الديوان » مصر » محمود غنيم » شبح الحرب

عدد الابيات : 50

طباعة

هو الموت إن قامت على ساقها الحربُ

وإلا فحسبُ الناس ما يفعلُ الرعبُ

يلوح لهم في الصحو والنوم طيفها

ودون انتظار الخطب أن يقع الخطب

فزعنا فلا جفْن من الخوف مُطبق

ولا مستقرٌّ في مضاجعه جنب

ولا أنفَ إلا عالق بكمامة

ولا دار إلا شُقَّ في جوفها جب

وما اكتوت الأيدي ولا احترق الحشا

بجمر كجمر لا يُشَب ولا يخبو

فيأيها الليثُ المكشر للورى

حنانيك إما الانصراف أو الوثب

مطامعُ غر العربَ ومضُ سرابها

فأصبح يصلى نارها الشرق والغرب

كأني بها قامت وشب أُوارها

وقد جفت الأقلام وانطوت الكتب

سفين يلجِّ البحر يرميه مثله

وسرْب بأعلى الجو يقذفه سرب

وبينهما تمشي المنايا كأنها

طيور وأرواح الأنام لها حَب

وغيً لا الدروع السابغات موانعٌ

أذاها ولا مُجدٍ بها الصارم العضب

تثلم حدُّ السيف وانقصف القنا

وأصبح لا طعن هناك ولا ضرب

كأني بها ترمي مدافُعها فلا

يطيش لها سهم ولا مضرب ينبو

تُدمر ما تأتي عليه لوانُها

تُصوَّب نحو الألب دُك بها الألب

هي البرق خطافا، هي الرعد قاصفا

هي الشهب إذ تهوى من الفَلَكِ الشهب

فمن كان يصطاد الحمام بنبله

فإن لنا نبلاً يصاد به القطب

كأني بها والطائراتُ بغازها

تجود كل جادت بوابلها السحب

يمد إلى الأرواح كفيه خلسة

فلا الرأس مقطوع ولا الدم منصب

رقيقُ الحواشي ولا تكاد تحسه

وألْيَنُ منه الصخر والمعدن الصلب

له قطرات لا يُبَل بها صدى

ولا يابس تبقى عليه ولا رطب

إذا انتشرت في الأفق لم ترع حرمة

لأنثى ولا شيخ علا رأسَه الشيب

إذا انتشرت في الأفق تصرع كاعبًا

وتخنقُ أمًّا خلفها طفلاً يحبو

لقد شِيب بالسم الهواءُ فهل تُرى

يُشَابُ من الأنهار سائلها العذب

أرى الغرب يدنو كالفَراش من اللظى

أللقوم في إحراق أنفسهم إرب؟

ويا رُب حرب منذ عشرين حجة

بكل فؤاد من جراحتها ندْب

أضرت بحزبيْها وإن تم نصرُها

لحزب وقاسى ذلَّ خِذلانها حزب

إذا ما ذكرناها اقشعرَّت جلودُنا

إذْ الناسُ كالأنعام قوتهم العشب

وإذ هم بأكناف الخنادق مالهم

مضاجع غيرُ التُّرب لو نَفَعَ الترب

يقاسون حرًا ما لضب يحمله

يدانِ وبردًا ليس يحمله دُب

وحشوا أنوف القوم غازٌ مسمَّم

وللنار في أبدانهم مرتع خصب

فيالَحروبٍ لا يجف لها دمٌ

ويالشعوب كلما نهضت تكبو

أجِدَّكمو يا قوِم طال بنا السُّرى

ولم يسترح حينًا من السفر الركب

لقد سار نحو المجد قوم فأدلجوا

ولم يعلموا أين انتهى بهم الدرب؟

ولو أنفقوا في الخير ما ينفقونه

على الحرب عم الخصب وانقطع الجدب

ولم يَبقَ طاوٍ ليس يملك قوُتَهُ

ولم يبق عار ليس يسترُهَ ثوب

شعوب بعصر النور يفتك بعضها

ببعض كما يعدو على الحَمل الذئب

يُمثَّل بالإِنسان فيها وربما

أقام قريرَ العين في ظلها الكلب

إذا قنص الليث الغزالة ساغبًا

فما عذر شعب بات يقنِصه شعب؟

ذنوب الضعاف العاجزين كثيرةٌ

وما لقوى إذ تحاسبه ذنب

كأن ليس بين العالمين شرائعٌ

ولا خلفهم بعث ولا فوقهم رب

ولا في قوانين البرية رحمة

ولا شيء في الدنيا يقال له الحب

ولم يبق معبودا سوى القوت وحده

فكل فؤادِ مستهام به صب

عزاءً لنا أن الحضارة أفلست

فرونقها زَيْف ومنطقها كِذْب

إذا ما تمثلتُ الحضارة خلتها

لباةً لها جوف وليس لها قلب

سل العلماء الفاخرين بعلمهم

أجاءوا بنور العلم أم نارَه شبوا؟

تقدم فن الموت أي تقدم

وسار بطيئًا عاثرَ القَدَم الطب

فظائعُ لم يحلم أوائلنا بها

فياليت شعري ما الذي يضمر الغيب؟

فسحقًا لعصر النور سحقًا لأهله

فكلُّ بني حواء دأبهم السلب

كذلك شأن الناس من عهد آدمٍ

تباينت الأشكال واتحد اللُّب

وحسب بني حواء عيبا حروبُهم

إذا لم يكن غيرَ الحروب لهم عيب

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود غنيم

avatar

محمود غنيم حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-ghoneim@

82

قصيدة

373

متابعين

توجد روايتان عن مولد الشاعر: محمود غنيم الاولى أنه ولد في ١٩٠١م،والثانية أنه ولد في 1902م،وقد ولد بقرية مليج في محافظة المنوفية. ويعد واحد من أبرز الشعراء العرب في جيله، وهو صاحب ...

المزيد عن محمود غنيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة