الديوان » عمر تامر الكاشف » التائية الصغرى

عدد الابيات : 358

طباعة

سقيتُ بها مُرًّا و كأس مُدامةِ

و نشْوايَ عينٌ إذ تجودُ بنظرةِ

و ما هجرُها إلَّا عذابٌ و لذَّةٌ

فلا الحُبُّ حبٌّ إن يكُنْ دُونَ لذَّةِ

و مَنْ يهوَ من أضناهُ جُلَّ مَذلَّةٍ

طربتُ فإنَّ الحُبَّ خُلْدُ مذلَّةِ

رُضابُكِ شهدٌ من حُميَّاهُ ظامئٌ

فؤادي ، فما جادَ الحبيبُ بقُبلةِ

رُنَيْنةُ ما حلَّتْ سواكِ بمُهجتي

فغيرُكِ ما هُمْ غيرُ أهواءِ شهوتي

فإن أرنُ يا نانا لغيرِكِ لامَني

فؤادي ، و فورًا قد ألاقي منِيَّتي

أضحِّي الذي أبغي لنانا و أشتهي

فرُوحِي لها إذْ أحسَنَتْ أو أساءَتِ

أيا معشَرَ العُشَّاقِ إنِّي ربيبكُمْ

و أكَثرُ من عانى ربيبُ الشريعةِ

شريعةُ أشواق الهوى و الذي رأى

الرَّدى ما رأى ما قد رأيتُ بمقلتي

و هذا الهوى مِلْكِي و بدرُ السَّماءِ من

شِيَاتِي و أحلامُ الغوانيَ نِعمَتي

شغلتِ كياني عن أداءِ فرائضٍ

و بعضُ الهوى فيهِ مِنَ البينِ ردَّتي

و بعضُ الهوى فيهِ منَ الوصلِ بهجتي

و بعثي و إيماني ببنتٍ تجلَّتِ

مُهفهفةٌ عفرا أُجِنُّ غرامَها

و ما لمَسَتْ منها الأناملَ راحتي

أكتِّمُ أشواقي و ليس بنافعٍ

تكَتُّمُ ما بي و السُّكوتُ تعلَّتي

إذا الدَّاءُ في كتمانِ شوقٍ فحاسمُ

الهوى الموتُ إنَّ الموتَ فكٌّ لعُقدتي

أجاورُ بدرًا كالنُّجومِ خدوده

ضفائرُهُ غيمٌ مُحنَّى بليلةِ

لها عذبُ ترنيمٍ بإنجيلِ قولِها

و عينٌ إذا تبكي ، فدَمعٌ كآيةِ

و لي حُزنُ يعقوبٍ و أكثرُ حسرةٍ

فأينَ من الأشواقِ ألقى حبيبتي ؟

هلُمِّي ، هلُمِّي يا فتاتي لنلتقي

دنِفْتُ أسًى ، ثُمَّ تلفتُ بصبْوَتي

بكيتُ على ذكرِ الحبيبِ صبابةً

و أيُّ صبابةٍ تفوقُ صبابتي ؟

أراودُ نفسي في مخادعِ سلوةٍ

أعوذُ بربِّي من وساوِسِ سلوَةِ

تُصيبُ حشا المفتونِ فيها بأسهُمٍ

حِسانٍ ، أكنَّاتٍ ، بقلبي تلظَّتِ

و لمَّا تلاقينا بأوَّلِ مارسٍ

تجدَّدَ عُمري وابْتَدَتْ معْكِ قصَّتي

و قد جمَعَتْنا يا رُنَيْنةُ شمعةٌ

و أيُّ لهيبٍ يا حياتي بشمعتي ؟

أميلُ لها وهْيَ الإمامُ ، و قِبلتي

العيونُ و محرابي الذي فيهِ صلَّتِ

أسلِّمُ حتَّى في السلامِ رأيْتُها

يميني ، شِمَالي ، ثُمَّ ثوبي و سِبْحتي

أنوحُ علينا و العلاقةُ هُتِّكَتْ

و قد أفنتِ الأقدارُ طيبَ علاقةِ

أيا برزخَ الأشواقِ إنَّكَ مُتلفي

و طُوفانُ نُوحٍ لا يُشابِهُ عبرتي

فعَبرةُ أوَّاهٍ ، و عَبرَةُ ظبيةٍ

تُبيدُ بِنا كُفرَ الشُّعورِ بفُرقةِ !

وهبتُكِ رُوحي في الغرامِ محبَّةً

لعلَّ مِنَ الأرواحِ نعمةُ زُلفةِ !

تُكلِّمُني حتَّى أرقَّ فأنثني

لحُلوِ كلامٍ بالدَّلالِ و رقَّةِ

أراها وميضًا في الغرامِ ملُولةً

تمُرُّ كشُهبٍ ثُمَّ تُخفى بلحظةِ !

أبعدَ عهودِ الوِدِّ تنقضُ ما وفَتْ ؟

و قد أقسَمَتْ لوْعًا ، و سُرعانَ مَلَّتِ !

عجبتُ لقلبي أنَّهُ رغمَ غدرِها

بِهِ لم يزَلْ يهوى العُبابَ بلَوْعةِ !

تُحدِّثُني تبغي لقاءًا و تشتهي

فإنْ تطلبي هذا ، فيا خيرَ بُغْيَةِ

و تَوْبادُنا عند الإشارةِ نائحٌ

أحسَّ الجمادُ بي ، و ما قد أحسَّتِ

كأنِّيَ منها إذْ ظفرتُ بمُلتقًى

أرى ملكُوتًا من كرائزِ وجْنةِ

أحبُّكِ حتَّى قد سألتُ خليلةً

و في كُلِّ أعضائي نَميتِ كوَردةِ

أرقُّ للومي من عذولي فعذلُهُ

يُهيِّجُ ما بي لوعةً بملامةِ

تحدَّيتُ أقوامي و نفسي بحُبِّها

فهل هيَ مثلي في التَّحدِّي رُنَيْنتي ؟

وقفتُ بأعتابِ الغرامِ مُصهَّدًا

فجَوٌّ لطيفٌ حيثُما الرِّيحُ هبَّتِ

أقولُ لسَلمى يا سُليْمةُ خبِّري

القتيلَ بأخبارِ المها حيثُ شطَّتِ

أجولُ مَداها باحثًا ، صاديًا لها

لخَدٍّ تحنَّى بالدِّما حُلو زِينةِ

و بي لوعةٌ شبَّتْ كلوْعةِ عُروَةٍ

بعفرَاءَ إنِّي كجميلِ بُثَيْنةِ

عرفتُ حبيبي مُسرفًا في هجيرِهِ

يُبارِكُ بالهجرانِ و البَيْنِ قتلَتِي

و مَنْ يرَ في عشقِ الحبيبِ مذَلَّةً

فذا في الهوى شَرعٌ و خيرُ سجيَّةِ

تُعذِّبني لهْوًا فلا بأسَ يا رنا

فإنَّا بكَفِّ الحُبِّ أخشابُ دُميَةِ

فما كادَ جفَّ الدَّمعُ حتَّى انْكَوى الحشَا

فدَمْعٌ على دمعٍ ، و نَوحٍ و حسرةِ

و قد فاقتِ الأمواجَ في السِّحرِ و الجوى

فجيدُكِ شطُّ الطِّيرِ ، مرعَى الغزالةِ

و ما بينَ أحداقِ النِّساءِ من الهوى

و أحداقِكِ السَّوْداءِ مَليُونُ نجمةِ

و شتَّان ما بينَ انْشقاقِ الصُّدُورِ في

عناقٍ طويلٍ و المماتِ بلَفتةِ

و لم أحفظِ النَّفس العليل بحُبِّها

و في الحُبِّ إنَّ النَّفسَ غيرُ مُصانةِ

رُنيْنةُ إنَّ الحُبَّ منَّا خميلُهُ

و في كفِّنا ترعى الشجونُ كنُطفةِ

كعُرجونِ نخلٍ قد نَمَتْ خُصُلاتُها

و ليل كحيل سالَ من كُلِّ خُصلةِ

تغيبُ و طيفٌ في مناميَ نائبٌ

يجودُ بما أخفَتْ عليَّ و ضنَّتِ

يُعوِّضُني طيفٌ يجيءُ تبسُّمًا

مُشَرَّحِ صدرٍ يُستهلُّ بنفحةِ

أبيتُ و عُذَّالي لحالي شماتةٌ

كَذا الحُبُّ دَومًا ما خلا من شماتةِ

فإنْ زادَ كيدُ الحاسدين و لومُهُمْ

تأكَّد بصدق الحبِّ صدقِ المحبَّةِ

أنا مثَلٌ في الحبِّ يُضرَبُ دائمًا

فوجديَ فوَّاحٌ ، شذِيُّ صبابةِ

حديثًا تجاذَبْنا بِحَرِّ مَسبَّةٍ

فلُمْتُ بأحقادي ، فردَّتْ و سبَّتِ

و ربِّيَ ما أغلى عليَّ بأرضِنا

سِوَى قدَمَيْها في الشَّوارعِ حطَّتِ

بشارعِ نحَّاسٍ و شارعِ فاتحٍ

تسيرُ و في النادي و في الكَفرِ حلَّتِ

أخاصمُها صمتًا لأجلِ بُرُودِها

فأذبَحُ ما شاءَ الفؤادُ و شاءَتِ

غداةُ الهوى ساقٍ بكأسِ خواطرٍ

فأسْكُرُ بالأفكارِ في عشقها التي

أحاورُها باللطفِ علَّ صبابتي

ستُدركُها حُبًّا و تُسعفُ حِيرَتي

فنارُ الهوى تخبو بنارٍ جديدةٍ

و لا القلبُ ضجرانٌ و لا النَّارُ ملَّتِ

أناديكِ عمْدًا في البيانِ حبيبتي

و أدركُ يا نانا عقابي و علَّتي

فسُبحانَ من سَوَّا الجمال لأجلِها

و زَيَّنَ أحداقَ المها فتَجلَّتِ

بسِرٍّ من البدرِ الكحيلِ و مِسْكِهِ

فرُوحُكِ بدرٌ بالصَّفاءِ تحلَّتِ

نُحُولٌ و أسقامٌ و موتٌ و رِعشةٌ

و حُمَّى الهوى أضنَتْ نُحولي و أذكَتِ

رُنَيْنةُ يا ذات الأسيلِ مُخضبٍّ

أيا توأمَ العذرا برُوحٍ زكيَّةِ

ذكرتُكِ عندَ البحرِ فيكِ مُسبِّحًا

و ذكُرُكِ تسبيحٌ على كُلِّ صيغةِ

أنا أكبرُ العشَّاقِ حزنًا و شقوةً

و مِنْ ألَمي أبدَتْ جراحي نبوَّتي

إذا جئتِني يومًا بنفسي وجدْتِني

طريحًا ، مريضًا و الضُّلوعُ تأسَّتِ

و بعض عظامي بالنُّحولِ تآكَلَتْ

و قد كادَ أن يُفْني الغرامُ حُشاشتي

و ما لي بنارِ الحُبِّ عافِيَةٌ و قد

أُصيبَ فؤادي في الغرامِ بذَبْحَةِ

و ناريَ من نارِ الخليلِ ، جهنَّمٌ

فأينَ من النِّيرانِ ألقَى سَلامتي ؟

فنيرانُهُ بردًا غدَتْ و سلامةً

فيا نارُ بردًا حاوِطيني كجنَّةِ

و ذنبُ كلينا في الصَّبابةِ واحدٌ

نُمثِّلُ في الأشواقِ دورَ الضَّحيَّةِ

و أنتِ هلالي يا رُنيْنَةُ و الشَّذا

أيا بُرتقالَ الوجدِ ، خوخُ الطُّفولةِ

و يومَ لقاها صُدفةً عُمُرِي ابْتَدَا

و ما كانَ قبل الحُبِّ ليسَ بحِسبتي

أيا أوْلياءِ الحُبِّ عطفًا تصدَّقُوا

فكافرةٌ ضنَّتْ و بالبينِ زكَّتِ

أغارُ عليْها من نسيمٍ يُحيطُها

فلا تغضبي منِّي خصامًا لغَيْرَتي

فأحسدُ أثوابًا تُلامِسُ جسمَها

على الكَرمِ قد غارت غصونُ الشُّجيْرةِ

و أحسدُ صحْباتٍ تَرافقْنَ في المَسا

إذا كلَّمُوها للقا الشَّمسِ لبَّتِ

و أحسدُ أترابًا تبُوسُ رُجُولَها

فتُصبحُ جنَّاتٍ إذا سارتِ التي

تقومُ أعاصيرٌ لِنايِ قوامِها

و ما عادةُ الهيْفاءِ أنْ بالحُبِّ غنَّتِ

و إنَّكِ يا عشتارُ كُبرَى مصائبي

و كُبرى العلاماتِ ليَوْمِ قيَامتي

و أحسُدُ مِن ودٍّ أباها و أمَّها

قطعتِ حبالَ الوِدِّ و القطعُ علَّتي

و أحسُدُ أضلاعًا تضُمُّ فؤادَها

حلمتُ بضمِّ القلبِ منها بسِدرتي

و أحسدُ دارًا بالحنانِ تُحيطُها

فؤاديَ دارٌ شيَّدَتْهُ كمَنْجَتِي

و أحسُدُ دُنياها فتَنْعَمُ بالهوى

و دُنْيايَ من غير الغزالةِ هُدَّتِ

فراديسُ أهدابٍ تُكحَّلُ بالبُكا

و لؤلؤ طوْقٍ نامَ , في موجِ لفْتةِ

أحبُّكِ في ثوبِ شجونٍ جديدةٍ

غريبٌ على الأشجانِ تجديدُ هيئةِ

نحوُلي شديدٌ من مكائدِ حيلةٍ

و إنَّ شفائي من زُمرُّدِ حَلمةِ

تقولينَ أمِّي لا تريدُ كلامَنا

و لا أدرَكَتْ قلبي شتاتُ الأهلَّةِ

أحاربُ من إنسٍ و جنٍّ جحافلًا

فحُبُّكِ إعجازٌ و هاتِكَ نُصرَتي

فتحسُدُني نفسي لشدِّةِ لوْعتي

فإنِّي بها منِّي حُسدُتُ بلوعتي

و كُلُّ حبيبٍ بالحبيبِ لقاؤهُ

و صَدري فراغٌ و الحبيبُ بغُربةِ

أحسُّ بها قبل الكلامِ فإنَّني

كأمٍّ و ذي في الحُبِّ نُعمَى الأمومةِ

و مَنْ يهوَ في صمتٍ و يقْرا حبيبَهُ

قراءةَ فنجانٍ عميقِ القراءةِ

مُحِبٌّ فلا تدعو الثُّغورُ من الهوى

لثرثرةٍ ، قيدُ الغرامِ بنظرةِ

رَنَوْتُ كما الأنداءُ ترنو إلى السَّنا

و ما نامَ جفني من سُهادي و قُرحتي

أيا امرأةً بانَتْ بطعمِ فواكِهٍ

كمانْجُو تزْهُو بصَدرِ الخميلةِ

تُرَبِّي نُجيماتِ الشَّذا و كواكبًا

تهادَتْ بحِجْرِها لطورِ الطُّفولةِ

فأنتِ اكْتشافُ الوردِ و البرقِ أسرةً

و أنتِ انشطارُ الثَّغرِ من بعد هجعةِ

تخاطرتُ حتَّى قد تأزَّمتُ باكيًا

و حدَّثَني دمعي بلَوْمٍ و حُرقةِ

أموتُ إذا غابتْ و صعبٌ غيابُها

و إنْ حضَرَتْ يصعُبْ عليَّ تشُتُّتي

و لي في الهوى عُرْفٌ بثوبِ تصوُّفٍ

و زُهدي بجسمِ الكونِ إلَّا أحِبَّتي

و ذاكَ انْتحارٌ و الجنونُ تبتُّلٌ

و منْ شاءَ يتْبَعْ في التَّبتُّلِ سُنَّتي

تعمَّدتُ من ماءِ العيونِ و عُنْقِها

فخمرٌ حلالٌ فيهِ مهدُ الطَّهارةِ

 برغم انْشقاقِ البدرِ عنَّا و رَحلِهِ

فلا شكَّ أنَّا لم نَجِئْ للبدايةِ

فرُغمَ قليلِ الوِّدِّ يا (رَنُّ) بيننا

فلا في هوانا ذاكَ مسكُ النِّهايةِ

فإنَّا خلودٌ لا فناءٌ و دائمًا

يطولُ أسانا و القلوبُ تبقَّتِ

فكُلٌّ لهُ منَّا حنينٌ لخلِّهِ

فإنْ نبكِ حزنًا دامَ حبٌّ لخُلَّتي

كلامي طلاسمٌ و وجدي طلاسمٌ

هلالٌ يُغنِّي صدْعَهُ بالكنايةِ

ففي كُلِّ قولٍ قولُ وجدٍ خفيتُهُ

بمُستترِ الأنْوَا عن الدَّمعِ نُمَّتِ

و أتلُو اسْمَها في العُسرِ و اليُسرِ داعيًا

فأنتِ نعمةُ الأقدارِ أنتِ تميمتي

عشقتُكَ قوليها لَعَمري تحدَّثي

و إن تكرهي قولي لأجل المَوَدَّةِ

يقول صديقي ويْحَ قلبِكَ عاشق

لأوْجاعِهِ في من إليهِ تقلَّتِ

فقلتُ له : إنَّ الإهانةَ عِزَّةٌ

و مَنْ يهْوَ حَرًّا لا يُبالِ بِعِزَّةِ

و لي ألفُ خصمٍ من هواها و إنَّهُمْ

غريمُو غرامٍ صُنْتُهُ بصبابَتي

أيا امرأةً أسنانُها برزخٌ بدا

يُفرِّقُ ما بينَ الخصامِ و قُبلةِ

و أشهدُ أنْ لا غيرَ نانا بحُسْنِها

و من دمعِها تنسالُ نارُ الأنوثةِ

أحبُّكِ ما قِيلَتْ لغيرِكِ يا رنَا

لعَمرُكِ ما بُحتُ لأيٍّ مقالَتي

و ما كشَفَتْ عيني لأيٍّ دموعَها

سِواكِ فإنَّ العينَ تدري قصيدتي

و ما كنتُ أدري أنَّ فيكِ تعلُّقًا

لعَمرُكِ في وَجدي أبُثُّكِ حَيْرَتي

خُلِقْتِ جمالًا في الهيامِ تعفُّفًا

ففوْقَ زكَا لُبْنَى و لَيْلى العفيفةِ

و منها يتوبُ الكُفرُ بعد مَضلَّةٍ

و يغتسلُ الرِّجسُ الأثيمُ بعِفَّةِ

صُلِبْتُ بكَفِّيْها و صلبيَ راحةٌ

فإنَّا للُقيا الحشرِ بعد ساعةِ

فما لبثَ الكونُ الضعيفُ لأدهُرٍ

و في عالمِ الأرواحِ كُلٌّ بحِسبةِ

تعالي لكي نفنى عُرَاةً و حُبُّنا

كساءٌ و سَترٌ للْخِلافِ و دمعتي

سجايا الهوى هذي علينا كثيرةٌ

و لا ينتهي رحلُ المُحبِّ بِسَفرةِ

و يوم دخلتِ الدَّارَ ، دارُ علُومِنا

قطعتُ شراييني و ثارتْ شبِيبَتي

كيُوسفَ في قصرِ العزيزِ بهاؤُهُ

غوى نسوةً تسهو بكفٍّ ذبيحةِ

كأنَّكِ يا معنى البهاءِ و مَقتلي

بصورتِهِ و القلبُ كالبُرتقالةِ

فلا حولَ للقلبِ المُحبِّ و قَوَّةً

نزفتُ دمائي و السَّكاكينُ عَبْرَتي

كحُلْمِ خليلِ الله في ذبحِهِ ابْنِهِ

لها فيَّ ما شاءَتْ عليَّ برُؤْيةِ

و قولي كإسْماعيلَ سلَّمَ أمرَهُ

و بي لسماءِ الحُبِّ بالقلبِ ضحَّتِ

تعرِّي ، أحبِّيني و ذُوبي و ذوِّبي

الشُّموعَ على جِسمي بحُرقةِ حُرقتي

أيا أسقُفَ الفردَوْسِ جائتْ ندِيَّةً

تُظَلِّلُني شوقًا بأنداءِ غيمةِ

تعرِّي ، على الأعصابِ نامي ، تمدَّدي

و لا تُسْفِري أحداقَ عينٍ أريضةِ

أمُنحلةَ الأعضاءِ فيَّ بصوْتها

و صوتُ المها في العظمِ باتَ بمُنْحَتِ

تغَنِّي أيا لحنَ السَّماءِ بمضجعي

و لا تصمُتي عنَّا ثوانٍ و تكْبُتي

فأصلُ الغِنا من صوتِها بلْ و لحنُهُ

و معنى البُكا منها بعَيْنٍ سخيَّةِ

إذا العُمْرُ منِّي ضاعَ ذاكَ مُعَوَّضٌ

و لا عِوَضٌ عن وصلِها إذْ تَوَلَّتِ

حننتُ و حُمَّى الشِّعرِ فيَّ تعظَّمَتْ

إليْكِ يجي قلبي و يدنوكِ وِجهتي

و حاولتُ أنساها بصُحبةِ غيرِها

و لكن بلائي ما نسيتُ غزالتي

أحبُّ رنا حُبًّا ، و أعبُدُها و قد

خفيتُ الهوى حتَّى خفيتُ و أُخْفَتِ

تراءَتْ على عيني ككوكبِ أحرُفٍ

يطُلٌّ مِنَ الشُّبَّاكِ يُطرِبُ ليلتي

تراءَتْ و في شرعِ المُحبِّينَ ذا الهوى

تراءَتْ كَطيفِ الحُلمِ في أوْجِ يقظةِ

أنا أفقرُ العُشَّاقِ رُغم محبَّتي

و لكنَّ بُعدَ الوصلِ عنِّي مَضلَّتي

رنا يا رنا قلبي إليكِ و قد دعا

لعلَّ اسْتجابةً بموْضعِ ركْعةِ

أطوفُ كحجَّاجٍ بساحةِ مكَّةٍ

و كُلُّكِ يا كُلِّي و جسميَ كعبتي

طلبتُ رضاها سائلًا لثم كفّها

و ذنبي غدا أمسًا بشرعِ أحِبَّتي

و ما كُلُّ ذنبٍ في الغرامٍ مُبسَّطٍ

هناكَ ذنوبٌ قد تدومُ لساعةِ

و بعضٌ لأعوامٍ و تلك كبائرٌ

و إنَّ الهوى كبائرٌ من كبيرةِ

أظَلُّ صفوحًا و الذنوبُ سحائبٌ

ففي الصَّفحِ تفنَى كُلُّها لِسحابةِ

فمَنْ يهْوَ إدمانًا يُسامِحْ تَحجُّجًا

فنظرتُها عُذرٌ و أجملُ سَكْرَةِ

أموتُ إذا تنأى ، و حتَّى إذا دنتْ

و ذكرى غرامي قد تهادت لحَضرتي

هيَ الذِّكْرياتُ البِيضُ تكفي لبُرهةٍ

و لا وِردَ عن وصلِ الحبيبِ لِعَطشتي

أعارضُ شيخًا لا يقلُّ مقامُهُ

و نانا بدتْ لي في ثيابِ ملاكةِ

إلاهةُ خمر الله يا أطهرَ الورى

كفاكِ فإنِّي قد ثملْتُ ببَطشةِ

إليَّ هداها الله رزقًا و نعمةً

بوَحيِّ السَّما شوقًا لحُضنيَ أُسْرَتِ

أحبُّ الذي تهوى و أكرهُ ما هوَتْ

تناقضتِ الأشواقُ رعنا بغَيْرتِي

لساني كليمٌ عن كلام فؤادِها

تَكَلَّمَ عنها ما أحسَّتْ و عانَتِ

و عينيَ باكٍ عن بكاءِ عيونِها

بكَى بدلًا عنها بما قد تشاكتِ

يطيبُ هوانُ الصَّبِّ عند حبيبه

و ليسَ لهُ غير الهوانِ بكتمةِ

و نَوميَ لا أدريهِ حتَّى و أنثني

بنفسي و أنأى عن لقاءاتِ صُحبتي

فأُطوَى بها رُغم النصيبِ و كُفرِهِ

بنا ، إنَّه لم...لم يكُنْ غيرَ كِذبةِ

و لم تُبْقِ منِّى البنتُ لا رمقًا و دمعةً

أفتِّشُ عنِّي في مداها حقيقتي

أيا أجملَ النِّسوانِ بل يا جمالَهْمْ

تجلَّتْ بها الرَّمضا بأحسنِ صُورةِ

ففاقَت رجالًا في نضارةِ يوسفٍ

و فاقتْ نساءًا في جمالِ زُلَيْخةِ

و مَنْ يرَ منها خطوةً صارَ مؤمنًا

بربٍّ بديعٍ في صياغةِ وردةِ

أحكِّمُها حالي لتُعدُلَ باللِّقا

و ظُلمُ الهوى عدلٌ و كُلُّ العدالةِ

أحبُّ و أقسُو في عتابي و أغتدي

نسيمًا لهُ قلبٌ رقيق الليونةِ

لخَوْلةَ أطلالٌ و نانا رُسُومُها

بجسمي ، فأبكيها بأنَّاتِ طرفةِ

فنيتُ من الأشياءِ تُفني صميمنا

و تُفني معانيها و بالشَّوقِ شفَّتِ

بحضرتِها دقَّ الفؤادُ مُوَلَّهًا

كأنَّ خفوقي قيدَ بسطٍ و قبضةِ

يشاءُ غبا الأقدارِ يجمعُنا المسا

و علمُ الهوى ذا ليسَ غير جهالةِ

لفاطِمَ قلبٌ لا يرقُّ خفوقُهُ

لدمعِ امرئ القيسِ المُعنَّى بعشقةِ

كتبتُ حروفًا في الغرامِ زرعتُها

بحُبِّي دموعًا كُلَّ دمعٍ بدَمعةِ

بمُنتصفِ الليلِ الكحيلِ أجيئُها

أكابرُ و الأقمارُ تُنصفُ مِحنتِي

و أسألُ كلبَ الحيِّ عنكِ و قطَّةً

و أدركُ أنْ لا حاضرًا للإجابةِ

غبارٌ....غبارٌ في سريري مبيتُهُ

و قد نحَلَتْ جسمي لهيبُ الأريكةِ

و إنْ قتَلَتْنِي ما لربِّي شكَوتُها

فقتليَ مُنْتَهى العُلا و الشَّهادةِ

لها حدَقٌ أسْرَى فؤادي إلى الأسى

يُحيلُ كياني في ظنونٍ غريبةِ

فسبعٌ طباقٌ في الجفونُ طلعتُها

و سدرةُ رمشٌ بالمدامعِ أُسْقَتِ

حشاها حشى الحُوتِ الحنونِ بيونسٍ

و لكنَّهُ أقسى و أكثرُ نشوةِ

عصيتُ هواها بالرجاءِ تضرُّعًا

فألقتْ رغيدَ العيشِ منها بغدرةِ

و لو سفَكَتْ كَبْدِي و صدريَ و الحشى

رأتْ حُبَّها في كُلِّ عضوٍ مُفتَّتِ

أحبُّ كئوسًا تلاعبُ ثغرَها

و معجونَ ريحانٍ حواهُ بفُرشةِ

لقد أبصرَتْ ما بي و لكنَّ قلبَها

كفيفَ غرامٍ ما رأى جُلَّ لوعتي

أذوبُ و لا أدراكِ ربِّي الذي أرى

فلوْ علمَتْ ما بي لأمسَتْ و أضحَتِ

صباحَ ، مسَا لا....لا تملُّ تعفُّفَ

العناقِ و مَرعى كُلَّ كفٍّ بلمسةِ

إذا متُّ يا أهلي بشوقيَ بلِّغُوا

الحبيبَ الجوى إنَّ الهيامَ وصيَّتي

و شأني بشأني لا يعزُّ فراقها

و كُلُّ قليلٍ من لقاها بمِنْحَةِ

فإنْ راحَ عن عيني فؤاديَ مُبصرٌ

و كنتِ بمحرابِ التَّجلِّي و حضرتي

أجوبُ صحاريها و عطري حقيبتي

و ريحُ الصَّبا في الحيِّ أصبحَ مُطيَتي

كأنِّي سليمانًا ملكتُ زمامها

و ذا الجِنُّ من جيشِ الهوى و رعيَّتي

أكلِّمُ فيكِ غزلانًا تثنَّتْ و هُدهُدًا

و أنطُقُ شدوًا في هديلِ حمامةِ

أعلِّمُها علمَ الغرامِ تغزُّلًا

بكُلٍّ مقامٍ في الخُصُورِ الطَّرِيَّةِ

كأنِّيَ داوودٌ أشكِّلُ قلبَها

يلينُ حديدُ القلبِ طوعًا براحتي

و فيكِ أعاني مثلَ آدمَ في الهوى

فحوَّاءُ منهُ من ضلوعٍ و أنَّةِ

فكَيْفَ أيا ضلعَ الفؤادِ تُصيبُهُ

و أنتَ بصدري من ضلوعٍ ضعيفةِ

أمُرُّ على نارٍ تَوَقَّدُ في الحشا

فتأكُلُ أكلًا إذْ فتاتي تراءَتِ

أتيتِ و كُلُّ الأمرِ أنَّا هباءةٌ

و غيري بلُقياكِ ينالُ فضيلتي

حرامٌ على الطُّهرِ المُحَلَّى بعُريِهِ

يسيرُ بسَتْرٍ في ثيابِ النَّجاسةِ !

فأكرهُهُا كرهًا جميلًا فيغتدي

هيامًا...هيامًا لا يُحلُّ كعُقدةِ

و شأني بشأني لا أشاءُ خفاءَهُ

فأخفيتُ حتَّى ضلَّ شوقي و ذمَّتي

و يوم النَّوى لم ينطُقِ الثَّغرُ إنَّما

ينُوبُ البُكا بالدَّمعةِ العَفَويَّةِ

برَيْتُ عظامي من رماحي كأنَّني

بحُبِّكِ يا نانا كُثَيِّرُ عزَّةِ

و ما بينَ نأيٍ و اقْترابٍ نذوبُ في

مقامٍ تسامَى بينَ وصلٍ و جفوةِ

أظلُّ نهاري باحثًا عن لقاءِها

لعلَّ لقاءًا من صياغةِ صُدفةِ

فلا خيرَ في يومٍ بدونِ لقاءِها

و لا في فؤادٍ عنْهُ غيرُ رضِيَّةِ

 أيا غسقًا يهفُو حليمًا بحَلظِهِ

و فجرًا سَناهُ من صُدُورٍ حلِيمةِ

كُنِيتُ بمجنونِ الرنا من صبابتي

و عبد الرنا ، إنَّ الهوى حُلو كُنْيةِ

مريضٌ و ما لي صحَّةٌ من هجيرِها

إذا اقْتَرَبَتْ ميلًا ، فكَبْدِيَ أُشْفَتِ

تصُدُّ و لا في الحُبِّ غير معاركٍ

تصُدُّ و يأبى القلبُ طعمَ الهزيمةِ

إذا كرِهَتْنِي قد أزيدُ توَلّهًا

و إذْ قتَلْتْنِي ، الرُّوحُ بالموتِ أُحْيَتِ

نصبتُ لها فخًّا ، وقعتُ بهِ بها

و سهمُ كُيُوبيدٍ يُصيبُ حُشاشتي

عرفتُ هوى النِّسوانِ يومَ صددنَني

فقبل رنا كان النساءُ بحُرمَتي

و بعد رنا كُلُّ النساءِ هباءةٌ

و مجدُ الهوى أضحى بعَيْنيْ جميلةِ

أنالُ منالًا في هواها مُبجَّلًا

و ما نالَ غيري مثلهُ من ندِيمتي

و ليس لقلبي في هواها تجلُّد

و ليست تُديرُ القلبَ غير رعُونةِ

تُعذِّبنِي يا ليتَ أنِّي مُعذِّبٌ

لتشْعُرَ نار الحُبِّ منذُ ثلاثةِ

تمنَّيْتُ من حُبِّي لها أن تَحبَّني

بقدرِ الذي أُبْدِي لها بِطَرِيقتي

يضيعُ طريقي للصحابِ ، فحَيُّها

دليلي و أنسامُ الرَّوابي دلِيلتي

أحبُّكِ حتَّى قد تورطَّتُ عامِدًا

و مُقترِفًا ذنبَ الهيامِ بوَرطةِ

و ما بينَ جهلِ النَّاسِ عنَّا و حقدهمْ

حوارٌ هوانا بالعيونِ كليمتي

أيا جبلَ التَّوبادِ إنِّيَ عاشقٌ

و في كُلِّ جسمي فيَّ كُلُّ بشاشةِ

و قد مرَّ طيفٌ قد شممتُ أريجَهُ

و أبصرتُها في شارعِ (الحلوِ) مرَّتِ

و ما بينَ وصلٍ من دموعٍ و نظرةٍ

تسامى التَّجلِّي في الدموعِ الحميمةِ

تُوَسْوِسُ لي زِدْ في الصَّبابةِ و الضَّنى

و زِدْ في الهَوى عامًا فإنَّكَ رُؤيتي

و لله في دينِ المحبَّةِ مأربٌ

فوَصلُ المُحِبِّينَ سُمُوُّ العبادةِ

يُجمِّعِنا حُبًّا قتيلًا و قاتلًا

و هذا من المعبودِ أعظمُ نعمةِ

و يوم تلاقينا بأوَّلِ مارسٍ

و شبَّ جنوني عند باب العمارةِ

شعرتُ بأنِّي قد وُلدتُ مُجدًّدًا

و ما يُبعثُ المفتونُ إلَّا بكِلْمةِ

فقلتُ و قالت و القلوبُ تبسَّمَتْ

و من بسمةِ الحسنا تلظَّتْ وِلادتي

ثمارٌ و أغصانٌ و كأسٌ تأوَّهَتْ

إذا قبَّلَ الأطرافَ ريحانُ شِفَّةِ

تُداعبُني إثرَ التلاقي تدلُّلًا

كما داعبَ الرَّيحانُ زعترَ ربْوَةِ

يُداعبُها قلبي بإبريلَ ساريًا

و مُعترفًا شوق الصَّميمِ فصَدَّتِ

و ما للفتَى حظٌّ و ذاكَ مقَدَّرٌ

فرُشْدُ الفتَى في الحُبِّ أعمى البصيرةِ

كتبتُ بياني في ضلوعي بظفرِها

أئنُّ على ما قد بقى من بقيَّتي

أقمتُ بها نُسْكًا و ذُبتُ توَرّعًا

و مِتُّ بها صومًا بإمساكِ عطشتي

و يوم تمشَّينا و كنَّا تقرُّبًا !

ألا ليتَ ماضٍ عن غداةِ كآبةِ

ففي نَكَدٍ نامَ الفؤادُ بيأسِهِ

فكانَ النَّوى من وردةٍ بلَدِيَّةِ

يقولُ ليَ الفيروزُ أضحتْ بحُبِّنا

تهيمُ كرِيحٍ في شراعِ سفينةِ

تبُثُّ بسبتٍ و الثلاثاءِ بِدعةً

تُلَوِّحُ من أُفْقٍ بعيدٍ بضحكةِ

أخافُ على نُطقِ اسْمِها خيفةً مِنَ

الوُشاةِ و صوْنًا للغرامِ أليفتي

وثبتِ لشرياني و قلبي كأرنبٍ

يبُثُّ بأعماقي وُرُودَ الوَداعةِ

أنا ميِّتٌ فيها و لي من ودادِها

ثواءٌ و عيناها ثوابي و عصمتي

ففي كُلِّ ذنبٍ لي ثوابٌ و رِفْعةٌ

و قد سَتَرَتْهُ أدمُعي عن فضيحةِ

فجئتُ إليها في حُزيرانَ نادمًا

و أطلبُ غفرانًا بذُلِّي و خَشْعتي

تجلَّى المَسيحُ يا رُنَينةُ في السَّما

مسيحُكِ يا عذراءُ قلبي و مُهجتي

بكَفرِ عصامٍ و السَّريعِ مُقيمةٌ

فكيفَ هوَى الفردوسُ فيهِ نُسَيْمتي ؟

أجيءُ على ظهري همومي و خيْبتي

و في الحيِّ قد شاءَ الخيالُ إقامتي

أرُوحُ إليها بالذُّنوبِ مُحمَّلًا

 و أرجعُ بالحَسْناتِ تملأُ جُعبتي

و في مُلتقى سبتمبرٍ كنتُ ضائعًا

أقابلُها في مغربٍ عند صخرةِ

فيا صخرةً أضحتْ طلولًا كقلبِنا

غرقنا بها ذكرى كراسبِ قهوةِ

و أرسلتُ من وحيِ الدُّموعِ رسُولةً

كنجمٍ بدا في هيئةٍ بشَرِيَّةِ

و لم يرسُ جرحي في شطُوطٍ و مرفأٍ

فأجهلُ ما فيهِ ، و أجهلُ وِجهَتي

و كُلُّ الذي شاءَ الغرامُ قضاؤنا

و إنْ كانَ في كفِّي لغيَّرتُ ما فتِي

لكُنتُ جعلتُ القلبَ دارًا و موئلًا

إليهِ اسْتَمالتْ عشقةً و اسْتَقرَّتِ

لكنتُ جعلتُ الماءَ يمشي مُوَلَّهًا

و كُلَّ الحَماماتِ تُغَنِّي حكايَتي

هُوَ الحُبُّ ما يلقي بحالِ الفتى إلى

الخرابِ و ذا في الحُبِّ أوْجُ الفضيلةِ

و ما كُلُّ داءٍ للفؤادٍ بِمُبغضٍ

و ليس طبيبُ الإنسِ مثل طبيبتي

أنا فيكِ موجودٌ ، أنا قمَّةُ الوفا

فلا غيمةٌ تسطيعُ وصلًا لقِمَّتي

بِرُوحِ رنا إنِّي التمرُّدُ و اللظى

فيا ليتها تدري الذي عنهُ تساهَتِ

فلا الشَّوْقُ في قربٍ يزيدُ و إنَّما

يزيدُ ببُعدٍ ، إنَّ ذا حُكمَ شِرعتي

تعالي فإنِّي عاشقٌ لا محالةٌ

و ما لفؤادي سلوةٌ عنكِ حُلوتي

تعالي فليس الجسمُ باقٍ و إنَّما

خلودُ الهوى بالرُّوحِ إذْ هيَ طارتِ

أروحُ لعرَّافٍ و أبحثُ جاهلًا

لعلَّ حجابًا قد يُدبِّرُ حاجتي !

لعَمْرُكِ لو...لو ألْثُمُ الشَّالَ يا رنا

و أشتَمُّ فيهِ سيلَ عطرِ المَلاحةِ

أريدُ لقاءًا رغمَ أنَّ اللقاءَ لا

يُبرِّدُ ناري عن أنيني و شِدَّتي

و لي جسَدٌ قد هدَّهُ السُّهْدُ يا رنا

و أصبو بنفسٍ للقاءِ طموحةِ

و إنْ يكُ فيهِ مُسْتحيلٌ فضلِّلي

الفؤادَ سُدى ، جودي عليهِ بكِذبةِ

لها جسَدٌ كالمُزْنِ أبدى نُعومةً

على ورَقي فالشِّعرُ مهدُ النُّعومةِ

لها مُقلةٌ ترنو ، و رمشٌ مُقدَّسٌ

أرى فيهِ ظلَّ الله ظلَّلَ عُسْرتي

أرُوحُ إليها في فؤادي مقاصدٌ

و أرجعُ لا أدري سواها قضيَّتي

و لا شكَّ عنْ صدقٍ يطوِّقُ قوْلَها

و لا شكَّ إنْ أبدتْ إليَّ غلاوَتِي

فقلبي على النَّادي و حلو و فاتحٍ

قريبٌ ، بعيدٌ و الصُّخورُ أعنَّتِي

أراودُ أقلامي بذكرِ محاسنٍ

فشَعرٌ طويلٌ و الوُرودُ بعُتْمةِ

رنا قِبلةُ التَّاريخِ ، أندلسٌ بَدَتْ

و قلبي بقلْبها ابْتغى بدءَ غزوةِ

لها نزْعةٌ صُوفيَّةٌ من صَبا و قد

بدَتْ مُقْلتاها من صفاءٍ و مَروَةِ

هي الهمسُ بل صمتُ الوُجودِ بغَيْهبٍ

أغازلُها غصبًا ، أبَتْ أم أحبَّتِ

ذُبابُ الرُّبى في حيِّ نانا بلابلٌ

يُرفْرفُ غضًّا في جناحِ فَراشةِ

إذا نظَرَتْ نحوي فرحتُ لأدهُرٍ

و راحَ كلانا و الدُّموعُ اسْتهلَّتِ

و غايةُ قلبي في الهيامِ تفرُّدٌ

فنصبحُ رُوحًا و العناقُ وسِيلتي

عشقتُكِ ، كيفَ العشقُ بعدكِ يا رنا ؟

و أنَّكِ بي سُلْطانتي و مَليكتي

ففيكِ مُعاناتي و فيكِ تهتُّكِي

و فيكِ انْتحابي في شجونٍ تسامَتِ

و في الذَّرِّ كُنَّا صُحبةً و توَحَّدَتْ

بأجسادِنا أرواحُنا بصداقةِ

و ما بفؤادي يا رنا بَعدُ لم يُقْلْ

و ذا النَّصفُ منهُ أو أقلُّ بنِسْبةِ

فما لكِ في قلبي كبير لكي نقو

لَهُ أو نراهُ بالعيونِ الصَّغيرةِ

و بعض الهوى بالقلبِ يُسمعُ وقْعُهُ

كما يعبقُ الآذانُ في كُلِّ مُهجةِ

دعيني لأشواقي أكونُ مترجمًا

و أشدُوكِ ودًّا في غداةٍ و ضحوَةِ

مُراديَ أنْ ألقاكِ في الحيِّ دائمًا

و عيناكِ طنطا يا رُنَيْنُ قرينتي

و كم أتَمَنَّى أنْ أكلِّمَها لكي

أقولَ لها : أشتاقُ ! ، هل لي بَزَوْرةِ ؟

أخافُ ، فصَدٌّ ثُمَّ حُزْنٌ و لوْعةٌ

فأبقى بأضغاثٍ مضَتْ و تلاشَتِ

أعانقُ طيفًا في حريرِ وسادتي

أطالعُ عينيها و أشكُو لصُورةِ

أحسُّكِ في أنفاسِ صدريَ زعفرا

نَ خُلْدٍ هفا في كُلِّ زفرةٍ كُلِّ شهقةِ

من الحُبِّ ما أذرَى و أهدَرَ عاشقًا

فلا عاصمًا عن مقتلٍ و صبابةِ

فكنعانُ في كُفْرٍ تشبَّثَ و ادَّعى

و كُلُّ قضاءٍ في الأسى بمَشيئةِ

كأنَّكِ نوحٌ في الغرامِ فؤادُهُ

يلينُ و يُبدي لي جميلَ النَّصيحةِ

فيقضي الهوى ما شاءَ منِّي فأهتدي

خيالًا و يرسو الحُبُّ فوقَ غمامةِ

و ترسو دلالًا في فؤادي تربُّعًا

و أرسو هيامًا ، جاثيًا عند رُكْبةِ

أقيمُ ضريحًا للفؤادِ بحيِّكُمْ

يمرُّ عليهِ كُلُّ قلبٍ بدعوةِ

فيا ربِّ إن دعَتْ عليَّ تبغُّضًا

لها فاسْتَجبْ في كُلَّ دعوةِ بغضةِ

و إنْ أرسلَتْ يومًا إليَّ غضوبةً

فقأتُ الضيا عنِّي و أهديتُ مُقلتي

فخوضي بأعراضي فتلك مُباحةٌ

و لي أنتِ وحدي ، أنتِ غيرُ مُباحةِ

أموتُ لها عامًا و أحيا دقيقةً

لوصلٍ جميلٍ لم يدُمْ لدقيقةِ

و قد لوَّحَتْ لي بينَ صحبي تلطُّفًا

فلمَّا تقابَلْنا جُننتُ ، فجُنَّتِ

لها كُلُّ عينٍ كاللسانِ فصيحة

و كُلُّ يدٍ كالصدرِ حينَ تلاقتِ

فيغدو رنا قلبي و تغدو رنا أنا

و كُلٌّ لكُلٍّ يغتدي بمَعيَّةِ

وقفتُ برمضاءِ الثُّلاثاءِ آملًا

فإنَّ لها فيزْياءَ عند الظهيرةِ

أحبُّكِ حبًّا في السحابِ مُقامُهُ

فأُبديهِ جهرًا في معانٍ عميقةِ

فيا ليتني يا رنُّ مثلكِ لي أبٌ

فأجملُ ما...ما فيكِ عطفُ الأبوَّةِ !

و يا ليتني يا رنُّ أغرقُ في الحشا

ففيهِ مُهُودُ الأغنياتِ الجنينةِ

أحبُّكِ حُبًّا و اليقينُ كُتابُهُ

و هذا كتابٌ كُلُّ قولٍ بعَبْرَةِ

تكلَّمتُ عن حالِ المُحبِّينَ باكيًا

و كُلُّ محبٍّ حالُهُ بعضُ آهتي

و ما بينَ لمسٍ و اقترانٍ نتوهُ في

الصُدورِ بنبضٍ في قلوبٍ لميسةِ

تمنَّيْتُ من نانا بقاءَ ودادِنا

بقيتُ عليهِ إنَّما ما تبقَّتِ

ففي كُلِّ شوقٍ من دُنُوٍّ لقلبِها

خداعٌ و من شوقي إليها اسْتبَدَّتِ

هنيئًا لما أبدَتْ إلينا بحقدِها

مريئًا لما أبدتْ إلينا بغمزةِ

دعي الشَّقوَ هذا واخْلعيهِ مُريدةً

فمن برَدِ الأسى خَلَتْ كُلُّ موجةِ

و لا تدَعيني إنَّني النُّسكُ في الجوى

أبينُ لها ذكرًا إذا هيَ صلَّتِ

و قد حانَ ميلادي فهل من (مبارك) ؟

فهل من لقاءٍ ؟ ذاكَ أحلى هديَّةِ ؟

هو الحبُّ لا أدريهِ رغم لهيبه

و لا هُوَ يدريني و دمعي كجَذوَةِ

فها أنا مثكولٌ و نفسي فقدتُها

و إنَّ الذي ألقاهُ منبعُ غبطتي

و ما الحُبُّ إلَّا لوعةٌ و تناقضٌ

غرامٌ و كُرهٌ و الفؤادُ كرِيشةِ

تميلُ على الجَنْبَيْنِ ضدًّا و كُلُّهُ

يصُبُّ إلى جرحٍ و منهُ لعشقةِ

فيا ليتها تهوى و إنْ كرِهَتْ فلا

كرِهْنا فدومًا نلتقي إثر رَجعةِ

و إنْ ظَهَرَتْ في الليلِ إنَّ خمارَها

الضِّياءُ بوَجهٍ كالنُّجومِ الأفولةِ

سرقتُ لها الأقمارَ قطفًا من السَّما

كما قطَفَتْ منِّي الفؤادَ بخِفَّةِ

فإنَّ الهوى مكْرٌ مُحلَّلُ و الجوى

و من شاءَ وجدًا ما الهوى غير سرقةِ

أحبُّكِ حُبًّا يا رُنينةُ جامحًا

فليس له تعريفُ بثَّ هشاشتي

و ما أعنفَ الأشواقَ و الوجدَ إن طغوا

بسُقمِكِ يا بنتَ الظِّباءِ الحميدةِ

و ما بينَ تسبيح الضَّني في جوانحي

و حُزنٍ أعاني في ضلوعٍ نحيلةِ

فقلتُ : و ظبيُ الرَّاءِ ذاكَ بليِّةٌ

و ما ميَّزَ الأسقامَ طعم الحلاوةِ

و أنتِ الهوى و الحزنُ و الكونُ كُلُّهُ

و حُبُّكِ آثامٌ و أنكرُ تَوْبَتي

و ما بَيْنَ عصيانِ القلوبِ و طاعةٍ

أطيعُ دموعي في فتاةٍ عصيَّةِ

أحبُّكِ هذا القيلُ عنِّي فإنَّ في

سقامي تجلَّى الحُبُّ جُلَّ الجلالةِ

دعيني ، دعيني أغنِّيكِ نائحًا

فسيَّان ما بينَ النَّوى و وجيعتي

و سيّان ما بينَ العيونِ و ساحرٍ

فعيْنُكِ راسْبُوتينُ بشَّرَ بلْوَتي

و في الحُبِّ من صعبٍ يُبيدُ لأصعبٍ

أعاني و آيُ الحُبِّ مهدُ المحبَّةِ

فأوْجزتُ ما يُضني المُحبِّينَ بالجوى

بعشرِ دروسٍ من مَكابدِ رِحلَتي

فهذا كتابُ الحبِّ أفنى بيَ الصِّبا

بحبرِ دموعي تلكَ آخرُ صفحةِ

فلولا الشقا لن ندرَكَ الحبَّ و الأسى

فأوَّلُ درسٍ فيهِ ( آهةُ شقوةِ )

و مَنْ يهوَ ما أبقى حصاةَ تعقُّلٍّ

فثانيَ درسٍ فيهِ ( فرطُ الحماقةِ )

أحبُّ و أبكي يومَ تنأى رُنَيْنتي

فثالثُ درسٍ فيهِ (عهدُ الطُّفولةِ)

و أجهلُ ما شأني و أبغي محبَّةً

فرابعُ درسٍ فيهِ ( علمُ الجهالةِ )

و إنِّي لهاوٍ في عيونٍ قتلنني

فخامسُ درسٍ فيهِ ( لذَّةُ قتلةِ )

أحبُّ الذي في كُلِّ يومٍ يخونُنِي

فسادسُ درسٍ فيهِ ( بوحُ الخيانةِ )

فما لي بديلٌ عن لهيبي و وقْفتي

فسابعُ درسٍ فيهِ (خشْيَ الخُسارةِ )

و إنِّي لمخْفيُّ الحِجَى عن تعقُّلي

فثامنُ درسٍ فيهِ ( سَتْرُ الرزانةِ )

سكُوتٌ و كتمانٌ لشوقٍ مُؤجَّجٍ

فتاسعُ درسٍ فيهِ ( كبتُ الصَّبابةِ )

إذا ما بدا صبرٌ لداءِ صبابةٍ

و أتَلفَ من دارى هواهُ بحسرةِ

فعاشرُ درسٍ في الغرامِ مُعنْوَنٌ

"و لا خيرَ عن جَزْعٍ سِوى خطْبِ مِيتةِ"

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمر تامر الكاشف

عمر تامر الكاشف

77

قصيدة

شاعر من مجافظة الغربية على مشارف العشرين له ديوانان تم مناقشتهما و إقامة حفل توقيع لكل منهما و هما من الفصحى الأول ديوان قال لي الفيروز و هو قصائد نثرية و الثاني ديوان سوداء اليمامة و هو قصائ

المزيد عن عمر تامر الكاشف

أضف شرح او معلومة