الديوان » سوريا » ممدوح عدوان » روي عن الخنساء

تُبَحُّ حناجرُ النُدّابِ من ندمٍ بعاشوراءْ
يهيمُ النهرُ كالمجنون، والتمساحُ يسكبُ فيه أدمعهُ
ويملأ جوفَهُ المسعورَ بالحمأِ
ولكنّ القتيل بكربلاءَ يموت وسط النهر من ظمأِ
وآلاف الحناجر كلّ يومٍ تتخم الدنيا
تؤذّن للصلاح وللفلاح.. ولا يمر الصوتُ في الصحراءْ
ينبّهُ غافلاً يقضي.. ولا يدري
بأن الفقر، أن الغدرَ في الملأِ
وأن النار في الدهماءْ
ويأبى أن يمرَّ الصوتُ في الصحراءْ
يودّعُ جثّةً كانت أبا ذرِّ
لأنّ الصوتَ قد تمتصّهُ الرمضاءْ
فمرَّ جنودُ هولاكو على أهل القصور
وخلّفوا جيلاً من اللقطاءْ
جميعُ رجالنا ماتوا..
وهم يتلون آياتٍ من الإسراءْ
***
مررتُ على النيام،
عببتُ من أحلامهم
وارتحتُ في فيءٍ من القصبِ
فجاءَ إليّ صوتكَ،
راح يدعوني صدى للثأر في غضبِ
أتاني ليلةً وامتصّ لي تعبي
فرحتُ ألوبُ عن سيفٍ تشرّبَ مرّةً بدمِ
إليكَ أهيمُ في الصحراءِ،
أركضُ خلف ظلي
خلف حدّ الأفق.. أندبه
فأنكفئُ
إليكَ حملتُ ملء متاعبي جمراً
أخافُ عليه ينطفئُ
ركضتُ.. ركضتُ حتى تهتُ عن ساقيَّ
وانسلختْ دروب الأرض في قدمي
كأني كنتُ أبحثُ عن إلهٍ ضاع في نهرٍ من العدمِ
صرختُ.. صرختُ.. حتى أُلقيتْ في الرمل حنجرتي
وحتى امتصّ صوتي من فمي الصدأُ
ويهدأُ كلّ من حولي.. فأهدأُ مثلما هدأوا
أعزّي النفسَ:
"قد تنبو سيوف الثأر،
تكبو في الوغى الفرسانْ"
ولكني أراهم دونما خيلٍ..
ولا سيفاً لديهم
قد تربّع في عروشهمُ.. وفي حرماتهم خصيانْ
وحين أموتُ من جوعٍ.. ولا ألقى لديكَ الخبز
كيف أضنّ، لا أعطيك ما عندي من الأسنانْ
ولكني
يذكرني غروبُ الشمسِ بالقتلى
بمن من ليلنا انطفأوا
وتجثمُ فوق أعيننا وحوشُ الليل
تأبى الشمسُ أن تأتي مع الريحِ
فيغرقُ في الظلامِ المرّ شيطانٌ بتسبيحِ
ويجهشُ حولنا فوجُ التماسيحِ
يدومُ بكاؤهم جيلاً
ولولا كثرة الباكين حولي
ما تعرّتْ نسوةٌ للفاتحينَ ضحى
ولا اهترأتْ سيوفُ الجند في بيتي
ولا قتلتْ قبيلتُنا ابنَها صخراً
ولا عشنا بلا شمسِ
ولا جاءَ الرجالُ إليّ في أثواب نسوتهمْ
ليُنسوني صدى ميتي
يكرّ الدهرُ لا يأتي لنا بغدٍ
فبعد اليوم لا يأتي سوى الأمسِ
سأذكرُ ما حييتُ جدارَ قبرٍ
لم يخلّفْ نخوةَ الفرسان في نَفْسِ
***
وحين أضنّ أن أبكي
وأن تنداحَ "أواهُ"
لأني كنتُ أعلمُ عِلمَ موقنةٍ
بأنّ قتيلنا المشلوح،
لم تطعنْهُ في حربٍ سيوف الرومِ
ما أردتهُ في غدرٍ قنا الفُرسِ
أتونا في االدجى؟
أدري.
وفي الميدانِ لاقوه.. فلاقاهمْ
وما قتلوه، ما صلبوه،
لكن شبّهَ الجاني لنا اللهُ
وضجّ الحيُّ يندبهُ.. فهامَ صغارُهم رعباً
وتاهوا عن مقابرهم
ولولا كثرة الباكين.. ما تاهوا
يذكّرني غروبُ الشمس كيف تضمّخوا بالضوء.. وانطفأوا
وكيف مضوا
وما طلعتْ علينا الشمسُ بعدهمُ
وكيف تهالكوا تعباً..
وكيف الأرضُ غاضت.
عندما اتّكأوا
***
هنا في حانةِ الخمّار، لا في ساحةِ اللعب
تبارينا بلا تعبِ
شربنا من كؤوس الذلّ، ما أعطى لنا الخمّار أو هدرا
وحتى لاحَ في عينيه شيءٌ خِلتُهُ خطِرا
ولما هاج يبغي سيفَهُ مني
نسيتُ مرارةَ الحرمان والهربِ
وفي غضبٍ تملانا.. وسلَّ السيف..
وانتحرا
***
أيا سمّار ليلتنا.. اعذروني
إذ أضعتُ تسلسلَ القصّهْ
فبعدَ هنيهةٍ تغفونَ في أحضان نسوتكم
لئلا تحملوا غصّهْ
وغفوتكم ستسلخني
ولكن..
لن يضيرَ الشاةَ، بعد الذبحِ،
أن تُسلخْ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ممدوح عدوان

avatar

ممدوح عدوان حساب موثق

سوريا

poet-mamdouh-adwan@

10

قصيدة

191

متابعين

ممدوح صبري عدوان ولد سنة1941م،في قرية قيرون التابعة لمدينة حماة السورية. كاتب وشاعر ومسرحي سوري، يعد واحدًا من الأدباء السوريين الأكثر غزارة في الإنتاج الأدبي. عرف بكونه المثقف والأديب المشاكس ...

المزيد عن ممدوح عدوان

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة