الديوان » لبنان » المفتي عبداللطيف فتح الله » هذي الربوع وما بها من منزل

عدد الابيات : 66

طباعة

هَذي الرّبوعُ وَما بِها مِن مَنزلِ

فَاِذكُرْ عُهودكَ في الزَّمانِ الأوّلِ

أَيّامَ قَصفِكَ بِالصّبابَةِ والصِّبا

إِبّانَ وَجدِك بِالجَمالِ المُعتَلي

إِذ كُنتَ ريعانَ الشّبابِ وَشَرخَه

يُسقى المَحاسِنَ وَهيَ أَعذَبُ مَنهَلِ

إِذ كُنتَ تَرتَعُ في المِهادِ مَعَ المَها

سَكرانَ مِن خَمرِ الغَرامِ المُذهِلِ

مُتَعلّقاً غَيداءَ بِنتِ مَحاسِنٍ

تَدَعُ الشّموسَ كَواسِفاً لا تَنجَلي

حَوراء يَنسجُ لَحظها سِحرَ الهَوى

فَلَه العُقولُ تَقولُ ما شِئتَ اِفعَلِ

غَزّالةٌ مِن سِحرِهِ ثَوبَ الضّنى

تَكسو بِهِ جِسمَ المُولَّعِ وَالخَلي

حاكَتهُ مِن غَمزاتِها لِمُتيَّمٍ

قَد صَيّرَتهُ هائِماً لَم يعقلِ

إِنسانُهُ وَهوَ الضّعيفُ فَإِنَّه

يَقوى لِقَتلِ الضّيغَمِ المُستَبسِلِ

أَهدابُها تَبدو السّهامَ وَلَحظُها

سَيفٌ يَذوبُ لدَيهِ أَمضى صَيْقلِ

تَحمي بِه وَردَ الخُدودِ وَماءَها

أَحْصِنْ بِوَردٍ تَحتَ ظِلّ المِنْصَلِ

وَلَقَد سَرى في وَجهِها ماءُ الحَيا

وَالحسنِ فَاِمتزَجَ العقارُ بِسلسَلِ

فَبَدا بِهِ وَردٌ وَنِسرينٌ هُما

كُلُّ المَحاسِنِ في المُحيَّا الأَجمَلِ

وَبَدا اِنشِقاقُ البَدرِ لَمّا أَسبَلَت

سود السَوالِفِ مِثلَ لَيلٍ ألْيَلِ

خَتَمَ الجمالُ ختامَهُ في خَدِّها

فَخِتامُه مِسْكٌ وَفي هَذا فَلِ

لَمياءُ يَشرَبُ مِن سُلافِ رُضابِها

دُرٌّ وَياقوتٌ هُما أَغلى الحلي

تَفتَرُّ ثَغراً عَنهُما فَإِذا أَرى

بَرقاً مِنَ الشّفقِ البهيِّ يَلوحُ لي

هَيفاءُ ناعِمَةٌ بِجِسمٍ مُترَفِ

يُدميهِ منْ مِثلي أَقلُّ تخيُّلِ

خَوْدٌ رَداحٌ غادَةٌ رُعبولَةٌ

تَختَالُ في ثَوبِ الدّلالِ المسبِلِ

تَهتَزُّ عِطفاً وَالقناةُ قَوامُها

فَالاِعتِدالُ لِمَيلِها دَوماً يَلي

عَلِقتُها روداً دَقيقٌ إِطلُها

قَد قَلَّ طَوْداً مِثلُهُ لَم يحملِ

يَسري بِها ماءُ الشّبيبَةِ وَالبَها

جَرْيَ المُدامَةِ في مَجاري المِفْصَلِ

طارَحتُها بِحَديثِ وَجدي هائِماً

مِن كلِّ مُتّصِلِ الهَوى وَمسلسلِ

وَسَأَلتُها بِجَمالِها وَصَبابَتي

رَفعَ التجَنّي وَالسّماعِ لعُذَّلي

وَطَلَبتُ مِنها أَن تزوّلَ لَوعَتي

وَلَهيبَ أَحشائي وَقلتُ لَها صِلي

إِنّي اِمرُؤٌ مِن أَهلِ مَجدٍ أَسَّسوا

بُنيانَهُ فَوقَ السِّماكِ الأَعزَلِ

مِن أَهلِ عِزٍّ في الأَنامِ مُوطَّدٍ

مِن أَهلِ أَصلٍ في الأَنامِ مفضَّلِ

وَعَليِّ قَدرٍ ما العُلى إِلا لَهُ

إِذ لَم تَكُ العَلياءُ إِلّا في عَلي

سامي الذُّرى عالي الجنابِ قَدِ اِبتَنى

فَوقَ السّهى لِلمَجدِ أَرفعَ منزلِ

وَقَدِ اِمتَطى العَلياءَ وَهيَ يَقودُها

شَرفُ السّيادَةِ بِالفَخارِ الأَكمَلِ

مَلكَ المَعالي بِالعَوالي وَالفَتى

يَجني المَعالي بِالقَنا وَالقَسطَلِ

أَسَدُ الشَّرى أَسيافُهُ أَظفارُهُ

وَرِماحُهُ أَنيابُهُ إِنْ يحملِ

ما قُلِّمَت أَظفارُهُ لَكِنّها

فُلَّتْ بِفَلقِ الأُسْدِ لمّا تَعتَلي

يَسطو هِزَبْراً تَعتَليهِ وَسامَةٌ

يَعدو عَلى طِرفٍ أَغرَّ محجَّلِ

فَإِذا عَدا فَوقَ الجَوادِ وَشَتمِهِ

لم تَدْرِهِ أَبِمُدبرٍ أَم مُقبلِ

يَعلوهُ نورُ مَهابَةٍ وَوجاهَةٍ

فَتَظنُّهُ الأَعداءُ أَعظَمَ جَحفَلِ

كَم جالَ في مِضمارِ حَربٍ جائِلاً

أَمبارِز صَعب اللّقا وَالمَقتلِ

فَيُجيبهُ داني المَنيّةِ ماشِياً

مَشيَ الشّياهِ لِذَبحِها بِالأَرجُلِ

فَبِلَمحَةٍ يَبدو الصّريعُ عَلى الثّرى

وَوَليمَةٍ قَد هُيِّئَت لِلمَأكَلِ

تُدعى إِلَيها الطّيرُ مِن كَبِدِ السّما

يُفنينها أَكلاً بِدونِ تَمَهُّلِ

بَحرُ النّدى سَحُّ العَطايا رِفدُهُ

عَن مِثلِ مَعنٍ مثله لَم ينقلِ

يُقري الضّيوفَ فَشِمْت نيران الوَرى

مِن نارِهِ جُزءاً بِعَينِ تَأمُّلِ

فَبِلادُهُ كانَت بِلا جَبلٍ لَها

وَالآنَ قَد صارَت بِذاتِ الأجبلِ

تِلكَ الجِبالُ مِنَ الرَّمادِ رَمادِهِ

قَد كُوِّنَت وَلِغَيرهِ لَم تحصلِ

لا عَيبَ فيه غَيرَ أَنَّ نَوالَهُ

بَينَ الكِرامِ وَسيفُهُ في الأرذلِ

خِدنُ الشّهامَةِ صِنْوُ كلِّ مُروءَةٍ

عَينُ الفُتوّةِ روحُ كلّ تَجمّلِ

عَفُّ الإِزارِ بحلّةِ التَّقوى اِكتَسى

بِمَحاسِنِ الأَخلاقِ خيرُ مُسربَلِ

في حُسنِ رَأيٍ لا يَضلُّ وكَيفَما

قَد مالَ مالَ إِلى السّدادِ الأَكمَلِ

في حُسنِ تَدبيرٍ بِفِكرٍ ثاقِبٍ

يَضَعُ الأمورَ عَلى الصّوابِ الأَفضَلِ

في حِذقِ فَهمٍ كَم أَلَمَّ بِغائِبٍ

لا فَرقَ فيه لواضحٍ عن مُشكلِ

قَد نالَ حِلماً فاقَ فيهِ أَحنفاً

وَتَمامُهُ في أَنَّهُ لَم يجهلِ

وَحَميدِ صيتٍ في الأَنامِ كَعَنبَرٍ

تَحيا النُّفوسُ بِنشرهِ المُتَسلسِلِ

قَد سادَ في الآفاقِ تَحمِلُهُ الصَّبا

وَتُذيقُه عَرفاً كَعَرفِ المندلِ

وَبَديعِ لَفظٍ كَالجَواهِرِ مُكتَسٍ

سحرَ البَيانِ أَجلَّ ثَوبٍ مسدَلِ

وَمَضاءُ عَزمٍ كلّ عَضبٍ دونهُ

كَالبَرقِ إِسراعاً إِذا لَم يعجلِ

للَّهِ رَبّي دَرُّه مِن كامِلٍ

جَمَعَ الكَمالَ بمجملٍ ومفصَّلِ

إِنّي إِلَيهِ مُرسَلٌ بِخَريدَةٍ

حَسناءَ بِكرٍ ذاتِ طَرفٍ أَشكَلِ

بِنت الفَصاحَةِ وَالبلاغَةِ تَكتَسي

حُلَلَ البَيانِ مِنَ البَديعِ الأَجمَلِ

تَمشي الهُوَينا وَالحَياءُ خِباؤُها

لَم تُبدِ غَيرَ تَبسّمٍ وَتكحّلِ

أَركَبتها نِضْوَ القَريضِ مذَلّلاً

يَحدوهُ كلّ مُعوّذٍ وَمبسملِ

تَسعى إِلَيهِ وَالقَبولُ رَجاؤُها

يا خَيبَةَ المَسعى إِذا لم تُقبَلِ

حاشاهُ مِن عَدَمِ القَبولِ وَمثله

يَهَبُ القَبولَ ولو لغير مؤمِّلِ

لا زالَ رَحبُ رِحابِهِ لِلمُرتَجي

كَهفاً وَلِلّاجينَ أَحصنَ معقلِ

وَأَدامَهُ رَبّي بِمجدٍ راقياً

أَوجَ المَعالي عَلى السّماكِ الأعزلِ

ما ماسَ غُصنٌ بِالنّسيمِ إِذا سَرى

ما طابَ في رَوضٍ غناءُ البُلبلِ

ما هامَ ذو وَجدٍ فَقيلَ لَه اِنتَبِه

هَذي الرّبوعُ وَما بِها مِن مَنزِلِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن المفتي عبداللطيف فتح الله

avatar

المفتي عبداللطيف فتح الله حساب موثق

لبنان

poet-Mufti-Fathallah@

1294

قصيدة

3

الاقتباسات

84

متابعين

عبد اللطيف بن علي فتح الله. أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء. له نظم جيد في (ديوان -ط) و(مقامات -خ)، و(مجموعة شعرية -خ) بخطه، ألقاها في صباه سنة 1200ه‍في ...

المزيد عن المفتي عبداللطيف فتح الله

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة