الديوان » مصر » علي محمود طه » أفراح الوادي

عدد الابيات : 81

طباعة

ما بالرُّعاةِ! أثارهم فترنَّموا؟

هلْ طافَ بالصَّحَرَاءِ منهم مُلهَمُ؟

أم ضوَّأَتْ سيناءُ في غَسقِ الدُّجَى

وجَلَا النبوءة بَرْقُها المتكلِّمُ؟

نظروا خِلالَ سمائِهَا وتأمَّلُوا

وتقابلتْ أنظارُهم فتبسَّموا

إيهٍ فلاسفةَ الزمانِ فأنتُمُ

ببشائرِ الغيبِ المحجَّبِ أعلَمُ

هذا النشيدُ الأسيويُّ مَعَادُهُ

نبأٌ تَقَرُّ به الشعوبُ وتنعَمُ

وطريقُكُمْ مصرٌ، وإنَّ طريقَها

أَثَرٌ من الوحيِ القديمِ ومعلَمُ

ألَّا يكونَ الفجرُ هديَ خُطاكم

فدليلُكم قَبَسُ الخلود المُضْرَمُ

هو سحرُ مصرَ، وعرشُها، ولواؤُهَا

والصَّولجانُ، وتاجُها المتَوَسَّمُ

وجبينُ صاحبِها العزيزِ وإنَّهُ

نورٌ على إصباحِهَا مُتَقَدِّمُ

أَوفَى على الوادي بضاحكِ ثغرِهِ

وجهٌ تباركهُ السماءُ وترأمُ

مُسترسِلُ النظرِ البعيدِ كأنَّهُ

مَلَكٌ يُفَكِّرُ أو نبيٌّ يُلْهَمُ

وكأنما الآمالُ عَبْرَ طريقِهِ

أنفاسُ رَوْضٍ بالعشيَّةِ ينسِمُ

يَتنظَّرُ الحقلُ المنوَّرُ خطوَهُ

والنهرُ، والجبلُ العريضُ الأيْهَمُ

فكأنَّ روحًا عائدًا من «طيبةٍ»

فيه شبابُ ملوكِهَا يتبسَّمُ

هتفَ البشيرُ به فماجتْ أعصرٌ

وتلفَّتتْ أممٌ ودارتْ أنجُمُ

هذا هو المَلِكُ الذي سَعِدَتْ بِهِ

مِصْرٌ، وهذا حُبُّهَا المتجسِّمُ

لِمَنِ البنودُ على العُبابِ خوافِقًا

لِمَنِ النسُور على السَّحابِ تُحوِّمُ

لِمَنِ المواكبُ مائجاتٍ مثْلما

أومتْ عصا موسى فَشُقَّ العَيْلَمُ

ولِمَ الصباحُ كأنَّمَا أنداؤُهُ

كأسٌ تُصَفَّقُ أو رحيقٌ يُسجَمُ

ولِمَ اختلاجُ النيلِ فيه كأنَّه

شيخٌ يُذَكَّرُ بالشبابِ ويحلُمُ

ولمن هتافٌ بالضِّفاف مُرَدَّدٌ

أشْجَى من الوتَرِ الحنونِ وأرخَمُ

ولمن عواصِمُ مصرَ حاليةَ الذُّرا

تغزو بوارِقُهَا النجومَ وتزحُمُ

ولِمَ احتشادُ سرائري وخواطري

ولِمَنْ شفاهٌ بالدعاءِ تُتَمْتِمُ

إسكندريةُ، قد شهدتِ فحدِّثي

فاليومَ قد وضَحَ الحنينُ المبْهَمُ

هاتي املئي كأسي وغنِّي واعصرِي

خمرًا أعلُّ بها ولا أتأثَّمُ

إنْ كنتِ أفقَ الملهَمينَ وأيكَهم

إنِّي إذن غريدُكِ المترنِّمُ

يا دُرَّةَ البحرِ التي لم يتَّسِمْ

جِيدُ البحار بمثلِهَا والمعصمُ

جَدَّدْتِ أعراسَ الزمانِ وزانَها

رَكْبٌ لفاروق العظيمِ ومَقدِمُ

ما عَادَ جبَّارُ الشعوبِ وإنَّما

قد عادَ قيصرُكِ الرشيدُ المُسْلِمُ

في مهرجانٍ لم يُحِطْ بجلالِهِ

وصفٌ ولم يبلغْ مداهُ تَوَهُّمُ

يومُ الشباب ولا مِراءَ وإنَّهُ

للشرقِ عيدٌ والكنانَةِ مَوسِمُ

قد فَتَّحَ التاريخُ فيه كتابَهُ

يُصغِي إليهِ ويشرئِبُّ المِرْقَمُ

مولايَ، أَمْلِ عليه أوَّلَ آيةٍ

لشبابِ شعبٍ خالدٍ لا يهرَمُ

هو من شبابكَ يستمدُّ رجاءَهُ

ويَسود باسمكَ في الحياةِ ويحكمُ

فابعثْهُ جيلًا واثبًا متقحِّمًا

إنَّ الشبابَ تَوثُّبٌ وتَقَحُّمُ

هزَّ الفتى الأمويَّ تحت إهابِه

منه مَضاءٌ كالحسامِ مُصمِّمُ

فمشى يطوِّحُ بالعروش كأنَّهُ

«شمشونُ» في حِلَقِ الحديدِ يحطِّمُ

دونَ الثلاثينَ استُثيرَ فأجفلتْ

أممٌ وراءَ تخومِهِ تتأجَّمُ

والمجد موهبةُ الملوك وإنما

تبني المواهبُ، والخلائقُ تَدْعَمُ

ويضيقُ بالشعبِ الطَّموحِ يقينُه

ويُثيرُ مِرَّتَهُ الخيالُ فَيَعْرُمُ

قوتُ الشعوبِ ورِيُّهَا أحلامُها

إنَّ الخيالَ إلى الحقيقةِ سُلَّمُ

يا عاقدَ التاجِ الوضيءِ بمفرَقٍ

كالحقِّ مَعْقِدُهُ هُدًى وتَبَسُّمُ

أعظِمْ بتاجِكَ جوهرًا لم يحوِهِ

كَنْزٌ ولم يحرِزْ حُلاهُ مِنْجَمُ

ميراثُ أولِ مالكينَ سما بهم

عرشٌ أعزُّ من الجبالِ وأضخمُ

نُوَّابُ شعبِكَ حينما طالعتَهم

طافَ الرحيقُ البابليُّ عليهمُ

هتفوا بمجدِكَ واستخفَّ وقارَهمْ

أملٌ يجِلُّ عن الهتافِ ويعظُمُ

أقسمْتَ بالدستورِ والوطنِ الذي

بكَ بعد ربِّكَ في العظائِمِ يُقْسِمُ

برًّا بوالدِكَ العظيمِ وذِمَّةً

لجدودِكَ الصيدِ الذين تقدَّمُوا

وتطَلَّعَتْ عَبْرَ المدائنِ والقرى

مُهَجٌ يكادُ خفوقُها يتكلَّمُ

تُصغي لصوتِكَ في السحاب ورَجْعُهُ

لَحْنٌ على أوتارِهِنَّ يُنَغَّمُ

خشعتْ له النَّسَمَاتُ وهي هوازِجٌ

وتنصَّتَ العصفورُ وهو يُهَيْنِمُ

وَصَغَتْ سَنَابِلُ مثلما أوحى لها

تأويلُ «يوسفَ» فهي خُضْرٌ تَنْجُمُ

يا صوتَ مصرَ، ويا صدَى أحلامِهَا

زِدْ روعتي مما يهزُّ ويُفْعِمُ

ألقى المقَادة في يديكَ وديعةً

شعبٌ لغير خُطَاكَ لا يترسَّمُ

فَتَلَقَّ تاجَكَ من يديهِ فإنَّه

في الدهرِ عُروَتِهِ التي لا تُفْصَمُ

فليهنأ الملِكُ الهُمامُ بعيدِه

وليعْرضِ الجيشَ الكميُّ المعلَمُ

مولايَ، جندك ماثلون فأولِهمْ

سيفًا يُقَبَّلُ أو لواءً يُلْثَمُ

لمَّا رأوْكَ على جوادِكَ قائمًا

وضعوا السيوفَ على الصدورِ وأقسَمُوا

وكأنَّ «إبراهيمَ» طيفُكَ ماثلًا

وكأنَّك الرَّوحُ الشقيقُ التوأمُ

يا قائِدَ الجيشِ المظفَّرِ تِهْ بِهِ

إنَّ الشعوبَ بمثلِ جيشِكَ تُكْرَمُ

الأرضُ تعرفُهُ وتشهدُ أنَّه

سيلٌ إذا لمعَ الحديدُ وقشعمُ

طوروسُ أم عكَّاءُ عن أمجادِهِ

تَروِي؟ أم البيتُ العتيقُ وزمزمُ؟

أم حومةُ السودانِ، وهي صحيفةٌ

السيفُ خَطَّ سطورَها واللهذَمُ؟

أم «مورَةُ» الشماءُ يوم أباحَها

والنارُ حولَ سفينِهِ تتهزَّمُ؟

لولا قراصنةٌ عليه تآمروا

لم يَعْلُ «نافارينَ» هذا المِيسَمُ

فاغفرْ لما صَنَع الزمانُ، فإنها

بُؤْسَى تَمُرُّ على الشعوبِ وأنْعُمُ

وانفخْ به من بأسِ روحِكَ سَورةً

يرمي سُطاها المستخفَّ فيُحْجِمُ

فالرفقُ من نُبْلِ النفوسِ ورُبَّمَا

يُلْحَى النبيلُ بفعلِهِ ويُذَمَّمُ

إنَّا لفي زمنٍ حديثُ دُعاتِهِ

نُسْكٌ، ولكنَّ السياسَةَ تأثَمُ

ووراءَ كلِّ سحابةٍ في أفقِهِ

جيشٌ من المتأهِّبِينَ عَرَمْرَمُ

قالوا: فتًى عَشِقَ الطبيعةَ واغتَدَى

بغرائِبِ الأشعارِ وهو متيَّمُ

وطوى البحارَ على شراعِ خيالِهِ

يرتادُ عاليَةَ الذُّرا ويُؤَمِّمُ

أنا من زعمتمْ، غيرَ أنِّيَ شاعِرٌ

أرضى البيانَ بما يصوغُ ويرسُمُ

إنِّي بنيتُ على القديم جديدَهُ

ورفعتُ من بنيانِهِ ما هدَّمُوا

الشعرُ عندي نشوةٌ عُلويَّةٌ

وشعاعُ كأسٍ لم يُقَبِّلْهَا فَمُ

ولحونُ سِلْمٍ أو ملاحِمُ غارَةٍ

غَنَّى الجبالَ بها السحابُ المرزِمُ

أرسلتُه يومَ النداءِ فخلتُهُ

نارًا وخلتُ الأرضَ خَضَّبَهَا الدمُ

ودعاهُ عرشُكَ، فاستهلَّ خواطِرًا

فأتيتُ عن خَطَراتِهِنَّ أترجِمُ

ورفعتُ رأسي للسماءِ وخِلتُنِي

أتناولُ النجمَ البعيدَ وأنظِمُ

فاقبلْ نشيديَ إنْ عطفْتَ فإنَّه

صوتُ الشباب، وروحُهُ المتضرِّمُ

وسَلِمْتَ يا مولايَ للوطَنِ الذي

بكَ يستظِلُّ، ويستعِزُّ، ويسلَمُ!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن علي محمود طه

avatar

علي محمود طه حساب موثق

مصر

poet-ali-mahmoud-taha@

103

قصيدة

459

متابعين

شاعر مصري ينتمي إلى المدرسة الرومانسية،ولد علي محمود طه المهندس عام 1901م بمدينة المنصورة، وقضى معظم شبابه فيها. تعلم في الكُتاب وحفظ بعضا من سور القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية، ...

المزيد عن علي محمود طه

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة