للّيلِ ذاكرةٌ كذاكرة النساء ْ
في الليلِ
تقترفُ النجومُ جريمةَ الإصغاء
تسترقُ الحكايا
من جفونِ الهمس
من شفة الصبايا
ثم ترحلُ قبل أن يغتالها
اليومُ الجديد
في الليلِ
يسلبُنا الحنينُ هدوءنا
ويضجُّ في دمنا النشيجُ
فتعترينا رعشة الغرقى
ونخلدُ للبكاء
نئنُّ
من ذكرى المسافات التي
ما زال ملءَ حروفنا منها
صدى أصواتنا
ضحكاتُنا
نظراتُنا
عطرُ "الكالونيا" حين تنثر في فضاء
الصيف سحرَ
عبيرها عذبًا
كرائحة العرائس
كاستعارات القصائد
كاستراحات الطريق الخارجيّ
يؤمّها السّارون بحثًا
عن بقايا عابرٍ
فيما تبقى من سجائرَ
فوق سطح الطاولةْ
أو عن سؤالٍ
ما يزال على الشفاه محنّطًا
يعلو ارتباكته الجليد.
هل كان في وسع الغياب
الانتظارُ دقيقةً أخرى
لألبس ما يليق من الثياب
وربطةَ العنق الجديدةْ.
هل كان في وسعي البقاء دقيقتين
فأنتهي من نشوة البنّ "المحوّجِ"
ثمّ أُغمضُ
قبل أن أُنهي ارتداء ملابسي
عينيّ
كي أستذكر الشخص الذي
قد كنتُه يوما
وأخرجَ للمحطة من جديد.
ماذا جرى
حتى يصيرَ الليلُ أسودْ
من قال للشمس استعدّي للرحيل
فأطفأت قنديلَها وتثاءبت
ورمت على طرف السرير حجابَها
وتماثلت للنوم
فانكشف الغطاءُ عن النعاس
وقد بدا من دون أن تدري
النهارُ معلّقًا
في ساقها البيضاء
مصباحًا يواري سوأة الكلماتِ
في ليلٍ من الخوف الذي ما زال ينبتُ
في حروف الذكرياتِ
القادمات من البعيد
من قال إنّ الليل ينسى ما يدور به
من الأوجاع والآلام
والأسرار
والأخبار
والدمع المخبّأ
تحت أغطية السريرِ
وخلف أنّات السنين
وفي صناديق البريدْ
من قال إن الأمنيات تصير حقا
حين نطلبُ من خيوط الشمس
دون مشقّةٍ
سنَّ الغزالةْ.
كم مرّةً ضحكت علينا
حين أخفت
كلّ أسنان الصغار
فأمعنوا
في اللثغ بحثًا
عن مخارجَ للحروف
وعن عناوين الرسالة.
لليل ذاكرةٌ
كذاكرة النساء المترفاتْ
يُحصي التفاصيل الدقيقةَ
من حياة الناسْ
وعلاقةَ الماكياج بالوزن الحقيقي
والرموشَ المستعارةْ
ويُعيدُ رجع عويلهم تحت الفراش
وصوتَ إطباقِ الجفون على النعاس
ورفّةَ الإهدابِ أو قلقَ المكاحلِ
وابتهالات المساجد
واستعاراتِ القصيد.
من كان يدري
أن للآلامِ ذاكرةً
وللأحلام ذاكرةً
وللتاريخ ذاكرةً
وللّغة القديمة ألفَ ذاكرةٍ
كذاكرة النساء
تغوص بحثًا
في خيوط المفردات
عن الحكاياْ.
وبأنّ للعنبِ المعتّق في
جِرارِ البُعدِ ذاكرةً
يراود ما تماهى من خيوط العمرِ عنه
وكلما اشتدت عليه الذكريات
يعودُ يحلم بالندى
يسقيه في ليل السفرْ
من كان يُدركُ أنّ قافيةَ القصائد
قد تغادرُ
دون إيقاعٍ ووزنٍ
كي تبرّرَ للكلام عبورها
عبر الغيوم
إلى القمرْ.
يوما ستدركُ
أنّ للتاريخ ذاكرةً
كذاكرة النساءِ
وأنّ للأيام ذاكرةً
فتجبرُك الحياة على الرحيلِ
وتستفيقُ
وانت تدرك أن شيئا ما تغير
دون أن تدري
بأنّك لم تعد ذاكَ الذي
قد كنتَهُ يوما
فلم تُبقِ الليالي منك
غير حروفك
الظمأى التي نقشت على
صحراء روحك
واحتين من السرابِ
وأنت تلهثُ كالقطاةِ
وراء ذكرى لم تكن يوما سوى
وهمٍ
فلا خيلٌ
تُغير بها إذا ضاقت بك السبلُ
ولا ليلٌ تلوذ به
ولا بيداءُ تقطعها
إذا ضجّت بك الأيّام
خوفًا من جوىً يُرديك
لا يبقي ولا يذرْ.
أبوظبي 20 / 3 / 2023.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حسن جلنبو

حسن جلنبو

184

قصيدة

• مواليد الأردن - عمَّان. • بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، جامعة مؤتة 1994. • ماجستير في النقد والأدب، جامعة مؤتة 1998. • محرر إعلامي لدى شركة مياه وكهرباء الإمارات- أبوظبي. • عضو ر

المزيد عن حسن جلنبو

أضف شرح او معلومة