الديوان » لبنان » المفتي عبداللطيف فتح الله » نعم ثار بالمضنى المشوق غرامه

عدد الابيات : 106

طباعة

نَعم ثارَ بِالمُضنى المَشوق غَرامُهُ

وَجَدَّ بِهِ في الشَّوقِ وَجداً هيامُهُ

وَشَبَّت بِهِ نارُ الصّبابَةِ وَالهَوى

وَجَمرُ الجَوى في القَلبِ زادَ ضرامُهُ

فَما تَركت قَلباً وَلا أَضلُعاً لَهُ

وَلا مُهجَةً أَبقَت وَهَذا مَرامُهُ

أَسالَ لِدَمعِ العَينِ بِالسّفحِ سافِكاً

وَدامَ عَلى الخَدّينِ مِنهُ اِنسِجامُهُ

فَلا غَيثَ يَحكيهِ وَلا غَيث غَيرهُ

وَإِن سِواهُ لا يحالُ اِنعدامُهُ

فَلَو غيثَ أَقوامٌ بِغَيثٍ لَأَيقَنوا

بِأَنّ عُيونَ الصبِّ تَبكي غَمامُهُ

تَسلسَلَ في خَدّيهِ لَيسَ بِمُنتَهٍ

يَدورُ وَيَجري لا يخفُّ اِزدِحامهُ

وَلَو أَنّ عَينَ الصبِّ سَحَّت بِمِثلِهِ

وأَضعافه حَتّى يحالَ اِنفِصامُهُ

لَشَحَّتْ بِما سَحَّت وَصَبَّت عيونُهُ

وَبِالجودِ دَمعاً لَم تَصِفها كرامُهُ

وَقَد فَنِيت مِنهُ الجُفونُ مِنَ البكا

فَأَنّى كراه في الهَوى وَمَنامُهُ

وَإِنّ الكرى فيما نَرى عَرَضٌ لَهُ

مَحلٌّ جُفونُ الصبِّ فيها قِيامُهُ

وَقَد زالَ ذيّاكِ المحلّ فَلا يرى

فَأَينَ الكرى يَبقى وَزالَ مَقامُهُ

وَقَد حَلَّ فيها السّهد وَالسّهد ضِدّهُ

وَلَيسَ الكرى لِلسّهدِ جازَ اِنضِمامُهُ

عَلى أَنّها في الحبِّ طَلَّقها الكرى

وَقالَ اِشهَدوا مِنها عَلَيه حرامُهُ

وَلَيسَ الكَرى شَأنُ المُحبّينَ في الهَوى

وَخِدن الهَوى في اللّيلِ مَن لا يَنامُهُ

وَإِنَّ الكَرى في العِشقِ ديناً مُحرّمٌ

وَفَرضٌ لُزومُ السُّهدِ ثمَّ اِلتِزامُهُ

فَيا سهد في العشّاقِ يَرعى عُيونَهم

وَيَحسن فيها سَومهُ وَسوامهُ

تَحكم بِما تَرعى عَلى النّومِ وَالكرى

فَما النّومُ ماضٍ حُكمُهُ وَاِحتِكامُهُ

وَأَنتَ رَفيقُ الصبِّ في حينِ وَصلهِ

وَحين الجَفا فَالحق فيكَ اِهتمامُهُ

بِكَ الصبّ يُمسي لِلنُّجومِ مُسامِراً

فَيملي أَحاديثَ الغَرامِ كَلامُهُ

يُسَلسِلُها بِالدَّمعِ عَن معضلِ الهَوى

وَعَن قَلبِهِ المَجروحِ صَحَّ غَرامُهُ

وَيَذكر كلّ اللّيلِ أَحوالَ عِشقِهِ

إِلى حينِ أَنّ الصّبح يَبدو اِبتسامُهُ

وَيَرصُدها في كُلِّ لَيلٍ طَوالِعاً

لِأَنَّ الدُّجى فيها يخفّ ظَلامُهُ

فَيبدو سُهيلٌ خافِقاً مِثلَ قَلبِهِ

إِذا اِهتاجَ فيهِ وَجدهُ وَهيامُهُ

وَيَبدو السّهى حيناً وَيخفى كَعاشِقٍ

تُصيّرُه مِثل الخِلالِ سقامُهُ

يَحِنُّ إِلى رَكبِ الحِجازِ مِنَ النّوى

بِمرّ الصّبا إِذ في العِراقِ خِيامُهُ

يَحِنُّ إِلى ذِكرِ الحِمى وَذَوي الحِمى

بِشَوقٍ لَهُ فيهِ يُساقُ حِمامهُ

وَتَشدو عَلى البِلبالِ مِنهُ بَلابِلٌ

كَما قَد شَدا في الرَّوضِ نَوحاً حَمامُهُ

يَهيمُ عَديمَ القَلبِ وَاللّبِّ وَالحِجى

وَقَد طحنَت في العِشقِ منهُ عِظامُهُ

وَذابَ وَمِنهُ اِحدَوْدَبَ الظّهرُ وَاِنحَنى

وَقَد كادَ مَع رِجلَيهِ يخطر هامُهُ

تَوَلَّعَ مَجنوناً وَقَد جُنَّ مولعاً

وَهامَ رَضيعاً قَبل آن اِنفِطامُهُ

فَما حالُهُ التّمييزُ بِالعِشقِ وَالهَوى

إِماماً بِهِ التّمييزُ صحَّ اِنعِدامُهُ

تَمُرُّ بِهِ الأَيّامُ يَجهَلُ عَدَّها

وَقَد ضاعَ مِنهُ العمرُ يَدنو خِتامُهُ

كَأنَّ لَديهِ العمرُ يَومٌ بِهِ مَضى

وَإِلّا فَشهرٌ مَرَّ أَو مَرَّ عامُهُ

يَموتُ غَراماً لَيس يَرضى حَياتَهُ

وَمِنهُ عَليها الدّهرَ يُهدَى سَلامُهُ

عَذولي حَماكَ اللَّهُ رَبّي مِنَ الهَوى

وَلا لَعِبَت بِالسُّكرِ فيكَ مدامُهُ

بِما فيهِ ذِكرُ الحبِّ لُمنِيَ جاهِداً

فَيَحلو بِهذا مِن عَذولي مَلامُهُ

فَإِنَّ مُريد الشّهدِ يَحتَمِلُ الأَذى

مِنَ النّحلِ إِذ يَجنيهِ وَهوَ مَرامُهُ

وَلَستُ بِسالٍ مَنْ عَلَيهِ تَلومُني

فَدَع ما بِهِ السّلوان فَهوَ حَرامُهُ

وَكَيفَ سلُوِّي وَالهَوى لِيَ مَذهَب

وَدينُ الهَوى قَد صَحَّ أَنّي إِمامُهُ

تَوَلّدت منهُ راضِعاً مِنهُ ثَديَهُ

وَمَن يَرتِضع مِنهُ اِستَحالَ فِطامُهُ

وَجِسمي الهوى ثمّ الأَضالعُ صَبوتي

وَكَبدي الجَوى وَالقَلبُ مِنّي غَرامُهُ

وَعَقلي هيامي ثمَّ نَفسي صَبابَتي

وَروحِيَ وَجدي وَالحياةُ اِلتِزامُهُ

عَلقت مَليك الحُسنِ في مَوكِبِ البها

بِتاجِ جَمالٍ لَم يمثّل نِظامُهُ

بِحلَّةِ حُسنٍ في سَريرِ مَحاسِنٍ

بِعَرشِ دَلالٍ بِالكَمالِ قِيامُهُ

فَما الشّمسُ إِلّا قِنّة عندهُ لَهُ

وَما البَدرُ إِلّا بِالجَمالِ غلامُهُ

وَجَبهَتُهُ وَالوَجنَتانِ وَعِندَها

جَبيناهُ حَيثُ الحسنُ ثَمَّ مُقامُهُ

ثَلاثُ شُموسٍ ثمَّ صُبحانِ أَشرَقَت

مُنَظّمة كَالدّرِّ يَحلو اِنتِظامُهُ

طَلَعنَ بِآفاقِ المَحاسِنِ كلِّها

فَزالَ بِها مِن كلِّ أُفقٍ ظَلامُهُ

وَمُقلَتُهُ الحَوراءُ مَخمورة الكَرى

تَكَسَّر مِنها الجفن فيها مُدامُهُ

فَعينٌ مَعين الحسرِ تَنبع خاطفاً

عُقول الوَرى إِذ كانَ فيها اِرتِسامُهُ

وَإِنسانُها رامٍ عَديمٌ مِثالُهُ

تَحرُّكُه فيها لَعَمري سِهامُهُ

يُواصِلُها رَمياً وَلَيسَ لَها اِنتِها

وَلا يَنتَهي ما كانَ صَحَّ دَوامُهُ

كَأَنَّ سِهامَ الرّميِ مِنه بِأَمرِهِ

وَفي قَولِهِ كوني وَفيها اِحتِكامُهُ

وَلَكِنَّ منهُ اللّحظ مَسلول صارِم

وَبي ذَلكَ الإِنسانُ سُلَّ حُسامُهُ

وَلَحظاهُ ثمَّ الحاجِبانِ عَلَيهما

وَمِن هَهُنا لِلصبِّ كانَ اِنعِدامُهُ

سُيوفٌ مَواضٍ أَربعٌ وَقعها الحَشا

فَأيّ معنّىً غاب عنه حِمامُهُ

وَبي نارُ خَدّيهِ العذارُ عَلَيهِما

بِهِ خالهُ المِسكيّ كانَ اِعتِصامُهُ

كَصَحنٍ مِنَ الياقوتِ خُطَّت مِنَ البها

بِوَسطِ حَواشيهِ مِنَ المسكِ لامُهُ

وَحينَ تَبدّى نَرجِسُ اللّحظِ سَيفه

تَبَدّى بِخَدّيهِ مِنَ المِسك لامُهُ

وَبي ثَغرهُ الدّرّي لِلحُسنِ حافِظاً

علَيهِ مِنَ الياقوتِ كانَ خِتامُهُ

بِهِ ريقُهُ المَعسول يَجري سلافَة

بِها مِن فُؤادِ الصّبِّ تشفى سَقامُهُ

بِنَفسي تثنّيه كَخوطَةِ بانَةٍ

وَما الرّمح إِلّا قَدُّهُ وَقوامُهُ

حَبيبي مَليك الحُسنِ سَمعاً وَطاعَةً

لأَمرك في المضنى العَظيمِ اِحتِرامُهُ

رَضيت بِما تَقضي صَبرتُ عَلى النّوى

عَسى بِرضاءِ الصبِّ يُمحَى اِجتِرامُهُ

فَمُرني لِأَجلِ العَفوِ عَنّي بِقتلتي

فَمُضناك هَذا الأمر مِنكَ مرامُهُ

فَمَن لَم يُطِعه كانَ فيهِ مُخالِفاً

وَقَد ضاعَ منهُ في الغَرامِ ذمامُهُ

أُولو الحسنِ في دينِ الهَوى قَتلُ صَبِّهم

لَهُم جازَ فيهِ حِلّه وَحَرامُهُ

فَهاكَ نُصِرت الجهرَ بِالحُسنِ وَالبها

فُؤادي إِلَيك الدّهر مُلقىً زمامُهُ

بِهِ اِقضِ بِما شِئت إنّيَ حامدٌ

وَما فيهِ مِن لَومٍ عَلَيك تُلامُهُ

وَعاوِد إِلى قَتلي فَعودُكَ أَحمَدُ

وَكُن خَيرَ مَن يَبدو بِقَتلي اِهتِمامُهُ

وَإِنّي عَلى حَمدي أديم إِقامَتي

وَأَحمَدُ مَنْ بِالمَجدِ يَسمو مَقامُهُ

أَخو العِلمِ رَبُّ الفَضلِ شَمسُ مَعارِفٍ

وَبَدرُ كَمالٍ كانَ فيهِ تَمامُهُ

خَدينُ الذّكا لِلمُشكِلاتِ بِحذقهِ

تَسامى فَريداً فَهمُهُ وَاِفتِهامُهُ

هوَ الفاضِلُ النّحريرُ قالَ بِفَضلِهِ

أَفاضِلُ هَذا العَصر حتّى عِظامُهُ

إِمامٌ وَحيدُ الدّهرِ وَهو هُمامهُ

وَما إِن وحيد الدّهرِ إِلّا همامُهُ

هُوَ الدّرّة العَصماءُ وَالجَوهَرُ الّذي

بِهِ سابقُ الأَزمانِ فاتَ اِغتنامُهُ

تَألّفَ مِن عِزٍّ وَمَجدٍ تَجَسّما

فَأَصبَحَ فَرداً لا يَجوزُ اِنقِسامُهُ

وَقاضٍ عَلى حَقِّ بِحقٍّ قَضاؤُهُ

وَكانَ لِقَولِ الحقِّ فيهِ اِلتِزامُهُ

وَفي مَذهَبِ النّعمانِ قَد قامَ مُنذِراً

وَكانَ لِنَصرِ الحقِّ فيهِ قِيامُهُ

صَدوعٌ بِقولِ الحقِّ لَيسَ بِمُستحٍ

وَزانَ مُحيّاه الوسيم اِحتِشامُهُ

تَسامى لِتَقواهُ بِهِ مَنصِبُ القَضا

وَفيهِ سَما هامَ السِّماكَينِ هامُهُ

تَتيهُ القَضايا فيهِ عِندَ سَماعِها

وَيَبدو لِفَصلِ الحقِّ فيها اِهتِمامُهُ

وَقَد سَمعت عنهُ الثّناء بِأَنّهُ

إِذا قالَ قَولاً قيلَ قالَت حذامُهُ

فَيَحكُم فيها لَم يخف لَومَ لائِمٍ

وَكَيفَ وَحَبلُ اللَّهِ فيهِ اِعتِصامُهُ

فَتَرجعُ مَمنوعاً بِها قَولُ مُبطِلٍ

وَمُرتَفِعاً فيها بِحَقّ خصامُهُ

وَلَو شامَ حُسنَ الخطِّ منهُ اِبن مقلةٍ

لَكانَ يَقولُ الدّهرَ لَيتي غلامُهُ

تَدينُ لَهُ الأَقلامُ طِبقَ مُرادِهِ

وَيَقضي بِها ما لَيسَ يَقضي حُسامُهُ

فَلَو خَزّ في الأَوراقِ يَوماً يَراعُهُ

عَلى صَدرِها في الحالِ يَجري كَلامُهُ

سُطورٌ غَدَت مِن لازَوَردٍ سَلاسِلاً

كَنَقشِ عَروسٍ في يَدَيها اِرتِسامُهُ

بَليغٌ وَسَحبان الفَصاحَةِ قِسّها

بِذَروَتِها العليا يَحلّ نظامُهُ

يَسيلُ بِهِ ماءُ البَلاغَةِ جارِياً

وَيَطفو عَلَيها بِالبَديعِ اِنسِجامُهُ

تَبدّى لَهُ طِرفُ القَريضِ مُذَلَّلاً

وَلَيسَ لِسِواهُ في يَديهِ لِجامُهُ

تَسيرُ القَوافي وَالعروضُ خَبائباً

لَدَيهِ وَكُلٌّ في يَديهِ زِمامُهُ

وَيَعدو عَلَيها بِالقَريحَةِ ساطِياً

عَلى لجج الإِغرابِ يَبدو اِقتِحامُهُ

وَيَصطادُ فيها كلّ بِكر بَديعَةٍ

بِها اِختالِ مِن تيهِ البَديعِ قوامُهُ

وَمِن تِلكَ أَهداني عَروساً خَريدَةً

بِها جَوهَرُ الحُسنِ اِستَحالَ اِنقِسامُهُ

عَلى وَجهِها نورُ البَلاغَةِ ظاهرٌ

يَلوحُ وَلَم يَحجِبه عنّا لِثامُهُ

وَإِنّي لمُهديهِ بِبكر عَجوزَةٍ

وَإِن كنتُ كلَّ اللّوم فيها أُلامُهُ

بِذاكَ أُرِي عُذري لِتُحفظَ حُرمَتي

وَمَن يَبدُ مِنهُ البخلُ قَلَّ اِحتِرامُهُ

وَمِنهُ لَها أَرجو القَبولَ مَعَ الرّضا

وَشَأنُ مُحيّاه بِذاكَ اِتّسامُهُ

وَدامَ عَريضَ الجاهِ في طيبِ عِيشَةٍ

وَظِلٍّ ظَليلٍ لا يَزولُ دَوامُهُ

مَدى الدّهرِ ما هَبَّتْ نَسيمٌ على الرّبى

وَغَنّى عَلى غُصنِ الرّياضِ حمامُهُ

وَما أَتْقَنَتْ نَظمَ القَريضِ قَريحة

وَمِنها بِحُسنِ السّبكِ يَحلو اِنتِظامُهُ

وَطابَ لِفَتحِ اللَّه مِنهُ اِفتِتاحُهُ

وَتَمَّ بِحُسنِ المَدحِ مِنهُ اِختِتامُهُ

وَما قالَ ذو وَجدٍ عَنِ العِشقِ مُخبراً

لَقَد ثارَ بِالمضنى المَشوقِ غَرامُهُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن المفتي عبداللطيف فتح الله

avatar

المفتي عبداللطيف فتح الله حساب موثق

لبنان

poet-Mufti-Fathallah@

1294

قصيدة

3

الاقتباسات

84

متابعين

عبد اللطيف بن علي فتح الله. أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء. له نظم جيد في (ديوان -ط) و(مقامات -خ)، و(مجموعة شعرية -خ) بخطه، ألقاها في صباه سنة 1200ه‍في ...

المزيد عن المفتي عبداللطيف فتح الله

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة