الديوان » العصر الأندلسي » أبو حيان الأندلسي » نزجي دماء النفس من بعد إمضاض

عدد الابيات : 57

طباعة

نُزَجي دِماء النَفسِ مِن بَعدِ إِمضاضٍ

وَيَجذِبُنا يَومٌ فَيَومٌ بأَمراض

وَكانَ لَنا فَضلٌ مِن العُمرِ سابِقٌ

قَطَعناهُ في لَهوٍ وَفي نَيلِ أَغراضِ

مَلِلنا وَمَلَّتنا الحَياةُ فَلو أَتَت

شعوبُ استَرحنا مِن مُقاساةِ أَعراضِ

تقارب خَطو وَاِنحِناء وَشَيبَة

وَضَعف لحاظٍ وَاِنتِهاض كمنهاضِ

وَكُنتُ اِمرَأً لي بِالعُلومِ عَلاقَةٌ

سَراتي مِن تَكليفِها ذات اِنقاضِ

عُنيتُ بِها إِحدى وَسَبعينَ حِجَّةً

نَهاراً وَلَيلاً في اِجتِهادٍ وَتنهاضِ

فَأكتب في التَفسيرِ أَشعارَ حِكمَةٍ

أَقَرَّ لَها الحُسّادُ قَسراً بِأَنغاضِ

نَضَوا هِمماً في نَيلِ دُنيا عَريضَةٍ

فَنالوا وَإِنّي للذي نُوِّلُوا ناضِ

أَحَبُّوا دَناياها فَصارُوا عَبيدَها

وَإِنّي حُرٌّ في اِتِّراكٍ وَإِبغاضِ

إِذا وَرَدوا قَلتاً مِن العلمِ آجِناً

وَرَدت نِطافا غربةً ملءَ أَحواضِ

ثَلَلتُ بعَضبِ الحَزمِ عَرشَ فَضائِلٍ

وَهُم ثَلمُوا فيها يَسيراً بِمِقراضِ

وَلَما تَناضَلنا لِنَقنِص شارِداً

أَصَبتُ بِحَدٍّ إِذ أَصابُوا بِمِعراضِ

فَصارَ لَنا حَظٌ مِن العلمِ وافِرٌ

وَهُم قَد رَضُوا مِنهُ بِإدراكِ أَبعاضِ

وَما الفَضلُ إِلا أَن يرى المَرءُ أُمةً

فَريداً تَهادى ذكرَهُ كُلُّ رَكّاضِ

يَطوفُ عَلى الآفاقِ ينشُرُ فَضلَهُ

ثَناءً كَمثلِ المِسكِ فُتَّ بِمِرضاضِ

وَإِنَّ اِمرأً قَد حازَ علماً وَلَم يَكُن

يَجودُ بِهِ كَالفَأرِ عاشَ بِمِرحاضِ

تَرى الشَيخَ مِنهُم شاتِماً لِذَوي النُهى

تَسَلُّطَ كَلبٍ كاشِرِ النابِ مِعضاضِ

وَأَقرَضَهُم قَرضاً قَبيحاً حَياتَهُ

فإذا ماتَ جازَوهُ بِأَقبح إِقراضِ

فَذَلِك إِن يَهلَك فَلا ذاكِرٌ لَهُ

بِخَيرٍ وَلا ناسيهِ مِن شَرِّ قَرّاضِ

وَقالوا أَبو حَيان كانَ معلِّما

بِخَلقٍ رَضِيٍّ لِلتَلاميذِ مُرتاضِ

فَما كانَ نَجاهاً وَلا شاتِماً لِمَن

يَعلِّمُه بَل خُلقُه طيِّبٌ راضِ

لَقَد فُجِعَ الأَصحابُ مِنهُ بِأَوحَدٍ

بِبَحرٍ زَخورٍ بِالفَضائلِ فيّاضِ

أَليفٍ لِقُرآنٍ حَليفٍ لسُنةٍ

عَن الشَرِّ مِبطاءٍ إِلى الخَيرِ نَهّاضِ

عليمٍ بِتَنقادِ الكَلامِ وَصوغِهِ

إِلى كُلِّ مُعتاصٍ عَن الفَهمِ خَوّاضِ

فَسَل فسر كَشّافٍ وَفسرَ وَجيزِهم

لَقَد أَدجَيا مِن نَقدِه بَعدَ إِيماضِ

وَتَسهيلُهُم قَد راضَهُ ناقِداً لَهُ

فَيا حِذقَ نقّادٍ وَيا رِفقَ روّاضِ

وَمَن يَعنَ بِالتَسهيلِ يَرأس بِفَهمِهِ

وَقاري سِواهُ في عَناءٍ وَإِحراضِ

كِتابٌ نَفيسٌ لَم يُؤلَّف نَظيرُهُ

غَدا زُبدةً في النَحوِ مِن بعدِ تَمخاضِ

بِهِ نُسِخت كُتبُ النَحاةِ وَمُزِّقَت

فَصارَت هَباءً طارَ في كُلِّ أَراضِ

وَما النَحوُ إِلا ما جَمَعنا بِشَرحِهِ

لحازَ الَّذي قالوهُ في العصر الماضي

وَفاقَ بِتَنقيحٍ وَتَفصيلِ مُجمَلٍ

وَتَرتيبِ تَخليطٍ وَتَصحيحِ مِمراضِ

وَإِيجادِ مَعدومٍ وَإِيجازِ مُسهَب

وَتَعيينِ إِبهامٍ وَتَوضيحِ إِغماضِ

وَإِن كِتابَ الارتشافِ لَزائِدٌ

عَلَيهِ بِأَحكامٍ غَدَت طَوعَ نَفّاضِ

نَفَضتُ عَلَيهِ لُبَّ ما قَد كَتَبتُهُ

بِتذكِرَتي فَاختالَ زَهواً بِتَنفاضي

وَرتَّبتُهُ بِالعَقلِ وَاختَرتُ لَفظهُ

وَمَثَّلتُهُ كَي يُستفادَ بِإِيقاضِ

وَزادَ عَلى التَسهيلِ مثليهِ فَازدَهى

عَلى كُلِّ تَأليفٍ طوالٍ وَعرّاضِ

فَجاءَ غَريبَ الوَضعِ لَم يَأتِ عالمٌ

لَهُ بِنَظيرٍ بلهَ عَصريَ أَو ماضِ

وَمَن لَم يَكُن في العلمِ مُنتَمياً لَنا

فَذاكَ دَعِيٌّ فيهِ حُكماً مِن القاضي

وَيا عَجَباً مِن مُدَّعِينَ فَضيلَةً

بِنزرٍ مِن الأَوراقِ ذاتِ إِنقاضِ

رَأَوا سيبويهِ تِلكَ الأَوراقَ فَاِكتَفَوا

بِها كَظِماءٍ حينَ بلّةَ أَبراضِ

فَما رَوِيَت مِنها وَأَلقَت أَجِنَّةً

لِغَيرِ تَمامٍ قَد رَغَونَ لإِجهاضِ

وَكانوا كَتُرّاكٍ لَذيذ حلاوَةٍ

وَقَد آثَروا مَضغاً لِدِفلى وَحُمّاضِ

وَلَما غَنُوا عَن سيبويهِ تَعوَّضوا

بكُنّاشَةٍ جَدّاءَ مِن شَرِّ أَعواضِ

وَما وارِدُ البَحرِ المُحيطِ كَلاجئٍ

إِلى ثَمَدٍ نَزرِ البَلالَةِ غَيّاضِ

لَسَهَّلتُ هَذا العلمَ حَتّى لَقَد غَدا

كَشَربَةِ ماءٍ قَد جَرى علوَ رَضراضِ

مَشُوبا بشَهدٍ فَهوَ يَنساغ في اللُهى

وَللقلبِ يَسري في صَفاءٍ وَتَمحاضِ

فَإِن أُمسِ قَد أَقوَت مِن العلم حَضرَتي

وَأَصبَحتُ نَفضاً هامِداً بَينَ أَنقاضِ

فَما ماتَ مَن أَبقى تَآليفَ زانَها

تَلاميذُ كُلٌّ في مباحيثِهِ ماضِ

لِيَهنا بَنو الأَعرابِ أَن كُنتُ شَيخَهُم

وَأنهضتُهم في عِلمِهِ أَيّ إِنهاضِ

فَصارُوا رُؤوساً يُقتَدى بِأَتباعِهِم

كُسُوا مِن دُروعِ الفَضلِ أَكمَل فَضفاضِ

حَوَوا قَصَباتِ السَبقِ علماً وَسُؤدداً

فَما فَاضِلٌ عَما حَوَوهُ بِمعتاضِ

إِذا باحِثٌ وَافى يخبِّطُ قابَلُوا

تَخابيطَهُ صَفحاً بِتَركٍ وَإعراضِ

وَإِن كانَ ذا فهمٍ وَعِلمٍ وَإِن هَفا

فَيُغضُونَ عَنهُ في وِدادٍ وَإحماضِ

وَإِن لجَّ في بَحثٍ لَهُ فاسِدٍ غَدا

كَعُروة دمّى رَأسَه فَتكُ برّاضِ

جَهابِذُ نَقّادُونَ يَجرحُ نَقدُهُم

كَحيَّة لِصبٍ هامزِ النابِ نَضناضِ

يَفوقُونَ نَحوي الوجود بِفطنَةٍ

لِسُرعَةِ إِدراك وَسُرعَةِ إِنباضِ

فَلا مَغرِبٌ كلا وَلا مَشرِقٌ حَوى

كَأَمثالِهِم في عَصرِنا ذا وَلا الماضي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أبو حيان الأندلسي

avatar

أبو حيان الأندلسي حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Abu-Hayyan-al-Andalusi@

316

قصيدة

1

الاقتباسات

357

متابعين

محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي أثير الدين أبو حيان الجياني الأندلسي النحوي. كان من أقطاب سلسلة العلم والأدب وأعيان المبصرين بدقائق ما يكون من لغة ...

المزيد عن أبو حيان الأندلسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة