الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » طغت أمة الجيل الأسود

عدد الابيات : 73

طباعة

طَغَتْ أُمَّة الجَبَلِ الأَسْوَدِ

عَلَى حُكْمِ فَاتِحِهَا الأَيِّدِ

وَهَبَّت مُنِيخَاتُ أَطْوَادِهَا

نَوَاشِزَ كَالإِبِلِ الشُّرَّدِ

وَأَبْلَى النِّساءُ بَلاَءَ الرِّجَ

لِ لَدَى كُلِّ مُعْتَرَكٍ أَرْبَدِ

نِسَاءٌ لِدَانُ القُدُودِ لَهَا

خُدُودُ كَزَهْرِ الرِّيَاضِ النَّدِي

تَنَظَّم مِنْ حُسْنِهَا جَنَّةٌ

عَلَى ذَلِكَ الجَبَلِ الأَجْرَدِ

وَيَوْمٍ كَأَنَّ شُعَاعَ الصَّبا

حِ كَسَاهُ مَطَارِفَ مِنْ عَسْجَدِ

تَفَرَّقَتِ التُّرْكُ فِيهِ عَصَا

ئِبَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى مَرْصَدِ

يَسُدُّونَ كُلَّ شِعَابِ الجِبَا

لِ عَلَى النَّازِلينَ أَوْ الصُّعدِ

أُسُودٌ تُرَاقِبُ أَمْثَالَهَا

وَلاَ يَلْتَقُونَ عَلَى مَوْعِدِ

وَكَانَ عِدَاهُمْ عَلَى بُؤْسِهِمْ

وَطُولِ جِهَادِهِمُ المُجْهِدِ

يُوَافُونَهُمْ بَغَتَاتِ اللُّصُو

صِ وَيَرْمُونَ بِالنَّارِ وَالْجَلْمَدِ

وَيَفْتَرِقونَ تِجَاهَ الصفو

فِ وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى المُفْرَدِ

وَيَمْتَنِعُونَ بِكُلِّ خَفِيٍّ

عَصِيٍّ عَلَى أَمْهَرِ الرُّوَّدِ

وَأَيُّ رَأَى شَارِداً يَقْتَنِصْ

هُ وَأَيٌّ رَأَى وَارِداً يَصْطَدِ

وَيَلْتَقِمُونَ جَنَاحَ الْخَمِي

سِ إِذَا الْعَوْنَ أَعْيَى عَلَى المُنْجِد

مَنَامُهُمُ جَاثِمِينَ وَقُو

فاً وَلاَ يَهْجَعُونَ عَلَى مَرْقَد

وَمَا مِنْهُمُ لِلْعِدَى مُرْشدٌ

سِوَى غَادِرٍ سَاءَ مِنْ مُرْشد

إَذَا لَمْ يَقُدْهُمْ إِلى مَهْلِكٍ

أَضَلَّ بِحِيلَتهِ المُهْتَدي

وَيَعْتَسِفُ التُّرْكُ فِي كُلِّ صَوْ

بٍ فَهَذَا يَرُوحُ وَذَا يَغْتَدِي

وَمَا الترْكُ إِلاَّ شُيُوخُ الحُرُو

بِ وَمُرْتَضِعُوهَا مِنَ المَوْلِدِ

إِذَا أَلْقَحُوها الدِّمَاءَ فَلاَ

نِتَاجَ سِوَى الفَخْرِ وَالسًّؤْدُدِ

سَوَاءٌ عَلَى المَجْدِ أَيّاً تَكُنْ

عَوَاقِبُ إِقْدَامِهِمْ تَمْجُدِ

وَلَكِنَّ قَوْماً يَذُودُونَ عَنْ

حَقِيقَتِهِمْ مِنْ يَدِ المُعْتَدِي

وَتَعْصِمُهُمْ شَامِخَاتُ الجِبَا

لِ وَكُلُّ مَضِيقٍ بِهَا مُوصَدِ

وَيَدْفَعُهُمْ حُبُّ أَوْطَانِهِمْ

وَيَجْمَعُهُمْ شَرَفُ المَقْصِدِ

لَوِ المَوْتُ مَدَّ إِلَيْهِمْ يَداً

لَرَدوهُ عَنْهُمْ كَلِيلَ اليَدِ

وَكَانَ مِنَ التُّرْكِ جَمْعُ القَلِي

لِ عَلَى رَأْسِ مُنْحدَرٍ أَصْلَدِ

كَثِيرِ الثُّلومِ كَأَنَّ الفَتَى

إِذَا زَلَّ يَهْوِي عَلَى مِبْرَدِ

وَقَدْ نَصَبُوا فَوْقَهُ مِدْفَعاً

يَهُزُّ الرَّوَاسِخَ إِنْ يَرْعَدِ

وَحَفُّوا كَأَشْبَالِ لَيْثٍ بِهِ

وَهُمْ فِي دِعَابٍ وَهُمْ فِي دَدِ

فَفَاجَأَهُمْ هَابِطٌ كَالْقَضَا

ءِ فِي شَكْلِ غَضِّ الصَّبي أَمْرَدِ

فَتىً كَالصَّباحِ بِإِشْرَاقِهِ

لَهُ لَفْتَةُ الرَّشَإِ الأَغْيَدِ

يَدُلُّ سَنَاهُ وَسِيمَاؤُهُ

عَلَى شَرَفِ الجَاهِ وَالمَحْتَدِ

تَرُدُّ سَوَاطِعُ أَنوَارِهِ

سَلِيمَ النَّوَاظِرِ كالأَرْمَدِ

أَقَبُّ التَّرائِبِ غَضُّ الرَّوَا

دِفِ يَخْتَالُ عَنْ غُصْنٍ أَمْيَدِ

لَهِيبُ الحُرُوبِ عَلَى وَجْنَتَيْ

هِ وَالنَّقعُ فِي شَعْرَهِ الأَسْوَدِ

وَفِي مِحْجَرَيْهِ بَرِيقُ السُّيو

فِ وَظِلُّ المَنِيَّة فِي الأُثْمُدِ

فَأَكْبَرَ كُلُّهُمُ أَنَّهُ

رَآهُ تَجَلَّى وَلَمْ يَسْجُدِ

وَظَنُّوهُ مُسْتَنْفَراً هَارِباً

أَتَاهُمْ بِذلَّة مُسْتَنْجِدِ

وَلَمْ يَحْسَبُوا أَنَّ ذَا جُرْأَةٍ

يُهَاجِمُ جَمْعاً بِلاَ مُسْعِدِ

تَبَيَّن هُلْكاً فَلَمْ يَخْشَهُ

وَأَقْدَمَ إَِقْدَامَ مُسْتَأْسِدِ

فَأَفْرَغَ نَارَ سُدَاسِيَّهِ

عَلَى القَوْمِ أَيَّا تُصِبْ تُقْصِد

وَضَارَبَ بِالسَّيفِ يُمْنَى وَيُسْ

رَى فَأَيْنَ يُصِبْ مَغْمَداً يُغْمِدِ

سَقَى الصَّخرِ مِنْ دَمِهِمْ فَارْتَوَى

وَلَمْ يَشْفِ مِنْهُ الفُؤَادَ الصَّدي

فَمَا لَبِثُوا أَنْ أَحَاطُوا بِه

فَدَانَ لِكَثْرَتِهِمْ عَنْ يَدِ

وَلَوْلاَ اتِّقاءُ الخِيَانَة فِي

ه لَكَان الأَلَدُّ لهُ يَفْتَدي

فَلَمَّا احْتَوَاهُ مَقَرُّ الأَمِي

يرِ مَقُوداً وَمَا هُوَ بِالْقَيِّد

أَشَارَ وَمَا كَادَ يَرْنُو إِلَيْ

ه بِأَنْ يَقْتُلُوهُ غَدَاةَ الغَدِ

فَأَقْصَي الفَتَى عَنْهُ حُرَّاسَهُ

وَشَقَّ عَنِ الصَّدْرِ مَا يَرْتَدي

وَأَبْرَزَ نَهْدَيْ فَتَاةٍ كِعَا

بٍ بِطَرْفٍ حَيِيٍّ وَوَجْهٍ نَدِي

كَحُقَّي لُجَيْنٍ بِقُفْلَيْ عَقِي

يقٍ وَكَنْزَيْنِ فِي رَصَدٍ مُرْصَدِ

فَكَبَّرَ مِمَّا رَآهُ الأَمِي

رُ وَهَلَّلَ أَشْهَادُ ذَاكَ النَّدِي

وَرَاعَهُمُ ذَلِكَ التَّوْأَمَا

نِ وَطَوْقَاهُمَا مِنْ دَمِ الأَكْبُدِ

وَوَثْبُهُمَا عِنْدَمَا أُطْلِقَا

بِعَزْمٍ إِلى ظَاهِرِ المِجْسَد

كَوَثْبِ صِغَارِ المَهَا الظَّامِئَا

تِ نَفَرْنَ خِفَافاً إِلى مَوْرِد

وَأَرْخَتْ ضَفَائِرَهَا فَارْتَمَتْ

إِلى مَنْكِبَيْهَا مِنَ المَعْقدِ

تُحِيطُ دُجَاهَا بِشَمْسٍ عَرَا

هَا سَقَامٌ فَحَالَتْ إِلى فَرْقَدِ

وَقَالَتْ أَمُهْجَةُ أُنْثَى تَفِي

بِثَارَاتِ صَرْعَاكُمُ الهُمَّدِ

تَفَانَوْا فَمَا خَاسَ فِي وَقْعَةٍ

فَتىً مِنْ مَسُودٍ وَلاَ سَيِّدِ

يَرَى العِزَّ فِي نَصْرِ سُلْطَانِهِ

وَإِلاَّ فَفِي مَوْتِ مُسْتَشْهَدِ

وَمِنْ خُلُقِ التُّرْكِ أَنْ يُوْرِدُوا

سُيُوفَهُمُ مُهَجَ الخُرَّدِ

فَدُونَكُمُ قِتْلَةً حُلِّلَتْ

تَدِي مِنْ دِمَائِكُمُ مَا تَدِي

فَأَصْغَى الأَمِيرُ إِلى قَوْلِهَا

وَلَمْ يُسْتَفَزْ وَلَمْ يَحْقِدِ

وَأَعْظَمَ نَفْسَ الفَتَاةِ وَبَأْ

ساً بِهَا فِي الصَّنَادِيدِ لَمْ يَعْهَدِ

وَحُسْناً بِمُشْرِكَةٍ دَاعِياً

إِلى الشِّرْكِ مَنْ يَرَهُ يَعْبُدِ

أَبَى عِزَّةً قَتْلَ أُنَثَى تَذُو

دُ ذِيَادَ المُدَافِعِ لاَ المُعْتَدِي

فَقَالَ انْقُلُوهَا إِلى مَأْمَنٍ

وَأَوْصُوا بِهَا نُطُسَ العُوَّدِ

لِتعْلَمَ أَنَّا بِأَخْلاَقِنَا

نُنَزَّهُ عَنْ تُهَمِ الحُسَّدِ

فَإِذْ أُخْرِجَتْ قَالَ لِلْمَاكِثِي

نَ وَهُمْ فِي ذُهُولِهُمُ المُجْمَدِ

لَهَا اللهُ فِي الغِيدِ مِنْ غَادَةٍ

وَفِي الصِّيدِ مِنْ بَطَلٍ أَصْيَدِ

أَنُهْلِكُ شَعْباً غَزَتْ دَارَهُ

ثِقَالُ الجُيُوشِ فَلَمْ يَخْلُدِ

خَلِيقٌ بِنَا أَنْ نَرُدَّ الْقِلىَ

وِ اداً وَمَنْ يَصْطَنِعْ يَوْدَدِ

فَمَا بَلَدٌ تَفْتَدِيهِ النِّسا

ءُ كَهَذَا الْفِدَاءِ بِمُسْتَعْبَدِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1076

قصيدة

721

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة