الديوان » مصر » عباس محمود العقاد » تماثيل مصر انت صورتها الصغرى

عدد الابيات : 49

طباعة

تماثيل مصر انت صورتها الصغرى

وطلّسمها الواقي وآيتها الكبرى

حياتك أجدَى من رجال كأنهم

تماثيل لا تحيى الصناعة والذكرى

رعى الله من أسوان داراً سحيقة

وخلد في أرجائها ذلك القصرا

أقام مقام الطود فيها وحوله

جبال على الشطين شامخة كِبرا

بعيداً عن الأقران منقطعاً بها

فريداً عن العمران مستوحشاً قفرا

فسلها تحدثك الطلول بأهلها

وتخبرك عما ساء فيهم وما سرا

وما انتصبت فيها السواري كأنها

قدود العذارى شارفت نهراً غمرا

صلاب على مس اليدين ومسُّها

على العين ما أندى الممس وما أطرى

ويا ربّ أرباب قضى الموت حكمه

عليها فسوَّاها بعبادها الحيرى

تعوذ بأبراج هناك حصينة

وما أمنت زحفاً من الدهر أو غدرا

فيا عابديها قد ذهبتم بسرها

فقوموا فأفشوا الآن ذيّالك السرا

أفيقوا فوفوها الرثاء فإنه

جدير برب يلهم الخير والشرا

صوامع أوزيريس شُيدن للضحى

وفيهن ليل لا يماط ولا يسرى

يطير بها الخفاش ظهرا ولم يكن

يطير بها الخفاش لو عرف الظهرا

ترى ألف عام بعد أخرى ولا ترى

نهاراً عليها آخر الدهر مفترّا

فيا وجه أوزيريس هلاّ أضأتها

وأنت تضئ السهل والجبل الوعرا

فما رفعت إلاّ اليك تجلةً

ولا رفعت الا إلى عرشك الشكرا

أقامت على عهد الشموس ولم يكن

مقيم على عهد الكواكب في مصرا

تراكم فيها يعقب الليل مثلهُ

ظلامُ الليالي لا صباح ولا فجرا

ولست ضنينا بالضياء وانما

لكل إله ظلمةٌ تحجب الفكرا

وربّ إلهٍ بالضياء محجب

وشمس سماءٍ عينُ ناظرها حسرى

تعدّدت الأرباب والدين واحد

فآمن به طرّاً أو اكفرْ به طرّا

لقد عاث فيها آل عيسى وأحمد

فهل كرهوا الايمان أو كرهوا الكفرا

دعوها فإن ضاقت صدور بأهلها

تجد مستجاراً في الصخور ومستذرى

طلول تعفّت لا من الوهي والبلى

ولكنّ بالإنسان عن وحيها وقرا

فللنيل فيها حيث سار مناسك

يطيف بها جهراً ويعمرُها سرّا

تبوّأ منها موضع النسك والتُقى

وجاورت الحيتان في صرحها الطيرا

وهمهم فيها فالخرير تلاوة

وأنصت فيها فهو مستمعٌ أمرا

فلا برحت تلك الطلول سوابحاً

على الماء يمحو عن جوانبها الضرا

عروس البلى لا تغرقوها تقرباً

الى النيل تبغون الخصوبة والوفرا

بأسوان مرصوداً وهل يعبد الضحى

بأظهر منها للضحى كيفما ذرا

بلاد أدار الله حول ربوعها

نطاقاً وأجلى عن مطالعها السترا

بنو الشمس أهلوها اذا اشتد قيظها

وجاش على الصحراء فاتقدت جمرا

بقرص كأفواه البراكين قاذف

شآبيب ما أحيا وما أقتل القطرا

لقد نفثت فينا الحياة ضرامها

فأنفسنا من حرها شعلة حرّى

درجنا بحيث الدارجون عروشهم

قيام تناجي في سكينتها الدهرا

تلوح على تلك الرمال كأنها

خطى الزمن الوثاب تاركه أثرا

وليلة زرنا القصر يعلو وقاره

وقار الدجى الساجي وقد اطلع البدرا

نسائل جوال السماء وقد سرى

هنالك دهراً قبلما صحب القصرا

تصاحبتها قدماً فيا بدر هل ترى

عراص الثرى يوماً بموضعه قفرا

وهل تتمشى لجة الماء بعده

كما رمقت كف على متنه سطرا

عبرنا اليه النهر ليلاً كأننا

عبرنا من الماضي الى الضفة الأخرى

قضى نحبهُ فيه الزمان الذي مضى

فكان له رسماً وكان له قبرا

وأشهدنا منه شخوصاً كأنها

مساحيرُ ترجو كاهناً يبطل السحرا

فيخفق ذاك القلب بعد سكونه

ويملأ من أهوائه ذلك الصدرا

ولما رأوها يشبه الخلق صنعها

تعالوا فقالوا الأنس قد مسخت صخرا

لقد أكبروا إلاّ على الله خلقها

فقالوا براها ثم أصمتها قهرا

وتحوِ علاهم ما اعتلى حجرٌ بها

على حجر أو شد أزرٌ بها أزرا

جلال تحاماه الخراب مهابة

فأشأم منه من أراد به نكرا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عباس محمود العقاد

avatar

عباس محمود العقاد حساب موثق

مصر

poet-Abbas-Mahmoud-al-Aqqad@

62

قصيدة

1

الاقتباسات

1270

متابعين

عباس محمود العقاد ولد ونشأ في أسوان واقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط؛ لعدم توافر المدارس الحديثة، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل ...

المزيد عن عباس محمود العقاد

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة