الديوان » العصر الأندلسي » ابن حمديس » قضت في الصبا النفس أوطارها

عدد الابيات : 37

طباعة

قَضَتْ في الصِّبا النَّفسُ أوطارَهَا

وأَبلَغَها الشَّيبُ إِنذَارَها

نَعَمْ وأُجِيلَتْ قِدَاحُ الهوَى

عَلَيها فَقَسَّمْنَ أَعْشارَها

وما غَرَسَ الدَّهرُ في تُربَةٍ

غِراساً ولم يَجْنِ أثمارَهَا

فأفنيتُ في الحربِ آلاتَها

وأَعدَدتُ لِلسِّلم أَوزَارَها

كميتاً لها مَرَحٌ بِالفَتى

إِذا حَثَّ بِاللَّهوِ أَدوارَها

تَناوَلَها الكوبُ مِن دَنِّها

فَتَحسَبُهُ كانَ مِضمارَها

وساقِيةٍ زَرَّرتْ كفُّها

على عُنُقِ الظبيِ أَزرَارَها

تُديرُ بِياقُوتَةٍ دُرَّةً

فَتَغمِسُ في مائِها نَارَها

وَفِتيانِ صِدقٍ كَزُهْرِ النُّجوم

كِرامُ النَّحائزِ أَحرارَها

يُديرونَ راحاً تَفيضُ الكُؤوسُ

على ظُلَمِ اللَّيلِ أنوارها

كَأَنَّ لَها مِن نَسيجِ الحَبَاب

شباكاً تُعَقّلُ أطيارها

وَرَاهِبةٍ أَغلَقَت دَيْرَها

فَكُنّا مَعَ اللَّيل زُوّارها

هَدانا إِلَيها شَذا قَهوَةٍ

تُذيعُ لأَنفِكَ أَسرارَها

فَما فازَ بِالمِسكِ إلّا فتىً

تَيَمّمَ دارِينَ أو دارَها

كَأنَّ نَوافِجَهُ عِندَها

دنانٌ مُضَمَّنًةٌ قارَها

طَرَحتُ بِميزانِها دِرهَمي

فَأَجْرَتْ مِنَ الدّنِّ دينارَها

خَطَبنا بَناتٍ لَها أَربَعاً

لِيَفتَرِعَ اللَّهوُ أَبكارها

مِنَ اللَّائي أَعصارُ زُهْرِ النُّجوم

تكادُ تُطاوِلُ أعمارَها

تُريكَ عَرائِسُها أَيدِياً

طِوالًا تُصافِحُ أخْصَارها

تَفَرَّسَ في شَمِّهِ طيبَها

مُجيدُ الفِراسَةِ فَاختَارَها

فتىً دارَسَ الخمرَ حتَّى دَرى

عَصيرَ الخُمورِ وأَعصارَها

يَعُدّ لما شئتَ من قهوةٍ

سِنيها ويَعرِفُ خَمّارها

وَعُدنا إِلى هالَةٍ أَطْلَعَتْ

عَلَى قُضُبِ البانِ أقمارَها

يَرى مَلِكُ اللَّهوِ فيها الهُّمومَ

تثورُ فيقتلُ ثوّارَهَا

وقد سكّنَتْ حركاتِ الأسى

قيانٌ تُحَرّكُ أوتارها

فَهَذي تُعانِقُ لِي عُودها

وَتِلكَ تُقَبِّلُ مِزمَارَها

وَرَاقِصَةٍ لَقَطَتْ رِجْلُها

حسابَ يدٍ نَقَرَتْ طارَها

وَقَضبٍ مِنَ الشَّمعِ مُصْفَرّةٍ

تُريكَ مِنَ النَّارِ نُوَّارَها

كأنّ لها عمداً صُفّفَتْ

وَقَد وَزَنَ العَدلُ أَقطارَها

تُقِلُّ الدَّياجي عَلَى هامِها

وَتَهتِكُ بِالنُّورِ أَستَارَها

كَأنَّا نُسلِّطُ آجالَها

عَلَيها فتَمحَقُ أَعمارَها

ذَكرتُ صِقِلِّيَّةً والأسى

يُهَيِّجُ لِلنَّفسِ تِذكَارَها

وَمَنزِلَةً للتَّصابي خَلَتْ

وَكَانَ بَنُو الظَّرفِ عُمَّارَها

فَإِن كُنتُ أُخرِجتُ مِن جَنَّةٍ

فَإِنِّي أُحَدِّثُ أَخبَارَها

وَلَولا مُلوحَةُ ماءِ البُكا

حَسِبْتُ دُموعِيَ أَنهَارَها

ضَحِكتُ ابنَ عِشرينَ مِن صَبوَةٍ

بَكيتُ ابنَ ستِّينَ أَوزارها

فَلا تَعظُمَنَّ لَدَيكَ الذُّنوب

فَما زالَ رَبُّكَ غَفَّارها

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن حمديس

avatar

ابن حمديس حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-ibn-hamdis@

366

قصيدة

1

الاقتباسات

126

متابعين

عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس الأزدي الصقلي، أبو محمد. شاعر مبدع. ولد وتعلم في جزيرة صقلية، ورحل إلى الأندلس سنة 471هـ، فمدح المعتمد بن عباد، فأجزل له ...

المزيد عن ابن حمديس

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة