الديوان » لبنان » خليل مطران » أشيري إلى عاصي الهوى يتطوع

عدد الابيات : 87

طباعة

أَشِيرِي إِلَى عَاصِي الهَوَى يَتَطَوَّعِ

وَنادِي المُنَى تُقْبِلْ عَلَيْكِ وَتَسْرِعِ

أَفَقْراً فَتاةَ الرُّومِ وَالحُسْنُ مَغْنَمٌ

وَطُهْراً وَهَذَا العصْرُ عَصْرُ تَمَتُّعِ

إِلَى كَمْ تَطُوِفينَ الرُّبُوعَ تسَوُّلاً

تبِيعِينَ صَوْتَ الْعَودِ لِلْمُتسَمِّعِ

لَقَدْ كانَ عَهْدٌ لِلْفَضِيلَة وَانْقَضَى

وَأَبْدَعَ هَذَا العَهْدُ أَمْراً فَأَبْدعِي

وَلوْ شِئْتِ قَالَ الْحُبُّ إِمْرَةَ قَادِرٍ

لِمُجْدبِ هَذَا العَيْشِ أَزْهِرْ وَأَمْرِعِ

وَلِلقَفْرِ كُنْ صرْحاً مَشِيداً لأُنْسِهَا

وَلِلصَّخرِ كُنْ رَوْضاً وَأَوْرِقْ وَأَفْرِعِ

وَلِلْظُّلْمَةِ الْخَابِي بِهَا النَّجْمُ أَطْلِعِي

لَهَا أَنْجُماً إِنْ تَغْرُبِ الزُّهْرُ تَسْطَعِ

فَتَاةٌ كمَا تَهْوَى النُّفوسُ جَمِيلَةٌ

مُنَزَّهَةٌ عَنْ رِيبَةٍ وَتَصَنُّعِ

تُخَالُ مُحَلاَّةً وَمَا ثَمَّ مِنْ حِلىً

سِوَى أَدَبٍ وَفْرٍ وَحُسْنٍ مُمَنَّعِ

هَضِيمةُ كَشْحٍ مَا بِهَا مِنْ خَلاَعَةٍ

وَيَكْذِبُ مَا فِي مَشْيِهَا مِنْ تخَلُّعِ

بَيَاضٌ يَغارُ الْعَاجُ مِنْهُ نقَاوَةً

وَيَحْجُبُهُ لَوْنُ الْحيَاءِ كَبُرْقُعِ

وَعَيْنَانِ سَوْدَاوَانِ يَنْهَلُّ مِنْهُمَا

ضِيَاءٌ كَمَسْكُوبِ الرَّحِيقِ المُشَعْشَعِ

تَمُدُّ يَدَيْهَا لِلسُّؤَالِ ذَلِيلَةً

فَإِنْ سُئِلَتْ مَا يُنْكِرُ النُّبْلُ تَمْنَعِ

فِللَّه تِلْكَ الْكَفُّ تُبْسَطُ لِلنَّدَى

وَلَوْ طَلَبَتْ مُلْكاً لَفَازَتْ بِأَرفَعِ

تَوَدُّ قُلُوبُ النَّاسِ لوْ بُذِلتْ لَهَا

كَبَعْضِ عَطَاءِ المُحْسِنِ المُتَبَرِّعِ

رَآهَا فتى خَالٍ فَمَلَّكَ حُسْنَها

قِيَادَ الْهَوَى فِي قَلْبِهِ المُتَوَزِّعِ

وَكانَ ضَعِيفَ الرَّأْيِ فِي أَمْرِ نَفْسهِ

رَقِيقَ حَوَاشِي الطَّبعِ سَهْلَ التَّطَبُّعِ

أَدِيباً صَبِيحَ الوَجْه بَيْنَ ضُلُوعهِ

فُؤَادُ جَوَادٍ بِالمَحَامدِ مُوزَعِ

غَنِيّاً عَلَى البَذْلِ الْكَثِيرِ مُوَطَّأً

لَهُ كَنَفُ العَلْيَاءِ فِي كٌلِّ مَفْرَعِ

فَغَازَلَهَا يَوْماً فعَفَّت فَظَنَّها

تُشَوِّقُهُ بِالصَّدِّ عَنْهُ لِمَطْمَعِ

وَأَنَّى عَلَى فَقْرٍ تَعِفُّ طَهَارةً

ولاَ عِفَّة إِلاَّ بِرِيٍّ وَمَشْبَعِ

فَسَامَ إِلَيْهَا عِرْضَهَا سَوْمَ مُشْتَرٍ

وأَغْلَى لَهَا مَهْرَ الشَّبابِ المُضَيَّعِ

عَلَى زَعْمِ أَنَّ المَال وَهْوَ شَفِيعُهُ

يَكُونُ لَدَى الحَسْنَاءِ خَيْرَ مُشَفَّعِ

وَلكِنْ تَعَالَتْ عَنْ إِجَابَةِ سُؤلِهِ

وَرَدَّتْ عَلَيْهِ المَالَ رَدَّ تَرَفُّعِ

فَمَا زَادَهَا إِلاَّ جَمَالاً إِبَاؤُها

وَمَا زَادَهُ إِلاَّ صبابَةَ مُولَعِ

وأَدْرَكَهَا فِي رَوْضَةٍ فَخَلاَ بِهَا

بِمَرْأَى رَقِيبٍ لِلْعَفَافِ وَمَسْمَعِ

فلَمَا اسْتَبَانَتْ فِي هَوَاهُ نَزَاهْةً

أَجَابَتْ إِلى النَّجوَى وَلَمْ تَتَوَرَّعِ

وَقالَتْ لَهُ إِني فتَاةٌ عَلِيلَةٌ

عَلَى مَوْعِدٍ مِنْ طَارِئٍ مُتَوَقَّعِ

تنَاوَبَنِي جُوعٌ وَبَرْدٌ فَأَقْلَقَا

دَعَائِمَ صَدْرِي الْخَائِرِ المُتَصدِّعِ

وَبِي ضَعَةٌ فِي الْحَالٍ حَاذرْ قِصَاصَهَا

وَمِثْلُكَ إِنْ يُقْرَنْ بِمِثْلِي يُوضَعِ

وَإيَّاكَ حُبّاً دُونَهُ كُلُّ شِقْوَةٍ

تُعَانِي بِهِ دَائِي وَتُفْجَعُ مَفْجَعِي

لَكَ الْجَاهُ فَاخْتَرْ كُلُّ نَاضِرَةِ الصِّبَا

رَبِيبَةِ مَجْدٍ ذَاتِ قَدْرٍ مُرَفَّعِ

وَكِلْنِي إِلى هَمِّي فَإِنِّي غَرِيقَةٌ

بِبَحْرٍ مِنَ الآلامِ وَالذُّلِّ مُتْرَعِ

إِذَا لَحَظَتْ عَيْنِي النَّعيمَ فَإِنَّه

ليَنْفِرُ مِنِّي نِفْرَهُ المُتَفَزِّعِ

سُقِيتُ الرَّزَايَا طِفْلَةً ثُمَّ هَذِهِ

ثُمالةُ تِلْكَ الْكَأْسِ فَلأَتَجَرَّعِ

فَقَالَ لَهَا بَلْ يَشْهَدُ اللّهُ بَيَنَا

وَأَسْقَامُ قَلْبِي الْوَالِهِ المُتَوَجِّعِ

وتَشْهَدُ هَذِي الشَّمسُ عِنْدَ غُرُوبِهَا

وَمَا حَوْلَنا مِنْ نُورِهَا المُتَفَرِّعِ

وَيَشْهَدُ ذَا الرَّوضِ الأَرِيضُ وَدوْحُهُ

وَمَا فِيهِ مِنْ زَهْرٍ وعِطْرٍ مُضَوَّعِ

وَهَذِي الظِّلاَلُ الْبَاسِطَاتُ أَكُفَّها

وَهَذِي الشِّعاعُ المُؤمِئَاتُ بِأَذْرُعِ

وَهَذِي المِيَاهُ النَّاظِرَاتُ بِأَعْيُنٍ

وَهَذِي الْغُصُونُ المُصْغِيَاتُ بِمَسْمَعِ

بِأَنِّي لاَ أَبْغِي سِواكَ حَلِيلَةً

وَمَهْمَا تَسُمْنِي صَبْوَنِي فِيكِ أَخْضَعِ

وَأَنِّي أَقْلِي صِحَّتي وَشبِيبَتِي

إِذَا لَمْ تكُونِي فِيهِمَا مُتَمَتَّعِي

لِعَيْنَيْكِ أَرْضى بِالْحَيَاةِ بَغِيضَةً

عَلَيَّ فَإِنْ عُوجِلْتِ بِالْبَيْنِ أَتْبَعِ

فَقَالَتْ لَهُ مَسْرُورَةً وَهْيَ قَدْ جَئَتْ

لَدَيْهِ بِذُلِّ الْعَابِدِ المُتَخَشِّعِ

أَفِي حُلُمٍ أَمْ يَقْظَةٍ مَا سَمِعْتُهُ

فَإِنَّ سُرُورِي فرْط مَا زَادَ مُفْزِعِي

لَعَمْرُكَ مَا قَرَّتْ عُيُونٌ بِمَنْظَرٍ

وَلاَ طَرِبَتْ نَفْسٌ بِلَحْنٍ مُوَقَّعِ

وَلاَ رَوِيَتْ ظَمْأَى الرَّيَاحِينِ بِالنَّدَى

فَعَادَتْ كَأَزْهَى مَا تَكُونُ وَأَبْدَعِ

وَلاَ آنسَ المَلاَّحُ بُشْرَى مَنَارَةٍ

لَهُ بِلِقَا أَهْلٍ وَصَحْبٍ وَمَرْبَعِ

كَمَا طِبْتُ نَفْساً بِالَّذِي أَنْتَ قَائِلٌ

وفارَقَنِي الْيَأْسُ الَّذِي كانَ مُوجِعِي

ومَا أَنَا إِلاَّ حُرَّةٌ مُسْتَرَقَّةٌ

لِفَضْلِكَ مَهْمَا تأْمُرِ القَلْبَ يَصْنَعِ

وَأَجْزِيكَ عَنْ عُمْرٍ إِليَّ أَعَدْتَهُ

بِحُبِّي وَإِخْلاَصِي عَلَى العُمْرِ أَجْمَعِ

وَقَدْ خَتمَا هَذِي الْعُهُودَ بِقُبْلَة

وأَكَّدَهَا صِدْقُ الْغَرَامِ بِمَدْمَعِ

حَيَاتُكَ مَا سَاءَتْ وَسَرَّتْ كَمَرْكَبٍ

عَلَى سفَرٍ راسٍ قَلِيلاً فَمُقْلِعِ

فَإِمَّا انْقَضَتْ فَالْحَادِثَاتُ جَمِيعُهَا

تزُولُ زَوَالَ الْعَارِضِ المُتَقَشِّعِ

أَتَنْظُرُهَا حَسْنَاءَ جَمَّلهَا الرَّدَى

لِيَسْطُو عَلَيْهَا سِطْوَةَ المُتَشَفِّعِ

عَلَى وَجْهِهَا مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ مَسْحَةٌ

تُذِيبُ فُؤَادَ الْعَاشِقِ المُتَطَلِّعِ

يَقُولُ وَقَدْ أَلْقَى عَيَاءً بِنَفْسِهِ

عَلَى الأَرْضِ كالنِّضْوِ الطَّلِيحِ الْمضَلَّعِ

فَجَعْتَ فُؤَادِي يَا زَمَانَ بِخَطْبِهَا

فَلَيْتَكَ مَرْزُوءُ الْفُؤادِ بِأَفُجَعِ

عَرُوسٌ لِعَامٍ لمْ يَتِمَّ صَرَعْتَهَا

وَلوْ شِئْتَ لمْ تَضْرِبْ بِأَمْضى وَأَقْطعِ

فَبَاتَتْ عَلَى مَهْدِ الضَّنى مَا لِجَفْنِهَا

هُجُوعٌ وَلاَ جَفْنِي يَقَرُّ بِمَهْجَعِ

وَكانَتْ رَبِيعاً لِي فَأَقْوَتْ مَرَابِعِي

مِنَ الزَّهْرِ وَالشَّدْوِ الرَّخِيمِ المُرجَّعِ

أَقُولُ لَهَا وَالدَّاءُ يُنْحِلُ جِسْمَهَا

عزَاءَكِ لاَ بَأْسٌ عَلَيْكِ فَتَجْزَعِي

كَذبْتُ عَلَى أَنَّ الأَكَاذِيبَ رُبَّما

أَطَالتْ حَيَاةً لِلْحبِيبِ المودِّعِ

وَلَكِنْ أَرَاهَا يَنْفُثُ الدَّمَ صَدْرُهَا

فَأَشْعُرُ فِي صَدْرِي بِمِثْلِ التَّقطُّعِ

وَأَحْنو عَلْيهَا حِنْيَةَ الأُمِّ مُشْفِقاً

وهَيْهَاتَ تَحْمِيهَا مِنَ البَيْنِ أَضْلُعِي

وَأَرْنُو إِليْهَا بَاسِماً مُتَكَلَّفاً

فَتَفْشِي مِرَاراً سِرَّ خوْفِي أَدْمُعِي

وَما غَرَّهَا مِنِّي افْتِرَارٌ وَإِنَّما

يَدُلُّ عَلَى اليَأْسِ انْكِشَافُ التَّصَنُّعِ

إِذَا افْتَرَّ ثَغْرِي مِنْ خِلاَلِ كَآبَتِي

عَلَى مَا بِقَلْبِي مِنْ أَسى وَتَفَجُّعِ

فقَدْ يَبْسِمُ الْبَرْقُ البَعِيدُ وَإِنَّهُ

لذُو ضَرَمٍ مُفْنٍ وَرَعْد مُرَوِّعِ

فَبَيْنَا يُنَاجِي نفْسَهُ وَفُؤَادُهُ

كَشِلْوٍ بِأَنْيَابِ الْغُمُومِ مُبَضَّعِ

دَعَتْهُ وَقَالَتْ يَا حَبِيبِيَ إِنَّهُ

دَنَا أَجَلِي فالزَمْ عَلَى الْقُرْبِ مَضْجَعِي

مَتَى تَبْتَعدْ أُوجِسْ حِذَاراً مِنَ الرَّدَى

وَلَكنَّني أَسْلُو الرَّدَى إِنْ تَكنْ مَعِي

أَيُذْكِرُكَ التَّوْدِيعُ أَوَّلَ مُلْتَقىً

كَشَفْنَا بِهِ سِتْرَ الغَرَامِ المقَنَّعِ

وَحِلْفَتَنَا أَنْ لاَ يُصَدِّعَ شَمْلَنَا

فِرَاقٌ عَلَى رَغْمِ الزَّمَانِ المصَدِّعِ

فَعِشْ سَالِماً وَاغْنَمْ شَبَابَكَ مُطْلَقاً

مِنَ العَهْدِ وَلأُجْعَلْ فِدَاكَ بِمَصْرَعِي

وَمَا كَانَ ذَاكَ العَهْدُ إِلاَّ وَدِيعَةً

تَلقَّيتَها مِنْ ذِي وَفَاءٍ سَمَيْذَعِ

وَعِنْدَ النَّوَى تُوفَى الأَمَانَاتُ أَهْلَهَا

وَيُنْهَى إِلى أَرْبَابِهِ كُلُّ مُوَدعِ

وَلَكِنْ إِذَا مَلَّكْتَ قَلْبكَ فَاحْتَفِظْ

بِرَسْمِي وَحَسْبِي فِيهِ أَصْغَرُ مَوْضِعِ

فَأَصْغَى إِلَيْهَا وَهْوَ يَشْهَدُ نَزْعَهَا

وَيَنْزِعُ فِي آلاَمِهِ كُلَّ مَنْزِعِ

وَقَالَ أَبَى اللهُ الخِيَانَةَ فِي الْهَوى

فَإِنْ لَمْ أَمُتْ بِالْعَهْدِ فَلأَتَطَوَّعِ

فَيَا بَهْجَةَ البَيْتِ الَّذِي هُوَ بَعْدَهَا

كَدَارِسِ رَسْمٍ فَاقِدِ الأُنْسِ بَلْقَعِ

وَيَا زَهْرَةَ الْحُبِّ الَّتِي بِذُبُولِهَا

ذُبُولُ فُؤَادِي النَّاشِيءِ المُتَرَعْرِعِ

لَئِنْ تَنْزِلِي دَارَ الْفنَاءِ وَحِيدَةً

فَلاَ كَانَ قَلْبِي فِي الْهَوَى قَلْبَ أَرْوَعِ

وَإِنْ عُدْتُ فِيمَنْ شَيَّعوكِ فَلاَ يَكُنْ

بِمَوْتِيَ لِي مِنْ صَاحِبٍ وَمُشَيِّعِ

وَلَمَا أَجَابَتْ دَاعِيَ البَيْنِ مَوْهِناً

أَجَابَ كَمَا شَاءَ الوَفَاءُ وَمَا دُعِي

أَصَابَتْ سِهَامُ اليَأْسِ مَقْتَلَ قَلْبِهِ

فَمَا نُعِيَتْ حَتَّى عَلَى إِثْرِهَا نُعِي

عَلَى أَنَّها الدُّنْيَا اجْتِمَاعٌ وَفُرْقةٌ

وَتَخْلُفُ دَارَ البَيْنِ دَارُ التَّجمُّعِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خليل مطران

avatar

خليل مطران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-mtaran@

143

قصيدة

2

الاقتباسات

418

متابعين

خليل مطران (شاعر القطرين) (1 يوليو 1872 - 1 يونيو 1949) شاعر لبناني شهير عاش معظم حياته في مصر. عرف بغوصه في المعاني وجمعه بين الثقافة العربية والأجنبية، كما كان ...

المزيد عن خليل مطران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة