الديوان » مصر » محمود غنيم » فقيد الإسلام

عدد الابيات : 67

طباعة

طَوى موتُكَ اثنين: المروءةَ، والنَّدى

وأبكى فريقين: الأحبَّةَ، والعِدَا!!

وعَطَّلَ للفصحى يراعًا، ومنبرًا

وقوَّضَ للإِسلام صرحًا مُمرَّدَا

تباركت ربِّي! من لدين محمدٍ؟

أيصبحُ في الدنيا غريبًا كما بدا؟

سرى في حواشِي الليل نعيُك جمرةً

فأوشَكَ فحمُ الليل أن يَتَوقَّدا

تساقط همسًا من شفاه رُواته

فأبرَقَ ما بين الضلوع وأرعَدا

وهزَّ ربُوعَ الشَّرق، حتى تساءلَت

مِن الهَول: هل يومُ الإمام تجدَّدَا؟

لقد كنتَ من هدى الإمام بقيَّةً

فلما فقدناها، فقدنا محمدًا

هل الأزهرُ المعمورُ يعرفُ من نعى

وأيَّ سيوفِ اللهِ في التُّربِ أَغمَدا؟

لقد كنتَ سيفًا لا يُفل بكفِّه

وقد تِظلمُ الكَفُّ الحسامَ المَهنَّدا

وكنتَ حريًّا أن تشُقَّ لأهله

سبيلَ العُلاَ، لو كان أَمهلَكَ الردى

أتيتَ طبيبًا آسيًا لجراحه

فوالله، ما قصَّرتَ، بل قَصُرَ المَدى

تَولَّيْتَهُ حينًا، فلم تجن مغنمًا

معاذَ العُلاَ بل كنت تَشقَى ليَسعدا

رَأَى عهدك الميمون رؤيا سعيدةً

ولكنها في الصَّحْوِ ما ذهبت سُدى

لئِن كان في الحُسبان عهدُكَ لمحةً

لقد كان في الإصلاح عهدُك سرمدا

تركت مكانًا لا يُسدُّ فراغُه

وخلَّفتَ مَن يَسعى وراءَكُ مُجهَدا

طَهُرتَ فأعرى طهرُكَ المحضُ معشرًا

وولَّدَ في بعض النفوس التمرُّدا

وكنتَ مثالَ الزُّهد لا عن خصاصةٍ

إذا خرَّ بعضُ الناس للمال سُجَّدا

إذا عَصَم اللؤمُ اللئيمَ من الأَذى

فقد كنتَ من هذا السلاح مجردَّا

رفعتَ لواءَ الشَّرقِ في الغرب، واكتسى

بك المظهرُ الشَّرقُي عزًّا وسُؤدُدا

وزَانَكَ ثوبٌ زانهُ النُّبلُ، والتُّقى

فلُحمَتهُ هذا، وذاكَ له سدى

لقد غَّض من شأن العمامةِ معشرٌ

فَشِدتَ لها بين السماكين مقعدا

بكى النيلُ نيلاً كان في مثل طهره

ولكنه أصفى وأنقعَ للصَّدى

خضمٌ من العرفان غاض مَعينُهُ

وكنزٌ بأيدي المُعوزين تبدَّدَا

لئن أسرَ الأحرارَ حُسنُ صنيعه

فكم أطلقَ الرأيَ الأسيرَ المَقَّيدا

فتًى حرَّرَ الإسلامَ من رِقَّ معشرٍ

يَرون الجريءَ الحرَّ ليس مُوحِّدا

قضى واجب الأوطان والدين كاملاً

وأصدر في كلِّ الأمور وأورَدَا

ولم يقض في ظلِّ الصوامع عيشهُ

قعيدًا، وليس المسلمُ الحقُّ قُعددا

رَأى العلمُ فيه فيلسوفًا، وما رأَى

به الدينُ إلا قانتًا مُتعبِّدا

فقُل للتُّفاةِ الجامدين: رويدَكم

متى كانت التَّقوى صلاةً ومسجدا؟

وما كلُّ من يغشى المعابد مؤمنًا

ولا كلُّ من يستَخدمُ العقلَ مُلحدا

حملنَا على الأعناق بالأمس نعشهُ

وقد كاد يُزجيه زفيرٌ تصعَّدا!

لكم ثَمَّ عينٌ سال كالعين ماؤها

وكم ثَمَّ خذ بالدموع تَخدَّدا!

وسار به ركبُ الفناءِ، ومن يسر

به الرَّكبُ في تلك المجاهل أبعدا

وحَطُّوا على جسر المنيَّة رَحلةُ

ومالوا به بُرجًا منيعًا مُشيَّدًا

فخلتُ فؤادي كفَّ عن خفقانه

وخلتُ دمي بين العُروق تجمَّدا

هنالِك أحسَسْتُ الفراقَ وهولَه

وقدَّستُ ربًّا بالبقاء تفردَّا

فيا ضيعةَ الآمالِ من بعدِ مصطفى!

لقد كان للآمال في مصرَ معقدا

فتى ما أوته بل أواها مناصبٌ

تقلَّدَ من عليائها ما تقلَّدا

إذا اتَّخذ الناس المناصبَ متجرًا

فما اقتات منها قوتَ يومٍ ولا ارتَدَى

سلوا سَاسةَ الوادي: أما كان مصطفى

أعفَّهُمو نفسًا، وأنزهَهُم يدا؟

هو الجبل الراسي؛ حجًا، ورزانةً

إذا الحادثُ الطاغي أقام وأقعدا

تَزلُّ مياهُ البحر عن جَنَباتهِ

إذا البحر في الأنواء أرغَى وأزبدا

صموتٌ، إذا ما الصمتُ كان بلاغةً

فإن قال، راشَ القولَ سهمًا مسدَّدا

وينفذ مثلَ النَّصل فيما يُريده

وإن كان غُصنًا في الوداعةِ أملَدا

طليقٌ محيَّاهُ يزيدُ بشاشةً

إذا الأفْقُ بالغيم الكثيف تَلَبَّدا

تحَدَّى العصامِّيين؛ عزمًا، وهمَّةً

وِبذَّ العظاميِّين؛ أصلاً، ومَحتِدا

نمتهُ أصولٌ لو نمى النجمَ بعضُها

لحرَّكَ عِطفَيه من التِّيهِ إن بدا

وربَّاه بيتٌ يخدمُ الناسَ شيخهُ

وإن كان فيه الطِّفلُ يولدُ سيِّدا

على البرِّ والتقوى تأسّسَ ركنُهُ

ومن لبنات العلمِ والدين شُيِّدا

نما زَهرُ الآداب حولَ سياجه

وصاحَ به طيرُ البيان مُغرِّدا

وطابت ثمارُ الفكرِ في ظلِّ روضه

وأُنشدَ فيه الشعرُ درًّا منضَّدا

تُشاهدُ فيه الشافعيَّ، ومالكًا

وتلقى ابنَ عبَّاد به، والمُبَرِّدا

فَلِلعلم فيه سامرٌ أيُّ سامرٍ

وللأدبِ العالي هنالك مُنتدى

ولما دعت مصرُ، اشرأبَت قبابُهُ

وكادَت مغانيه تصيخُ إلى الندا

ودقِّت بيمناها القضيَّةُ بابهُ

فقدَّم من حرِّ الدماء لها الفدا

بنت مصرُ بيتَ الرازقيِّين قلعةً

ورَّبَّت بنيه للكتائبِ قُوَّدا

يُلقِّنُ فتيان الحمى خدمةَ الحمى

ويغشاه طلاَّبُ المبادئ معهدا

إمامَ الهدى، أدَّيتَ لله حقَّهُ

وخلَّفت للساري طريقًا مُعبَّدا

صحائفُ مجدٍ تيَّم الزَّهر نفحها

وسار على مِشكاتها النجمُ؛ فاهتدى

لعمري، لوَ أن الموتَ أبقى علي

لبيضِ أياديه، لعشتَ مُخلَّدا

عهدتُكَ تهفو للقريض؛ فهاكَهُ

وهل يسمع النَّائي المحجَّبُ مُنشدا؟

عليك سلامُ الله من مُتَرَحِّل

قضى ما شكا داءً، ولا راعَ عُوَّدا

مشى، ورسولُ الموت يحسبُ خطوهُ

وأَومَا، يُحيِّي أهلَهُ، فتشهَّدا

وما بارح الأسماعَ وقعُ حديثه

فكيف به أمسى حديثًا مردَّدا؟

كذلك يقضي الرازقيُّون نحبهم

نجومٌ تهاوى؛ فرقدًا، ثم فرقدا

لحا الله دنيا يصبحُ المرءُ آمنًا

أَذاها، ويُمسي في الضريح مُوسَّدا

وما الحمقُ إلا أن تفكِّر في غدٍ

وأنتَ رهينُ الموتِ؛ لا تَضَمنُ الغدا!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود غنيم

avatar

محمود غنيم حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-ghoneim@

82

قصيدة

373

متابعين

توجد روايتان عن مولد الشاعر: محمود غنيم الاولى أنه ولد في ١٩٠١م،والثانية أنه ولد في 1902م،وقد ولد بقرية مليج في محافظة المنوفية. ويعد واحد من أبرز الشعراء العرب في جيله، وهو صاحب ...

المزيد عن محمود غنيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة