الديوان » العصر العباسي » أبو الفتح البستي » زيادة المرء في دنياه نقصان

عدد الابيات : 64

طباعة

زيادَةُ المَرء في دُنياهُ نقصانُ

وربْحُهُ غَيرَ محض الخَير خُسرانُ

وكُل وِجدانِ حَظٍّ لاثَباتَ لَهُ

فإنَّ مَعناهُ في التَّحقيق فِقْدانُ

يا عامِراً لخَرابِ الدَّهرِ مُجتهِداً

تاللهِ هل لخَرابِ الدَّهرِ عُمرانُ

ويا حَريصاً على الأموالِ يَجمَعُها

أنْسِيتَ أنَّ سُرورَ المالِ أحْزانُ

زَعِ الفؤادَ عنِ الدُّنيا وزُخْرُفِها

فصَفْوُها كَدَرٌ والوَصلُ هِجْرانُ

وأَرعِ سَمعَكَ أمثالاً أُفَصِّلُها

كما يُفَصَّلُ يَاقوتٌ ومَرْجانُ

أحسِنْ إلى النّاسِ تَستَعبِدْ قُلوبَهُمُ

فطالَما استبَعدَ الإنسانَ إحسانُ

وإنْ أساءَ مُسيءٌ فلْيَكنْ لكَ في

عُروضِ زَلَّتِهِ صَفْحٌ وغُفرانُ

وكُنْ على الدَّهر مِعواناً لذي أمَلٍ

يَرجو نَداكَ فإنَّ الحُرَّ مِعْوانُ

واشدُدْ يَدْيكَ بحَبلِ الدِّينِ مُعتَصِماً

فإنَّهُ الرُّكْنُ إنْ خانَتْكَ أركانُ

مَنْ يَتَّقِ الله يُحْمَدُ في عَواقِبِه

وَيكفِهِ شَرَّ مَنْ عزُّوا ومَنْ هانُوا

مَنِ استعانَ بغَيرِ اللهِ في طَلَبٍ

فإنَّ ناصِرَهُ عَجزٌ وخِذْلانُ

مَنْ كانَ للخَيرِ مَنّاعاً فليسَ لَهُ

على الحَقِيقَةِ إخوانٌ وأخْدانُ

مَنْ جادَ بالمالِ مالَ النَّاسُ قاطبةً

إلَيهِ والمالُ للإنسان فَتّالُ

مَنْ سالَمَ النّاسَ يسلَمْ من غوائِلِهمْ

وعاشَ وَهْوَ قَريرُ العَينِ جَذْلانُ

مَنْ كانَ للعَقلِ سُلطانٌ عَلَيهِ غَدا

وما على نَفسِهِ للحِرْصِ سُلطانُ

مَنْ مّدَّ طَرْفاً بفَرطِ الجَهلِ نحو هَوىً

أغضى على الحَقِّ يَوماً وهْوَ خَزْيانُ

مَنْ عاشَرَ النّاسَ لاقى مِنهُمُ نَصبَاً

لأنَّ سوسَهُمُ بَغْيٌ وعُدْوانُ

ومَنْ يُفَتِّشْ عنِ الإخوانِ يقلِهِمْ

فَجُلُّ إخْوانِ هَذا العَصرِ خَوّانُ

منِ استشارَ صُروفَ الدَّهرِ قامَ لهُ

على حقيقةِ طَبعِ بُرهانُ

مَنْ يَزْرَعِ الشَّرَّ يَحصُدْ في عواقبِهِ

نَدامَةً ولِحَصدِ الزَّرْعِ إبّانُ

مَنِ استَنامَ إلى الأشرار نامَ وفي

قَميصِهِ مِنهُمُ صِلُّ وثُعْبانُ

كُنْ رَيَّقَ البِشْرِ إنْ الحُرَّ هِمَّتُهُ

صَحيفَةٌ وعَلَيها البِشْرُ عُنْوانُ

ورافِقِ الرَّفْقَ في كُلَّ الأمورِ فلَمْ

يندّمْ رَفيقٌ ولم يذمُمْهُ إنسانُ

ولا يَغُرُّكَ حَظُّ جَرَّهْ خرقٌ

فالخُرْقُ هَدمٌ ورِفقُ المَرءِ بُنْيانُ

أحسِنْ إذا كانَ إمكانٌ ومَقدِرهٌ

فلن يَدومَ على الإنسانِ إمكانُ

والرَّوضُ يَزدانُ بالنُّوَّارِ فاغِمةً

والحُرُّ بالأصلِ والإحسانِ يَزْدانُ

صُنْ حُرَّ وَجهِكَ لا تهتِكْ غْلائلَهُ

فكُلُّ حُرٍّ لُحرَّ الوَجهِ صَوّانُ

وإنْ لقِتَ عدُوّاً فَالْقَهُ أبَداً

والوَجهُ بالبِشْرِ والإشراقِ غَضّانُ

دَعِ التكاسُلَ في الخَيراتِ تطلُبها

فليسَ يسعَدُ بالخَيراتِ كَسْلانُ

لا ظِلَّ للمَرءِ يعرى من تُقىً ونُهىً

وإن أظلَّتْهُ أوراقٌ وأغصانُ

فالنّاسُ أعوانُ مَنْ وَالتْهُ دولَتُهُ

وهُمْ علَيهِ إذا عادَتْهُ أعوانُ

سَحْبانُ من غَيرِ مالٍ باقِلٌ حَصراً

وباقِلٌ في ثَراءِ المالِ سَحْبانُ

لا تُودِعِ السَّرَّ وَشّاءً يبوحُ بهِ

فما رعى غَنَماً في الدَّوِّ سِرْحانُ

لا تَحسِبِ النَّاسَ طَبْعاً واحِداً فَلهُمْ

غرائزٌ لسْتَ تُحصِيها وَأكْنانٌ

ما كُلُّ ماءٍ كصَدّاءٍ لوارِدِه

نَعَمْ ولا كُلُّ نَبْتٍ فهو سَعْدانُ

لا تَخدِشَنَّ بِمَطْلٍٍ وَجْهَ عارِفَةٍ

فالبِرُّ يَخدِشُهُ مَطْلٌ ولَيّانُ

لا تَستشِرْ غيرَ نَدْبٍ حازِمٍ يَقِظٍ

قدِ اسْتَوى مِنهُ إسْرارٌ وإعْلانُ

فللِتدابيرِ فُرْسانٌ إذا ركَضوا

فيها أبَرُّوا كما للِحَربِ فُرْسانُ

وللامُورِ مَواقيتٌ مُقَدَّرَةٌ

وكُلُّ أمرٍ لهُ حَدُّ ومِيزانُ

فلا تكُنْ عَجِلاً في الأمرِ تطلُبُهُ

فليسَ يُحمَدُ قبل النُّضْجِ بُحْرانُ

كفى مِنَ العيشِ ما قدْ سَدَّ من عَوَزٍ

وفيهِ للحُرِّقُنْيانٌ وغُنيانُ

وذو القَناعَةِ ؤاضٍ في مَعيشَتِهِ

وصاحبُ الحِرْصِ إن أثرى فَغَضبْانُ

حَسْبُ الفتى عقلُهُ خِلاًّ يُعاشِرُهُ

إذا تحاماهُ إخوانٌ وخُلاّنُ

هُما رضيعا لِبانٍ حِكَمةٌ وتُقىً

وساكِنا وَطَنٍ مالٌ وطُغْيانُ

إذا نَبا بكريمٍ موطِنٌ فلَهُ

وراءهُ في سَنَةٍ فالدّهرُ يَقظانُ

ما استَمْرأ الظُّلْمَ لو أنصْتَ آكِلُهُ

وهلْ يلَذُّ مَذاقٌ وهْوَ خُطْبانُ

يا أيُّها العَالِمُ المَرضِيُّ سيرَتُهُ

أبشِرْ فأنتَ بغَيرِ الماءِ رَيانُ

ويا أخَا الجَهلِ قد أصبَحْتَ في لُجَجٍ

وأنتَ ما بينَها لاشَكَّ عَطْشانُ

لا تحسِبَنَّ سُروراً دائماً أبَداً

مَنْ سَرَّهُ زمَنٌ ساءتْهُ أزمانُ

يا رافِلاً في الشَّبابِ الوَحْفِ مُنتشِياً

مِنْ كأسِهِ هلْ أصابَ الُّشْدَ نَشْوانُ

لا تَغتَرِرْ بشَبابٍ وارِفٍ خَضِلٍ

فكَمْ تَقدَّمَ قَبَ الشّيْبِ شُبّانُ

ويا أخَا الشَّيبِ لو ناصَحتَ نفسَكَ لم

يكُنْ لمثِلكَ في الإسرافِِ إمعانُ

هبِ الشَّبيبَةَ تُبْلي عُذرَ صاحبها

ما عُذْرُ أشَيبَ يَستهويهِ شَيْطانُ

كُلُّ الذُّنوبِ فإنَّ الله يغفِرها

إن شَيَّعَ المَرءَ إخلاصٌ وإيمانُ

وكُلُّ كَسْرٍ فإنَّ الله يَجبُرُهُ

وما لِكَسرِ قَناةِ الدِّينِ جُبْرانُ

إذا جَفاكَ خليلٌ كنتَ تألفُهُ

فاطلُبْ سِواهُ فَكُلُّ النَّاسِ إخوانُ

وإن نّبَتْ بِكَ أوطانٌ نَشَأُتَ بها

فارحَلْ فكلُّ بِلادِ اللهِ أوطانُ

والصّداِقُ البرُّ في الدُّنيا مُسَيْلمَةٌ

والأحَمَقُ الغُرُّ في النَّعْماءِ لُقمانُ

فأكْيَسُ النّاسِ مَنْ في كيسِهِ كِسَرٌ

لا مَنْ يُمَدُّ له في الفَضلِ مَيْدانُ

النّاسُ هَضْبُ شِمامٍ حَيْثُ مَيْسَرَةٌ

لَكِنَّهُمْ حَيْثُ مالَ المالُ أإصانُ

كُنّا نرى إنّما الإحسانُ مَكْرُمَةٌ

فاليَوْمَ مَنْ لا يَضُرُّ النَّاسَ مِحْسانُ

خُذْها سوائِرَ أمثالٍ مُهَذَّبَةٍ

فيها لِمَنْ يَبْتَغي التِّبيانَ تِبيانُ

ما ضَرّ حَسّاَنها والطَّبعُ صائَغُها

إنْ يقُلْها قَريعُ الشَّعرِ حَسّانُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


وثُعْبانُ

من سكن إلى الأشرار فكأنما ليس قميصه على الأفاعي.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو احساس


وإعْلانُ

لا تستشر غير العقلاء. والندب الخفيف في الحاجة الظريف النجيب.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو احساس


كَسْلانُ

جرت العادة ألا يجتمع الكسل والسعادة.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو احساس


إحسانُ

الإحسان يستعبد الإنسان.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو احساس


ومَرْجانُ

أصغ إلى النصائح التي سأنظمها لك نظم الياقوت والمرجان.

تم اضافة هذه المساهمة من العضو احساس


معلومات عن أبو الفتح البستي

avatar

أبو الفتح البستي حساب موثق

العصر العباسي

poet-abu-alfath-albusti@

733

قصيدة

8

الاقتباسات

268

متابعين

علي بن محمد بن الحسين بن يوسف بن محمد بن عبد العزيز البستي، أبو الفتح. شاعر عصره وكاتبه. ولد في بست (قرب سجستان) وإليها نسبته. وكان من كتّاب الدولة السامانية ...

المزيد عن أبو الفتح البستي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة