الديوان » لبنان » خليل مطران » أبسفك ماء المدمع الهطال

عدد الابيات : 182

طباعة

أَبِسَفْكِ مَاءِ المَدْمعِ الْهَطَّالِ

يُودَى دَمُ الشُّهَدَاء وَالأَبْطَالِ

وَهَلِ الوَفَاءُ يَكُونُ فِي تَشْيِيِعنَا

عُظَمَاءَنَا بِمَظَاهِرِ الإِجْلاَلِ

مَا بَال هَذَا الشَّرقِ يَخْلُدُ وَاهِماً

أَنَّ الحَيَاةَ بَهَارِجٌ وَمَجَالِي

أَتُرَاهُ يُحْسِنُ شُكْرَ مَا قَدْ أَورَثُوا

مِنْ مَأْثُرَاتٍ لِلْبِلاَدِ غَوالِي

وَيَسِيرُ سَيرَ الغَرْبِ فِي تَمْجِيدِهِمْ

فَيُكَافِيءَ الأَعْمَالِ بِالأَعْمَالِ

يَا بَيْنُ أَحْمَدَ قَدْ فَجَعْتَ الشَّرقَ فِي

رَجُلٍ يُفَدَّى مِثْلُهُ بِرِجَالِ

أَبْلَغْتَهُ أَجَلاً وَلَكِنْ كَمْ بِهِ

لِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ مِنْ آجَالِ

فَرْدٌ بِوَشْكِ نَوَاهُ فَرَّقَتِ النَّوَى

شَمْلاً جَمِيعاً مِنْ جِيَادِ خِلاَلِ

جَزِعَتْ عَلَيْهِ أُمَّةٌ وَكَأَنَّهَا

أُمُّ الْوَحِيدِ لِشِدِّةِ الإِعْوَالِ

مَا كَادَ يُبْقِي الْحَشْدُ مِنْ كُبرَائِهَا

خَلْفَ الجَنَازَةِ مَوْقِعاً لِظِلاَلِ

زَنُوا بِرَايَتِهَا السَّرِيرَ وَعوَّذوا

ذَاكَ الجَلاَلَ بِأَنْجُمٍ وَهِلاَل

لِلهِ أَحْمَدُ مِنْ فَقيدِ مَكَانَةٍ

قَدْ كانَ فِيهَا فَاقِدَ الأَمْثَالِ

لَمْ يُوفِ سِرْبَالَ المحَامَاةِ امْرُؤءٌ

إِيفَاءَهُ مَا حَقَّ لِلسِّرْبَالِ

ماضِي العَزِيمَةِ ذُو ذَكَاءٍ باهِرٍ

مُتَوَافِقُ النِّيَّاتِ وَالأَقْوَالِ

مَنْ قَالَ مَوسُوعَاتُ شَرْعٍ جُمِّعَتْ

فِي ذَاتِ صَدْرٍ لَمْ يَكُنْ بِمُغَالِي

يَزْدَادُ مَا طَالَ المَدى تَحْصِيلُهُ

وَيكُدُّ فِي الأَسْحَارِ وَالآصَالِ

وَيَظَلُّ مُلْتَمِساً إِنَارَةَ ذِهْنِهِ

بِهُدَى شُمُوسٍ أَوْ بِضَوْءٍ ذُبالِ

يَأُبَى التَّعَمُّلَ كَاتِباً أوْ خَاطِباً

وَيُحِبُّ فِي الإنْشَاءِ غَيْرَ الحَالِي

يَتَجَنَّبُ الزينَاتِ فِي أَلْفَاظِهِ

حَذَرَ الغُمُوضِ وَخَشْيَةَ الإِمْلاَلِ

أَوْ خَوْفَ أَنْ تَغْشَى الأَدِلَّةَ رِيبَةٌ

مِنْ زُخْرُفٍ تَبْدُو بِهِ وَصِقَالِ

عَرَكَتْهُ عَارِكَةُ الصُّرُوفِ فَعَزْمُهُ

مُتَمَكِّنٌ كَشَوَامِخِ الأَجْبَالِ

رَاضَتْهُ رَائِضَةُ الخُطُوبِ فَلَم يَكُنْ

قَرْمٌ يُسَاجِلهُ غَدَاةَ سِجَالِ

مَا كَانَ أَصْيَدَهُ لأَنْفَرِ مَأْرَبِ

بِالْبَطْشِ وَهْوَ الرَّأيُ أَوْ بِخِتَالِ

مَا كَانَ أَقْوَى ضَعْفَهُ بِسُكُوتِهِ

حَتَّى يَصُولَ بِهِ عَلَى الصُّوَّالِ

مَا كَانَ أَلْعَبَهُ بِرَاسِخَةِ النُّهَى

فَكَأَنَّهُنَّ عَلَى شَفَا مُنْهَالِ

رُوحٌ كَتِلْكَ الروْحِ كَيْفَ تَصوَّرَتْ

زَمَناً وَإِنْ هُوَ قَلَّ فِي صَلْصَالِ

ضَاقَتْ بِهَا سَعَةُ الوُجُودِ وَضَمَّهَا

فِي شِبْهِ طَيْفٍ جَانِبا تِمْثَالِ

تِمْثَالِ مَجْدٍ لا تَرَى فِيهِ سِوَى

رَجُلٍ بِلاَ تِيهٍ وَلاَ إِدْلاَلِ

مُتَقَاصِرٍ مَلأَ العُيُونَ تَجِلَّةً

وَرَمَى بِظِلٍ فِي الْقُلُوبِ طُوَالِ

يَخْتَالُ فِي الْجِسْمِ الضَّئِيلِ وَقَلَّمَا

كَانَتْ أُولُو الأَلْبَابِ غَيْرَ ضِئَالِ

يَعْلُو مُحَيَّاهُ ابْتِسَامٌ دَائِمٌ

بَرِئَتْ مَعَانِيهِ مِنَ الإِدْغَالِ

صَحِبَ الحَيَاةَ وَمَا بِهَا لأَخِي النُّهَى

ضَحِكٌ يَتِمُّ فَظَلَّ فِي اسْتِهْلاَلِ

عَيْنَاهُ لاَ يَحْكِي وَمِيضَ سَنَاهُمَا

إِلاَّ التَّأَلُّقُ فِي اشْتِبَاكِ نِصَالِ

مَا نُورُ مِصْبَاحَيْنِ يَجْرِي مِنْهُمَا

بِالْكَهْرَبَاءَةِ مَجْرَيَا سَيَّالِ

وَتَرَاهُ أَكْثَرَ مَا تَرَاهُ مُطْرِقاً

إِطْرَاقَ لا وَجِلٍ وَلاَ مُخْتَالِ

فَيَظَلُّ كَالمُغْضِي وَلَيْسَ بِحَاجِبٍ

عيْنَيْهِ سِتْرٌ مُحْكَمُ الإِسْبَالِ

لِلْغُنَّةِ الجَارِي عَلَيْهَا صَوْتُهُ

تَأْثِيرُ سِحْرٍ فِي النُّفُوسِ حَلاَلِ

يَرْقَى السَّمَاعَ بِهَا وَإِنْ يَكُ نَبْرُهُ

لاَ يَرْتَقِي مَعْ فِكْرِهِ الْوَقَّالِ

مِنْ قُوَّةٍ بِحِجَاهُ تَكْسِبُ قُوَّةً

فِي النَّفْسِ تُوغِلُ أَيَّمَا إِيغَالِ

وَبِهَا يَبُزُّ مُنَافِسِيهِ ظَافِراً

وَبِهَا يُوَامِقُ رَاشِداً وَيُقَالِي

يَا خَيْبَةَ الآمَالِ فِي الدُّنْيَا وَيَا

غَبْنَ المَسَاعِي فِي دَرَاكِ مَعَالِي

دَاءٌ عَرَا فَانْدَكَّ طَوْدٌ شَامِخٌ

بِأَخَفَّ وَقْعاً مِنْ دَبِيبِ نِمَالِ

مَجْدٌ تَوَلاَّهُ الْعَفَاءُ وَقُوَّةٌ

قَهَّارَةٌ سَكَنَتْ مَهِيلَ رِمَالِ

أَفْضَى الذَّكَاءُ إِلى صَفِيحٍ هَامِد

وَأَوَى المَضَاءُ إِلى ضَرِيحٍ خَالِي

لَكِنَّمَا الْكُبَرَاءُ فِي أَقْوَامِهِمْ

سِيَرٌ وَكُلُّ حِديثِهِمُ ذُو بَالِ

فَأذْكُرْ لَهُ حُسْن الْبَلاَءِ وَقَدْ دَعَا

دَاعِي الوَلاَءِ إِلى جَلِيلِ فِعالِ

هَلْ جَاءَكُمْ نَبَأُ بِأَمْرٍ مُعْضِلٍ

رَاعَ الكِنَانَةَ فِي سِنِينَ خَوَالي

لَوْلاَ تَيَقُّظُ أَحْمَدَ وَجهَابِذَ

مِنْ ضَرْبِه أَعْيَا عَلَى الحُلاَّلِ

يَا تُرْعَةَ الْبَحْرَيْنِ فَاجَأتِ الْحِمَى

بِعَظِيمَةٍ شَغَلَتْ عَنْ الأَشْغَالِ

سِيَّانَ خَطْبُكِ مُعْرَباً أَوْ مُعْجَماً

بِاسْمِ القَنَاةِ دُعِيْتِ أَمْ بِقَنَالِ

كُونِي عَلَى الْعَهْدِ الْعَتِيدِ وَمَا بِنَا

مِنْ فَيْضِ مَائِكِ أَنْ يَفِيضَ بِمَالِ

قَدْ فَرَّطَتْ فِي حَظِّنَا آبَاؤُنَا

فَالخَلْقُ عَلَّ وَنَحْنُ غَيْرُ نِهَالِ

باعُوكِ بَيْعَ الْغَبْنِ فِي سَفَهٍ وَلَوْ

عَقَلُوا لَمَا بَاعُوا هُدًى بِضَلالِ

وَأَبَى عَلَيْنَا بِرُّنَا بِصِغَارِنَا

سَبْقَ الزَّمَانِ وَرَهْنَ الاسْتِقْبَالِ

لَقَدِ اعْتَبَرْنَا بِالْقَدِيمِ وَإِنَّنَا

نَخْشَى حِسَاب اللهِ وَالأَطْفَالِ

خَلَدَتْ عَلَى الأْيَّامِ ذِكْرَى رُفْقَةٍ

كَنِظَامِ شُهْبٍ أَوْ كَعِقْدِ لآلِي

رَاضُوا مُعَادَلَةَ القَنَاةِ وَسَدَّدُوا

أَرْقَامَهُمْ كَشَبَا القَنَا المَيَّالِ

لَمْ يُؤْثِرُوا خَيْراً عَلَى مَا أَمَّلُوا

مِنْ رَدِّ كَيْدِ المُدْغِل المُحْتَالِ

أَيْنَ الَّذِي يَقْضِي وُلاَةُ شُؤُونِهِمْ

مِمَّا بِهِ نَقْضِي تَفَرُّدُ وَالِي

فَتَحَرَّكَ الشَّعْبُ الْقَدِيمُ سُكُونُهُ

حَتَّى لَقَدْ نَعَتُوهُ بِالمِكْسَالِ

وَبَدَتْ بَوَادِرُ عِلْمِهِ بِوُجُودِهِ

وَشُعُورِهِ بِجُمُودِهِ القَتَّالِ

ظَهَرَتْ حَيَاةٌ فِي البِلاَدِ جَدِيدَةٌ

مَلأَتْ جَوَانِبَهَا بِلاَ إِمْهَالِ

قَدْ كَانَ أَوَّلَ بَاعِثِيهَا مُصْطَفَى

وَتَلاَ فَرِيدٌ وَهْوُ نِعْمَ التَّالِي

وَاسْتَنَّ أَحْمَدْ ذَلِكَ السَّنَنَ الَّذِي

عَانَى مَصَاعِبَهُ بِغَيْرِ كَلاَلِ

لِيُتِمَّ فِي سُبُلِ العُلَى مَا أَبْدَأ

وَيَمُوتَ وَهْوَ بَقيَّةَ الأَبدَالِ

تِلْكَ الحَيَاةُ عَلَى حَدَاثَةِ عَهْدِها

قَوِيَتْ بِهَا نَزَعَاتُ الاِستِقْلاَلِ

وَعَلَتْ شِكَايَةُ رَاسِفٍ فِي قَيْدِهِ

مِنْ أَلْفِ وَعْدٍ أُعْقِبَتْ بِمِطَالِ

وَاسْتُسْمِعَتْ بَعْدَ الشْوَادِي فِي رُبَى

مِصْرٍ وَفِي الْوَادِي لُيُوثُ دِحَالِِ

فَإِذَا الدِّيَارُ وَمَا الدِّيَارُ كَعَهْدِهَا

وَإِذَا كَحَدِّ المُنْصُلِ المُتَلاَلِي

وَإِذَا حِجَابُ اليَأْسِ شُقَّ وَدُوَنَهُ

أَمَلٌ كَحَدِّ المُنْصَلِ المُتَلاَلِي

وَإِذَا الضِّعَافُ الْوَادِعْونَ تَقَحَّمُوا

مُسْتَصْغِرِينَ عَظَائِمَ الأَهْوَالِ

لَكِنْ تَصَدَّى لِلزَّمَانِ يَعُوقُهُ

مَنْ خَالَ نَهْضَةَ مِصْرَ ضَرْبَ مُحَالِ

قَاسَ العَتِيدَ عَلَى الْعَهِيدِ لِوَهْمِهِ

أَنَّ الجُمُودَ بَعِيدُ الاسْتِئْصالِ

خَطَلٌ قَدِيمٌ لَمْ يَدَعْ فِي أُمَّةٍ

أَنْ يَرْمِيَ الآسَادَ بِالأَشْبَالِ

مَنْ ذَا يَرُدُّ عَنِ التَّقَلُّبِ دَهرَهُ

إِنْ شَاءَ وَهْوَ مُحَوِّلُ الأَحْوَالِ

لاَ يَوْمَ كَالْيَوْمِ الَّذِي فُجِعَتْ بِهِ

مِصْرٌ وَقَدْ فُجِئَتْ بِصْرعَةِ غَالِي

لَكَأَنَّ زَنْداً وَارِياً فِي صُبْحِهِ

وَصَلَ الجَنُوبَ دَوِيُّهُ بِشَمَالِ

أَلْقَتْ عَلَى الرَّجْلِ الْعَظِيم بِنَارِهِ

يَدُ مُقْدِمٍ لِحَيَاتِهِ بِذَّالِ

مِنْ عُصْبةٍ لِلتَّفْدِيَاتِ تَطَوَّعَتْ

وَفَدَتْ عَقِيدَتَهَا بِالاِسْتِبْسَالِ

ظَنَّتْ حُمَاةَ الْحَيِّ قَد غَرَّتْهُمُ

أَقْسَامُ حَنَّاثِينَ فِيهِ حِلاَلِ

فَرَمَتْ إِلى إيقَاظِهِمْ لَكِنْ رَمَتْ

بِأَشَدَّ قَارِعَةً مِنَ الزَّلْزَالِ

نَظَرَتْ إِلى رَجُلِ الْحِمَى وَقَضَت عَلَى

ذِي الْعزَّةِ الْقَعْسَاءِ بِالإِعْجَالِ

فَهَوَى بِهِ فِي كِبْرِياءِ فَخَارِهِ

وَبُزُوغِ دَوْلَتِهِ الشِّهَابُ الصَّالِي

لَمْ يَجْهَلِ الْعَادِي عَلَيْهِ أَنَّهُ

يُودَى بِهِ وَأنْقَضَّ غَيْرَ مُبَالِي

لَوْ ظَنَّهُ بِالرَّأْيِ بَالِغَ أَمْرِهِ

لَمْ يَبْغِهِ بِمُقَطَّعِ الأَوْصَالِ

مُسْتَبْقِياً لِبِلاَدِهِ وَلِقَوْمِهِ

عَزَمَاتِ ذَاكَ المِقْوَل الْفَعَّالِ

أَرَأَيْتَ أَحْمَدَ كَيْفَ هَبَّ مُنَاضِلاً

فِي مَوْقِفٍ نَاب بِكُلَّ نِضَالِ

وَأَتَى عَجَائِبَ فِي بَدِيع دِفَاعِهِ

لَمْ يَأْتِهنَّ أَوَاخِرٌ وَأَوَالِي

فَلَوِ القَتِيلُ مِنَ الْخَطِيبِ بِمَسْمَعٍ

لَعَفَا وَرَأْيُ المَجْدِ فِيهِ عَالِي

وَأَبَى قِيَامَ الخُلْفِ فِي آثَارِهِ

سُوقاً لِبَيْعِ قَدِيمَةِ الأَسْمَالِ

قَدْ يَضْربُ الحَدَثُ المُفَاجِيءُ ضَرْبَهُ

بِيَدِ المُدَمِّر أَوْ يَدِ المُغْتَالِ

فَيَبِيتُ قَوْمٌ وَالْهُمُومُ بِهَامِهِمْ

نَاءَتْ كَبَاهِظَةٍ مِنَ الأَثْقَالِ

لاَ صَوْتَ أَنْكَرُ إِذْ تُرَاجِعُ أُمَّةٌ

تَارِيخَهَا مِنْ صَيْحَةِ الدَّلاَّلِ

لَكِنَّهُ خُلْفٌ عَفَتْ آثَارُهُ

بِكِيَاسَةِ الأَبْرَارِ فِي الأَنْجَالِ

وَاذْكُرْ لَهُ ذَوداً مَجِيداً صَادِقاً

بِسِنَانِ ذَاكَ المِرْقَمِ العَسَّالِ

وَرَمَى لِشُكْرٍ صَدْرَهَا بِنِبَالِ

فَتَعاظَمَتْهُ جُرْأَةُ الْعَادِي بِلاَ

عُذْرٍ وَقُدْرَتُهُ عَلَى الإِبْطَالِ

وَأَهَمَّهُ شَأْنَ امْرِيءٍ بِمَقَامِهِ

فِي الْغَرْبِ يُؤْثَرُ عَنْهُ كُلُّ مَقَالِ

أَمُعَلِّمُ النَّاسِ الشَّجَاعَةَ يَغْتَدِي

فِي مِصْرَ وَهْوَ مُعَلِّمُ الأَوْجَالِ

وَرَئِيسُ أَوْسَعِ أُمَّةٍ حُرِّيَّةً

يُغْرِي أُبَاةَ الضَّيْمِ بِالإِذْلاَلِ

أَلْفَيْتُ أَحْمَدَ لاَ يَقَرُّ قَرَارُهُ

فِي يَوْمِهِ مِنْ شِدَّةِ البَلْبَالِ

يُجْرِي يَرَاعَتَهُ بِبَثٍ رَائِعٍ

أَوْ يَسْتَتِمُّ بَيَانَهُ بِأَمَالِي

يَسْتَنْفِرُ الأَقْلاَمَ بَيْنَ خَفِيفَةٍ

لِلذَّبِّ عَنْ شَرَفِ الحِمَى وَثِقَالِ

عَجَبٌ تَبَجُّحُ ذَلِكَ الضَّيْفِ الَّذِي

أَضْحَى تَبَجُّحُهُ مِنَ الأَمْثَالِ

أَيْ صَائِدَ اللَّيْثِ الْهَصُورِ بِغَابَةٍ

أَتُرَى وَجَدْتَ هُنَا كِنَاسَ غَزَالِ

مَا مِصْرُ مَا أَحْوَالُهَا مَا قَوْمُهَا

يَا مَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاثَ لَيَالِ

عَلَّمْتَهَا عِلْمَ الْفَنَاءِ مُدَاوِياً

مَا صِحَّة الأَقْوَامِ بَعْدَ زَوَالِ

لاَ يَقْنِصُ العَبْدُ الأُسُودَ تَلَهِّياً

دَعْهُ يُوَاسِ جِرَاحَهُ وَيُوَالِي

أَوْ فَاقْرَعِ السَّوْطَ الَّذِي فِي صَوْتِهِ

إِيقَاظُ غَافِلِهِ وَبَعْثُ الْبَالي

غَوْثُ اللَّهِيفِ أَبَرُّ فِي مِيقَاتِهِ

مِنْ وَعْدِهِ بِغِنًى بَعِيدِ مَنَالِ

وَأَشَدُّ خَطْبٍ أَنْ يُمَنَّى عَاثِرٌ

بِإِقَالَةٍ وَيَظَلُّ غَيْرَ مُقَالِ

وَاذْكُرْ لَهُ تَبْرِيزَهُ فِي فَنِّهِ

بِذَكَائِهِ وَبِكَدِّهِ المُتَوَالِي

وَبِعزْةٍ فِي نَفْسِهِ صَانَتْهُ عَنْ

رُتَبٍِ يُغَرُّ بِهَا وَعَنْ أَمْوَالِ

لَمْ يَثْنِهِ دُونَ القِيَامِ بِوَاجِبٍ

بَأْسُ المُلُوكِ وَلاَ نَدَى الأَقْيَالِ

اَلدَّأْبُ وَالإِتْقَانُ حَيْثُ تَلاَقَيَا

يَسْتَنْبِتَانِ المَجْدَ مِنْ إِمْحَالِ

خُلُقَانِ إِنْ تَكُنِ الحَمِيَّةُ ثَالِثاً

لَهُمَا فَقُلْ فِي رِفْعَةٍ وَجلاَلِ

وَنقَابَةٌ نِيطَتْ بِهِ أَعْبَاؤُهَا

نَاهِيكَ بِالتَّبِعَاتِ مِنْ أَحْمَالِ

أَبْدَى بِهَا مَا شَاءَ فَضْلُ نُبُوغِهِ

وَعُلُوُّ هِمَّتِهِ بِغَيْرِ تَعَالِى

وَلِمُسْتَعِيري جَاهِهِ مِنْ نَشْئِهِمْ

عَوْناً بِقَوْلٍ مُسْعِدٍ أَوْ نَالِ

مِنْ عِلْمِهِ الفَيَّاضِ أَوْ مِنْ رِوْقِهِ

لَمْ يَدَّخِرْ شَيْئاً عَنِ السُّؤَّالِ

بَحْرٌ مِنَ الْعِرْفَان صَفْوٌ مَاؤُهُ

عَذْبُ المَوَارِدِ سَائِغُ السَّلْسَالِ

يُرْوِي النفُوسَ الظَّامِئَاتِ فَتَشْتَفِي

وَسِوَاهُ يُظْمِئُهَا بِلَمْعِ الآلِ

أَعْظِمْ بِهِ فِي كُلِّ عَاديَةٍ عَدَتْ

مِنْ أَرْيَحِيّ لِلْبِلاَدِ ثِمَالِ

يَسْخُو لَهَا بِكَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ

جَذِلاً وَلاَ يَشْكُو مِنَ الإِقْلاَلِ

وَيَجُوزُ مَا فَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ

مِنْ نَجْدَةٍ وَنَدّى إِلى الأَنْفَالِ

وَإِذَا وَصَفْتَ فُنُونَهُ فِي فَضْلِهِ

فَاذْكُرْ أَيَادِيَهُ عَلى العمَّالِ

وَقضَاءَه حَاجَاتِهِمْ وَدِفاعَهُ

عَن حَقِّهِمْ فِي وَجْهِ رَأْسِ المَالِ

وَجِهَادَهُ مَنْ يَستَغِلُّ جُهُودَهمْ

حِساً وَمَعْنى أَجْحَفَ استِغْلالِ

فَإِذَا وَفى بِفُضُولِ مَا كسَبُوا لهُ

عَدَّ الذِي أَدى منَ الإِفضَالِ

مُتجَاهِلاً عُقْبَى مَطَامِعِهِ وَلا

عقْبَى كَيَوْمِ قِيَامَةِ الْجُهَّالِ

مِنْ أَي نَابٍ لاَ يُطَاقُ وَمِخْلَبٍ

نَجَّى الْهُمَامُ فَرَائِسَ الإهْمَالِ

وَكَفَى إِلى أَمَد سَرَاحِينَ الطَّوَى

وَالضَّارِيَ الشَّبْعَانَ شَرَّ قِتَالِ

مُتَوَخِّياً إِنْصَافَهُمْ وَمُهَيِّئاً

لَهُمُ وَلِلأَبْنَاءِ خَيْرَ مَآلِ

يُعْنَى بِوُلْدِهِمْ الضِّعَافِ لِيَرْتَقُوا

عِلْماً وَآدَاباً وَحُسْنَ خِصَالِ

حَتى إِذَا شَبُّوا تَقَاضَوْا حَقَّهُمْ

بِهُدىً وَمَا كَانُوا مِنَ الضُّلاَّلِ

وَاذْكُرْ لَهُ فَضْلَ التَّعَاوُنِ يَقْتَفِي

فِيهِ طَريقَ شَقِيقِهِ المِفْضَالِ

رَأْيٌ بِهِ إِفْلاَحُ مِصْرَ وَعِزُّهَا

نَسَجَاهُ مِنْ بِرٍ عَلَى مِنْوَالِ

عُمَرٌ إِلَيْهِ دَعَا وَأَحْمَدُ لَمْ يَدَعْ

سَعْياً يَسِيرُ بِهِ إِلى الإِكْمَالِ

فَالْيَوْمَ إذْ بَلَغَ التعَاوُنُ مَا نَرَى

فِي مِصْرَ مِنْ شَأْنٍ وَمِنْ إِقْبَالِ

فَلْيَذْكُ فِي القَوْمِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا

طِيباً كَمَا يَذْكُو نَسِيمُ غَوَالِي

وَاذْكُرْ ضُرُوبَ كِفَاحِهِ لِبِلاَدِهِ

مَا اسْطَاعَ فِي حَلٍّ وَفِي تَرْحَالِ

مَا كَادَ حَفْلٌ بَاحِثٌ فِي شَأْنِهَا

يَنْأَى عَلَى مِقْدَامِهَا الْجوَّالِ

زَارَ الحَوَاضِرَ فِي أُرُبَّةَ أُنْسُهَا

يُسْلِي وَذَاكَ الصَّبُّ لَيْسَ بِسَالِي

لَمْ تَخْلُ مِنْهُ مَقَامَةٌ شَرْقِيةٌ

فِي الغَرْبِ تَعْقِدُهَا هُنَاكَ جَوَالِي

وَأَظَللَّهُ بَلَدٌ جَدِيدٌ كُلَّما

ضَنَّ القَدِيمُ عَلَيْهِ بِالإظْلاَلِ

لِحِفَاظِهَا وَتَمْوتُ بِالإِغْفَالِ

مَا الْحَقُّ وَهْوَ اللُّسْنُ غَيْرُ نَوَاطِقٍ

مَا الْعِلْمُ وَهْوَ الكُتْبُ فٍي أًقْفَالِ

لاَ نَنْسَ عَهْدَ جَنِيفَ وَالإِلْفَ الَّذِي

عَادتْ طَوَالِعُهُ بِخَيْرِ تَوَالِي

إِذْ أَوْهَنَ الأَحْزَابَ خُلْفٌ أَفْرَزَتْ

فِيهَا ضَغَائِنَهُ سُمُومَ صِلاَلِ

مِيثَاقُ أَحْمَدَ بِشَّرَ المَرْضَى عَلَى

يَأْسٍ مِنَ الإِبْلاَلِ بِالإِبْلاَلِ

وَأَبَانَ لِلإبْدَالِ مِنْ حَال إِلَى

حَالٍ أَصَحَّ طَرَائِقِ الإِبْدالِ

سَعْيٌ سَعَاهُ بِوَحْيِ أَنْقَى فِكْرةٍ

لِشِفَاءِ دَاءٍ فِي النُّفُوسِ عُضَالِ

فَبَدَتْ بَوَادِرُ نَفْعِهِ لَكِنْهَا

مَكَثَتْ لَيَالِيَ كُنَّ غَيْرَ طِوَالِ

وَأَجَدَّ هَذَا الحَوْلُ إِلْفاً بَيْنَهُمْ

هُوَ عَوْدُ ذَاكَ البَدْءِ مِنْ أَحْوَالِ

عَوْدٌ تَخَلَّصَ شَعْبُ مِصْرَ بِفَضْلِه

مِنْ مَوْقِفٍ بَيْنَ الشُّعُوبِ مُذَالِ

شَرَفاً لأَحْمَدَ فِي طَلِيعَةِ مَنْ سَعَى

لِنَجَاتِهِ وَالخَطْبُ فِي اسِتْفْحَالِ

يَا مِصْرُ كَمْ فِي سِيرَةِ الجِيلِ الَّذِي

يَمْضِي هُدىً لِلوَاحِقِ الأَجْيالِ

سِيرِي وَبَشِّي لِلْخُطُوبِ فَإِنَّمَا

تِلْكَ الخُطُوبُ نَجَائبُ الآمَالِ

مَاذَا أَعَدِّدُ مِنْ مَنَاقِبِ أَحْمدَ

فِي الخَطْبِ مَا فِيهِ مِنَ الإِذْهَالِ

تِلْكَ المَنَاقبُ دُونَ كُلِّ حَقِيقَةٍ

مِنْهَا إِذَا وُصِفَتْ أَعَزُّ خَيَالِ

لاَ تَسْتَطِيعُ يَرَاعَةٌ تَفْصِيلَهَا

وَلَعَلَّهَا تُغْيِي عَلَى الإِجْمَالِ

وَأَجَلُّهَا تِلْكَ المُفَادَاةُ الَّتِي

هِيَ آيَة الإِحْسَانِ وَالإِجْمَالِ

مَا مَوْتُ أَحْمَدَ حَتْفَ أَنْفٍ إِنَّهُ

لَلْقَتْلُ فِي عُقْبَى أَشَدِّ نِزَالِ

لَبَّى نِدَاء ضَمِيرِهِ لَمَّا دَعَا

دَاعِي الحِفَاظِ فَجَالَ أَيَّ مَجَالِ

تَعْتَاقهُ الحُمَّى وَلاَ يَلْوِي بِهَا

هَلْ عَاقَتِ الضِّرْغَامَ دُونَ صِيَالِ

يَا خَيْرَ مَنْ حَامَى فَكَانَ لِكُلِّ مَنْ

حَامَى بِقُدْوَتِهِ أَجَلَّ مِثَالِ

جُزْتَ الفِدَى لَمَّا نَهَاكَ الطِّبُّ أَوْ

تَرْدَى فَلَمْ تَمْنَحْهُ أَدْنَى بَالِ

وَأَجَبْتَ إِنِّي لَمْ أَضِنَّ عَلَى الحِمَى

بِدَمِ الشَّبَاِب فَمَا الدِّمَاءُ بِغَالِي

لاَ يَكْرُثُ الرِّئْبَالَ أَنْ يُمْنَى وَقَدْ

مُنِعَ العَرِينُ بِصَرْعَةِ الرِّئْبَالِ

كَلاَّ وَلاَ النَّجْمَ الَّذِي فِيهِ الهُدَى

لِلنَّاسِ أَنْ يَرْفَضَّ بالإِشْعَالِ

مَا رَاعَ قَلْبَكَ فِي الغَرَانِيقِ العُلَى

إِلاَّ كِرَامٌ عُرِّضُوا لِنَكَالِ

وَقَفُوا بِمَقْمَرَةِ الحُتُوفِ لِشُبْهَةٍ

وَالعُمْرُ رَهْنُ إِجَابَةٍ وَسُؤَالِ

فَعَمَدْتَ تَنْفِي بِاليَقِينِ مِنَ النُّهَى

مَا دَسَّ مِنْ رَيْب لِسَانُ القَالِي

وَرَأَى العُدُولُ الحَقَّ أَبْلَجَ مَا بِهِ

فَنَدٌ وَتَمَّتْ حِيرَةُ العُذَّالِ

نَادَيْتَ يَا لَلْعَدلِ لِلبَلَدِ الَّذِي

أَمْسى أَعَزُّ بَنِيهِ فِي الأَغْلاَلِ

فَأَجَابَ دَعْوَتِكَ القَضَاءُ مُنَزَّهاً

في الحُكْمِ عَنْ خَطَلٍ وَعنْ إِخْلاَلِ

لَم يَخْشَ إِلاَّ رَبَّهُ فِي حُكْمِهِ

وَنَبَا بِقِيل لِلْوُشَاةِ وَقَالِ

رَدَّ الأُولَى سُجِنُوا بِلاَ ذَنْبٍ إِلَى

مَنْ وَدَّعُوا مِنْ أُسْرَةٍ وَعِيالِ

قَدْ نِيلَ مِنْ أَقْدَامِهِمْ بِعِقَالِهِمْ

أَمَّا النُّفُوسُ فَلَمْ تُنَلْ بِعقَالِ

بِجَمِيلِ مَا أَبْلَيْتَ فِي إِنْقَاذِهِمْ

قَرَّتْ نَوَاظِرُ قَوْمِهِمْ وَالآلِ

أَحْيَيْتَهُمْ وَقَضَيْتَ ذَاكَ هُوَ الفِدى

وَهْوَ النَّوَالُ وَرَاءَ كُلِّ نَوَالِ

فَضْلٌ خَتَمْتَ بِهِ حَيَاتَكَ مُثْبِتاً

فِي إِثْرِهَا شَفَقاً بَدِيعَ جَمَالِ

إِنْ لَمْ تُوَفِّ النَّاسُ شُكْرَكَ فَلْيَكُنْ

لَكَ خَيْرُهُ مِنْ رَبِّكَ المُتَعَالِي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خليل مطران

avatar

خليل مطران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-mtaran@

143

قصيدة

2

الاقتباسات

429

متابعين

خليل مطران (شاعر القطرين) (1 يوليو 1872 - 1 يونيو 1949) شاعر لبناني شهير عاش معظم حياته في مصر. عرف بغوصه في المعاني وجمعه بين الثقافة العربية والأجنبية، كما كان ...

المزيد عن خليل مطران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة