الديوان » سوريا » خليل شيبوب » يعاتبها فيه الفؤاد مفندا

عدد الابيات : 124

طباعة

يعاتبها فيه الفؤادُ مفندا

فتغريه حتى ينثني متوددا

وتُسمِعُه من سورة الوجد آيةً

يعود بها أدمى وأضنى وأوجدا

إلا أن ثوراتِ الفؤاد قواتلٌ

إذا لم تصب من خالص العقل مسعدا

ولكنه فات الزمان وأُطفئت

مناراته فازورَّ واشتط مبعدا

وفي كل يوم غفوة وانتباهةٌ

لناحلةٍ وجداً وفاقدةٍ هدى

على ذلك القلب الذي أضمر الأسى

إلى ذلك الوجد الذي حجب المدى

أحبته ملءَ الصدر في مرح الصبا

جميل المحيا فاتر اللحظ أصيدا

ولم تستشر فيه النهى أن حكمها

يعيد لها وجه المحبة أسودا

فتى مثل ريحان الجنان نضارةً

يطالعها بدراً ويخطر أملدا

وتبرق عيناه ذكاءً كأنما

محبتها مَرَّت بعينيه أثمدا

لقد نزلت من قلبه في مكانةٍ

ينم عليها خدُّه متوردا

ودلَّ على حبٍ عظيم مثوله

لديها حييّاً واهياً متجلدا

إذا لحظتها مقلتاه تنهدت

وإن لحظته مقلتاها تنهدا

تحب الغاواني في الفتى شيمة الحيا

ويعرضنَ عن مستوقح قد تمردا

سليم وسلمى أسماهما سرُّ رامزِ

بقلبين في روح الهوى قد توحدا

تعشقها بنت السراة ولم يكن

يضارعها عزاً وجاهاً ومحتدا

وليس له في العمر إلّا شبابهُ

وعقلٌ يراه في الأمور مسددا

وسلمى فتاةً تشبه الشمس طلعةً

لها وجنة كالورد كلَّله الندى

وعينان إنساناهما قد تلألآ

كنجمي سماءٍ يبرقان زمردا

وجيدٌ كأن الفجر شق عموده

وحلّاه بالنجم المضيء وقلَّدا

وشَعرٌ كعَقدِ التاج زيَّن رأسها

فإن أسبلته انساب تبراً مجعدا

وقدٌّ كغصن الزنبق الغصن ناعمٌ

إذا راوحته الناسماتُ تأوَّدا

وتمشي كأَن الأرض ليست تَمَسُّها

لها قدما ظبيٍ تُقلان أميدا

وتضحك ضحكات الطهارة مثلما

تجاوبَ طيرٌ في الأراك وغردا

وتبسم عن درٍ نظيمٍ مطلةً

بوجهٍ لها يزهو لجيناً وعسجدا

فيعشقها في صبحه ومسائه

وفي أمسه الماضي ويعشقها غدا

ويعبدها في الخُلق والخلق ربةً

له وفخارٌ أَن تجلَّ وتعبدا

يكدُّ ليرضيها بإعلاءِ شأنه

إذا نال في الدنيا علاءً وسؤددا

إن انحط عنها في الحياة فإنها

أقامت له مِراقة حبٍّ ليصعدا

وقد وعدته أن يكون حليلَها

ولم تك ممن ليس يصدق موعدا

لها والدٌ لم ينضج العلمُ رأسه

فما أنفك في الطبع القديم مقيدا

يرى سطوة الآباء حقاً مؤيدا

تبيح على الأبناء حقاً مؤيدا

ولا يفهم الدنيا الحديثة إذ يرى

تمديُن أهل العصر للخلق مفسدا

وهل يبصر النور امرءٌ حين تنجلي

أشعته إن كان أحسر أرمدا

يرى وهجاً في طيه كدرة بدت

ويجهل أن هذا بعينيه قد بدا

ولا ئك في نقص الجديد وإنما

يفوق كمالاً للقديم غدا سدى

وأن أبا سلمى كثيرٌ مثاله

يضيقون حصراً في الورى وتعددا

وجاءَت أَباها مرةً وشكت له

غرام سليم وهو إن طال أَقصدا

وقالت له ما ضر لو زوَّجت به

وما كان إلا كامل الخلق أيِّدا

فإن يكُ عنهم قد تداني مقامُه

فمن يتزوج سيداً كان سيدا

ولكن أبوها كان صلباً طبعه

وكان عريها قاسي القلب أصلدا

فقام إليها مجفلاً صلباً طباعه

وكان عليها قاسي القلب أصلدا

وكذَّب فيها سمعه وعيانهُ

وراجعها فيما تقول مؤكدا

فما زاده إلّا اقتناعاص حديثُها

فهاج غضوباً شاتماً متهددا

وأوسعها سبّاً وخّلى نهارها

ظلاماً بما أرغى عليها وأزبدا

أتعشق بنتُ الشؤم ثم تجيئه

ليسفعهافيمن تحب وينجدا

ولا تستحي فيما تقول ومن له

مكان سليم إن يزوجها الردى

كذاك ضعيف الشأن خامل سمعة

تسربل أثواب المهانة وارتدى

أَيجرأ أن يهوى فتاةً كبنته

ويخطب قلباً منه أسمى وأبعدا

ألا لا وبأس العمر إن تقدمَ ابنةٌ

على أمرها كيما تضل وتفقدا

وأَقسم أَن لا تبرح البيت ناصحاً

بأَن تستشير الراشدات لترشدا

هنيئاً لأهل الفقر شدة فقرهم

فرب ثراءٍ كان فقراً مشددا

وإن الغنى حرية القلب في الورى

وما زاد عنها فالحكاية والصدا

وراحةُ المرءِ أكبر نعمةٍ

بها كان عيش المرء أخضر أرغدا

وما ضر تزويج الوضيع بغادةٍ

أجل مقاماً منه إن كان أغيدا

على أنها الأحساب أكثر ما تُرى

لَتُذعر أَن يدنى إليها وتنقدا

تريك الذي لا يملك المرء وجهه

لديه وأنكى لو تريك وأنكدا

يقلد بعضُ الناس بعضَهم وهل

يعيش الذي يقضي الحياة مقلدا

وأكثر ما يأنيه عادات سابقٍ

له وهو آت بعده قد تعودا

إلا أنها العادات الكبير كبيرةً

إذا لم يجل في حومة العمر مجهدا

فتنسخ عادات وتنشأ غيرها

فإن راج بعض أصبح البعض مُكسدا

وقيمةُ هذا العمر يوم وليلة

وما السعد إلا في الذي لاح مسعدا

وما النور إلا ما ترى العين صافياً

وما الليل إلا ما ترى العين أربدا

ولم يخش بعض الناس إشقاءَ بعضهم

لوهمٍ قديم في النفوس توطدا

نعم زوجوها جاهلاً غير أنه

له ثروة طابت كما طاب مولدا

أخا بدواتٍ في الحياة مرافقاً

ثلاثاً ملاحاً في الفواجر خردا

فيصرف في الحانات معظم وقته

على منضدات اللعب جنحاً ومغتدى

ويغرم بين الكاس والطاس صحةً

ويغرم مالاً في القمار مبددا

فإن أخلصت سلمى له النصح ردها

ثقيلاً عليها ناهياً متمردا

يقصُّ سفاهات الأزقة كلها

ويروي فظاعات المقاصف منشدا

ويغلظ في عرضِ الحديث فإن شكت

فأهون أمرٍ زجرها متوعدا

وإن رغبت أمراً لها رام ضده

حروناً وغالى في النكاية واعتدى

ويضجر أَن يأوي إلى البيت ساعةً

فيخرج غضباناً ويأتي معربدا

فلا قت عذاباً هوَّن الموتَ بعضه

بما وردت من شرعة الذل موردا

وساعةُ تعذيبٍ تساوى ثراءَها

وتنسي جميع الجاه والعز والجدى

وتكتم سلمى بؤسها وغرامها

بمن أبعدوا عنها أسيراً مصفدا

هوىً في شغاف القلب عاصٍ كأَنه

إذا لجَّت الذكرى لهيبٌ توقدا

كما رُميت دون الورود غزالةٌ

وقد أفلتت لم تُظفِر المتصيدا

وفازت بقتّالين سهمٍ وغلةٍ

يمضّانها حتى تموت فيهمدا

كذلك سلمى إذ تفاقم خطبها

عليها وشهّى أن تموت وتلحدا

وأين سليم أنه بعد قطعه

أسيفاً مضى لا يعرف اليوم والغدا

مضى حاملاً في القلب جرح غرامه

لدن سال واستشرى به وتفصدا

على أنه جرح دخيل ومن له

بان يأسُوَ الجرح الدخيل ويضمدا

ألا أبلغوها في القطيعة أنه

أصاب عذاباً مفنياً وتكبدا

وما مات إلا أنه كل ساعة

يموت بها يأساً ويحيى تجلدا

ويطوي على العلّات ضيق صدره

ليسلو الهوى في الشغل كدحاً ومكتدى

وهيهات سلوان لولهان عاشق

أخي حرق في الحب لن يتبردا

إذا عاش بعد اليأس منها فإنه

لِسِرٍّ أقام الكائنات وأقعدا

أتعرف سلمى الصاحباتُ فإنها

ضجيعة مهد للشقاءِ تمهدا

تخرم داء القلب خافقَ قلبها

فأوسعه يأساً وسقماً وأجهدا

تعد الليالي الباقيات تفجعاً

وتبكي الليالي الماضيات توجدا

وترثي شباباً كان نوراً وقد خبا

وتندب قلباً كان جمراً فأُخمدا

وتحسب ما قد مرَّ من عهد حبها

وترجع بالذكرى إليه تفقُّدا

إلا أنها صانت عواطفها كما

تُصان الغراسُ النامياتُ تعهدا

وكم أقلقت ذكرى سليمٍ فؤادها

فأحيت له الليل الطويل تسهدا

إن أضطجعت من دائها مستريحة

رأت شبحاً بالقرب منها توسدا

وإن نهضت تمشي تمثَّل شخصهُ

لدى ناظريها واقفاً متجسدا

فتبصره طوراً شقياً مخيَّباً

وطوراً قرير العين جذلان مسعدا

فتزعجها أشباحُه وهي حوَّمٌ

تروح وتغدو في اىلأماكن روَّدا

ويصرعها الداءُ الدفين وأنه

أحار أساةً في العلاج وعُوَّدا

إلى أن تمادى عادياً متثاقلاً

وحلَّ قواها الفانيات وأهمدا

فماتت وغصّاتُ الأسى في فؤادها

ومقلتها في الأفق ترقب فرقدا

نعوها إليها فاستقرَّ ملجلجاً

كما هزت الأنواءُ صرحاً مشيدا

ولم يبك لكن أجمد اليأسُ دمعه

وشَرُّ دموع العين ما قد تجمدا

فضجَّ عليه قلبه متقطعا

ولجَّ عليه عقله متشرد

وثارت عليه الروح تطلب ثارها

كما هز قرمٌ في الجلاد مهندا

فبات بحمّى صدَّع الرأسَ جمرُها

كما أبرق الغيم الجهام وأرعدا

ووافى أباها غادياً وهو حامل

حديداً طليق الشفرتين محددا

وقال له يا مذبلاً زَهَر الصبا

ويا جاعلاً ماءَ الشبيبة أركدا

أعد لي سلمى أين سلمى إلم تكن

تُفَدّى بأرواح لكنت لها الفدى

وطار شرارُ الموت في لحظاته

فأمسكه من راهشيه مشددا

وأشفق مذعور النهى متراجعاً

مهولاً كما لَو حَيَّةٌ لسعت يدا

إلا أنه نذل الفؤاد جبانه

بإيذاءِ شيخ أحدب الظهر أدردا

أيقتل هِمّاً قد تداعى عموده

ويغضب سلمى في التراب تعمدا

ويردي بها من كان أصل حياتها

ومن ان لو تودى بمهجته ودى

أتاها الأذى منه ولم يكُ قاصداً

ولا ثأر ممن لم يكن متقصدا

نعم لا ولكن ثروة الحقد لم تمت

وحسب سليم إن يثور ويحقدا

لقد أعجم الهول الفيظع لسانه

مغيراً بباقي عقله متنجدا

فلزَّ إلى أضلاعه النصل خارقاً

وغيَّب في العظم الحديد وأغمدا

ومال صريعاً كالمنارة إذ هوت

وكالجذع ملقياً طريحاً ممددا

إلا استقبليه صادق العهد وافياً

أميناً بلا وعد أتاك ولا نِدا

وناما بأمن اللَه في ظل جنة

أُقيمت لأرواح المحبين سرمدا

وقرّا بها عيناً وطيبا سريرةٍ

وعيشاً بها عيش الهناء مخلدا

تنبَّهتما في رحمة اللَه فاذكرا

محبين ظلّوا في المصائب رقدا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خليل شيبوب

avatar

خليل شيبوب حساب موثق

سوريا

poet-Khalil-Shayboub@

95

قصيدة

78

متابعين

خليل بن إبراهيم بن عبد الخالق شيبوب. شاعر من أدباء الكتاب، من طائفة الروم الأرثوذكس. سوري الأصل، ولد بالاذقية، واشتهر وتوفي بالإسكندرية. له (الفجر الأول-ط) وهو الجزء الأول من ديوان ...

المزيد عن خليل شيبوب

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة