الديوان » العصر المملوكي » لسان الدين بن الخطيب » تلافيت نصر الدين إذ كاد يتلف

عدد الابيات : 48

طباعة

تلافَيْتَ نصْرَ الدّينِ إذْ كادَ يتْلَفُ

وأنْجَزْتَ وعْدَ الحقِّ وهْوَ مُسَوّفُ

وأنشأْتَ في أفْقِ العُلا سُحُبَ النّدَى

وسَقَيْتَ روْضَ المَجْدِ فهْوَ مفوَّفُ

وجمّعْتَ أسْباطَ المَكارِمِ والعُلى

ونادَيْتَ لا تَثْرِيبَ إذْ أنْتَ يوسُفُ

وقَرّ سريرُ المُلْكِ لمّا حلَلْتَهُ

ولوْ لمْ تشِدْ أرْجاءَهُ كادَ يرْجُفُ

دعَتْكَ قُلوبُ النّاسِ إذْ عمّ جذْبُها

ولَجّ الأسَى فِيها وجَلّ التأسُّفُ

فأنْزَلْتَ غيْثاً منْ سَماءِ عَجاجَةٍ

تُرَى دَلْوَها شُهْبَ الأسِنّةِ تَقْذِفُ

تَهُبُّ رِياحُ النّصْرِ في جنَباتِها

رُخاءً ورَعْدُ الطّبْلِ خلْفَكَ يقْصِفُ

فَما كُنْتَ إلاّ رَحْمَةَ اللّهِ أُرْسِلَتْ

فأعْطِيَ معْتَرٌّ وأخْصَبَ مُعجِفُ

فقرّ بكَ الإسلامُ عيْناً ولمْ يزَلْ

يعدُّكَ للجُلّى ويسْعَى فتُسْعِفُ

فلِلّهِ منْ يَومٍ أغَرَّ مُحجَّلٍ

لحِزْبِ الهُدى قِدْماً إليْهِ تشوُّفُ

أرَى الدّينَ دينَ اللّه ما كانَ يرْتَجي

ودافَعَ عنْ أهْلِيهِ ما يُتَخوَّفُ

فَيا حضْرَةً للعَدْلِ أصْبَحَتْ روْضَةً

بأنْوارِها روْضُ الهِدايةِ يُتْحِفُ

ويا كعْبَةَ الُلْكِ التي برَكاتُها

تفيضُ علَى زُوّارِها وتَوكَّفُ

ليَهْنِكَ منْصورُ اللّواءِ مؤيَّدٌ

بِحارُ النّدى منْ جودِ كفَّيْهِ تغْرِفُ

هُمامٌ إذا ما عايَنَ القِرْنَ سيْفُهُ

فموْعِدُهُ الحشْرُ الذي ليْسَ يُخْلِفُ

وأقْسِمُ لوْ رامَ الثُريّا لنالَها

بعزْمِ اقتِدارٍ ما لَها عنْهُ مصْرفُ

وَصولٌ الى الغاياتِ يُرْجَى ويُتّقى

كريمُ السّجايا لمْ يشُبْهُ التّكلّفُ

يؤلّفُ بالحُسْننَى قُلوباً تفرّقَتْ

يفرِّقُ بالإحْسانِ ما لا يؤلِّفُ

أمَوْلايَ إنْ عبَد نِعْمَتِك الذي

علَيْكَ ثَنائِي ما حَييتُ موَقّفُ

وما الشعرُ إلا بعْضُ نُعْماكَ إنّه

وإنْ راقَ منْ أزْهارِ مجْدِكَ يَقْطِفُ

تكلّفْتَ بالإحْسانِ بَدْءً وعودةً

فخيْرٌ تسنّيهِ وشِعْرٌ تُشَرِّفُ

بلَغْتُ بأمْداحي لمُلْكِكَ رُتْبَةً

تُطِلُّ على أوْجِ السِّماكِ وتُشْرِفُ

وأحْرزْتُ في شأوِ امتِداحِكَ غايةً

تقرِّرُ مُدّاحَ المُلوكِ فتُنْصِفُ

أجَرِّرُ ذَيْلي عندَ ذِكْرِ جَريرِها

بَيانا فلا أهْفو ولا أتوقّفُ

وأنْتَعِلُ الجوْزاءَ عُجْباً وإنْ غدَتْ

تُقَرّطُ آذانٌ بِها وتُشَنَّفُ

وماذا عسَى يُثْني فصيحٌ وشاعِرٌ

وماذا عسَى يُحصي كلامٌ مُزَخْرَفُ

وأنتَ أبا الحجّاجِ حُجّةُ دينِنا

بكَ اللهُ يجْلو الشّكّ والسّوءَ يصْرِفُ

وأنتَ ابْنُ أنْصارِ الهُدَى وحُماتِهِ

هَنيئاً لهُمْ هَذا الثّناءُ المُخَلَّفُ

نَحا نحْوَ أرْباب العُلَى ففَعالُهُمْ

على السَّنَن المَرْضيِّ والعدْلِ يعطِفُ

شِعارُهُمُ عِلْمٌ وحِلْمٌ ونائِلٌ

وحرْبٌ ومِحْرابٌ وسيْفٌ ومُصْحَفُ

فكمْ أطْلَعوا في الحرْبِ منْ بحْرٍ صارمٍ

يعَفِّر آنافَ الطُغاةِ ويُرْعِفُ

وكمْ عائِلٍ أغنَوْا وكمْ خائِفٍ حمَوْا

وكم معْدِمٍ أثْرَوْهُ جوداً وأتْرَفوا

بعَثْتَ الى أرضِ العِدَى بكَتيبةٍ

تكادُ بِها شمْسُ الظّهيرةِ تكْسِفُ

قَبائِلُ أدْواها السُّرَى فتنكّرَتْ

ولكنّها عندَ الكَريهةِ تُعرَفُ

تقودُ إلَيْهمْ كلَّ أجْرَدَ سابِحٍ

تُهَدُّ بهِ شُمُّ الهِضابِ وتُنْسَفُ

يُكَبّرُ عنْ لَبْسِ الحَديدِ الى الوَغى

فقامَ مَقامَ الدِّرْعِ بُرْدٌ ومُطْرَفُ

تنكّبُ عنْها البيضُ وهْيَ بواتِرٌ

ويَقْصُرُ عنْها السّمْهَريُّ المُثَقّفُ

وما كُلُّ زَنْدٍ يحْمِلُ الكفَّ ساعِداً

وما كُلُّ مصْقولِ الشِّفارَيْنِ مُرْهَفُ

فجاسَتْ أقاصي أرضِهِمْ وتعسّفَتْ

غَنائِمُهُمْ للّهِ ذاكَ التعسُّفُ

فأبْصَرَ ملْكُ الرّومِ منكَ مؤيَّداً

إذا همّ لا وانٍ ولا متخَلِّفُ

فسالَمَ إشْفاقاً وكفّ تَخوّفاً

وعفّ فَما أنْجاهُ إلا التّعفُّفُ

ووجّهَ يسْتَجْدي عُلاكَ رسولَهُ

وكاتَبَ يسْتَدْني رِضاكَ ويُلْطِفُ

فأقبلَ لا يدْري الى النّجْمِ يرْتَقي

أمِ البحْرَ يبْغي أمْ الى اللّيْثِ يدْلِفُ

يؤمِّلُ تقْبيلَ البِساط ومَنْ له

بهِ وبروقُ الهِندِ عيْنَيْهِ تخْطِفُ

وقدْ جنَحوا للسِّلْمِ فاجْنَحْ تفضُّلاً

فَما مِنْهُمُ عيْنٌ منَ الرُّعْبِ تطْرِفُ

فَلا برِحَتْ أيّامُكَ الغُرُّ تقْتَفي

بكَ الفَتْحَ والآمالُ لا تتوقّفُ

ولازالتِ الأمْلاكُ تأتيكَ خُضَّعاً

ولازِلْتَ بالإحْسانِ والعَفْوِ تكْلَفُ

ويُنْشِدُ مَنْ يأتي لبابِكَ وافِداً

تلافَيْتَ نصْرَ الدّينِ إذْ كادَ يَتْلَفُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن لسان الدين بن الخطيب

avatar

لسان الدين بن الخطيب حساب موثق

العصر المملوكي

poet-ibn-alkhatib@

746

قصيدة

3

الاقتباسات

479

متابعين

محمد بن عبد الله بن سعد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب. وزير مؤرخ أديب نبيل. كان أسلافه يعرفون ببني الوزير. ولد ونشأ ...

المزيد عن لسان الدين بن الخطيب

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة