الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » تلك الدجنة آذنت بجلاء

عدد الابيات : 128

طباعة

تِلْكَ الدُّجُنَّة آذَنَتْ بِجَلاَءِ

وَبَدَا الصَّباحُ فَحَيِّ وَجْهَ ذُكَاءِ

أَلعَدْلُ يَجْلُوهَا مُقِلاًّ عَرشَهَا

وَالظُّلمُ يَعْثُرُ عَثْرَةَ الظَّلمَاءِ

يَا أَيُّها اليَومُ العَظِيمُ تَحِيَّةً

فُكَّ الأَسَارَى بَعْدَ طُولِ عَناءِ

أَوْشَكْتُ فيكَ وَقَدْ نَسَيتُ شَكِيَّتي

أَنْ أُوسِعَ الأَيَّامَ طِيبَ ثَنَاءِ

حَسْبَي اعتِذَارُكَ عَن مَسَاءَةِ مَا مَضَى

بِمَبَرَّةٍ مَوْفُورَةِ الآلاَءِ

أَلشَّمسُ يَزدَادُ ائتِلاقاً نُورُهَا

بَعدَ اعْتَكارِ اللَّيْلَةِ اللَّيْلاَءِ

ويُضَاعِفُ السَّرَّاءَ فِي إِقْبَالِهَا

تَذْكَارُ مَا وَلَّى مِنَ الضَّرَّاءِ

لاَ كَانَتِ الحِجَجُ الَّتِي كَابَدْتُهَا

مِنْ بَدْءِ تِلكَ الغارةِ الشّعوَاءِ

ألحزنُ حيثُ أبيتُ ملءُ جوانحي

والنارُ مِلءُ جَوَانِبِ الغَبْرَاءِ

دَامِي الْحُشَاشَةِ لَمْ أَخَلْنِي صَابِراً

بَعْدَ الفِرَاقِ فَظَافِراً بِلِقَاءِ

مُنْهَدُّ أَرْكَانِ العَزِيمَةِ لَمْ أَكدْ

يَأْساً أُمَنِّي مُهْجَتِي بِشِفاءِ

حجَج بَلَوْتُ المَوْتَ حِينَ بَلَوْتُهَا

مُتَعَرِّضاً لِي فِي صُنُوفِ شَقَاءِ

لَكِنَّها وَالْحَمْدُ لِلهِ انقْضَتْ

وَتَكَشَّفتْ كَتكشفِ الغَمَّاءِ

وَغَدَا الْخَلِيلُ مُهَنِّئاً وَمُهَنَّأً

بَعْدَ الأَسَى وتَعَذُّرِ التَّأسَاءِ

جَذْلاَنَ كَالطِّفلِ السَّعيد بِعِيدِهِ

مُسْتَرْسِلاً فِي اللَّفْظِ وَالإِيمَاءِ

يَقْضِي وَذلِكَ نَذْرُهُ فِي يَوْمِهِ

حَاجَاتِ سَائِلِهِ بِلاَ إِبْطَاءِ

مَا كَانَ أَجْوَدَهُ عَلَى بُشَرَائِهِ

بِثَرَائِهِ لَوْ كَانَ رَبَّ ثَرَاءِ

عَادَ الْحَبِيبُ الْمُفْتَدَى مِنْ غُرْبَةٍ

أَعْلَتْ مَكَانَتَهُ عَنِ الْجَوْزَاءِ

إِنَّ الأَدِيبَ وَقَدْ سَمَا بِبَلاَئِهِ

غيْرُ الأَدِيبِ وَلَيْسَ رَبَّ بَلاَءِ

فِي بَرْشَلُونَةَ نَازِحٌ عَنْ قَوْمِهِ

وَدِيَارِهِ وَالأَهْلِ وَالقُرْبَاءِ

نَاءٍ وَلَوْ أَغْنَتْ مِنَ المُقَلِ النُّهى

مَا كَانَ عَنْهُمْ لَحْظَةً بِالنَّائِي

بالأَمْسِ فِيهِ العَينُ تَحسُدُ قَلْبَهَا

وَاليَومَ يَلتَقِيَانِ فِي نَعْمَاءِ

أَهلاً بِنَابِغَةِ البِلاَدِ وَمَرْحَباً

بِالعَبْقَرِيِّ الفَاقِدِ النُّظرَاءِ

شَوقِي أَمِيرِ بِيانِهَا شَوقِي فَتَى

فِتيانِهَا فِي الوَقْفَةِ النَّكرَاءِ

شَوقِي وَهَلْ بَعْدَ اسمِهِ شَرَفٌ إِذَا

شَرُفَتْ رِجَالُ النُّبلِ بِالأَسْمَاءِ

وَافَى وَمَنْ لِلفَاتِحينَ بِمِثلِ مَا

لاَقَى مِنَ الإِعْظَام وَالإِعْلاَءِ

مِصْرٌ تُحَيِّيهِ بِدَمعٍ دَافِقٍ

فَرَحاً وَأَحْدَاقٍ إِلَيْهِ ظِمَاءِ

مِصْرٌ تُحَيِّيهِ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ

مُوفٍ هَواهُ بِهِ عَلَى الأَهْوَاءِ

جَذْلَى بعَوْدِ ذَكِيِّها وَسَرِيِّها

جَذْلَى بِعَوْدِ كَمِيِّها الأَبَاءِ

حَامِي حَقِيقَتَهَا وَمُعْلِي صَوتَهَا

أَيَّامَ كَانَ الصَّوتُ لِلأَعْدَاءِ

أَلمُنْشِيءِ اللَّبِقِ الحَفِيلِ نَظيمُهُ

وَنَثِيرُهُ بِرَوَائِعِ الأَبْدَاءِ

أَلْبَالِغِ الخَطَرَ الَّذِي لَمْ يَعْلُهُ

خَطَرٌ بِلاَ زَهْوٍ وَلاَ خُيَلاَءِ

أَلصَّادِقِ السَّمحِ السَّريرَةِ حَيْثُ لاَ

تَعْدُو الرِّيَاءَ مَظَاهِرُ السُّمحَاءِ

أَلرَّاحِمِ المِسْكِينَ وَالْمَلْهُوفَ وَالْ

مَظْلُومَ حِينَ تَعَذُّرِ الرُّحَمَاءِ

عِلْماً بِأَنَّ الأَقْوِيَاءَ لِيَوْمِهِمْ

هُمْ فِي غَدَاةِ غَدٍ مِن الضُّعفَاءِ

أَلطَّيبِ النَّفسِ الكَريمِ بِمَالِهِ

فِي ضِنَّة مِنْ أَنْفُسِ الكُرَمَاءِ

أَلكَاظِمِ الغَيْظَ الْغَفُورَ تَفَضُّلاً

وَتَطَوُّلاً لِجِهَالَةِ الْجُهَلاَءِ

جِدِّ الْوَفِيِّ لِصَحْبِهِ وَلأَهْلِهِ

وَلِقَوْمِهِ إِنْ عَزَّ جِدُّ وَفَاءِ

أَلمفْتَدِي الْوَطَنَ الْعزِيزَ بِرُوحِهِ

هَلْ يَرْتَقِي وَطَنٌ بِغَيْرِ فِدَاءِ

مُتَصَدِّياً لِلْقُدْوَةِ المُثْلَىَ وَمَا

زَالَ السَّرَاةُ مَنَائِرَ الدَّهْنَاءِ

هَذِي ضُرُوبٌ مِنْ فَضَائِلِهِ الَّتِي

رَفَعَتْهُ فَوْقَ مَنَازِلِ الأُمَرَاءِ

جَمَعَتْ حَوَالَيْهِ القُلُوبَ وَأَطْلَقَتْ

بَعْدَ اعْتِقَالٍ أَلْسُنَ الْفُصَحَاءِ

مَا كَانَ لِلإِطْراءِ ذِكْرَى بَعْضَهَا

وَهْيَ الَّتِي تَسْمُو عَنِ الإِطْرَاءِ

قُلتُ اليَسِيرَ مِنَ الكَثِيرِ وَلَمْ أَزِدْ

شَيْئاً وَكَمْ فِي النَّفسِ مِنْ أَشْيَاءِ

أَرْعَى اتِّضاعَ أَخِي فَأُوجِزُ وَالَّذِي

يُرْضِي تَوَاضُعَهُ يَسُوءُ إِخائِي

إِنَّ البِلاَدَ أَبا عَلِيٍّ كَابَدَتْ

وَجْداً عَلَيْكَ حَرَارَةَ البُرَحَاءِ

وَزَكَا إِلَى مَحبُوبِهَا تَحْنَانُهَا

بِتَبَغُّض الأَحْدَاثِ وَالأَرْزَاءِ

لاَ بِدْعَ فِي إِبْدَائِهَا لَكَ حُبَّها

بِنِهَايَةِ الإِبَدَاعِ فِي الإِبْدَاءِ

فَالْمُنْجِبَاتُ مِنَ الدِّيَارِ بِطَبْعِهَا

أحَنَى عَلَى أَبْنَائِهَا العُظَمَاءِ

أَلقُطْرُ مُهْتَزُّ الجَوانِبِ غِبْطَةً

فِيمَا دَنَا وَنَأَى مِنَ الأَرْجَاءِ

رَوِيَ العِطَاشُ إِلى اللِّقَاءِ وَأَصبَحُوا

بَعْدَ الجَوَى فِي بَهْجَةٍ وَصَفَاءِ

وَبِجَانِبِ الفُسْطَاطِ حَيٌّ مُوْحِشٌ

هُوَ مَوْطِنُ المَوْتَى مِنَ الأَحْيَاءِ

فِيهِ فُؤادٌ لَم يَقَرَّ عَلَى الرَّدَى

لأَبَرِّ أُمٍّ عُوجِلَتْ بِقَضَاءِ

لاَحَ الرَّجَاءُ لَهَا بِأَنْ تَلْقَى ابنَهَا

وَقَضَتْ فَجَاءَ اليَأْسُ حِينَ رَجَاءِ

أَوْدَى بِهَا فَرْطُ السَّعادَةِ عِنْدَمَا

شَامَتْ لِطَلْعَتِهِ بَشِيرَ ضِيَاءِ

لَكِنَّما عَوْدُ الْحَبِيبِ وَعِيدُهُ

رَدَّا إِلَيهَا الْحسَّ مِنْ إِغْفَاءِ

فَفُؤادُهُا يَقِظٌ لَهُ فَرَحٌ بِهِ

وَبِفَرْقَدَيْهِ مِنْ أَبَرِّ سَمَاءِ

يَرْعَى خُطَى حُفَدَائِهَا وَيُعِيذُهُمْ

فِي كُلِّ نُقْلَةِ خُطْوَةٍ بِدُعَاءِ

فِي رَحْمَةِ الرِّحْمَنِ قَرِّي وَاشْهَدِي

تَمْجِيدَ أَحْمَدَ فَهْوَ خَيْرُ عَزَاءِ

وَلأُمِّه الكُبْرَى وَأُمِّك قَبْلَهُ

خَلِّي وَلِيدَكِ وَارْقدِي بِهَنَاءِ

مصْرُ بشَوْقِي قَدْ أُقِرَّ مَكَانُهَا

فِي الذُّرْوَةِ الأَدَبِيَّة الْعَصْمَاءِ

هُوَ أَوْحَدُ الشَّرقَيْنِ مِنْ مُتَقَارِبٍ

مُتَكَلِّمٍ بِالضَّادِ أَوْ مُتَنَائِي

مَا زَالَ خَلاَّقاً لِكُلِّ خَرِيدَة

تُصْبِي الْحَلِيمَ بِرَوْعَةٍ وَبَهَاءِ

كَالبَحْرِ يُهْدِي كُلَّ يَوْمٍ دُرَّةَ

أَزْهَى سَنىً مِنْ أُخْتِهَا الْحَسْنَاءِ

قُلْ لِلْمُشَبِّه إِنْ يُشَبِّه أَحْمَداً

يَوْماً بَمَعْدُودٍ مِنَ الأُدَبَاءِ

مَنْ جَال مِن أَهلِ اليَرَاعِ مَجالَهُ

فِي كُلِّ مِضْمارٍ مِنَ الإِنْشَاءِ

مَنْ صَالَ فِي فَلَكِ الخَيَالِ مَصَالَهُ

فَأَتَي بِكُلِّ سَبِيَّة عَذْرَاءِ

أَصَحِبْتَهُ وَالنجْمُ نُصْبَ عُيُونِهِ

وَالشَّأوُ أَوْجَ القُبَّة الزَّرْقَاءِ

إِذا بَاتَ يَسْتَوحِي فَأَوْغَلَ صَاعِداً

حَتَّى أَلمَّ بِمَصْدَرِ الإِيحَاءِ

أَقَرَأْتَ فِي الطَّيرَانِ آيَاتٍ لَهُ

يَجْدُرْنَ بِالتَّرتِيلِ وَالإِقْرَاءِ

فَرَأَيتَ أَبدَعَ مَا يُرَى مِنْ مَنْظَرٍ

عَالٍ وَلَمْ تَرْكَبْ مَطِيَّ هَوَاءِ

وَشَهِدتَ إِفشاءَ الطَّبيعَةِ سِرَّهَا

لِلعَقلِ بَعدَ الضَّن بِالإِفْشَاءِ

أَشَفَيْتَ قَلْبَكَ مِن مَحَاسِنِ فَنِّهِ

فِي شُكْرِ مَا لِلنِّيلِ مِنْ آلاَءِ

يَا حُسْنَهُ شَكراً مِنِ ابنٍ مُخِلصٍ

لأَبٍ هُوَ المَفْدِيُّ بِالآبَاءِ

أَغْلَى عَلَى مَاءِ الَّلآلِيءِ صَافياً

مَا فَاضَ ثَمَّة مِنْ مَشُوبِ المَاءِ

أَتَهَادَتِ الأَهْرَامُ وَهْيَ طَرُوبَةٌ

لِمَديحِهِ تَهْتَزُّ كَالأَفْيَاءِ

فَعَذَرْتُ خَفَّتهَا لِشِعْرٍ زَادَهَا

بِجَمَالِهِ البَاقِي جَمالَ بَقَاءِ

أَنَظَرْتَ كَيْفَ حَبَا الْهَيَاكِلَ وَالدُّمَى

بِحُلىً تُقَلِّدُهَا لِغَيْرِ فَنَاءِ

فكَأَنَّها بُعِثَتْ بِهِ أَرْوَاحُهَا

وَنَجَتْ بِقُوَّتِه مِنَ الإِقْوَاءِ

أَتَمَثَّلتْ لَكَ مِصْرُ فِي تَصْوِيرهِ

بِضَفَافِهَا وَجِنَانِهَا الْفيْحَاءِ

وَبَدَا لِوَهْمِكَ مِنْ حُلِيِّ نَبَاتِهَا

أَثَرٌ بِوَشْيِ بَيَانِهِ مُتَرَائِي

أَسَمِعْتَ شَدْوَ الْبُلْبُلِ الصَّدَّاحِ فِي

أَيْكَاتِهَا وَمَنَاحَةَ الَوَرْقَاءِ

فَعَجِبْتَ أَنَّي صَاغَ مِنْ تِلْكَ اللُّغَى

كَلِمَاتِ إِنْشَادٍ وَلَفْظَ غِنَاءِ

للهِ يَا شَوْقِي بَدَائِعُكَ الَّتِي

لَوْ عُدِّدَتْ أَرْبَتْ عَلَى الإِحْصَاءِ

مَنْ قَالَ قَبْلَكَ فِي رِثَاءٍ نِقْسُهُ

يَجْرِي دَماً مَا قُلْتَ فِي الْحَمْرَاءِ

فِي أَرضِ أَنْدُلُسٍ وَفِي تَارِيخِهَا

وَغَرِيبِ مَا تُوحِي إِلى الغُرَبَاءِ

جَارَيْتَ نَفْسَكَ مُبْدِعاً فِيهَا وَفِي

آثَارِ مِصْرَ فَظَلْتَ أَوْصَفَ رَائِي

وَبَلَغْتَ شَأْوَ الْبُحْتُرِيِّ فَصَاحَةً

وَشَأَوْتَهُ مَعْنىً وَجَزْلَ أَدَاءِ

بَلْ كُنْتَ أَبْلَغَ إِذْ تَعَارِضُ وَصْفَهُ

وَتَفُوقُ بِالتَّمثِيلِ وَالإِحْيَاءِ

يَا عِبْرَةَ الدُّنْيَا كَفَانا مَا مَضَى

مِنْ شأْنِ أَنْدُلُسٍ مَدىً لِبُكَاءِ

مَا كَان ذَنْبُ الْعُربِ مَا فَعَلُوا بِهَا

حَتَّى جَلَوْا عَنْهَا أَمَرَّ جَلاَءِ

خَرَجُوا وَهُمْ خُرْسُ الْخُطَى أَكْبَادُهُمْ

حَرَّى عَلَى غَرْنَاطَةَ الْغَنَّاءِ

أَلْفُلْكُ وَهْيَ الْعَرْشُ أَمْسِ لِمَجْدِهِمْ

حَمَلَتْ جَنَازَتَهُ عَلَى الدَّأْمَاءِ

أَوْجَزْتَ حِينَ بَلَغْتَ ذِكْرَى غِبِّهمْ

إِيجَازَ لاَ عِيٍّ وَلاَ إِعْيَاءِ

بَعْضُ السُّكوتِ يَفُوقُ كُلَّ بَلاَغةٍ

فِي أَنْفُسِ الفَهِمِينَ وَالأُرَبَاءِ

وَمِنَ التَّناهِي فِي الْفَصَاحَةِ تَرْكُهَا

وَالْوَقْتُ وَقْتُ الخُطْبَةِ الْخَرْسَاءِ

قَدْ سُقْتَهَا لِلشَّرْقِ دَرْساً حَافِلاً

بِمَوَاعِظِ الأَمْوَاتِ لِلأحْيَاءِ

هَلْ تُصْلِحُ الأَقْوَامَ إِلاَّ مُثْلَةٌ

فَدَحَتْ كَتِلْكَ المُثْلَةِ الشَّنعَاءِ

يَا بُلْبُلَ الْبَلَدِ الأَمِينِ وَمُؤنِسَ الْ

لَيْلِ الْحَزِينِ بِمُطْرِبِ الأَصْدَاءِ

غَبرَتْ وَقَائِعُ لَمْ تَكُنْ مُسْتَنْشَداً

فِيهَا وَلاَ اسْمُكَ مَالِيءَ الأَنْبَاءِ

لَكِنْ بِوَحْيِكَ فَاهَ كُلُّ مُفَوَّهٍ

وَبِرَأْيِكَ اسْتَهْدَى أُولُو الآرَاءِ

هِيَ أُمَّة أَلْقَيْتَ فِي تَوحِيدَهَا

أُسًّا فَقَامَ عَلْيِه خَيْرُ بِنَاءِ

وَبَذَرْتَ فِي أَخلاَقِهَا وَخِلاَلِهَا

أَزْكَى البُذُورِ فَآذَنَتْ بِنَمَاءِ

أَمَّا الرِّفَاقُ فَمَا عَهِدْتِ وَلاَؤُهُمْ

بَلْ زَادَهُمْ مَا سَاءَ حُسنَ وَلاَءِ

وشَبَابُ مِصْرَ يَروَنَ مِنْكَ لَهُمْ أَباً

ويَرَوْنَ مِنْكَ بِمَنزِلِ الأَبنَاءِ

مِنْ قَوْلِكَ الحُرِّ الجَرِيءِ تَعَلَّمُوا

نَبَرَاتِ تِلْكَ العِزَّةِ القَعْسَاءِ

لا فَضلَ إِلاَّ فَضلُهُم فِيمَا انْتَهَي

أَمُر البِلاَدِ بَعْدَ عَنَاءِ

كانوا هُمُو الأشْيَاخَ وَالفِتْيَانَ وَال

قُوَّادَ وَالأَجْنَادَ فِي البَأْساءِ

لَمْ يَثْنِهِم يَومَ الذِّيَادِ عَنِ الحِمَى

ضَنٌّ بِأَموَالٍ وَلاَ بِدِمَاءِ

أَبطَالُ تَفْدِيَةٍ لَقُوا جُهْدَ الأَذَى

فِي الحَقِّ وَامْتَنَعُوا مِنَ الإِيذَاءِ

سَلِمَتْ مَشيِئَتُهُم وَمَا فِيهمْ سِوَى

مُتَقَطِّعي الأَوصَالِ وَالأَعضَاءِ

إِنَّ العَقِيدَةَ شِيمَةٌ عُلْوِيَّةٌ

تَصفُو عَلَى الأَكْدَارِ وَالأَقْذَاءِ

تَجْنِي مَفَاخِرَ مِن إِهَانَاتِ العِدَى

وَتُصِيبُ إِعزازاً مِنَ الإِزرَاءِ

بكْرٌ بِأَوجِ الحُسْنِ أَغَلى مَهْرَهَا

شَرَفٌ فَلَيْس غَلاَؤُهُ بِغَلاَءِ

أَيُضَنُّ عَنْهَا بِالنَّفيسِ وَدُونَها

يَهَبُ الحُمَاةُ نُفُوسَهُمْ بِسَخاءِ

تِلْكَ القَوَافِي الشَّارِدَاتُ وَهذِهِ

آثَارُهَا فِي أَنفُسِ القُرَّاءِ

شَوْقِي إِخَالُكَ لَمْ تَقُلْهَا لاَهِياً

بِالنَّظمِ أَوْ مُتَبَاهِياً بِذَكَاءِ

حُبُّ الحِمَى أَمْلَى عَلَيْكَ ضُرُوبَهَا

متَأَنِّقاً مَا شَاءَ فِي الإِملاَءِ

أَعْظِمْ بِآياتِ الهَوَى إِذْ يَرْتَقِي

مُتجَرِّداً كَالجَوهَرِ الوضَّاءِ

فَيُطَهِّرُ الوِجْدَانَ مِنْ أَدْرَانِهِ

وَيَزِينُهُ بِسَواطِعِ الأًضوَاءِ

وَيُعِيدُ وَجْهَ الغَيْبِ غَيْرَ مُحَجَّبٍ

وَيَرَدُّ خَافِيةً بِغَيرِ خَفَاءِ

أَرْسَلْتَها كَلِماً بَعِيدَاتِ المَدَى

تَرْمِي مَرَامِيَهَا بِلاَ إِخْطَاءِ

بيْنَا بَدَتْ وَهْيَ الرُّجُومُ إِذ اغْتَدَتْ

وَهْيَ النُّجومُ خَوَالِدَ اللَّأْلاَءِ

مَلأَتْ قُلُوبَ الْهائِبِينَ شَجَاعَةً

وَهَدَتْ بَصائِرَ خَابِطِي العَشْوَاءِ

مِنْ ذلِكَ الرُّوحِ الكَبِيرِ وَمَا بِهِ

يَزدَانُ نَظْمُكَ مِن سَنىً وَسَنَاءِ

أَعْدِدْ لِقَوْمِكَ وَالزَّمَانُ مُهَادِنٌ

مَا يَرتَقُونَ بِهِ ذُرَى العَليَاءِ

أَلْيَوْمَ يَوْمُكَ إِنَّ مِصرَ تَقَدَّمَتْ

لِمَآلِهَا بِكَرَامَةٍ وَإبَاءِ

فَصغِ الحُليَّ لَهَا وَتَوِّجْ رَأْسَهَا

إِذْ تَسْتَقِلُّ بِأَنْجُمٍ زَهْرَاءِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1076

قصيدة

713

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة