الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » تولى الصبا عني فكيف أعيده

عدد الابيات : 49

طباعة

تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَكَيْفَ أُعِيدُهُ

وَقَدْ سَارَ فِي وادِي الْفَنَاءِ بَرِيدُهُ

أُحَاوِلُ مِنْهُ رَجْعَةً بَعْدَ ما مَضَى

وذَلِكَ رَأْيٌ غَابَ عَنِّي سَدِيدُهُ

فَمَا كُلُّ جَفْرٍ غَاضَ يَرْتَدُّ نَبْعُهُ

وَلا كُلُّ سَاقٍ جَفَّ يَخْضَرُّ عُودُهُ

فَإِنْ أَكُ فَارَقْتُ الشَّبَابَ فَقَبْلَهُ

بَكَيْتُ رَضَاعاً بَانَ عَنِّي حَمِيدُهُ

وَأَيُّ شَبَابٍ لا يَزُولُ نَعِيمُهُ

وَسِرْبالِ عَيْشٍ لَيْسَ يَبْلَى جَدِيدُهُ

فَلا غَرْوَ أَنْ شَابَتْ مِنَ الْحُزْنِ لِمَّتِي

فَإِنِّيَ فِي دَهْرٍ يَشِيبُ وَلِيدُهُ

يُهَدِّمُ مِنْ أَجْسَادِنَا مَا يَشِيدُهُ

وَيَنْقُصُ مِنْ أَنْفَاسِنَا مَا يَزِيدُهُ

أَرَى كُلَّ شَيءٍ لا يَدُومُ فَمَا الَّذِي

يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ حُبِّ مَا لا يُفِيدُهُ

وَلَكِنَّ نَفْساً رُبَّمَا اهْتَاجَ شَوْقُهَا

فَحَنَّتْ وَقَلْباً رُبَّمَا اعْتَادَ عِيدُهُ

فَوَا حَسْرَتَا كَمْ زَفْرَةٍ إِثْرَ لَوْعَةٍ

إِذَا عَصَفَتْ بِالْقَلْبِ كادَتْ تُبيدُهُ

أَحِنُّ إِلَى وادِي النَّقَا ويَسُرُّنِي

عَلَى بُعْدِهِ أَنْ تَسْتَهِلَّ سُعُودُهُ

وَأَصْدُقُهُ وُدِّي وإِنْ كُنْتُ عَالِماً

بِأَنَّ النَّقَا لَمْ يَدْنُ مِنِّي بَعِيدُهُ

مَعَانُ هَوىً تَجْرِي بِدَمْعِي وِهَادُهُ

وتُشْرِقُ مِنْ نِيرانِ قَلْبِي نُجُودُهُ

تَضِنُّ بِإِهْدَاءِ السَّلامِ ظِباؤُهُ

وتُكْرِمُ مَثْوَى الطَّارِقِينَ أُسُودُهُ

تَسَاهَمَ فِيهِ الْبَأْسُ والْحُسْنُ فَاسْتَوَتْ

ضَرَاغِمُهُ عِنْدَ اللِّقَاءِ وغِيدُهُ

تَلاقَتْ بِهِ أَسْيَافُهُ وَلِحَاظُهُ

وَمالَتْ بِهِ أَرْمَاحُهُ وقُدُودُهُ

فَكَمْ مِنْ صَرِيعٍ لا تُدَاوَى جِرَاحُهُ

وَكَمْ مِنْ أَسِيرٍ لا تُحَلُّ قُيُودُهُ

وَفي الْحَيِّ ظَبْيٌ إِنْ تَرَنَّمْتُ بِاسْمِهِ

تَنَمَّرَ وَاشِيهِ وَهَاجَ حَسُودُهُ

تَهِيمُ بِهِ أَسْتَارُهُ وخُدُورُهُ

وَتَعْشَقُهُ أَقْرَاطُهُ وَعُقُودُهُ

تَأَنَّقَ فِيهِ الْحُسْنُ فَامْتَدَّ فَرْعُهُ

إِلَى قَدَمَيْهِ واسْتَدَارَتْ نُهُودُهُ

فَلِلْمِسْكِ رَيَّاهُ ولِلْبَانِ قَدُّهُ

وَلِلْوَرْدِ خَدَّاهُ وَللظَّبْيِ جِيدُهُ

فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ يَا صَاحِ بِالْهَوَى

فَإِنَّ الرَّدَى حِلْف الْهَوَى وَعَقِيدُهُ

وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَرْهَبُ المَوْتَ إِنْ سَطَا

إِذَا لَمْ تَكُنْ نُجْلَ الْعُيُونِ شُهُودُهُ

أَفُلُّ أَنَابِيبَ الْقَنَا ويَفُلُّني

قَوَامٌ تَنَدَّتْ بِالْعَبِيرِ بُرُودُهُ

فَإِنْ أَنَا سَالَمْتُ الْهَوَى فَلَطَالَمَا

شَهِدْتُ الْوَغَى وَالطَّعْنُ يَذْكُو وَقُودُهُ

وَتَحْتَ جَنَاحِ الدِّرْعِ مِنِّي ابْنُ فَتْكَةٍ

مُعَوَّدَةٌ أَلَّا تُحَطَّ لُبُودُهُ

إِذَا حَرَّكَتْهُ هِمَّةٌ نَحْوَ غايَةٍ

تَسَامَى إِلَيْهَا فِي رَعِيلٍ يَقُودُهُ

ومُعْتَرَكٍ لِلْخَيْلِ فِي جَنَبَاتِهِ

صَهِيلٌ يَهُدُّ الرَّاسِيَاتِ وَئِيدُهُ

بَعِيدِ سَماءِ النَّقْعِ يَنْقَضُّ نَسْرُهُ

عَلَى جُثَثِ الْقَتْلَى ويَنْغَلُّ سِيدُهُ

تَرِفُّ عَلَى هَامِ الكُمَاةِ سُيُوفُهُ

وَتَخْفُقُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بُنُودُهُ

إِذَا اشْتَجَرَتْ فِيهِ الرِّماحُ تَراجَعَتْ

سَوَافِرَ عَنْ نَصْرٍ يُضِيءُ عَمُودُهُ

تَقَحَّمْتُهُ والرُّمْحُ صَدْيانُ يَنْتَحي

نِطافَ الْكُلَى والْمَوْتُ يَمْضِي وَعِيدُهُ

فَمَا كُنْتُ إِلَّا الْغَيثَ طَارَتْ بُروقُهُ

ومَا كُنْتُ إِلَّا الرَّعْدَ دَوَّى هَدِيدُهُ

أَنَا الرَّجُلُ الْمَشْفُوعُ بِالْفِعْلِ قَوْلُهُ

إِذَا ما عَقِيدُ الْقَوْمِ رَثَّتْ عُقُودُهُ

تَعَوَّدْتُ صِدْقَ الْقَوْلِ حَتَّى لَوَ انَّنِي

تَكَلَّفْتُ قَوْلاً غَيْرَهُ لا أُجِيدُهُ

أُضَاحِكُ وَجْهَ الْمَرْءِ يَغْشَاهُ بِشْرُهُ

وأَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ تَغْلِي حُقُودُهُ

وَمَنْ لَمْ يُدارِ النَّاسَ عَادَاهُ صَحْبُهُ

وَأَنْكَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَسُودُهُ

فَمَنْ لِي بِخِلٍّ أَسْتَعِينُ بِقُرْبِهِ

عَلَى أَمَلٍ لَمْ يَبْقَ إِلَّا شَرِيدُهُ

أُحَاوِلُ وُدَّاً لا يُشَانُ بِغَدْرَةٍ

ودُونَ الَّذِي أَرْجُوهُ مَا لا أُرِيدُهُ

سَمِعْتُ قَدِيماً بِالْوَفَاءِ فَلَيْتَنِي

عَلِمْتُ عَلَى الأَيَّامِ أَيْنَ وُجُودُهُ

فَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْلِكْ صَدِيقاً فَإِنَّني

لِنَفسِي صَدِيقٌ لا تَخِيسُ عُهُودُهُ

وَحَسْبُ الفَتَى مِنْ رَأْيِهِ خَيْرُ صَاحِبٍ

يُوازِرُهُ فِي كُلِّ خَطْبٍ يَؤُودُهُ

إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرءِ مِنْ بَدَهَاتِهِ

نَصِيرٌ فَأَخْلِقْ أَنْ تَخِيبَ جُدُودُهُ

وإِنِّي وَإِنْ أَصْبَحْتُ فَرْدَاً فَإِنَّنِي

بِنَفْسِي عَشِيرٌ لَيْسَ يَنْجُو طَرِيدُهُ

وَلِي مِنْ بَدِيعِ الشِّعْرِ مَا لَوْ تَلَوْتُهُ

عَلَى جَبَلٍ لانْهَالَ فِي الدَوِّ رَيْدُهُ

إِذَا اشْتَدَّ أَوْرَى زَنْدَةَ الْحَرْبِ لَفْظُهُ

وَإِنْ رَقَّ أَزْرَى بِالْعُقُودِ فَرِيدُهُ

يُقَطِّعُ أَنْفَاسَ الرِّياحِ إِذَا سَرَى

وَيَسْبِقُ شَأْوَ النَّيِّرَيْنِ قَصِيدُهُ

إِذَا ما تَلاهُ مُنْشِدٌ في مَقَامةٍ

كَفَى الْقَوْمَ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ نَشِيدُهُ

سَيَبْقَى بِهِ ذِكْرِي عَلَى الدَّهْرِ خَالِداً

وذِكْرُ الْفَتَى بَعْدَ الْمَمَاتِ خُلُودُهُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1687

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة