نَعدّ لَه الأيّام مِن حبّ ذِكرهِ
وَنُحصي لَه يا تيّحان اللّياليا
فَليت المَطايا قَد رَفعنكَ مُصعداً
تَجوبُ بِأيديها الحزونَ الفَيافيا
فَلَو أَنَّ عَيناً مِن بُكاءٍ تَحَدَّرَت
دَماً كانَ دَمعي إِذ رِدائِيَ ساتِرُه
مَتى ما يَمُت عانيكِ يا لَيلِ تَعلَمي
مُصابَةَ ما يُسدي لِعانيكِ نائِرُه
أَرى كُلَّ حَيٍّ مَيِّتاً فَمُوَدِّعاً
وَإِن عاشَ دَهراً لَم تَنُبهُ النَوائِبُ
سَأَبكيكَ حَتّى تُنفِدَ العَينُ ماءَها
وَيَشفِيَ مِنّي الدَمعُ ما أَتَوَجَّعُ
لا يَفقِدُ الناسُ خَيراً ما بَقيتَ لَنا
وَالجودُ وَالعَدلُ مَفقودانِ إِن فَقَدوا
حَتّى أُنيخَت لَدى خَيرِ الأَنامِ مَعاً
مِن آلِ حَربٍ نَماهُ مَنصِبٌ حَتِدُ
يا مَن يُصَوِّرُ كُلَّ شَىء هَيِّن
إِلّا تَعتُّبُهُ عَليَّ وَصَدُّهُ
وَلَئِن وَفا إِن خُنتُ دَمعي مُسعداً
فَلمِثل هَذا اليَوم كُنتُ أُعِدُّهُ
فيا موتُ ما أعدمتني من مسرةٍ
ومن صاحبٍ أمسى يضرُّ وينفع
فلا الدمعُ يرقا لا ولا الصبر يرعو
ي ولا القلب يسلو لا ولا العين تهجع
وما هذه الدنيا وأن راق حسنُها
سوى غادرٍ في غدره مصتنّع
مالي وأحداث الزمان وصرفه
بليتْ بجور حوادثٍ وصروفِ
سلبتنيَ الأخوانَ حتى أنفقت
منهم ذخيرة تالدي وطريقي
ظَلَلتُ أَوُدُّ العَينَ عَن عَبَراتِها
إِذا نَزَفَت كانَت سَريعاً جُمومُها
كَأَنّي أُقاسي مِن سَوابِقِ عَبرَةٍ
وَمِن لَيلَةٍ قَد ضافَ صَدري هُمومُها
وَلَستُ بِمِفراحٍ إِذا الدَهرُ سَرَّني
وَلا جازِعٌ مِن صَرفِهِ المُتَحَوِّلِ
وَلَكِنَّني أَروي مِنَ الخَمرِ هامَتي
وَأَنضو المَلا بِالشاحِبِ المُتَشَلشِلِ
يا قَلبُ لا تَجزَع لِحادِثَةِ الهَوى
وَاِصبِر فَما لِلحادِثاتِ دَوامُ
تَجري العُقولُ بِأَهلِها فَإِذا جَرى
كَبَتِ العُقولُ وَزَلَّتِ الأَحلامُ
وَلا ذَنبَ إِلّا أَنّني بُحتُ بِاسمِهِ
وَلا بُدّ لِلمَحزُونِ أَن يَتَذَكّرا
فَكُن ناصِري إِن شِئتَ في مَوقِفِ الهَوى
فَحُقّ لِمِثلي أَن يُعانَ وَيُنصَرا
فلا تحسبنَّ العيشَ بعدك ناعماً
ولا تحسبنَّ الحالَ بَعْدك حَالِيَا
وكلُّ سُرورٍ صار بَعْدَك تَرْحَةً
وكلُّ بشيرٍ صَارَ عنديِ نَاعِيَا
فَزِعْتُ إِلَى الدُّمُوعِ فَلَمْ تُجِبْنِي
وَفَقْدُ الدَّمْعِ عِنْدَ الْحُزْنِ دَاءُ
وَما قَصَّرْتُ في جَزَعٍ وَلَكِنْ
إِذا غَلَبَ الأَسَى ذَهَبَ الْبُكاءُ
يا وحدتي جئت كي أنسَى وها أنذا
ما زلت أسمع أصداءً وأصواتا
مهما تصاممتُ عنها فهي هاتفةٌ
يا أيها الهاربُ المسكينُ هيهاتا
وإذا بكيتُ فقد بكيت مخافة
من أن يكون غرامُنا أحلاما
ولربما خطر النَّوى فبكيته
من قبل أن يأتي البعاد سجاما
قَد كُنتُ أُشفِقُ مِن دَمعي عَلى بَصَري
فَاليَومَ كُلُّ عَزيزٍ بَعدَكُم هانا
تُهدي البَوارِقُ أَخلافَ المِياهِ لَكُم
وَلِلمُحِبِّ مِنَ التَذكارِ نيرانا
بِحَقِّ الهَوى لا تَعذِلوني وَأَقصِروا
عَنِ اللَومِ إِنَّ اللَومَ لَيسَ بِنافِعِ
وَكَيفَ أُطيقُ الصَبرَ عَمَّن أُحِبُّهُ
وَقَد أُضرِمَت نارُ الهَوى في أَضالِعي
وَقَد كُنتُ أَحسَبُني صابِراً
جَليدَ القُوى حينَ أَلقى الخُطُوبا
فَأَنكَرتُ نَفسي وَأَلفَيتُها
ضَعيفَ القُوى إِذ فَقَدتُ الحَبيبا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا
بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا