الديوان » مصر » محمود غنيم » مبايعة الفاروق

عدد الابيات : 61

طباعة

النيل تحملُ سبطَ إسماعيلاَ

أرأيتَ نيلاً جاء يحمل نيلاً؟

لو كانت الأملاكُ تحدو مركبًا

لرأيتَ بين حُداتها جبريلا

سارت، فغضَّ البحر من غُلَوائه

ومشى كما يمشي الجوادَ ذلولا

هبَّت عواصفُه؛ فكنَّ حيالها

رهْوًا، كما هبَّ النسيم عليلا

ما لاطمت أمواجهُ جنباتِها

بل أوسعتْ جنباتِها تقبيلا

لو أنَّ زاحفة تفُوهُ، لكبَّرت

نينانُهُ، ولهللت تهليلا

يا بحرُ، فوقك درةٌ، هيهات أن

تلقى لها في حويتَ مثيلا!

أولت تعرف فيه مَن أجدادُه

قطعوك عرضًا بالسفين وطولا؟

فلطالما مَلأُوا المياهَ مراكبًا

ولطالما مَلأوا السهول خيولا

عرفتْهم الأيام إن هم حاربوا

أسْدًا وإن ساسوا الأمورَ عدولا

أشرقْ بنورك في البلاد، فإِنما

صبرُ البلاد على فراقك عيلا

الشعب يا فاروق صادٍ، نيلهُ

من يوم بعدك لا يبلُّ غليلا

ما كان يسعده التجلد ساعةً

لو لم يكن بكَ قلبه مأهولا

ما غبتَ عن بصر البلاد وسمعها

يومًا، ولا بعدت ركابُك ميلا

كانت تطالع ما تقول فتنتشي

طربًا. وإنَّ من الكلام شَمولا

وترى على القرطاس رَسْمَك زاهيًا

غضًا، فيمسي طرفُها مكحولا

قد كنت أنت حديثها، وسكوتَها

حتى غدا بك وقتها مشغولا

زرتَ الممالك داعيًا، فكشفت عن

أمجاد مصر حجابَها المسدولا

أنعم بشعب أَنت عنوان له!

وكفى بعنوان الكتاب دليلا!

تمشي الممالكُ في ركابك أينما

تمشي، وتحني هامها تبجيلا

سمعوا بمجد الأقدمين، وأبصروا

بعيونهم للأقدمين سليلا

كي يعلموا أن الكنانةَ أمةٌ

طابت فروعًا في الورى وأصُولا

إنا لفي زمن يفيض دعايةً

كادت تدقّ به الشعوب طبولا

هم يعلنون عن الشعوب كأنها

سلع، ونرضى بالسكوت خمولا

من راح ينشر للبلاد دعاية

فكأنما يبني لها أسطولا

وَليَ الأمورَ بمصرَ أصيدُ، يافعٌ

بذَّ الأوائلَ فتيةً وكهولا

جاشت بصدري يوم قُلِّد عرشَهُ

ذكرى فراعنة القرون الأولى

ما أبهجَ الأكليل فوق جبينه!

هذا الجبين يزين الإكليلا!

هذا هو الفاروقُ، أشرقَ وجههُ

فسل الغزالة: هل تريد أفولا؟

أفديه من ملك أغرَّ، وراءه

شعبٌ يرتِّلُ حمده ترتيلا

يعنو لطلعته، ويهتف باسمه

ويكاد يتلو قولَه إنجيلا

ملِكٌ تواضعهُ يزين جلالَه

ليس الغشومُ المستبدُّ جليلا

يرنو إليه الطرْف غيرَ منكس

والبدر يظهر من سناه خجولا

يقضي لبُانته اليتيم ببابه

ويرى الفقير دعاءَهُ مقبولا

لا تحصِ أعمارَ الملوك؛ فإنني

أجد الملوك: مداركًا، وعقولا

أنا لا أقول: اليومَ أدركَ رشدَه

فعليه كان بطبعه مجبولا

إنا عهدنا الرشدَ فيه سجيةً

ما كان في يوم عليه دخيلا

ما ضر غرسًا طاب قَبلَ أوانه

أن كان حراً في النبات أصيلا؟

قد كان «ذو القرنين» مثلَك يافعًا

وأراكما تتشابهان ميولا

هيهات! أنت أجل منه حضارةً

وأعزُّ أوطانًا، وأكرم جيلا

فاروقُ، تلك عناية الله التي

قد حقَّقتْ في عهدك المأمولا

إن الكنانة ظنَّتِ استقلالها

حُلمًا، فكنتَ لحلمها تأويلا

وهي المشاكل كلها وجدتْ لها

في عهدك الزاهي السعيد حلولا

عهد قصير، غير أن غضونه

قد صرْنَ في تاريخَ مصر حجولا

لو حاكت التيجانُ تاجَك، لم يجد

يومًا إليها الثائرون سبيلا

ليت الذينَ وَلُوا العروشَ جميعهم

كانوا على حكم الشعوب نزولا

أسِّس على الدستور ملكَك، وابنِهِ

تبلغْ به الشُّمَّ الرواسيَ طولا

كم ثلَّ الاستبدادُ عرشًا بعدما

أجرى حواليْه الدماءَ سيولا

فاروقُ، يفديك الحمى بشبابه

وكهوله، وأرى الفداء قليلا

أصبحت في مرح الشباب ولهوِه

عن خير شعب في الورى مسئولا

حمل الشبابُ يراعَهُ وكتابهُ

وحملت عبثًا كالجبال ثقيلا

أوْلَتكَ مصرُ قيادَها فأعِدْ لها

مجدًا بناه الأقدمون؛ أثيلا

إن الكنانة بايعتك، فكن لها

ظلاً كما كان الجدود ظليلا

وهبَتْ لعرشك ما لها، ودماءها

إن شئت تلق كليهما مبذولا

فاملأ بلادك حكمةً، ومعارفًا

واجعل بلادك في المناعة غيلا

لن يستقيم لشعبٍ استقلالُهُ

يومًا إذا حملَ السلاحَ كليلا

أين المدافع كالرعود دويُّها

والخيلُ تصهل بالجنود صهيلا؟

يا رُبَّ طائرة سمعت أزيزها

فحسبته في مِسمعيَّ هديلا

فانهض بمصرَ وجيشِها، حتى يرى

شبحُ المنية طيفَها فيميلا

واكبح جماحَ الطامعين، وقل لهم:

لا تطمعوا في أخت عرزائيلا

أني اتجهت، وجدت خلفك أمةً

ورأيت ربك بالنجاح كفيلا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود غنيم

avatar

محمود غنيم حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-ghoneim@

82

قصيدة

373

متابعين

توجد روايتان عن مولد الشاعر: محمود غنيم الاولى أنه ولد في ١٩٠١م،والثانية أنه ولد في 1902م،وقد ولد بقرية مليج في محافظة المنوفية. ويعد واحد من أبرز الشعراء العرب في جيله، وهو صاحب ...

المزيد عن محمود غنيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة