الديوان » العراق » مظفر النواب » بحار البحارين 1

مَلِكُ العُمقِ ...
أَزورُ نجومَ البحرِ.. أُزوِّجُها بنجومِ الليل
أطيلُ لدى مَوضعِ أسْرارِ الخَلقِ زياراتي..
وتفتَّحَ قَلبي في الماء بكُل المِسْكِ
وأرسَلتُ يديّ إلى الأعشابِ المَسْكونَة
فالتصَقَ الشَبَقُ الوردي لماءِ الليل عليها
واختمَرتْ لغةٌ
وتنفسَ فيّ الأيّل
ما أوقحَ لذتهُ
يَبْني بغَزَالاتٍ أربعةٍ
يَنزعُ عنهنَّ ثيابَ ربيعيْن
تعبتُ... تعبتُ... تعبتُ...
قلبيَ مُبتهجٌ تَعِبٌ
يا مُثقل بالمُنزَلَقات
ونونُ النسوةِ قد وضعتْ
نقطتها في ليلكَ فانوساً
هاكَ تلألأ
وأعد للنُسوة نقطتهنَّ
تلألأتُ لهذي الساعة لئلاءً حسناً
وحروفُ العشقِ على شفتي السفلى نائمةٌ
أخذتني الموجةُ من ثوب عُقوقي
مَسحتْ زهرَ الرمان وأبقتْهُ حزيناً
في الماءِ الباردِ خاض الطفلُ بلا صَندلهِ
يا موجة ... أركضْ...أركضْ
بين المُرجان وبين الحزن
دخلنا مَرحلة الأبوابِ
اصْطدمتْ قدمي بالبابِ الأبنوس مصادفة
فطرقتُ
مَن الطارقُ؟
ليس لديكَ جوابُ
أنتَ تذوبُ بصوتكَ
تطرق باباً أخرى من ذات الخشبِ المَدْلوكِ
بجَذبٍ لا تَعرفُهُ
من أنتَ..؟ تعلّمْ أسلوبَ الطَرْقِ وعُدْ
تعلّمْ من أنتَ
تثاءَبَ حَرفٌ لا أعرفُ قُدرتهُ
لقّحَ ناقاتِ الليل
وراءاتُ أبي صخر الهُذلي تنام
صَرَفتْنيَ أمُّ الأبواب
وما عَرَفتْ قلبي فعلاً
لا يَتصرّف إطلاقاً
من أنت...؟ وما قصة رُوحِك؟
ماذا في الدنيا المَألوفَة والأيام فَقَدتَّ؟
ومَن جئتَ تزورُ؟
أنا...أخذتني اللعثمةُ الحُلوةُ
قلبيَ كالعُشْبة قُدامَ المنْجَلِ
روحيَ خائفةٌ خَوفاً مُرتفعاً
قَدمي حُزنُ الأسفارِ عليها ليس يجفُّ
وحزبُ المخصيينَ يُطاردني
إبحثْ يا من تبحثُ عن بابٍ أخرى
يورق في الرفْض فُضولي
وأحكَمتِ الأبوابَ الآلهةُ المسئولةُ عنها
وضَعوا شَيئاً خَلفَ الأبوابِ كذلك
أرسلتُ يديَّ إلى الأعشابِ المسْكونةِ
فالتَصَقَ الشبقُ الورديُّ لماءِ الليلِ عليها
إياكَ وأنتَ قليلُ الخِبرةِ
إن الطَّرْقَ يزيدُ البابَ المجهولةَ أبواباً
ومَفاتيحكَ مِنْ لُغةٍ تُغلقُ ما تَفتحُهُ
وتصُدُّ كما المرأةِ عندَ الماءِ
لمنْ لا يدخل بينَ حروفِ مباهِجها
ونظنكَ من أهلِ الحَدسِ
فَما تتهَجى جَسَد المحْبوب
بل اقرأ قاطِبةً
تلكَ بنفسَجَةُ
تلكَ كما الزبدِ الليليّ تذوبُ أنوثتُها
فيمن مَدَّ يديه بمعرفةٍ عَرَفَ العُمقَ
وزكَّى الهمزةَ بالبخورِ ثلاثاً
حتى طردَ السحرَ وأطلقَ عُقدتَها
بينَ أصابعهِ يَنمو الصُبحُ وكمّونُ العشقِ
وتكشفُ نسمةُ صُبحٍ فَخذيها
آهٍ...
وتدوسُ على ريحانةِ روحِكَ
آهٍ...آهٍ...للوجعِ الطيبِ
يا نسمةُ.. يا بالغةَ العفةِ
مِن أينَ دفعتِ البابَ عَلى العاشقِ
فالقَمرةُ نائمةٌ والعاشقُ أثملهُ التفكيرُ الخاسِرُ
والنجْمةُ تستأذنُ أن تدخلَ بعدَ هَزيعيْن اثنَينِ
فَما أذِنَ البحَّارُ العاشقُ
فالنجمةُ تحْملُ فاكهَةً
قالَ المُعتكفُ البحارُ
أنا ما ذقتُ سِوى طَرفِ النهدِ
وصُمتُ عن المُشْتهيات
رَضعت العَنْبر مِن صَدْر العشقِ
وأمسَكتُ بحَلمَتها الورديةِ في الليلِ أؤنبُها
امتلأت كَفّاي رَحيقَ الفُسْتقِ
واشتعَل الخُنْصُر
بين الوَرْد وبين اللَّحن
وبين اللَّحن وبين الوَرد
احترقَ الخُنصرُ
أَعْطى ضَوْءاً عَربياً
ليسَ لإصبعي الوسْطى في الليلِ أمانٌ
وأديرُ على هذي الإصبعِ حكّام الردة قاطِبةً
سوفَ أحَدثكُم في الفَصل الثالثِ عَن أحْكام الهمزَة
في الفَصل الرابع عَن حكّام الردّةِ
أما الآن فَحانات العالَمِ فاتِرَةٌ
مَللٌ يُشْبه عِلكةَ بَغي لَصقَته الأيام بقَلبي
يا ابنَ ذريحٍ
هذي الحانةُ باردةٌ
أوقِدْ صَوتكَ
يرحَلُ بعض الإثم مِن الحانةِ
يا ابنَ ذريحٍ
هاتِ نَغَماً
هاتِ لنا بَعضَ المُشْتهيات منَ الصوتِ السابعِ
قلْ نغَماً عُصفُوراً
قُلْ نغَماً سُرّة أنثى
قلْ نغَماً طَرقَة بابٍ مجهولٍ
من أنتَ ...؟
نصحنا أذنَك أن تسْمَعَ
تلكَ الأشْياء المألوفَةَ في الدُنيا
آلهةَ المجْهُول
أتيتُ بآخِرِ أشْكال الهمّ
وروحي لََونٌ مكتَئبٌ
طَوقتُ عَليه بزُنار مراهِقَة
مَن يَطرقُ ثانية؟
حَذرناك... فماذا تَطلبُ؟
جازفتَ على كلكٍ لا يعبر ساقيةً
قيل تسفِّه كلَّ الصُلبان وكلَّ الأصنام
رفَعتَ كؤوس الكفرِ عليها
يأخذكَ الزهو
وترفعُ إبريقَ الخمرة في الهمِّ شراعاً
كيف تجرأتَ تدّقُ علينا في الليل
فإن اللذاتِ تنام وراء البابِ بدون ملابسِها
ويسيل لعابكَ...
كيف اللذاتُ تكون بدون ملابسها؟
تلتاسُ ... وتنطق أشياء مبهمةً
وتحاول أن تخرج من تأتأةٍ في جِسمكَ
تعرقُ جُدران همومِك
يَعرق إظفر إبهامِك بالمندلِ
توقدُ عود السُمّاق لدى فخذي أنثى
أسأم حُسْن اللّه عليها
واجتمع التلقيحُ فأعطى إنشاءً ذهَبياً
أوقَدتَ فجُنّ الحشَراتُ
وهاجَ الموج وقامَ الزبد الفاشلُ
واضطربَ البيضُ الفاسد
يا صاحِب هذا الكلكِ المُتعبِ
أنتَ تسميه سفينة عشقٍ
أنّى أوقدتَ
سَيفْقسُ هذا البيضُ الفاسدُ أوساخاً مُقذعةً
ألديكَ فوانيسٌ ؟
زيتٌ ما لمسته يدان؟
روحٌ تبصِر في الزمَن الفاسدِ؟
أوقدَ بحارُ البحارين قناديل سفينتهِ
أبقاها خافتةً
بحار البحارين
ومن جَمعَ اللؤلؤَ والأضواءَ وأصواتِ البحر
بخيطٍ لحبيبته أبقاها خافتةً
تملك أحلى الهَمزاتِ حبيبتهُ
تملكُُ أحلى ميمٍ أعرفُها
ولها جَسد مزجَتهُ الآلهةُ المَوكولة بالمَزج
بكلِّ عُطور الخَلقِ
فمارسَ عشقَ الذات وأربأ
بالحُسْنِ عليها.. ارتبكتْ
أعرفُ بحَّار البحارين
ومَن سأحَدثكم عَن سيرَته
كان يُقاوم أوساخاً مُمتعَة
يستمتع حَين يُقاومها
عَيناه تألقَتا كالجَمْر مِن الحُمى
بعثَ الحُمى بغلاف مِن ورق العشْق لبَيتِ حَبيبتهِ
وبيْتُ حبيبَته في الشامِ يقالُ
قُربَ الجسْر الخَشَبي
وبيتِ عَلي بن الجهْمِ يُقالُ
برام اللّه يُقالُ
قيل ببابش الخَلقِ
وقيلَ بتَرْهونَة أيضاً
مَن أنتَ..؟
وفي هَذا الوقْتِ المشْبوه تَزورُ؟
أطرق بحار البحارين
وخبأ في الصَّدفِ الحي حكايَته
فالعُثّة في بلدِ العسكرِ
تفقِسُ بينَ الإنسانِ وثوبِ النَومِ وزوجَتِه
وتقررُ صنْفَ المَولودِ
وأينَ سَيكوي ختمُ السلطانِ على إليَتهِ
فَإذا آمَنَ بالحزبِ الحاكِمِ
فالجَنةُ مَأواه
وويْلٌ لِلمارقِ
فالأنظمةُ العَربية تشْنقهُ قُدام الفِنجةِ قَاطِبةً
تبقيهِ لساعاتٍ
ثَمةَ تنسيقٌ سِري بَين فَنادقِنا
أحَدٌ مِنكم لاحَظ أن الصمْتَ تكاثرَ والجرذانَ
وسَيارات الشُرطة تحَبلُ في الطرقاتِ
بِشَكلٍ لاشَرعي وسِخ
هذا الطقسُ دنيءٌ جداً
ولذلكَ خَبأ في الصَدَف الحَي حِكايَته
وأقام على دولابِ سفينتهِ
عَيناهُ من الحمى والحُزن
تألقتا نجْمين كئيبَينِ
أرستل تلكَ الحُمى بغلافِ
مِن وَرَقِ الحزن لبيتِ حبيبَتهِ
جلستْ تغسلُ للحُمى
جَدلتْ بالوَرد وبالزيْت الباردِ
والنعناعِ جديلتَها
سَمعَ الجيرانُ بكاءَ الحُمَّى في
الليلِ الأول مِن شٍٍَعبان
قالوا نغلقُ هَذا الشباكَ
ونخلصُ منْ وجِعِ القلبِ
لقَدْ شعَّفَ كل بَناتِ الحيِّ
وكوَّن مِن حَبات الدَمعِ فَراشَات عَمياء
وقُمنَ إلى الشُباك مِنَ النوم وأغلقْنه
ونون النسْوةِ ما نامَتْ أبَداً
نُقطةُ نونِ النسْوةِ مِما تَذرفُ دمْعاً مُسِحَتْ
وأتى النونُ هِلالاً فَوقَ المَركبِ
كانتْ ريحٌ قاصمةٌ
والمَرقبُ يُنبىء أن اللجَّة
سوفَ تقومُ على آخِرها
وعَلى الدفة كان مَهيضاً
في تلكَ الليلةِ مِن شَعْبانَ
يُقاومُ أحلاماً ساطعةً...يُغلِقُ عَينَيهِ
وأبوابَ الروحِ لشِدتها
وتساءلَ أيْن الأرض
وأرسلَ قامتهُ الغَجَرية بينَ نُجُوم الليْل
وكانَ الوَشْم عَلى رسْغَيه يكَمِّل عَقْد النجْم
تَطاول أيْضاً
أيْنَ تُريد؟
فعنقكَ تَمتَد بأكْثرَ مِمَّا قَسَمَ الله لها
قال كذلكَ قَد خُلقَتْ
هَذا منطِقُ صُوفي
أينَ تصوفْتَ وجِسْمُكَ يَنضَحُ لَذاتٍ خُضرٍ؟
تَسكتُ
كيفَ تخمَّرتَ وأنتَ مِن الطينِ الفَجِّ
وتعشَقُ طلعَ الصُّبحِ
ولا يُؤنسك الليل بلا جَسَد
تترُكه في الصُبح
تلوحُ الأغصانُ عَليه وبالضِّديْن يُضيء
تقُولُ: دَخَلتُ حُدوثَ الضَوْءِ
في العام الأولِ كان الضَّوءُ المألوفُ
وبعدُ ..وبعدُ !
في العام الثالثِ كان الضوء المسْتور
وبعدُ...!
وجاء ظلام أطفأ كل قناديلي حتى المَوروثة
إذ ذاك تَلمسْتُ طريقي
عَثرتْ قَدماي بمَنْ عَلمَني
صارَ هو العَثْرةُ
ضَيعْتُ منَ العُمر طويلاً كي أنهِضَهُ عَبثاً
فالجُثةُ كانَتْ تتفسخُ مِن أينَ أرَدتُ أسَنِّدها
أعَثَرتَ بمَن علمك أل...؟
أسَفاهُ نعَم
كيف؟
كذلك ... قال كذلك
هذا طَبعُ الأشْياء
وعندَ الأصْوات الخَارقَة الإيقاعِ يَشُذُّ
أوحَشَني الدربُ
وأصبحَ صدريَ مدخنةً في مَطر
لا يُنْبئ عن صَحو
غَرقَتْ روحي إلا عُقدة عِشْقٍ
آنَ إذٍ والمركبُ يوشك أن يقطع رحلتهُ
أبرَقَ حَرفٌ من تحت الباب مَهيباً
وأطلَّ الرأسُ من القَمرة حول العينين
من الصرف ونَحْوِ الكوفة أشكالاً
لا الخط الثلث له هذا الحسن له
لا الكوفي ولا الرُقْعة أيضاً
ورأيتُ ثيابَ العِشق تضيقُ على جَسَدي
فتوضأتُ بماء الخَلق
أخَذتُ بهذي القيثارةِ
دوزنتُ عُقوداً أربعة
وشَددتُ على وجع المفتاح الخامس والسابع
فاعْترضَ النحْو البصْري علي
كذاك اعترضَ النحْو الكوفي
وأجلسَ من لا أعرفُه يعرفُ نحْواً في الشام
دع الريح تُهَدْهِدُكَ الهَدْهَدةَ الأهْدأ
نَذْركَ كان كثير الشَمع الأحمر والآس
ومَرتْ كل شموعِك من تحْتِ الجسْر
وأبعَدتَّ كثيراً في البحر
فأينَ البَصْرة؟
آه صحيحٌ..أين البَصْرة؟
البَصْرة بالنِّياتِ
لقدْ خَلُصَتْ نياتي حتى
وتسلقَ في الليل عَمى الألوانِ عَليها
أينَ البَصْرة؟
مشتاق بوْصَلتي تَزْعَمُ عِدةَ بصْرات
منذُ شُهورٍ قَلبي لا يفْرحُ إلا بين النخْل
أتسير ببوصَلة؟
حين يكون لذلكَ فائدة
ما دخت؟
إذا كنتُ بلا أملٍ
يا صاحبَ هَذا الكَلَكِ المتعب
أنتَ تسَميه المَركِبَ
لا بأس عَليكَ تفاءلْ ما شئت
أطلقْ ما تَرتاحُ منَ الأسْماء عَليه
وصِيفٌ وبَغى مُتفقان على نفْط البصْرة
والمُتوكل مشغولٌ عن ذاك
بشامَةِ حُسْنٍ في خِصْيَته
فَدع الريحَ تهَدهِد هذا المَركب شَيئاً
واسْترخ فما تلك نهاية هذا العالَم
مُدَّ ذراعَكَ
فالشمْسُ تُريح الجَسَدَ المكْدود
تمُدُّ مُرونَتها فيهِ
فَيصْبح كالسَّعْفة
والفُقَراءُ المخْلوقونَ من الخِرَقِ
الليلي وخَوْفِ المُتَوكل
بالسَّعْف احتشَدوا
مَلئوا بابَ البصرة بالسُلِّ
وقد أطفَأ بردُ الليل قناديل حماسَتهم
كان السَّياب مع الأطفال يُحرك سَعفَته
انتَظروكَ طَويلاً
أرهِمْ أن السعفة تَنْفعُ
لا بأس بجرعة خَمرِ
تخضرُّ لها عيناك وتذَّكَّر
ها أنتَ مصابيحُك ترتعش
الرعشات الحُلوة للسُّكْر
وتأخُذُ كامِلَ قُوتِها
ماذا سَتخَبِّرُنا؟
أرقُصُ قَبلَ البَدْء
أريكم فَرَحي
ها إنّي أرقُصُ...أضحَكُ
ها إنّي َ.... إنّيَ
ثُمَّ يصيرُ الرقْصُ وقوراً
قاومْتُ جَميعَ الأطراف
بهذي السعفة حتى بَريَتْ
رفعتُ عَليها الرايةَ يا صِبية
بين السُّفن المخصِيةِ
تَحمُل سفودين عظيمين
ويفتح أحفاد البصرة كُواة النورِ عليك
فما أجمل هذي الأعْين يا رَبُّ
وعِقدان مِن القَهر وأنْتَ بهَذا البحْر
أما أكل الضَّجَر المالحُ جنبيكَ؟
تمسَّكتُ بهذي السعفة
من كان له سعفته في الليل سينجو
اعتصموا بالسعفِ جميعاً
والوحشَة يا قبطان أجِبْنا
كيف قدرتَ على الوحشَة؟
تَزْوي عينيك قليلاً
أوقدتُّ بها عِشقَ الناسِ
وداويْتُ ظلامي
يا سيد في البحر العاصِفِ
هل أحببتَ كذلك
أكثر مما في الأرض
وفي اليوم الهادئ
تملكُ أحلى الهمزات
وأحلى ميمٍ أعْرفُها
أنْصتَ أولاد الوسخ المتروك إليك
فأنت تُعلمُ مثل نبي
فإذا أنت أتيت البصرة
أنكرك الحسن البصري
فآه مما يتقَلبُ هَذا الحسَنُ البصري
وآه مما كشَفوا فَخذيك وكانا مبتهجين
كثور يتفرغ للإتيان بحزب السُلطة
حتى شهقَ الخلقُ وزاغَ البصرُ
قيل معاذ الله فما هذا بشر
هذا مارَسَ كلَّ فسوق
العالم بالسُّلطة قدامَ الجمهور
وألَّبَ حتى الدرجات المنحطة جداً
مولانا كان يُعلِّم خارج ما عَلمَهُ الكُهان
وسفَّه كُل معابدنا
يا حضرة حاكمنا
مشتبه يَعشقُ جسرَ الكَرخ الخَشَبي
ولا يعشَقُ جسرَ الدانوبِ كذلك
وارتفعتْ شهقاتٌ من غربِ وشرقِ المجلسِ منكرةً
يَرتَكبُ الكُفر الأمَمي
يُخَوزقُ أعرافَ الطبقات المَرموقَة
يَرفعُ خِصيةَ ثَورٍ
يَهزأ قُدام سُطور السَّادةِ
والحرمِ الجمهوري
ويَشتُم تَكْيتنا
قالوا يُقتلُ .. يُنفى
يُقتل؟ لا تكفي هذه
لا بد يُشوه بعد القَتل ثَلاثة مَرات
آهٍ ... صرخَ الوزراءُ الفأريونَ
يدوسُ على ذيلِ وزيرِ النفطِ
يُقالُ...وزيرُ النفط له ذيل
يُخفيه بكيسٍ أمْريكي
ويصوتُ ضدَّ الإرهاب به
مولانا...
يَزعم أن شيوخَ أبو طبي
والبَحرين ورأسِ الخيمةِ
يُخفونَ ذيولاً أرفَعَ مِن ذَيلِ الفَأرِ
وحينَ يَخرونَ سُجُوداً للشاهِ
تَبينُ قَليلاً مِن تحتِ عَباءتِهم
ويُبشرُ بالخازوق
أُخَوزِقُكُمْ
يا ديدان أخَوزقُكمْ
اسْمَعْ يا والي البصرةِ
قال لنا يا ديدان
وقال يُخَوزِقُنا
خَوزقْ .. خَوزقْ...
صَرخَ المَصنوعون من الجوعِ
وقامَ الخازوقُ الباسلُ
خَوزقْ .. خَوزقْ...
هَاتوا الملكَ السِّفلِسَ
هذا مَلك يَسْتأنِسُ بالخازوق
وذلكَ حزبٌ يَتخَوزقُ مُختاراً
لا إكراهَ ولا بطيخَ
بمحضِ إرادتِه
يا سيدُ .. فاحملْ سَعفَتك الآن نبياً
حَركْ بَيتَ العَقربِ تَخرجُ مُكرهَة
يا حاكمنا
صاحَتْ طَائفةُ الخُلقِيين
يُوشِّي الجُملَ الرَبانيةَ في الشِّعرِ بِمُفرَدَة
يَخجَل منها المُعجَم
ماذا أعمل؟
إنَّ أشَدَّ بَذاءاتِ العَالمِ يَزدادُ تألقُها فَوقَ لِحاكُم
وأضافَ قميءٌ عَفِن كان يُوصْوصُ بينَ القَوم
وكنتَ تُفَرغُ شُحنتَنا الثورية
يا ابنَ الشُّحَن السَّلبية
بَطاريةُ حزبك فارغَةٌ ماذا أعمل؟؟
والتَفَتَ الآخرُ لَفْتةَ مَن فاجَأهُ الحيضُ وقالَ
تفاهمتَ معَ السلطةِ تَشتُمها وتُورطُنا
إرْبَأ أن تَسمَعَ ... واستَعِذ الله
فَمهما قيلَ فأنتَ تُعلمُ مِثلَ نَبي
سَلمَكَ المِفتاحَ على الذمَّة بَحارُ البَحارين
وأعْطاكَ السَّعفَةَ
أعْطاكَ طَريقَ التَّبانَةِ
أعْطاكَ بأنْ تُصبِحَ طِفلاً عِندَ الحاجَة لِلعِبِ
وسَيفاً حينَ يَجِدُّ الجَدُّ
فأيُّ الأشياءِ رأيت؟
وأيُّ الأشياءِ ترى؟
لَستُ أرى غيرَ الدفةِ
هَذا سَفَهٌ بَحري
إن مَعارفكَ الآن لَغامضةٌ جداً
وحِجابُ الجُملةِ أعْماك
ولكن.. أينَ البَصْرة يا مولاي ؟
وما شَأنيَ بالبحرِ
إذا لا يوصلني البحرُ إلى البصرة
لا يوصلك البحرُ إلى البصرة
بلْ يوصلُني
لا يوصِلك البحرُ إلى البَصْرة
بَل يوصِلني البحرُ إلى البصرة
قلنا لا يُوصلكَ البَحرُ إلى البَصْرة
أحملُ كل البَحْر
وأوصلُ نفسي أو تأتي البصْرة
إنْ شاءَ الله بِحكْم العِشقِ وأوصلها
فإذا أخركَ الطقسُ فَماذا بعد؟
طَيرَ الوَعد
تعالَ وصَيحَتكَ المَمْزوجَةَ بالفَجْر
يا نبأ عَن بَحار البحارين
وما صَنعتْ عاصفة الجَزر به في الليل
هل ارتابَ القلبُ المُدمن؟
أم كانَ به ما يكفيهِ مِن الزادِ وعِلم البحرِ
وهَلْ نسيَ الفردوس المفقود
وعتاثت عَاصفةَ الإفكِ بأمجادِ طفولته
أعرفُ بحارَ البحارين
وهيهاتَ يفارقُ صدرَ سفينته الحربية
رطشَهُ الزَمَنُ السيءُ بالملحِ وزيتِ أصابِعِه
صَارَ هو اللونُ المَألوفُ
لقدْ زَعَمَتْ سُفُنُ الأقزامِ تُرافِقُه
وانكفأتْ حينَ رأتْه على المَوجة
مُحتفلاً بالغَضبِ الكَوني
ويَسْتلمُ البَرقَ مِن الله
وأرقامَ جميع الهزات الأرضية والرَّعد
كان يَلمُّ الأخلصَ مِن بحارة تلك الأيامِ
ومَن في الجزر وفي الجزر الأقصى
قرأوا السَّنوات المطلوبَة للمَد
بَحار البَحارين بلا حَد
والسُّفنُ الإيجَار لها حَد
قالَ وبَينَ حَواجِبه نقطةُ حِبر عَالمَةٌ بالأنواءِ
كِتابُ البَحْر كِتابٌ يَتغيَّر يَا أحباب سَفينتنا
والنوتي الفائقُ مَن يَتنبأ قَبل التغيير
وأخطاءُ النوتي الفائقِ تَعني
أن النجمَ القطبيَّ يُغيرُ مَوقِعَه
ورثَ النوتية هذا العِلم المُتطامِنَ جَداً عَن جَدّ
ضَربَتْ إحدى المَوجَات الدّفة
واضطَربَ الميزانُ قليلاً
حَدّق بين الحلمِ وبين اليقظة
هذا ليلٌ قَدَري
والخَشَبُ المُتآكلُ ضَرَّسَ أنيابَ الأمْواج
فألقوا المِرساةَ فإني آنسُ ناراً
وأشار بإصبعهِ المتضخم
للضوء الباهت في آخرة الأفق
كأن هنالك ميناء يكمنُ خلفَ الكون
وكانت في المَركب ريح الأصْقاعِ الثلجيةِ
تَمسَحُ وجهَ النوتية إلا مَنْ آمَن
رَبَّ النوتيةِ
قال الواقِفُ فَوقَ المَرقَب
والمطرُ الأبيضُ يَغسلُ بالطهْرِ نُبوءَتَه
رب النوتية واحملْ مِصباحَك بالعَشْرة أرْواحٍ
إن طَريقَ الميناء مُخيف
وطريقُ المرأَبِ جِدُّ خَطيرٍ مُنْتَصَفَ الليل
وتَكثُرُ فيه الأوجارُ
ونبهَ بحارٌ أزمَنَ فيه البَحر
وقد نبَتتْ مُنذُ زمانِ الردة
آثار التعذيبِ على فَخذيه
خُذْ سِكينَكَ
لا نأمنُ هذا السَّاحِل
وانظر أشجارَ دَم الأخَوين تُخبرُ أخْباراً فاجِعَةً
فَالظلمَة فاحِشَةٌ ولقد يَنقلبُ الليلُ برغْم إرادتنا
ويَهوذا يَكمُنُ في بَعضِ الناس بِرغمِ دلالات الخير
نعيذك يا سيد مركبنا
تجار الأخلاق كثيرون فعجل
نزل السيد
غاب وراء الطرقات المشبوهة يبحث عن درب المرأة
ذلك لا بدّ
في تلك اللحظات تدفقت الأشياء
ونزدم الأخوين وعلم ثوب النازل في الطرقات المشبوهة
مضطرا
أحد يقتل في هذي الليلة
أو احد ينفي في هذي الليلة
محتمل أن يحصل تغير ما كنا نتوقعه
وحسبنا كل حساب
إلا ان يكون الميناء هو القاتل
إلا ان يصعد هذا الميناء إلى المركب
يغري بعض البحارة ان يلقوا المرساة نهائيا
إلا ان يصبح بعض البحارة مما كنا نأمنهم مشتركين
اطفيء فانوس الخبرة
لا النجوم ولا القمر المعهود أضاء
فالزمر المنحطون تلاقى
تتوزع .. وتنقض وتخرج ثوبك
قلبك كان يحس برودة خنجرها
تلك مؤامرة كشفت
واسر أمين البحارة كانت نارا خادعة
ان كتاب البحر كتاب يتغير يا أحباب سفينتنا
اخرج أوراقا باهتة أكل الدهر عليها
وتفحص خارطتين معتقتين فضيعتاه
قال إله الليل تظنون ظنونا خاطئة
سفن الثورة تسطع مبحرة
فإذا وقفت يمتد إليها الميناء
أجاب السيد يا رب هو الماء
لقد دخل الماء سفينتنا
سفن المخلص لا تغرق بالماء
يقول الرب بل القلب إذا ارتاب بقدرته
والروح إذا تعبت
أرسل بحار البحارين فراسته
عجم البحر
قلب قرآن الله وإنجيل الله ورأس المال طويلا
فرأى الدب الأبيض والدب الأشقر والثعبان
وبعض البحارة متفقين على اللعب بلحيته
اقسم بالشعب وبالأيام الصعبة قاطبة
ليقاتلهم حتى يصل المركب ثانية
أو يهلك منتصرا
أبلى في الليل بلاء حسنا
قاوم عقدين وبضعة أيام موحشة
وأحس دوارا منذ شهور ينزف
والعمر تقدم بالمبحر
واختلط البر ...البحر... الغيم ... النجم ... الأم ... الليل
وألقى المتفقون القبض على قبضته
وأزبد من أزبد
أرعد من أرعد
واستحملت السلطة أنك سوف تطيع
واحضر في الليل صليبا ورفعت عليه
فما أحلاك أضفت إلى السكة فانوسا
اعرف أنك تبكي منفردا
أين البصرة يا رب...؟
صرخت ... أما وصلت؟
وسمعت ضجيجا وسخا طيلة تلك الليلة
كنت تعاني الموت
وكانوا يحتفلون
وقد سلبوا المركب والبوصلة الدرية
واعتقلوا البحارة
جاءوك صباحا بالصفقة ثانية
ثانية أنت من التعذيب بصقت عليهم
آذوك طويلا
منعوك ترى جسر الكرخ الخشبي
فما أتفههم
انزل في ظلمة قبو لا تأمن فيه العقرب صاحبها
أنعش بالمسك وقيل
نريد بك الخير فما لك لا تأمن
خذ ما شئت من الميناء
أعرنا المركب والبوصلة الدرية
نوصل أموال أبي العباس السفاح
فان أمير البصرة منتظر والجامعة العربية منتظرون
معاذ الله يكون الخصية في المركب
جميل يا سيد
يا سيف النظرات
جميل أنت .. بهي أنت ... عظيم أنت
وحين وقفت على الأرض بكل ثبات
وجميل أنت .. جميل حين بصقت على الصفقة
واستحليت ثباتك فازددت ثباتا .. ثبتك الله
منعوا صوتك ما أتفههم
زعموا أنك مجنون ... معتوه .. صوفي وشيوعي
كيف جميعا
ما أتفههم... ما أتفههم
حملوا الميناء وبيت المال ورايتك الحمراء
ودست الباذنجان كذلك
فكيف جميعا
قال الجرد ذو الشيب المصبوغ لإخفاء الصفقة
تبقى جسدا للبوم وللغربان ونبحر دونك
فاقبل قبل فوات الفرصة صفقتنا
شارك في الحل السلمي قليلا
أولاد القحبة كيف قليل
نصف لواط يعني
امتعضت روحك
كنت كمن يجبر أن يأكل فأرا
هاج البحر وكشرت الأهوال
وكادت ريح قادرة ان تقلب كل مفاهيم البحر
وصار الدولاب يدور عليهم
والدفة توشك ان تقلب من يمسك عصمتها
ارتبكوا وأحاق المكر بهم وأسروا
ألقوا المرساة نساوم هذا القذر المفزع ثانية
جهلوا مولاي مزاج البحر
وأما البوصلة الدرية فانطفأت ضاحكة
وقفوا بين يديك
وكان العرق القطري يوسخهم
قالوا بالوحدة
لكن زادوا القطرية ذيلا قبليا
ورأيت الزبد الأبيض يذبل فوق كواهلهم
. صعب الأمر عليك
تشوقت الى الوقفة فوق الدفة منفردا وحدك
يعلو الدولاب لعزم يديك
ووحدك تبحر في الليل وليس لديك صليب أو صنم
رايتك السعفة
والموج يقبل جأشك
فاقتربوا من قدميك وصاحوا والريح تغالبهم
بحار البحاران
لك الثلث من المركب
إن أوصلت حمولتنا
ويقول المالك
يبقيك ومن شئت من النوتي في خدمته أبدا
وتفردت بهم
أولاد الإفك يبيعونك نصف سفينة عمرك
ثم يمنون عليك بان تخدم سيدهم
ابصق ثانية
هذا والله مكان البصقة.. فابصق ..تبكي غضبا
يلعن كل مباغي البصرة في العصر الجمهوري الجائر
قد منعوك ترى جسر الكرخ الخشبي
وهذي السنوات التسع قد صهرتك من الحزن
وقالوا صوتك يخدش أخلاق الجمهورية
خافاك الله بقاؤك محض بقائك يفضحهم
ما ظل سوى حبل يتحلق حول خناقك
والقلب وراء ضباب البحر
يدخل كل الليل علمة عشق ووجود
فإذا احتد عليه الشوق سيشتعل
ولقد يفتك بالبحار أريج مبالغ
وأوار الحمى ينكث روحك . والريح
ومال المركب للهوة بعد الهوة
يا سيد فانشر روحك في الخشب الخائف
إن مزاج الكون سيعتدل

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظفر النواب

avatar

مظفر النواب حساب موثق

العراق

poet-muzaffar-al-nawab@

74

قصيدة

908

متابعين

ولد مظفر النواب في بغداد عام 1934 لعائلة شيعية أرستقراطية ذات أصول هندية وكانت تهتم للغاية بالفنون والآداب والشعر والموسيقى، وكثيراً ما كان قصر العائلة المطل على نهر دجلة مقراً ...

المزيد عن مظفر النواب

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة