الديوان » سوريا » بدوي الجبل » الكعبة الزهراء

عدد الابيات : 99

طباعة

بنور على أم القرى و بطيب

غسلت فؤادي من أسى و لهيب

لثمت الثّرى سبعا و كحّلت مقلتي

بحسن كأسرار السماء مهيب

و أمسكت قلبي لا يطير إلى (منى)

بأعبائه من لهفة و وجيب

فيا مهجتي : وادي الأمين محمد

خصيب الهدى : و الزرع غير خصيب

هنا الكعبة الزّهراء . و الوحي و الشذا

هنا النور. فافني في هواه و ذوبي

و يا مهجتي : بين الحطيم و زمزم

تركت دموعي شافعا لذنوبي

و في الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي

و عطّر أبواب السماء نحيبي

و ردّدت الصحراء شرقا و مغربا

صدى نغم من لوعة و رتوب

تلاقوا عليها ، من غني و معدم

و من صبية زغب الجناح و شيب

نظائر فيها : بردهم برد محرم

يضوع شذا : و القلب قلب منيب

أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا

بأفيح ? من عفو الإله ? رحيب

و ذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد

ورقّ لخوف الله كلّ صليب

و لو أنّ عندي للشّباب بقيّة

خففت إليها فوق ظهر نجيب

و لي غفوة في كلّ ظلّ لقيته

و وقفة سقيا عند كلّ قليب

هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها

(بشبّابة) سكرى الحنين خلوب

حسبت بها جنّيّة (معبدية)

و فرّجت عن غماّئها بثقوب

و ركب عليها ، وسم أخفاق عيسهم

وهام تهاوت للكرى و جنوب

و ألف سراب ، ما كفرت بحسنها

و إن فاجأت غدرانها بنضوب

و ضجّة صمت جلجلت . ثمّ وادعت

و رقّت ، كأخفى همسة و دبيب

و أطياف جنّ في بحار رمالها

تصارع حالي طفوة و رسوب

و تعطفني آلآرام فيها نوافر

إلى رشأ في الغوطتين ربيب

يعلّلني ? و الصدق فيه سجية

بوعد مطول باللقاء كذوب

و بدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما

بحسن عنيف في الرّمال كئيب

و من صحب الصحراء هام بعالم

من السحر جنّي الطيوف رهيب

و للفلك الأسمى ، فضول لسرها

ففي كلّ نجم منه عين رقيب

أرى بخيال السّحب ? خطو محمد

على مخصب من بيدها و جديب

و سمر خيام مزّق الصمت عندها

حماحم خيل بشّرت بركوب

و نارا على نجد من الرمل أوقدت

لنجدة محروم و غوث حريب

و تكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا

نعيم فياف و اخضلال سهوب

أشمّ الرمال السمر : في كلّ حفنة

من الرّمل ، دنيا من هوى و طيوب

على كلّ نجد منه نفح ملائك

و في كلّ واد منه سرّ غيوب

توحّدت بالصحراء . حتّى مغيبها

و مشهدها من مشهدي و مغيبي

ومن هذه الصحراء ، أنوار مرسل

و رايات منصور . و بدع خطيب

و من هذه الصحراء ، شعر تبرّجت

به كلّ سكرى بالدلال عروب

تعطّر في أنغامه و رحيقه

وريّاه :عطري مبسم و سبيب

ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا

فأترع أحلامي و أهرق كوبي

و ما أكرم الصحراء .. تصدى .. و نـمنمت

لنا برد ظل كالنعيم رطيب

و يغفو لها التاريخ . حتّى ترجّه

بداهية صلب القناة أريب

شكا الدّهر ممّا أتعبته رمالها

و لم تشك فيه من ونى و لغوب

و صبر من الصحراء ، أحكمت نسجه

سموت به عن محنتي و كروبي

و من هذه الصحراء .. صيغت سجيّتي

فكلّ عجيب الدّهر غير عجيب

يرنّح شعري باللوى كلّ بانة

و يندى بشعري فيه كلّ كثيب

و لولا الجراح الداميات بمهجتي

لأسكر نجدا و الحجاز نسيبي

و هيهات ما لوم الكريم سجيّتي

و لا بغضه عند الجفاء نصيبي

نقلت إلى قلبي حياء و عفّة

أسارير وجهي من أسى و قطوب

و عرّتني الأيّام ممّن أحبّهم

كأيك ? تحاماه الرّبيع ? سليب

و رب ّ بعيد عنك أحلى من المنى

و ربّ قريب الدّار غير قريب

و ويح الغواني : ما أمنت خطوبها

و قد أمنت بعد المشيب خطوبي

و كيف و ثوبي للزّمان و أهله

و للشيّب أصفاد يعقن و ثوبي

أفي كلّ يوم لوعة بعد لوعة

لغربة أهل أو لفقد حبيب

و يارب : في قلبي ندوب جديدة

تريد القرى من سالفات ندوب

يريد حسابي ظالم بعد ظالم

و ما غير جبّار السماء حسيبي

و يا رب : صن بالحبّ قومي مؤلفا

شتات قلوب لا شتات دروب

و يا رب : لا تقبل صغاء بشاشة

إذ لم يصاحبه صفاء قلوب

تداووا من الجلىّ بجلىّ  .. و خلّفوا

وراءهم الإسلام خير طبيب

و يا رب : في الإسلام نور و رحمة

و شوق نسيب نازح لنسيب

فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت

إلى أمم مقهورة و شعوب

وكلّ بعيد حجّ للبيت أو هفا

إليه و إن شطّ المزار ? قريبي

سجايا من الإسلام : سمح حنانها

فلا شعب عن نعمائها بغريب

و آمنت أنّ الحبّ خير ونعمة

و لا خير عندي في وغى و حروب

و كلّ خصيب الكف فتحا وصولة

فداء لكف بالعبير خضيب

و آمنت أنّ الحب و النور واحد

و يكفر بالآلاء كلّ مريب

و لو كان في وسعي حنانا و رحمة

لجنّبت أعدائي لقاء شعوبي

و يا رب : لم أشرك و لم أعرف الأذى

و صنت شبابي عنهما و مشيبي

و إنّي ? و إن جاوزت هذين سالما

لأكبر لولا جود عفوك حوبي

و أهرب كبرا أو حياء لزلّتي

و منك ، نعم ، لكن إليك هروبي

و أجلو عيوبي نادمات حواسرا

و أستر إلاّ في حماك عيوبي

و أيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر

معنّى بألوان الجمال طروب

و لو شهدت حور الجنان مدامعي

ترشّفن في هول الحساب غروبي

مدحت رسول الله أرجو ثوابه

و حاشا الندى أن لا يكون مثيبي

وقفت بباب الله ثمّ ببابه

وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب

صفاء على اسم الله غير مكدّر

و حب لذات الله غير مشوب

و أزهى بتظليل الغمام لأحمد

و عذب برود من يديه سروب

فإن كان سرّ الله فوق غمامة

تظلّ و ماء سائغ لشروب

ففي معجز القرآن و الدولة التي

بناها عليه مقنع للبيب

و يا رب عند القبر قبر محمد

دعاء قريح المقلتين سليب

بجمر هوى عند الحجيج لمكّة

و دمع على طهر ( المقام ) سكوب

بشوق على نغماه ، ضمّ جوانح

و وجد على ريّاه زرّ جيوب

ترفّق بقومي و احمهم من ملمّة

لقد نشبت أو آذنت بنشوب

وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى

فقد ترجع الأحلام بعد عزوب

وردّ القلوب الحاقدات إلى ند

من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

تدفقت الأمواج و اللّيل كافر

و هبّ جنون الرّيح كلّ هبوب

رمى اليمّ انضاء السفين بمارد

من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب

يزلزلها يمنى و يسرى مزمجرا

و يضغمها من هوله بنيوب

يرقّصها حينا و حينا يرجّها

و يوجز حالي هدأة و وثوب

و ترفعها عجلى و عجلى تحطّها

لعوب من الأمواج جدّ لعوب

و أيقن أنضاء السفينة بالردى

يطالعهم في جيئة و ذهوب

و لمّا استطال اليأس يكسو وجوههم

بألوانه من صفرة و شحوب

دعوا : يا أبا الزهراء و الحتف زاحف

عليهم : لقد وفّقتم بمجيب

و أسلست الرّيح القياد كأنها

نسيم هفا من شمأل و جنوب

و باده لطف الله من يمن أحمد

ببرد على عري الرّجاء ? قشيب

و أقعدني عنك الضّنى فبعثتها

شوارد شعر لم ترع بضريب

و ترشدها أطياب قبرك في الدجى

فتعصمها من حيرة و نكوب

و عند أبي الزهراء حطّت رحالها

بساح جواد للثناء كسوب

جلوت على وادي العقيق فريدتي

ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر

و تكمل أسباب العلى بأديب

و عند أبي الزهراء حطّت رحالها

بساح جواد للثناء كسوب

جلوت على وادي العقيق فريدتي

ففاز حسيب منهما بحسيب

تتيه حضارات الشعوب بشاعر

و تكمل أسباب العلى بأديب

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بدوي الجبل

avatar

بدوي الجبل حساب موثق

سوريا

poet-badawi-al-Jabal@

60

قصيدة

225

متابعين

شاعر وكاتب وسياسي سوري يُعدُّ علماً من أعلام الشعر الكلاسيكي في القرن العشرين وإلى جانب شعره الذي أثرى الأدب العربي كان بدوي الجبل من أبرز المناضلين ضد الاحتلال الفرنسي وضد ...

المزيد عن بدوي الجبل

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة