الديوان » لبنان » المفتي عبداللطيف فتح الله » لم اسودت الدنيا ولم يك غاسق

عدد الابيات : 72

طباعة

لِمَ اِسوَدَّتِ الدّنيا وَلَم يَكُ غاسِقُ

وَأَظلَمَتِ الآفاقُ حَتّى المَشارِقُ

خَليلي رَعاكَ اللَّه قُل ليَ ما الّذي

لَقَد صارَ في الدُّنيا فَإنّكَ صادقُ

فَهَل آنَ خِلِّي للقِيامَةِ وَقتها

وَنَفخٌ بِصورٍ ثمَّ يَصعَقُ صاعِقُ

وَبَعثُ الوَرى وَالحَشرُ ثَمَّ وَإِنّهُ

تَقومُ لِربِّ العالَمينَ الخَلايِقُ

أَرى الكَونَ مُسوَدّاً أَرى الشَّمسَ لَم تَبِنْ

أَرى البَردَ لَم يُسفِرْ وَما هُوَ شارِقُ

وَأَنّ نُجومَ الأُفقِ غَير طَوالعٍ

فَلَم يَبدُ مَسبوقٌ وَلَم يَبدُ سابِقُ

وَأَينَ السّما غَير الظّلام فَلا يَرى

وَلَو جَدَّ بِالتّحديقِ وَالومقِ وامِقُ

أَزالَت وَإِلّا بِالظّلامِ تَحَجَّبَت

فَما شَأنُها قُل لي فَصدرِيَ ضائِقُ

وَما لي أَرى الأَطوادَ لَيسَت بِحالِها

فَكَم قَد هَوَى طَودٌ وَكَم دُكَّ شاهِقُ

وَما لي أَرى الأَطيارَ خُرساً وَلَم يَكُن

عَنِ الصّدحِ وَالتَّغريدِ يَسكتُ ناطِقُ

وَما لي أَراها لا تَطيرُ وَإِنَّها

وَإِنْ هِيَ قَد قُصّت جَناحاً خَوافِقُ

فَما الخَبَرُ الشّافي خَليلي بِهِ اِشفِني

فإِنِّيَ بِالتَّحديثِ مِنك لَواثِقُ

فَأَنتَ أَبو الأَخبارِ يَروي صَحيحها

أَخو الثّقَةِ الثّبتُ الصّدوقُ المصادقُ

وَها لَم أَزَل فيهِ إِلى أَن أَجابَني

وَأَدمُعُه مِن مُقلَتَيهِ دَوافِقُ

بِصَوتٍ خَفِيٍّ قَد يدقّ سَماعهُ

إِجابَةَ باكٍ وَهوَ بِالدّمعِ شارِقُ

وَقالَ نَعَم أَودى خَليفةُ مالِكٍ

وَمالِكُ هَذا العَصرِ مَن لا يسابقُ

إِمامُ ذَوي التّحقيقِ قدّمَ فيهِمُ

وَتَقديمُهُ فيهِم عَلَيهِ تَوافَقوا

وَجيهِ أُولي التّدقيقِ وَهوَ أَميرُهُم

لَهُ نشرَت فيهِم لَديهِ البَيارِقُ

تَأَمَّر فيهِم بِالعلومِ وَضَبطِها

وَأَبرزَها كَيفَ اِقتَضَتها الحَقائِقُ

تَأَمَّر حتّى أَن تَسمّى الأمير في ال

وَرى وَعَلى التلقيبِ فيهِ تَصادَقوا

هُوَ الشّمسُ شَمسُ الدّين وَالهدى ضوؤها

فَكَم فيهِ أُفقٌ قَد أَضاءَ وَخافِقُ

وَكَم قَد مَحا جنحاً مِنَ الجَهلِ داجِياً

فَزالَ وَلَم يَظهَر مِنَ الجَهلِ غاسقُ

سَمِيُّ أَجَلِّ المُرسَلينَ محمّدٍ

عَلَيهِ صَلاة اللَّهِ ما لاحَ بارِقُ

هوَ البحرُ عِلماً عنهُ حَدِّثْ مُبالِغاً

فَأَنتَ عَلى التّحديثِ عنهُ مُوافَقُ

هُوَ الحَبرُ ينبوعُ المَعارِفِ رائِقاً

عَلى سَطحهِ ماءُ المَعارِفِ دافِقُ

هوَ العالِمُ النّحريرُ وَالجَهبذُ الّذي

عَلى كُلّ نحريرٍ سَما هوَ فائِقُ

هُوَ العَلَمُ المَشهورُ في كُلِّ جانِبٍ

فَلَيسَت تَفوقُ الغَرب فيهِ المَشارِقُ

وَخَيرُ شُهودِ المَرءِ بِالفَضلِ في الوَرى

وَعِندَهمُ فيِه اِشتِهارٌ يُطابِقُ

تَصَدَّرَ لِلتأليفِ مِن زَمَنِ الصِّبا

وَدانَت لَهُ فيهِ الصّعابُ الدقائِقُ

تَآليفُهُ جَلَّت وَتِلكَ بَديعةٌ

وَحَلَّت عَلى التّحقيقِ فيها الرّقائِقُ

فَلا فَنَّ إِلّا وَهوَ فيهِ إِمامُه

وَلا مُشكِلَ إِلّا لَهُ هُوَ سابِقُ

عَلى فَضلِهِ كُلُّ الأَفاضِلِ أَجمَعوا

وَمِنهُم بِدونِ الخلفِ تَمَّ التّوافقُ

وَقَد أَذعَنوا طُرّاً فَلَم يَأبَ مِنهُمُ

صَديقٌ صَدوقٌ أَو صَديقٌ مُنافِقُ

وَقَد أَجمَعوا أَن لا يُجارى مسابقاً

وَأَنْهُ يَحوزُ السّبقَ حينَ يُسابِقُ

وَقَد رَضِيَت مِنهُ سَجاياهُ كلّها

وَقَلَّ الّذي تُرضيكَ مِنهُ السّلائِقُ

وَطابَ بِحُسنِ الخلقِ وَالخلقِ سيرَةً

وَصيتاً كَما قَد طابَ مِنهُ الخَلائِقُ

كَجودٍ وَحلمٍ ثمّ حسنِ تَواضُعٍ

وَفي حُسنِ خلقٍ لِلأَنامِ يخالقُ

وَرَفعِ الأَذى وَالضرِّ وَالنّفعِ شَأنُهُ

وَقَد أُمِنَتْ في الدّهرِ منه البَوائِقُ

دَعاهُ إِلى الجَنّاتِ داعي إلَهه

فَلَبّى مُجيباً لَم تَعُقْه العَوائِقُ

وَسارَ يَجدُّ السّيرَ وَهوَ مَشوقُها

وَيا قُربَ مَقصودٍ لَهُ سارَ تائِقُ

وَقَد ساقَهُ رضوانُ مَولاهُ نَحوَها

وَيا فَوزَ مَنْ رِضوان مَولاهُ سائِقُ

وَسارَ إِلى الفِردَوسِ أَرِّخ بِجدّهِ

وَنالَ خُلوداً وَالنبيَّ يُرافِقُ

وَبُشراهُ بِالفَوزِ العَظيمِ وَإِنَّهُ

يُجاوِرُ مَولاهُ وَلَيسَ يُفارِقُ

وَلَكنّنا فيهِ أَصَبنا مُصيبَةً

تَجِلُّ كَما قَد عَظمتها الخَلائِقُ

بِها قُصِمَت مِنّا الظّهورُ وَقَد وَهَت

كَواهِلُنا عَن حَملِها وَعَواتِقُ

قِفا نَبكِهِ حتّى القيامة أَدمُعاً

تَسيلُ بِها الأَحداقُ وَهيَ زَواهِقُ

وَتَبدو بِها الأَرواحُ صاعِدَةً لَها

وَتَنزِلُ مِثلَ الودقِ وَالودقُ وادِقُ

وَحقّ عَلَينا أَن تُشَقّ قُلوبُنا

وَأَكبادُنا لا أَن تُشقّ البَنائِقُ

فَكَم شوهِدَت إِذْ ماتَ مِنهُ كَرامةٌ

عَياناً وَأَمرٌ لِلعَوائِدِ خارِقُ

فَبَسمَلَ عندَ الغَسلِ أَسمَعَ حاضراً

وَعِندَ نُزولِ القبرِ وَالنقلُ صادِقُ

فَيا لَيتَهُ يُفدى وَكنّا فِداءَهُ

وَأَنْ لَم يَكُن مِمّن لَهُ المَوتُ لاحِقُ

وَلَكِنَّما بِالمَوتِ رَبِّي قَد قَضى

وَمَن كانَ ذا نَفسٍ فَلِلمَوتِ ذائِقُ

وَإِنْ كانَ ذاقَ المَوتَ وَالقبرُ حازهُ

فَما زالَ حَيّ الدّهرَ ما بانَ شارِقُ

فَقَد خَلَّف الصيتَ الحَميدَ وَإِنَّهُ

لأذفَرُ مِسكٍ مالئ الكَونِ عابقِ

وَمَن عاشَ ذكراً فَهوَ حيّ حَقيقَةً

وَمَن لَم يَعِش ذِكراً فَذَلك وابِقُ

وَخَلّف فينا نَجلهُ الجهبذَ الّذي

عَلى فَضلِهِ أَهلُ العُلومِ تَطابَقوا

أَبو العِلمِ رَبّ الفَهمِ بَحر مَعارِفٍ

أَخو الحِذقِ يَبدو لا يُدانيهِ حاذِقُ

تَصَدَّرَ للتدريسِ وَالنّفعِ بَعدهُ

تَصدُّرَ كُفؤ وهوَ أَهلٌ وَلائِقُ

فَأَبدى مِنَ التَّحقيقِ كُلَّ عَجيبَةٍ

يَعزّ عَلى الأَفكارِ فيها الطرائِقُ

وَجاءَ بِما لَم تَستَطِعهُ أَوائِلٌ

وَكَم مِن أَخيرٍ لا يُدانيهِ سابِقُ

وَإِن حازَ فَضلاً مِن أَبيهِ فَإِنَّهُ

وَبُشراكُم سامٍ عَلَيهِ وفائقُ

وَلا غَروَ فَاِبنُ اللّيثِ لَيثُ غَضَنفَرٍ

وَلا عَجب فَاِبنُ البَواشِقِ باشِقُ

فَيا أَيّها المَولى الّذي قَلَّ مثلُهُ

فَكالشّمسِ لا مثلَ فَلا فَرق فارِقُ

لَئِن كُنتَ مَولانا أَصبتَ مُصيبَةً

عَلى هَولِها مِنّا تشيبُ المَفارِقُ

تَذَكَّر بِخَيرِ الرّسلِ أَعلى مُصيبَةٍ

يَقِلُّ لدَيك الخطبُ إِذْ أَنتَ ضائِقُ

وَصَبراً فَإِنّ الصّبرَ أَليَقُ بِالفَتى

وَعَن أَجرِهِ مَولايَ يَقصرُ ناطِقُ

وَفيكَ لَنا عَمّن أُصبت أَخا الحجى

بِهِ خَلف مِنهُ اِستطيبَ الخَلائِقُ

وَأَسأَلُ ربّي اللَّهَ حُسنَ عَزائِكم

وَإِعظامه أَجراً بِهِ الفضلُ حائِقُ

وَيُسكِنَهُ الفِردوسَ قُربَ جِوارِهِ

وَفيهِ لَهُ بالدّرِّ تُبنى الجَواسِقُ

وَيَسقِيَ قَبراً ضَمَّهُ غَيثُ رَحمَةٍ

يُقَلِّبُ فيه وَهوَ في ذاك غارِقُ

مَدى الدّهرِ ما هَبَّت رِياحٌ لَواقِحٌ

وَما أمطَرَت غبّ البروقِ البَوارِقُ

كَذا ما اِبنُ فَتحِ اللَّهِ يَسأَلُ قائِلاً

لِمَ اِسوَدَّت الدّنيا وَلَم يكُ غاسِقُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن المفتي عبداللطيف فتح الله

avatar

المفتي عبداللطيف فتح الله حساب موثق

لبنان

poet-Mufti-Fathallah@

1294

قصيدة

3

الاقتباسات

84

متابعين

عبد اللطيف بن علي فتح الله. أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء. له نظم جيد في (ديوان -ط) و(مقامات -خ)، و(مجموعة شعرية -خ) بخطه، ألقاها في صباه سنة 1200ه‍في ...

المزيد عن المفتي عبداللطيف فتح الله

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة