الديوان » لبنان » خليل مطران » أعلى مكانتك الإله وشرفا

عدد الابيات : 88

طباعة

أَعْلَى مَكَانَتَكَ الإلَهُ وَشَرَّفَا

فَانْعَمْ بِطِيبِ جِوارِهِ يَا مُصْطفَى

أَليَوْمَ فُزْتَ بِأَجْرِ مَا أَسْلَفْتَهُ

خَيْراً وكُلٌّ وَاجِدٌ مَا أَسْلَفَا

وَجُزِيتَ مِنْ فَانِي الوُجُودِ بِخالِدٍ

وَمِنَ الأَسَى المَاضِي بِمُقْتبَلِ الصَّفا

أَعْظِمُ بِيَوْمِك فِي الزَّمَانِ وَمَنْ لَهُ

بِكَ واصِفاً ذَاكَ الجلاَلَ فَيُوصَفا

يَوْم المَلاَئِكةِ الكِرَامِ تَنَزَّلُوا

حَانِين حَوْلَكَ فِي السَّرِيرِ وَعُكَّفا

وَتَحَمَّلوكَ عَلَى الأَشِعَّة وَارْتَقَوا

سِرْباً يَجُوزُ بِكَ الدَّرَارِيءَ مُوجِفا

فَورَدْتَ وِرْدَك في الخُلُودِ مُنَعَّماً

وَالأَرْضُ مائِدَةٌ عَليْك تَأَسُّفا

لَمْ تُلْفَ قبْلَكَ أُمَّة فِي مَشْهَدٍ

يُذْرِي الرِّجَالُ بِهِ المَدامعَ ذرَّفا

مُتَثَاقِلينَ مِنَ الوَقَارِ وَإنِّما

سَارُوا بِطَيْفٍ ناحِلٍ أَوْ أَنْحَفا

بَحْرٌ مِنَ الأَحْيَاءِ نَعْشكَ فَوْقَهُ

فُلْكٌ يُظلِّلُهُ اللِّوَاءُ مُرَفْرِفَا

يَكُونَ فِي آثَارِهِ العَلَم الَّذِي

آثَارُهُ مِنْ رِفْعَةٍ لاَ تُقْتَفَى

سَعَتِ الخَوادِرُ حَاسِرَاتٍ وَالأَسى

مُلْقٍ عَلَى الأَبْصَارِ سِتراً أَغْدقا

وَلَئِنْ سَفَرْن وَلَمْ يَخَلْن فَإِنَّهُ

خَطْبٌ أَلاَنَ بِرَوْعِهِ صُمَّ الصَّفا

فَزِعَ الشَّبابُ إِلى الشُّيوخِ بِثَأْرِهِمْ

مِنْ دَمْعِهِمْ إِنْ خَانَهُمْ فَتَكَفْكَفَا

وَمِنَ الغضاضَةِ إِنْ دَعَا دَاعِي العُلَى

بَعْد الفَقِيدِ فَتى بِهِمْ فتوَقَّفا

جزِعَ النَّصارَى وَاليَهُودُ لِمُسْلِمٍ

هُو خيْرُ مَنْ وَالَى وَأَوْفى مَنْ وَفَى

بَكَوُا المُرجَّى فِي خِلاَفٍ عَارِضٍ

لِيُزِيلَ ذَاكَ العَارِضَ المُتَكشِّفا

وَاشْتدَّ رُزْءُ المُسْلِمِينَ وَحُزْنُهُمْ

لَمَّا مَضَيْتَ وَلَسْتَ فِيهِمْ مُخْلَفا

مَنْ بَعْدَ كَاتِبِهِمْ وَبَعْدَ خَطِيبِهِمْ

يُعْلِي لَهُمْ صَوْتاً وَيَنْشُرُ مُصْحَفَا

مَنْ يُبْرِيءُ الإِسْلاَمَ مِنْ تَهَمِ العِدَى

وَيَرُدُّ نَقْدَ النَّاقِدِينَ مُزَيَّفا

يُبْدِي لأَعْيُنِ جَاهِلِيهِ فَضْلَهُ

وَيُزِيلُ مَا يَلِدُ التَّناكُرُ مِنْ جَفَا

وَيُثِيرُ مِنْ غَضَبِ الغِضَابِ لِمَجْدِهِ

هِمَماً تُعِيدُ لَهُ المَقَامَ الأَشْرَفَا

لِكنَّ مِنْ أَقْلاَمِ صَحْبِكَ حَوْلَهُ

سُمُراً تَهُزُّ لِكُلِّ خَطْبٍ مَعْطِفا

وَلَعَلَّ حُرّاً لاَ يَدِينُ بِهِ انْبَرَى

لِيَذُودَ عَنْهُ خصْمَهُ المُتعَسِّفا

قِفْ أَيُّها النَّاعِي عَلَيْهِ جُمُودَهُ

فَلَقَدْ تَجاوَزْتَ الهُدى مُتَفَلسِفَا

إِنْ يَعْتَرِ الشَّمسَ الكُسُوفَ هُنَيْهَةً

أَيَكُون مَنْقَصَةً لَهَا أَنْ تُكْسَفا

وَهَلِ الكسُوفُ سِوَى تَعَرُّضِ حائِلٍ

يَثْنِي أشِعَّتهَا إِلى أَنْ يُكْشَفَا

لَمْ تَنْزِلِ الأَديَانُ إِلاَّ هَادِياً

لِلعَالَمِينَ وَرَادِعاً وَمُثَقِّفا

بِشِعَارِ حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ وَمَا بِها

إِنْ قَصَّرَ الأَقْوَامُ عَنْهُ فَأُخْلِفَا

وَبِكُلِّ أَمْرٍ مُوجِبٍ إِصْلاَحَهُمْ

إِنْ خَالَفُوهُ فَما اسْتَحَالَ وَلاَ انْتَفى

قَدْ كَانَ لِلإِسْلاَم عهْدٌ باهِرٌ

نِلْنَا بِهِ هَذَا الرُّقِيَّ مُسَلَّفَا

مَلأَ البِلاَد إِنَارةً وَحَضَارَةً

وَمُنَى السَّماحَةِ عَوْدُهُ مُسْتَأْنَفَا

فَالخيْرُ كُلُّ الخَيْرِ فِيهِ مُقْبِلاً

وَالشَّرُّ كُلُّ الشَّرِّ أَنْ يَتَخَلَّفَا

يَدْعُو البَقَاءُ إِلى التَّكَافُوءِ بِالقُوَى

بَيْنَ العَنَاصِرِ أَوْ يُهِينَ وَيَضْعُفَا

وَالخَلْقُ جِسْمٌ إِنْ أَلَمِّ بِبَعْضِهِ

سَقَمٌ وَلَمْ يُتَلاَفَ عَمَّ وَأَتْلفا

مِصْرُ العَزِيزَةُ قَدْ ذَكَرْتُ لَكَ اسْمَهَا

وأَرَى تُرَابَكَ مِنْ حَنِينٍ قَدْ هَفا

وَكَأَنَّني بِالقَبْرِ أَصْبَحَ مِنْبَراً

وَكَأَنَّني بِكَ مُوشِكٌ أَنْ تَهْتِفَا

مِصْرُ الَّتِي لَمْ تَحْظَ مِنْ نُجَبائِهَا

بِأَعَزَّ مِنْكَ وَلمْ تَعِزَّ بِأَحْصَفَا

مِصْرُ الَّتِي لَمْ تَبْغِ إِلاَّ نَفْعَهَا

فِي الحَالَتَينِ مُلاَيِناً وَمُعنِّفا

مِصْرُ الَّتِي غَسَلَتْ يَدَاكَ جِرَاحَهَا

بِصَبِيبِ دَمْعِكَ جَارِياً مُسْتَنْزَفَا

مِصْرُ الَّتِي كَافَحْتَ لُدَّ عُدَاتِهَا

مُتَصَدِّراً لِرُمَاتِهَا مُسْتَهْدِفَا

مِصْرُ الَّتِي سُقْتَ الجُيُوشَ مَنَاقِباً

وَمُنى لِتَكْفِيَهَا المُغِيرَ المُجْحِفَا

مِصْرُ الَّتِي أَحْبَبْتَهَا الحُبَّ الَّذِي

بَلَغَ الفِدَاءَ نَزَاهَةً وَتَعَفُّفا

حَتَّى مَضَيْتَ كَمَا ابْتَغَيْتَ مُؤَلِّفاً

مِنْ شَمْلهَا مَا لَمْ يَكُنْ لِيُؤَلَّفَا

أُمْنِيَّة أَعْيَتْ خِصَالُكَ دُونَهَا

لَوْ لَمْ يُضَافِرْهَا رَدَاكَ فَيُسْعِفَا

وَهِيَ الَّتِي لوْ قُسِّمتْ لَنَمَا بِهَا

شَعْبٌ يَعِزُّ بِنَفْسِهِ مُسْتَنْصِفَا

مَنْ كَانَ أَجْرَأ مِنْكَ يَوْمَ كَرِيهَةٍ

بِالحقِّ لاَ شَكِساً وَلاَ مُتَصَلِّفَا

مَنْ كَانَ أَقْدَرَ مِنْكَ تَصْرِيفاً لِمَا

يُعْيِي الحَكِيمَ مُدَبِّراً وَمُصِرِّفَا

مَنْ كَانَ أَطْهَرَ مِنْكَ خُلْقاً جَامِعاً

فِيهِ مَهِيبَ الطِّبعِ وَالمُسْتَظْرَفَا

مَنْ كانَ أَسْمَحَ مِنْك مَنَّاعاً لِمَا

تَهْوَى وَمِعْطَاءً لِغَيْرِكَ مُسْرِفَا

مَنْ كَانَ أَصْدَقَ مِنْكَ لاَ مُتَنَصِّلاً

مِمِّا تَقُولُ وَلاَ تُعَاهِدُ مُخْلِفا

يَا مَنْ نَعَى تِلْكَ الفَضائِلَ وَالعُلَى

أَغَدَتْ مَعَالِمُهُنَّ قَاعاً صَفْصَفَا

لاَ لاَ وَحَقِّك يَا شَهِيدَ وَفَائِهِ

وَرَجِائِهِ كَذَبَ النَّعيُّ وَأَرْجَفَا

مَا أَنْتَ بِالرَّجُلِ الِّذِي يُمْسِي وَقَدْ

مُلِيءَ الوُجُودُ بِهِ وَيُصْبِحُ قَدْ عَفَا

إِنِّي أَرَاكَ وَلاَ تَزَالُ كَعَهْدِنَا

بِكَ فِي جِهَادِكَ أَوْ أَشَدَّ وَأَشْعَفَا

ثَابِرْ عَلَى تِلْكَ العَزَائِمِ ذَائِداً

عنْ مِصْرَ تضرِبُ فِي البِلاَدِ مُطَوِّفَا

أَصْدِرْ صَحَائِفَكَ الَّتِي تُحيِي بِهَا

نِضْوَ الطِّرِيقِ وَتَدْفَعُ المُتَخَلِّفَا

تَجْرِي بِهَا الأَنْهَارُ وَهْيَ دَوَافِقٌ

هِمَماً وَتُوشِكُ أَنْ تَطُمَّ فَتَجْرِفَا

وَتَكَادُ أَسْطُرُهَا تَهُبُّ نَوَاطِقاً

وَيَكَادُ يَعْزِفُ كُلُّ حَرْفٍ مَعْزِفا

فَإِذَا حَنَوْتَ عَلَى الحِمى مُتَحَبِّباً

فَهُوَ النَّسيمُ وَقَدْ ذَكَا وَتَلَطَّفا

وَكَأَنَّما الأَلْفَاظُ مِمَّا خَفَّفتْ

نَقَشَ المِدَادُ رُسُومَهَا وَتَخَفَّفا

تَسْتَامُ مِنْ أَثْوابِهَا أَرْوَاحُها

وَتعَافُ تَحْلِيَة لِئَّلا تَكْثُفا

قُمْ لِلخَطَابَةِ فِي المَجَامِعِ وَامْتَلِكْ

تِلْكَ النُّفوسَ مُرَوِّعاً وَمُشَنِّفا

أَعِدِ القَدِيمَ مِنَ المَمالِكِ وَالقُرَى

ذِكْرَى وَعَرِّفْنَا الحَيَاةَ لِنَعْرِفَا

شَدِّدْ عَزَائِمَنَا وَقَاتِلْ ضَعْفَنَا

حَتَّى نَبِيتَ وَلاَ نَرَى مُتخوفَا

مَا هَذِهِ الآيَاتُ يَرْمِي لَفْظهَا

شَرَراً وَتهوِي الشُّهبُ فِيهَا أَحْرُفَا

مَا ذَلِكَ التَّرْصِيعُ لَيْسَ مُرَصَّعاً

مَا ذَلِكَ التَّفويفُ لَيْسَ مُفَوَّفَا

وَحْيٌ بِأَهْجِيَةٍ إِذَا مَا أُطْلِقَتْ

هَبَطَتْ رَوَاسِبَ عَنْهُ وَالمَغْزَى طَفَا

تُحْيِي حَرَارَتُهَا وَيَهْدِي نُورُهَا

مُتَمَاهِلَ الإِشْرَاقِ أَوْ مُتَخَطِّفا

تَاللهِ ما أَنْتَ الخَطِيبُ وَإِنَّما

وَقَفَ القَضَاءُ مِنَ المِنَصَّة مَوْقِفَا

عَنْ نُطْقِهِ تَقَعُ الصُّرُوفُ مَواعِظاً

وَكَأَمْرِهِ أَمْرُ الزَّمَانِ مُصَرَّفَا

يَا حَبَّذَا لَوْ كُلَ ذَلِكَ لَمْ يَزَلْ

لَكِنَّه حُلُمٌ مَضَى مُسْتَطْرَفَا

وَالآنَ نَحْنُ لدَى ثَرَاكَ نَحُجُّهُ

مُتلَهِّبينَ تَشَوُّقاً وَتَشَوُّفا

نُثْنِي وَهَلْ يُوفَى ثَنَاؤُكَ حَقَّهُ

وَبِأَيِّ أَلْفَاظِ المَحَامِدِ يُكْتَفَى

مَاذَا يُعِيضُكَ مِنْ شَبَابِك نظْمُنا

فِيكَ الرَّثاءَ مُنسقاً وَمُصَففا

وَيُعِيضُ مِنْك وَكُنْتَ جَوْهَرَةَ الحِمَى

صَوْغُ الكلامِ مُرَصعاً وَمُزَخْرَفا

يَا أَخلصَ الخُلَصَاءِ أَبْكِي بَعْدَه

كبكاءِ مِصْرَ تحَرُّقاً وَتَلَهُّفا

هَذا مِثالُك لاَحَ يَرْعَانا وَقدْ

كشفَ الجَوَى عَنه الحِجَابَ فَأَشْرَفا

جَادَ الهِلاَلُ بِرْسمِهِ تَاجاً لَهُ

وَكَسَتْهُ نَاسِجَةُ الطَّهارَةِ مُطْرَفَا

يَا مَنْ رَمَاهُ عُدَاتُهُ بِتَطَرُّفٍ

حَقَّقتَ آمَالَ الهُدَى مُتَطَرِّفَا

كَهَوَاكَ لِلأَوْطَانِ فَلْيَكُنِ الهَوَى

لاَ مُفْتَرىً فِيهِ وَلاَ مُتَكَلَّفَا

يَجْرِي عَلَى قَدَرِ المَطَالِبِ نَامِياً

وَيَجِلٌّ فِي مَجْرَاهُ عَنْ أَنْ يَصْدِفا

أَنشَأْتَ مِنْ مِصْرَ الشَّتاتِ بِفضْلِهِ

مِصْرَ الفَتاةَ حِمى يُعَزُّ وَمَأْلفا

أَحْدَثْتَ فِيهَا أُمةً أَنْدَى يَداً

لِلصَّالِحَاتِ وَبِالعَظائِمِ أَكْلفَا

عَرَّفْتَ أَهْلِيهَا حَقيقَةَ قَدْرِهِمْ

وَكَفَاهُمُ مِنْ قَدْرِهِمْ أَنْ يُعْرَفا

نَفحَاتُ رُوحِكَ خَامَرَتْ أَرْوَاحَهُمْ

فَهُمُ مَرَامُكَ سَاءَ دَهْرٌ أَوْ صَفَا

حِصْنٌ أَشَمُّ تسَاندَتْ أَجْزَاؤُهُ

عِلْماًن وَأمَّنهُ النَّهى أَنْ يُنْسفَا

فَارُقُدْ رُقَادَكَ إِنَّ رَبَّك قَدْ مَحَا

بِكَ ذَنْبَ مِصْرَ كَمَا رَجوْتَ وَقَدْ عَفا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خليل مطران

avatar

خليل مطران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-mtaran@

143

قصيدة

2

الاقتباسات

417

متابعين

خليل مطران (شاعر القطرين) (1 يوليو 1872 - 1 يونيو 1949) شاعر لبناني شهير عاش معظم حياته في مصر. عرف بغوصه في المعاني وجمعه بين الثقافة العربية والأجنبية، كما كان ...

المزيد عن خليل مطران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة