
قُلْتُ: أَأُنْشِدُ، فَأَغْدُو فِي الْعَجْزِ أَسِيرًا
فَكَيْفَ أُنْشِدُ مَا لَا يُحْتَوَى وَيُقْرُرينا؟
لُغَتِي تَنْحَنِي عَلَى أَعْتَابِ حُسْنِكِ
وَالْقَوَافِي تَخَافُ أَنْ تَمُوتَ فِي رِحَابِينَا
أَبِيتُ أُسَجِّلُ جُرْحَ الْمَدَى، وَأَنْتِ
سَيِّدَةُ الْجَمَالِ، فَوْقَ الْوَصْفِ تَعِيشِينَا
كَلِمَاتِي تَذُوبُ عَلَى لَهِيبِ عَيْنَيْكِ
كَأَنَّهَا شَمْعٌ فِي بَسَاتِينِ السِّنِينَا
كُلُّ حَرْفٍ تَجَرَّأَ عَلَى وَصْفِكِ، انْكَسَرْ
وَحِينَ سَقَطَ صَارَ صَدَىً يَئِنُّ فِي الْوَادِينَا
تَعْجِزُ الْأَشْعَارُ عَنْ رَسْمِ وَجْنَتَيْكِ
وَتَخْضَعُ لِلسُّكُوتِ فَوْقَ حَوَافِ الْحَنِينَا
أَرَاكِ، وَفِيكِ كُلُّ كَمَالٍ مُسْتَتِرٌ
يَكَادُ الْحَرْفُ أَنْ يُرْكَعَ بَيْنَ يَدَيْنَا
فَكَيْفَ يَقْدِرُ الْقَلَمُ عَلَى مَلَامِحِكِ؟
وَأَنْتِ لِلْعَقْلِ سِحْرٌ لَا يُحْتَمَلِينَا
يَا مَنْ تُسْقِطِينَ الْمَعَانِي سَاجِدَةً
وَتَجْعَلِينَ اللَّيْلَ يَتَرَقَّبُ فَجْرَ لِينَا
تَسِيرِينَ عَلَى الْأَرْضِ مَلِكَةً لَا تُجَدُّ
وَأَنْتِ سَبَبُ الْهُرُوبِ مِنْ أَلْفِ مَجَازِينَا
فَكَيْفَ يُقَالُ فِيكِ الْكَلَامُ مُبَاحًا؟
وَقَلْبُ الشُّعَرَاءِ يَذُوبُ فِي بَوْحِكِينَا
أُعْلِنُ اسْتِسْلَامِي أَمَامَ سَطْوَتِكِ
وَأَرْفَعُ الرَّايَةَ عَجْزًا عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْنَا
لَئِنْ كَانَ الْوَصْفُ مِلْكًا فِي يَدِ الْبَشَرِ
فَجَمَالُكِ مِلْكٌ فَوْقَ الْعَرْشِ رْاعِينَا
قَدْ تَجَلَّتْ يَا سَارَةُ فِي كُلِّ الْمُنَى
حَتَّى صَارَ الشِّعْرُ فِيهَا طَرِيدًا حَيْارِينَا
فَلَا تَلُمْ الْقَصِيدَ إِنْ بَاتَ صَامِتًا
فَإِنْ تَكَلَّمَ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَنْكَسِرَينا
أَيُّهَا الشِّعْرُ، مَا قِيمَةُ الْحُرُوفِ إِنْ لَمْ
تُخْضَعْ لِلنُّورِ عِنْدَ سَارَةَ السِّنِينَا؟
هَا هُوَذَا الصَّمْتُ بَيْنَ الْأَضْوَاءِ يَفْتَخِرُ
وَأَنَا الْعَاجِزُ بَيْنَ كَلِمَاتِي أَنْحَنِى بَيْنَا
فَهَلْ يُنْتَظَرُ مِنْ قَصِيدَةٍ أَنْ تَهْزِمَ
سَيِّدَةَ الْجَمَالِ، وَإِنْ عَزَّ الْبَوْحُ قَادِرِينَا؟
أُعْجِزْتَ يَا شِعْرُ، وَمَا فِيكِ مِنْ قُوَّةٍ
قَدْ تَبَلَّدَتْ حِينَ رَأَتْ سَارَةَ تُهَيْمِنُينَا
أَلَا قِفْ بِيَ، يَا شِعْرُ، امْلَأِ الْقَلْبَ تَفْتِينَا
فَفِي سَارَةَ السِّرُّ الَّذِي لَا يُعَرَّفُ فِينَا
كَأَنَّ الْجَمَالَ اسْتَوْدَعَ الْكَوْنَ جَوْهَرَهُ
وَحِينَ أَرَادَ الْكُلَّ صَاغَكِ تَكْوِينَا
تَمَنَّعْتِ، لَا خَوْفًا، وَلَا ضَعْفَ عَاشِقَةٍ
وَلَكِنَّكِ الْكِبْرِيَاءُ فِينَا وَيَكْفِينَا
إِذَا مَدَحَ النَّاسُ النِّسَاءَ تَحَيُّرًا
فَنَحْنُ نُسَائِلُ: هَلْ تَجَلَّى سَرِينَا؟
سُلِي بَدْرَ تَمُّوزٍ، سُلِي نَجْمَ غَاسِقٍ
أَمَا خَافَ نُورَكِ حِينَ لَاحَ وَغَارَ فِينَا؟
أَيَا بِنْتَ عِزٍّ فِي الْحَيَاءِ مَهِيبَةٌ
وَمَا خُلِقَتْ إِلَّا لِتُبْهِرَ نَاظِرِينَا
رَأَيْنَاكِ، فَارْتَدَّتْ قَوَافِينَا خَجِلًا
وَشَاعِرُنَا أَلْقَى الْقَوَافِي مُعَلِّينَا
إِذَا سَارَ طَيْفُكِ فِي الدُّرُوبِ، تَتَابَعَتْ
خُطَى الشِّعْرِ نَحْوَكِ سُجُودًا يُنَاجِينَا
عَجِبْتُ لِأَوْصَافِ الْجَمِيلَاتِ قَبْلَهَا
كَأَنَّ اللِّسَانَ بِهَا يَضِلُّ وَيُعْمِينَا
وَمَا كُنْتُ بِالْهَائِمِ إِنْ لَمْ أَرَ السَّنَا
وَلَا كُنْتُ بِالصَّبِّ إِذَا لَمْ تُحْيِينَا
كَأَنَّكِ وَهْمٌ فَاضَ مِنْ نَفْسِ شَاعِرٍ
وَأَدْرَكَ أَنَّ الْحَرْفَ أَضْنَاهُ تَبْيِينَا
تَرَكْتِ الْهَوَى نُسْكًا، وَتَحْتَ عَبَاءَةٍ
مِنَ النُّورِ، زَادَ الْبُعْدُ فِيكِ تَدَيُّنَا
إِذَا ذَكَرَتْكِ الْأَرْضُ، تَاهَتْ بِزَهْوِهَا
وَإِنْ خَطَرَتْ، خَرَّ الْغَمَامُ تَبْكِّينَا
لَكِ اللَّهُ، مَا أَبْقَى لِعَيْنَيْكِ مَوْضِعًا
لِغَيْرِ الدُّهُولِ، وَلِلْحَنِينِ مُقِيمِينَا
تَدَلَّيْتِ مِنْ فَلَكِ الْجَمَالِ بِأَنْجُمٍ
كَأَنَّكِ بَيْنَ الْخَلْقِ كُنْتِ تَدَانِينَا
وَمَا زَلْزَلَتْ قَلْبَ الْفَصِيحِ قَصَائِدٌ
كَمِثْلِكِ، يَا سَارَةَ، تَسْلُبُ هَامِينَا
إِذَا ابْتَسَمَتْ، غَارَ الرَّبِيعُ وَرَاقَهُ
نَدَاهَا، فَأَغْرَى فِي الْحُقُولِ شَيَاطِينَا
وَإِنْ غَضِبَتْ، فَالْبَرْقُ أَطْفَأَ نَارَهُ
تَوَاضَعَ مِنْ نُورٍ رَآهُ مُحْيِينَا
فَمَا مَدْحُ مَنْ قَدْ سَوَّدَتْنَا بِجَفْنِهَا
سِوَى خَوْفِنَا مِنْ أَنْ تَكُونِي تَسَلِّينَا
كَتَبْتُكِ فِي خَافِي الْقَصِيدَةِ هَيْبَةً
وَيَا شِعْرُ، هَلْ تَجْنُو الْعُيُونُ جَنَانِينَا؟
رَأَتْهَا الدُّنَا فَارْتَدَّ مِنْهَا زَمَانُهَا
وَشَابَتْ لَيَالِيهَا وَقَدْ كَانَتْ تُدْنِينَا
تَخَطَّتْ، فَكَادَ الْأَرْضُ تَرْجُفُ خَطْوَهَا
وَأَشْجَارُهَا انْحَنَتْ تُحْيِي مُحَيِّينَا
إِذَا مَشَتِ الْأُنُوثَةُ، كَانَ خُطَاهَا
نَشِيدَ الْمُلُوكِ، وَخَلْفَهَا الْكَوْنُ يُصَفِّينَا
تَمَنْطَقَتِ الْهَيْبَةَ حُسْنًا وَتَاجَهَا
وَسَارَتْ عَلَى الْأَيَّامِ تَصْغُرُ وَادِينَا
كَأَنَّكِ حُلْمُ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا أَتَوْا
لِيُخْضِعُوا الدَّهْرَ الْمَرِيضَ وَيَشْفِينَا
وَمَا نَظْرَةٌ مِنْكِ، وَإِنْ لَمْ تُصِبْ فَتًى
سِوَى سَهْمِ عِشْقٍ قَدْ تَهَاوَى لِيُدْنِينَا
أَيَا سَارَةُ، مَا هُزَّ عَرْشٌ بِأُنْثَى
كَمَا هَزَّ فِي عَيْنَيْكِ مَا لَا يُوَازِينَا
رَآكِ الْهَوَى، فَاسْتَنْكَفَ الدَّرْبَ مُقْبِلًا
وَأَغْرَى بِكِ الْمُشْتَاقَ، يُغْوِيكِ تَلْقِينَا
لَكِ الْحُكْمُ، إِنْ قَالَتْ عُيُونُكِ جُمْلَةً
تَكَادُ تَمِيدُ الْأَرْضُ، تَخْضَعُ قَاضِينَا
وَإِنْ لَمْ تَقُولِي، فَالسُّكُوتُ رِسَالَةٌ
تُقِيمُ عَلَى بَوْحِ الْجَمَالِ مَعَانِينَا
أَلَا كَمْ تَجَلَّتْ فِيكِ أَسْرَارُ قُدْرَةٍ
إِذَا مَرَّ طَيْفُكِ، طَأْطَأَ الْحُسْنُ نَاصِينَا
وَمَا الشَّمْسُ إِلَّا ظِلُّ سَارَةَ حِينَمَا
تُطِلُّ، فَيَنْشَقُّ الصَّبَاحُ لِيُحْيِينَا
كَأَنَّكِ فِي عَرْشِ الْجَمَالِ خَلِيفَةٌ
تُنَزِّلُ آيَاتِ الدَّلَالِ تَلَاوِينَا
خُذِي مَجْدَ كُلِّ الْحُسْنِ، إِنِّي شَاعِرٌ
يُبَاهِي بِأَنَّكِ كُنْتِ مَنْ صَاغَ لَحْنِينَا
يُخَاتِلُنِي طَرْفُ السُّؤَالِ إِذَا بَدَا
فَأَيْنَ أَنَا؟! أَمْ مَنْ أَنَا حِينَ تَدْنِينَا؟
أَمُرُّ عَلَى وَصْفِ النِّسَاءِ، فَيَنْثَنِي
قَلَمِي، وَيَأْبَى غَيْرَ سَارَةَ تَدْوِينَا
غَدَوْنَا نُصَلِّي فِيكِ صَمْتَكِ خَاشِعِينَ
كَأَنَّكِ دِينٌ لَا يَزَالُ بالرُوْحِ تُقِيمُنَا
يُسَلِّمُ وَجْهَ اللَّيْلِ إِنْ لَاحَ طَيْفُكِ
فَيُكْبِرُ نَجْمَاهُ، يُكْرِمُ مَراعِينَا
وَإِنْ لَاحَ نُورُكِ، صَاحَتِ الْكَائِنَاتُ:
"سُبْحَانَ مَنْ سَارَةَ كَانَتْ لِتُبْدِينَا "
فَيَا سَارَةَ الْمَهِيبَةَ الْحَسْنَاءِ، لَوْ
رَضِيتِ، لَصَارَ الدَّهْرُ عَبْدًا يُنَادِينَا
تَجَلَّتْ، فَمَا لِلْحُسْنِ مِنْ قَبْلُ هَيْئَةٌ
تُحِيطُ بِسِرِّ الْحُسْنِ إِلَّاكَِ تَكْفِينَا
حَيَاءٌ، كَأَنَّ الْأَرْضَ تَخْشَعُ طَيْفَهُ
وَتُسْكِتُ فِيهِ الصَّوْتَ كَيْ لَا يُدِينَا
إِذَا مَا مَشَتْ، تَمْشِي السَّمَاحَةُ مِثْلَهَا
وَيُنْزِلُ سِرُّ الطُّهْرِ فِيهَا سُكُونِينَا
مَلِيكَةُ صَمْتٍ لَا يُقَالُ بِجَفْنِهَا
وَلَكِنْ يَقُولُ النُّورُ فِيهَا خُفُوتَينَا
وَلَيْسَ بِجَفْنِ الْغِيدِ إِلَّا تَبَسُّمٌ
وَلَكِنَّهَا تَرْوِي الْبَصَائِرَ تَبْيِينَا
أَتَتْنَا، كَأَنَّ الْوَقْتَ فِيهَا مُعَلَّقٌ
وَفِيهَا الزَّمَانُ ارْتَدَّ مِنْ فَرْطِ تَحْنِينَا
وَفِيهَا، إِذَا أَغْضَتْ، جَبِينٌ مُطَهَّرٌ
تُصَلِّي لَهُ الدُّنْيَا وَتُقْبِلُ تَلْقِينَا
هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي إِنْ غَابَ وَصْفُكَ عَنْهُ
فَذَاكَ لِأَنَّ الْحُسْنَ أَعْيَا يَمِينَا
تَفَتَّحَ فِيهَا الْمَعْنَى، وَسَالَتْ بَلَاغَةٌ
عَلَى وَجْنَتَيْهَا تُخْرِسُ الْمُتَنَبِّينَا
وَلَا الْفَجْرُ، إِنْ لَاحَتْ، يُقَارِنُ نُورَهَا
وَلَا الْبَدْرُ إِنْ دَارَتْ يُسَاوِي مَعَادِينَا
كَأَنَّ الْأَثِيرَ اخْتَارَ فِيهَا مَقَامَهُ
وَقَالَ لِصَمْتِ الْخَلْقِ: أَنْصِتْ لِعِينَا
فَمَا هَزَّنِي شِعْرٌ، وَلَا أَغْوَتِ الرُّؤَى
كَمِثْلِ الَّتِي أَهْدَتْ إِلَى الْقَلْبِ تَدْيِينَا
وَفِيهَا تُرَى الْأَشْيَاءُ أُخْرَى، كَأَنَّهَا
تُحَوِّلُنَا مِنْ مَادَّةٍ بالحَنَّاِ لِيَقِينَا
أَيَا سَارَةُ، الْأُنْثَى الَّتِي إِنْ تَأَمَّلَتْ
تُقِيمُ مِنَ الْأَضْدَادِ طُهْرًا وَسِرِّينَا
نَرَاهَا، فَتُورِقُ فِي الدَّوَاخِلِ زَهْرَةٌ
مِنَ السُّكْنِ، مِنْ صَمْتٍ، يُحَرِّرُنَا دِينَا
هِيَ الْفِتْنَةُ الْبَيْضَاءُ، لَا نَارَ حَوْلَهَا
وَلَكِنَّهَا تُشْعِلُ الْقُلُوبَ وَتُغْرِينَا
إِذَا ضَحِكَتْ، هَبَّتْ عَلَى الْأَرْضِ نَسْمَةٌ
مِنَ الْقُدْسِ، تُحْيِينَا إِذَا مَا تَنَاسَيْنَا
وَإِنْ سَكَنَتْ، سَكَنَتْ بِهَا الْكَائِنَاتُ
كَأَنَّ بِهَا الْأَكْوَانُ تَسْتَتِرُ حِينَا
فَمَا سَارَةٌ إِلَّا تَجَلِّي بَلَاغَةٍ
تَفَرَّدَتِ الْأَكْوَانُ أَنْ تَتَفَنَّينَا
فَيَا شِعْرُ، قِفْ، خِفْتُ لِقُدْسِ سَارَةٍ
فَإِنِّي أَرَاكَ الْآنَ تَخْشَى وَتُحْيِينَا
أَقِفُ أَمَامَكِ، وَالْكَلَامُ لِيَ خَصِمٌ
كَأَنَّ الصَّمْتَ فِي عَيْنَيْكِ يُسْلِمِينَا
قُلْتُ: أَأُنْشِدُ، فَأَغْدُو فِي الْعَجْزِ أَسِيرًا
فَكَيْفَ أُنْشِدُ مَا لَا يُحْتَوَى وَيُسْتَرّْجِينَا؟
لُغَتِي تَنْحَنِي عَلَى أَعْتَابِ حُسْنِكِ
وَالْقَوَافِي تَخَافُ أَنْ تَمُوتَ فِي رِحَابِينَا
أَبِيتُ أُسَجِّلُ جُرْحَ الْمَدَى، وَأَنْتِ
سَيِّدَةُ الْجَمَالِ، فَوْقَ الْوَصْفِ تَعِيشِينَا
كَلِمَاتِي تَذُوبُ عَلَى لَهِيبِ عَيْنَيْكِ
كَأَنَّهَا شَمْعٌ فِي بَسَاتِينِ السِّنِينَا
كُلُّ حَرْفٍ تَجَرَّأَ عَلَى وَصْفِكِ، انْكَسَرْ
وَحِينَ سَقَطَ صَارَ صَدَىً يَئِنُّ فِي الْوَادِينَا
تَعْجِزُ الْأَشْعَارُ عَنْ رَسْمِ وَجْنَتَيْكِ
وَتَخْضَعُ لِلسُّكُوتِ فَوْقَ حَوَافِ الْحَنِينَا
أَرَاكِ، وَفِيكِ كُلُّ كَمَالٍ مُسْتَتِرٌ
يَكَادُ الْحَرْفُ أَنْ يُرْكَعَ بَيْنَ يَدَيْنَا
فَكَيْفَ يَقْدِرُ الْقَلَمُ عَلَى مَلَامِحِكِ؟
وَأَنْتِ لِلْعَقْلِ سِحْرٌ لَا يُحْتَمَلِينَا
يَا مَنْ تُسْقِطِينَ الْمَعَانِي سَاجِدَةً
وَتَجْعَلِينَ اللَّيْلَ يَتَرَقَّبُ فَجْرَ نِينَا
تَسِيرِينَ عَلَى الْأَرْضِ مَلِكَةً لَا تُجَدُّ
وَأَنْتِ سَبَبُ الْهُرُوبِ مِنْ أَلْفِ مَجَازِينَا
فَكَيْفَ يُقَالُ فِيكِ الْكَلَامُ مُبَاحًا؟
وَقَلْبُ الشُّعَرَاءِ يَذُوبُ فِي بَوْحِكِ ثُنَا
أُعْلِنُ اسْتِسْلَامِي أَمَامَ سَطْوَتِكِ
وَأَرْفَعُ الرَّايَةَ عَجْزًا عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْنَا
لَئِنْ كَانَ الْوَصْفُ مِلْكًا فِي يَدِ الْبَشَرِ
فَجَمَالُكِ مِلْكٌ فَوْقَ الْعَرْشِ رْاعِينَا
قَدْ تَجَلَّتْ يَا سَارَةُ فِي كُلِّ الْمُنَى
حَتَّى صَارَ الشِّعْرُ فِيهَا طَرِيدًا حَيْارِينَا
فَلَا تَلُمْ الْقَصِيدَ إِنْ بَاتَ صَامِتًا
فَإِنْ تَكَلَّمَ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُجَافِيْنَّا
أَيُّهَا الشِّعْرُ، مَا قِيمَةُ الْحُرُوفِ إِنْ لَمْ
تُخْضَعْ لِلنُّورِ عِنْدَ سَارَةَ السِّنِينَا؟
هَا هُوَذَا الصَّمْتُ بَيْنَ الْأَضْوَاءِ يَفْتَخِرُ
وَأَنَا الْعَاجِزُ بَيْنَ كَلِمَاتِي أَنْحَنِى بَيْنَا
فَهَلْ يُنْتَظَرُ مِنْ قَصِيدَةٍ أَنْ تَهْزِمَ
سَيِّدَةَ الْجَمَالِ، وَإِنْ عَزَّ الْبَوْحُ قَادِرِينَا؟
أُعْجِزْتَ يَا شِعْرُ، وَمَا فِيكِ مِنْ قُوَّةٍ
قَدْ تَبَلَّدَتْ حِينَ رَأَتْ سَارَةَ تُهَيْمِنُينَا
1373
قصيدة