الديوان » سوريا » بندر عبد الحميد » الخطيئة وثورة أبي حيان

الفارس الذي مضى عن الديار منذ عام
وقيل: أنه أسر..
وقيل: أنه انتحر..
رأيتُ وجهه الشهيد في مقابر الأطفال مشرع اللثام
حملته إلى مزارع الرصاص في مدينة الضباب
وجدته معمّداً بزهرة البارود عند كل باب
وكان صامتاً كلحظة انتظار..
وكان في الجذور النسغ والطفولة
وما ارتخت على جفونه أعنة الحصار
***
عيناك من مدينتي مكحلة الثوار
في رفتيهما ارتعاشة الأصيل،
في ملاعب الفصول..
وشهقة الغريب في مراكب البخور
مرت على الميناء في مسائه الأخير
يا أنت يا وحشية المحار يا بريئة
يمتدّ بيننا جسرٌ من النزيف والبكاء
في مهرجان الرفض والخطيئة
عيناك من مدينتي تمرّد الرؤيا، ارتخاءة المجامر..
يا ثورة العناصر..
***
رحلت.. رحلت عن عينيك قبل مواسم المطر
وكان نشيدك الصيفي، يغري الشوق بالسفر
تشظّى من لهيب الخوف في ليل الولادات السديمية
يُعرّشُ في المدى، ينداح منخطفاً كجنّية
يلفّ شراع "كولومبوس" في الماضي وفي الآتي
حداء من هجير الرمل في أحداق مرآتي
قوافل تزرع الأحزان في واحاتنا الغرثى
وتنشرها على حذف المدار، كوجه عاشوراء في المنفى..
***
خليلي شاعر البطحاء تعشقه صبايا الحي من أسدٍ ومن مخزوم
يظل مهوّماً يصبو إلى عفراء أو أسماء أو ريّا..
ألا هيّا...
فقد حنت مطايانا إلى التطريد صوب منابت القيصوم..
وتبقى الراية الخضراء عبر الصمت مسبية
ولم يعرف لها الشعراء مرثية..
يظلّ الفارس القرشيّ مهزوماً بلا رمحٍ ولا راية
يلوّح من بعيدٍ: ها.. وصلنا الماء...
لكن يا أحبّائي..
نسيتُ بقيّة الآية..
"أبا سفيان أنقذنا.. أبا سفيان..
فقد وطأت ازار قريش الصبيان.."
سمعتُ الصوت، كدتُ أراه، اكتبه على كفيّ أغنية
عرفتُ دماءه في الدرب، جئتُ إليه، حين لثمته
سقطت على قدميّ أقنعةٌ نحاسية..
"جلبنا الخيل من صنعاء"..
لكنا.. أضعنا الحوت في سيناء،
نمنا في دروب الليل والغيلان
"وما بعد العشية من عرار"..
أيها الفرسان
وقلتُ لكم..
وكنتُ نصحتكم يوم السقيفة أن تلمّوا الشمل
أفيقوا أيها السمّار
"أنو شروان" تزحم خيله الأسوار
فتنسى لونها الصحراء
تنسى العيسُ طعمَ الماء..
ولم تتبيّنوا أمرا
فأهرق من زقاق الخمر فوق وجوهكم حبرا
وشدّ من الجريد مشاجباً لجماجم الأطفال
خاب الفال..
***
ومرّ العام يا سادة...
فتحت مدائن الظلمات، كانت رايتي تطفو
على شفة الشروق نشيد طروادة..
تثاءبت الجياد السمر عند شواطئ الإسفنج والصبّار
وكان الرعب ينزف من شراييني كوشم النار
وأتعبني النضال..
فعدتُ ملتفّاً بلون الثلج من منفى إلى منفى
وأدمنتُ المواقد.. أنسج السجّاد والأشعار..
***
أبو حيّان أحرق كل أسفار الوزير وجاءني يزهو..
ومن كل الجهات كليلة الميلاد..
يشبّ، يبشر الأطفال بالرايات والأعياد..
وكان نشيده يطفو على ساحاتنا الخجلى
يريد ملاءةً خضرا
يغطّي عورة الصحرا
أبا حيّان من أي الفصول جدلتَ هذا الحزن
يصهل في المدى شعرا..
أبا حيان..
جفّ الزيت
هذا مهرجان الموت
أبا حيان.. ليس سواك من يهوي بسيف الرفض
يسقي الأرض
والإنسان..

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بندر عبد الحميد

avatar

بندر عبد الحميد حساب موثق

سوريا

poet-bandar-abdel-hamid@

10

قصيدة

68

متابعين

ولد الشاعر والروائي السينمائي في قرية تل صفوك القريبة من الحسكة عام 1947م، ويحمل إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق، سافر إلى هنغاريا عام 1979م لدراسة الصحافة.كان عبد الحميد ...

المزيد عن بندر عبد الحميد

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة