الديوان » لبنان » المفتي عبداللطيف فتح الله » يا صاح شمس العلوم اليوم قد غربت

عدد الابيات : 55

طباعة

يا صاحِ شَمس العُلومِ اليومَ قَد غَربت

وَالأَنجُم اِنكَدَرَت وَالسّاعَةُ اِقتَرَبت

وَضَجَّتِ الأَرضُ وَاِهتزّت مُزلزَلَةً

فَخالَها النّاسُ لَمّا زُلزلت وَجَبت

وَالنّاسُ قَد ذُهِلَت بِما أَلمّ بِها

وَهاجَها ما دَهاها الآنَ وَاِضطَرَبت

وَالعَقلُ قَد تاهَ وَالأَبصارُ شاخِصةٌ

وَالفَهمُ قَد ضاعَ وَالأَفكار قَد ذَهَبَت

وَأَظلَم الكَون وَالأَطيارُ حائِرةٌ

وَالنّاسُ سَكرى وَمنها لبّها سُلِبَت

وَالقَلبُ مُنفَطِرٌ وَالروحُ قَد زهقت

وَشَبَّتِ النّارُ في الأكبادِ وَاِلتَهَبَت

وَالعَينُ قَد سَفَحت مِنها مَدامِعُها

مِثل العَقيقِ وَمثلَ السّحبِ قَد سكبَت

تَبكي عَلى مَن أُصيبَ المُسلِمونَ بِهِ

شَمس العُلومِ الّتي عَنهُم قَدِ اِحتَجَبَت

العارِفُ الفردُ وَالقطبُ الوليّ وَمَن

لَهُ الكَراماتُ قَد صحّت وَما كَذبت

الزّاهِدُ المُتّقي طَودُ المَعارفِ من

عَليهِ أَعلامُها لِلهدْيِ قَد نصبَت

بَحرُ المَعارِفِ لَم تُدرك سَواحِله

مِنهُ لَنا دُررُ الأَسرارِ قَد جلبت

كَأَنّما أَبحُر العِرفانِ لَو عظمت

جَداولُ لَو إِلى عِرفانِهِ نُسبَت

الجَهبَذُ العالِمُ النّحرير سيّدنا

بَحرُ العلومِ الّذي أَلفاظُهُ عذبت

البارِعُ المُتقنُ الحَبر الإِمام بِهِ

كلّ الأَئِمّةِ رَوْمَ القدوةِ اِنتَصَبَت

كلُّ العُلومِ تَبَدَّت وَسطَ فِكرَتِهِ

كَأَنّما صوّرت فيها أَوِ اِكتَتَبت

محقِّقٌ دقّة التّدقيقِ مِنهُ غَدَت

تَبدو عَلى جَبهَةِ التّحقيقِ قَد كتبت

مُفسّرُ الوَقتِ بَيضاوي الزّمانِ وَمَن

فيهِ التّفاسيرُ للإِتقانِ قَد رغبَت

الحافظُ الثّقةُ الثّبت الصّدوقُ وَمَن

هوَ البخاري بِهَذا العَصرِ صحّ ثبت

فَقيه ذا العَصرِ بدر الفِقهِ مالِكهُ

سبكي الأُصول بِهِ اِعتزّت وَفيهِ رَبت

الأَشعَري الّذي أَسياف حجّته

سُلّت عَلى زيغِ أَهلِ الزّيغِ وَاِقتضبَت

الشّاعِرُ الفذُّ مَن دامَت قَريحَتهُ

نَضّاخة العَين لا قَلَّت ولا نضبَت

مُحمّدٌ شَمسُ دينِ اللَّه سَيّدنا

وَمَن بِهِ في الهُدى الأَمثال قَد ضُرِبَت

هُوَ المَسيريُّ مَن قَلَّت نَظائِرهُ

وَلِلوجودِ أَبَت في ذا الزّمانِ أبت

أَكرِم بِأَخلاقِهِ تَزهو مَحاسنها

بِالحُسنِ قَد نَشأت لِلطف قَد كسبَت

سَطَت عَلَيه المَنايا وَهيَ غادرة

فَفيهِ يا أَسفي أَظفارها نشبَت

إِنّ المَنايا لُيوث تِلك ضارِية

عَلى النُّفوسِ بِلا ريب لَقَد وَثَبَت

غَدّارة تَخطِفُ الأَخيارَ عادِيَة

أَما تَراها لَه مِن بَينِنا اِغتصبَت

كُلّ النّفوسِ غَدَت في أَسرِ قَبضَتِها

لا نَفس مِنها وربِّ البيتِ قَد هَرَبَت

كَم بُرج عُمر لَقَد هَدّت وَقَد هَدمت

أَما بِها أَبرج الأَعمارِ قَد خَرِبَت

لَو أَنّها تَرتَضي الأَرواح فَديتهُ

لَعَنهُ أَرواحنا مِنّا لَها وهبَت

نَبكي دَماء عَلَيه الأَرضَ خاضبة

أَما تَرى الأَرضَ مِن تلكَ الدّما اِختَضبت

كِدنا نَسيلُ نُفوساً مِن لَواحِظنا

وَالكلّ يَحسب مِن آماقِهِ جذبت

دَعاهُ مَولاهُ لِلفردَوسِ يَسكُنها

وَالحور فيها لَهُ لا شَكّ قَد خطبت

لَبّى مُجيباً يَجدّ السّير تَحمِلُه

لَها مَطايا الرّضا إِذ فيهِ قَد ذهبت

إِن غابَ عَنّا فَقَد أَبقى لَنا خلفاً

شَمساً مِنَ الفَضلِ لا زالَت وَلا حجبت

وَالشّمس إِن غَربت فَالبدرُ يَخلِفُها

كَأَنّها لَم تَغِب عنّا وَلا غربت

هوَ اِبنهُ مُصطفى العَلياء في شَرَفٍ

وَمِن مَعاليهِ مِن أَسنى العُلى اِنتخبت

الكامِلُ الشّهمُ بَدرُ العلمِ كَوكبه

أَنوارهُ لِظلامِ الجَهلِ قَد غَلَبَت

غُصنُ الكَمالِ وَمِن رَوضِ الكَمالِ بَدا

مَا أَحسَن الغُصن في رَوضِ الكَمال نَبَت

تَسري اللّطافة في أَجزاءِ قامَتِهِ

كَأَنّها مِن مِياهِ اللّطفِ قَد شربت

خِدن البَلاغَةِ حدِّثْ عَن بَلاغَتهِ

فَإِنّها لِسواه الآنَ ما وهبت

أَهل البَلاغَةِ لَم تسمَع بَلاغَته

إِلّا وَمِن حُسنِها الزّاهي لَقَد عجبت

ما إِن تَكلّم إِلا الرّوح قَد فَرِحَت

وَالعَينُ قرّت وَإِلّا الأُذن قَد طربَت

فَكَم نَهَبنا ثَمينَ الدُّرِّ مِن فَمِهِ

مِن نَثرهِ درّه آذاننا نهبَت

حَيّاهُ مَولاهُ وَأَحياهُ الزّمانُ لَنا

وَأَكمَد اللَّهُ أَضداداً لَه وَكبت

وَدامَ يبقى لَنا حتّى نَشِمّ بِهِ

شَذى أَبيهِ فَتشفى أَكبدٌ وصبَت

يا أَيّها الشّهمُ سَلّم لِلقضاءِ فَما

غَير القَديمِ لَه غير الفَناءِ ثَبَت

وَيا أَخا اللبّ صَبراً إِذ أَصَبت بِهِ

مَنِ المَصائبُ عَنه يا نَبيه نَبَت

مَن يَصطَبِر فَلَهُ الأجرُ الجَزيلُ كَما

لَهُ عَليهِ جنانُ الخلدِ قَد وجبت

وَالمَوتُ حَتمٌ وَكلُّ النّاسِ تطعمه

أَلَم تَكُ الرّسل كَأس الحَتفِ قَد شَرِبَت

لِذا خُلقنا لِهذا النّاسُ قَد وجدت

كَذا بِهِ بنية الآجالِ قَد خربت

وَفي المُصيبَةِ بِالمختالِ تَسلية

عَن كلِّ ما نَكبة فيها الورى نكبت

وَاللَّه يَحبوهُ في الفِردَوسِ مَنزلة

مِنهُ تَعالى دَنت مِنهُ لَقَد قربت

وَاِسلَم وَدُم في أَمانِ اللَّهِ ما هَطَلت

سَحائِبُ الأفقِ ما لِلوَبلِ قَد سكبت

ما الفَتحُ في رثيهِ إِيّاه أَنشَدكم

يا صاحِ شَمس العُلوم اليومَ قَد غَرُبَت

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن المفتي عبداللطيف فتح الله

avatar

المفتي عبداللطيف فتح الله حساب موثق

لبنان

poet-Mufti-Fathallah@

1294

قصيدة

3

الاقتباسات

84

متابعين

عبد اللطيف بن علي فتح الله. أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء. له نظم جيد في (ديوان -ط) و(مقامات -خ)، و(مجموعة شعرية -خ) بخطه، ألقاها في صباه سنة 1200ه‍في ...

المزيد عن المفتي عبداللطيف فتح الله

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة