وعرفتُ كيف تمطُّ أَرجلها الدقائقُ
كيف تجمد، تستحيل إلى عصورْ
وغدوتُ كهفًا في كهوف الشطِّ
يدمغ جبهتي
ليلٌ تحجَّر في الصخورْ
وتركتُ خيل البحر تعلكُ
لحم أحشائي
تغيِّبه بصحراءِ المدى
عاينتُ رعب زوارقٍ
تهوي مكسَّرة الصدى،
عبثًا يدوِّي عبر أقبيتي الصدى
يلقي على عينيَّ ليل جدائلٍ
في الريح تُعولُ، تستغيثُ، وترتمي
غبَّ انسحاب البحرِ
يرسب في دمي
سمك مواتٌ،
بعض أثمار معفنة، قشورْ
ويدي تميع وتنطوي في الرملِ
ريحُ الرمل تنخرها،
وتصفر في العروقْ
ويحزُّ في جسدي وما يدميهِ
سكِّين عتيقْ،
لو كان لي عصبٌ يثورْ
ربَّاهُ كيف تمطُّ أَرجلَها الدقائقُ
كيف تجمدُ، تستحيلُ إلى عصور
***
يا من حللتَ وكنتَ لي
ضيفاً على غيرِ انتظارْ
وملأت مائدتي
بطيب المنِّ والسلوى
سكبتَ الخمر مما ليس تعرفه الجرار
أعطيتني مُلكاً على جنِّ المغاور والبحار
ما يشتهي قلبي تجسّده يدي
في الطين يخفقُ ما تغيّبهُ الظنونْ:
حورٌ يواقيتٌ، عمارات
بضربة ساحرٍ: "كوني تكونْ"
ألنار تزهرُ ملء موقدتي
وتثمرُ، والربيعْ
يحبو ويفرش غرفتي
غبَّ الصقيعْ
والشمس تأوي من ضباب القُطبِ
أُدفئها، وتمضي مطمئنَّهْ
أني بغيبتها أحرُّ الجمرةَ الخضرا
وأُخصبُ أرضنا من غير مِنَّهْ
***
يا من حملت إليَّ طيبَ المنِّ والسلوى
بسطتَ يدي على جنٍّ
تُجسِّد ما أُريدْ
وخجلتُ من فقري،
سفحتُ دمي، ذبحتُ لك الوريد
لا تحتجبْ بمغاور الأُفُقِ
المجمَّرِ والمصفَّحِ بالحديدْ،
عينايَ سمّرتا على أُفُقِ
الحديد بلا جفونْ
وأخافُ من كبريت صاعقةٍ
يفجِّرُ فيهما ضحكَ الجنون
ما عدتُ أعرف من تكونْ
اللعنة الحمراءُ في شفتي
وفي شفتي التوجع والصلاةْ،
العار يفضح كهفيَ المطويَّ
في منفى الكهوفِ
وهل أصيح بمن يرجّي المعجزاتْ
الساحرُ الجبار كان هنا وماتْ؟
من جثة الجبارِ
كيف تبخّرت خِرَقٌ،
وكيف تكوَّرتْ شبحاً غريبْ
يمضي وتنفضه الدروبُ إلى الدروبْ.
أمّاهُ لا تسترحمي
بالدمعِ في غبشِ العشيّةِ، لن أُجيبْ:
"خلف الكهوفِ، وخلف صحراءِ الشواطئِ
معولٌ، حقلٌ، ومكتبةٌ ودارْ"
ملكي على جن المغاور والبحار!
المنُّ والسلوى
وخمرٌ ليس تعرفُها الجرار!
ماذا سوى كهفٍ يجوع، فمٍ يبورْ
ويدٍ مجوّفةٍ تخطُّ وتمسحُ
الخطَّ المجوَّفَ في فتورْ؟
هذي العقاربُ لا تدورْ،
ربّاهُ كيف تمطُّ أرجلَها الدقائقُ
كيف تجمدُ، تستحيل إلى عصورْ!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خليل حاوي

avatar

خليل حاوي حساب موثق

لبنان

poet-khalil-hawi@

26

قصيدة

59

متابعين

ولد الشاعر خليل حاوي في مدينة الشوير في لبنان عام 1919م، ودرسَ في مدارس قريته حتى سنّ 12 من عمره، فقد مرضَ والده ممّا اضطره إلى العمل في مهنة البناء ...

المزيد عن خليل حاوي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة