الديوان » لبنان » سوزان عليوان » ورد بلديّ لشارع حزين

1
بدستة من السنوات الزاهية الذاوية
.إستبقنا التعاسة يا نانيس
،على جلد تمساح أليف
.بخطًى مع الطيور خادعة
.قبل صغارها حاملي الحصى، وصلنا
،دموعنا دروع
في عيوننا الوادعة
.شبابيك ترشُق الشوارع بالورد
."على كَتّان لافتة، كلمة "صحراء
،محاكة بخيوط يابسة
بخطّ يدويّ يضحك
.لأطفال البدو الطيّبين
المقهى مصابيح متأرجحة
مشانق لدمًى ومباخر
حصان من الخزف يلمع
.لوحات من حولنا تحوم
،شاي أسود على شرفة واطئة
.شهيرة تشرح الحبّ
،الباقة بيننا
شيء في أشواكنا يصغي
.بيقين ينابيع
2
ميدان لاستعادة مقهى
،من عصافير عيوننا
لاسترجاع بضعة أشجار من نبضنا
،وعاشقين يحدّقان بنا
وبين الحبّ وبيننا
بلد من البلابل البالية
وبلاد دمع ورمل
.ورايات ملطّخة ومناديل
،لرتق ظلالنا الظامئة بخيط نهر
بمشوار برفرفة لفافة
،أفلتت مومياءها في العراء
كان لا بدّ من عُكّاز ربيع
وإبر لا تبرأ بوخزها
جراح باقات محلّ الورد
.في شارع الثورة الحزين
،لكنّ الأمكنة كمثل ماء في الكفّين
كالعمر المذنّب المذنِب
وأعواد كبريت
.لم تدم بين أصابعنا نجومها
كذلك الحبّ الأوّل
وشبابيك الخشب التي
كلّما هممتُ بتذكّرها مزهرةً
ملاك بمطرقة على روحي
.قَطَعَ الشجرة والطريق
3
على قلق واسع
.مقاعد من الخيزُران مورقة
،ممرّ بقناطر أشواقنا
.حقائب بحمولها على أوتار
.أكواب قهوة بعطش حساء
ضحكاتنا خافتة
.كبضعة عصافير على بلكونات
وسط الفَناء
.نافورة تغنّي
اللحن أصداء مطر عتيق
.بئر تضيء ملامحنا
لكنّ ابتسامتنا
.كمثل فُتات على مجاعة
على كنبة متوسّلة لخريف
.وجه العجوز يدمع ويدعو ويُدين
.أعمار في صُرر مصفّرة
عيون كواكب
.على بريق أحذيتنا
،حفاة بلا أسماء
بأسمال عابقة
.تتساقط بتَلقائيّة مطر
بين المدينة وبيننا
.بوّابة من عتب
4
البوّابة الخضراء التي
.في مرآتها شجرة تضحك
بضعة سلالم حجريّة
.قرطاسيّة برطوبة بئر
دفاتر مورقة
.باقة أقلام لأيدٍ ملوّنة
هاتف رماديّ على رفّ مائل
يحفظ أرقام منازلنا
ومثلنا تخيفه أصوات الأمّهات
موبّخة تأخّرنا
.عن المناسبات العائليّة السعيدة
الكشك الأزرق في زاوية
كزنزانة فالتة
.من سيّارة لنقل السجناء
شبّاك معدِنيّ معتم
منه قطع الشوكولاتة الذائبة
.وعلب السجائر والكبريت
عند المفرق
،بائع الكتاكيت الكريه
من طفل حاسر الخطى
.إلى وحش خاسر على طريق
تلك الأفراخ المطليّة بأصباغ رخيصة
كيف على شوّاية مشتعلة تركناها
تتقافز بحُرقة دموعنا؟
.الكنّاسون بأهدابهم الطويلة
.الضفائر المطاردة لمراييل
،بسطة الجرائد المجنّحة على ناصية
المقهى المصافح لصباحاتنا
.بسهد بين الأصابع
ضِفّتان من فضّة
والشمس تكاد
.تلامس الأكتاف

5
ناس على جسر
.هفيف من الأهداب الزاهرة
،آذانُ مغرب
.وآذانٌ مُطرقة لتسبيح يمام
تنهيدات عالقة في بالونات
كواكب بأنفاس أطفال
عريشة مرفرفة بغزل بنات
.تلويحة من سكّر ملوّن
ماسح أحذية
.محنيّ لالتقاط عثرة
عربات سارحة
.بمشاوير مومياواتها
.رجل يعبر الشارع بقفص فارغ
كناريّ يصدح
.كملك منتصر عن الشرفة
.عجوز تتعكّز على صورة من صباها
.عشّاق يورقون على مصطبات
،باعة مناديل بين رصيفين
نخيل ناعس
.لا يلامس يقظة المراكب
من يشتري الورد؟
من يبيع الصبر؟
ومن أين لأسفلت
تدوسه الأحذية عجلى
بكلّ هذه التيجان من النجوم؟
6
،ساق على ساق
.يدان من تراويح الورد
الحبّ جالس في مقهى الماضي
،يرشف الظلال من كوب شفيف
بمزاجِ عاشق
.يدخّن الشيشة
.وحيد كما عهدناه
.وجه جامع لعصافير
في جيب سُترته
.رسالة على نبض منديل
ذلك السياج الخشبيّ
،صار أشجارًا
أغصانٌ أزهرت
،من طاولتنا ذات الجذور الطيّبة
.والرجل الأنيق في ركنه
بطمأنينة نيل
.وطيور لا تهاجر
ملاك من فتات ابتساماتنا
.أرخى القوس والأجفان
7
بجسارة دمعة
.عَبَرَتِ الجسر المسيّلَ للدموع
بوسع ابتسامة
.تفتّحت ناسًا ملء ميدان
نادت على الأحلام المنسيّة
.والسائرين نيامًا
أيقظتنا على عصافير
.تنقر العثّ عن ظلالنا
.علت رؤوس وضحكات وأعلام
علّق العالم عينيه
.شمسًا وقمرًا
ثمّ سال في شوارعنا دم
ورسمتُ حمامة تحطّ
.على رأس بنت سمراء
ثمّ سال في شوارعنا دم
وشجرة أكثر من أمّهاتنا أحببناها
.اشتعلت شمعةً على شاشة
،ثمّ سال دم كثير
ونأيت بنفسي
.بحضن فارغ من ظلّي
8
،بمنديل الستّ لوّحنا
للحبّ
.لمراكبه المتلكّئة المرحة
بمنديل الستّ
.أصبح لدينا شراع
.من الملح جفّفنا وجوهنا
.ضمّدنا جراحًا تضحك
رفعنا العلم عاليًا
.ثمّ الراية البيضاء
،ثمّ مسحنا الوحل عن أحذيتنا بمنديل الستّ
وبأرواح مبحوحة
.أكملنا السير صامتين
9
لفرط الدمع في الشوارع
.بين أرواحنا نيل
،قارب قمر
.نجوم نيلوفر
.سمك بلطيّ وسط الخطى
.رفرفة نَسْرٍ محنّط
،وجوه بينابيعها
وما من تلويحة
.ببشاشة حمامة
على الجسر الذي
،كنّا وسط قوس نصره نغنّي
مسلّحون بلباس أسود
.ملتصق بالجلد كجُذام
على أسطح الأقمار البلاستيكيّة
،قنّاصون على أكوام من القشّ
صبية يرجمون الأفق
.بجلابيب قصيرة
.جثث تُسحل دون ظلالها
يأس يتراكم
،كعمر أمام أعيننا
ولسوء طالعنا
في أطراف معاطفنا أطفال بكّاؤون
لا يكفّون عن مطالبتنا
بـإعادتهم إلى ضِفّة الماضي
.على متن مراكب من ورق
،لكنّ الطَمي يثقل أحذيتنا بأقدار جذور
والكأس التي في أيدينا انكسرت
.أكثر من وطن
آخر الغرقى
،عصافير عواميد الإنارة
والمؤذّن الذي
كملاك مبتسم على مسلّة
.يفتّت كفّيه ليمام

لسنا طيورًا
.لنرفرف فوق الطوفان
،لا عصاة في يدي
وما من شجرة صامدة
.ليتعكّز على زهرةٍ طريق
10
شجر بكثافة معنى
.زهر يهفو على أهداب عميان
:هكذا الربيع في مثل أرضنا المريضة
جذور عاجزة
.عن قراءة أوراقها
كم أبكانا
،رماده المتطاير دونما طيور
ذلك المقهى الملوّن
.مثل عصفور بريشة طفل كفيف
في عينيكِ الناعستين
أرى الجميلة أمّك
.مسجّاة على زهرة
.أرى أباك مبتسمًا كزورق
كما لو أنّ في الضفّة الأخرى
.شفاء من الأمل
كأنّما المحاجر
مقابر جماعيّة لأقواس قزح
أفلتت من بين رموشنا
.ألفة فراشاتها
في غبش المرايا
لا أبصر إلّا أشباحًا
تشبه شيئًا حزينًا
من حطام بلياتشو على أرجوحة
وأعقاب سنوات
.في منفضة تفيض

في النفق المديد
.ندرك قِصَرَ قاماتنا وأعمارنا
لسنا من ورق
،لنتساقط بمثل هذه البساطة
لكنّه الصفصاف يتعرّى
ووجوهنا شاحبة
.كشارع لا ينتهي من خريف
11
نهر كهذا
،لا يكذب
وإن كانت الزرقة
إنعكاس سماوات على دموع
والشموس نفسها
.لتماسيح بفكوك ضاحكة
كأنّما المراكب
،ظلال غيم يتلاشى
والأغاني القديمة بين ابتساماتنا
أصداء غرقى
.لم تسعفهم حبال الصبر في المواويل
هكذا وقعنا في الفخّ الأوّل
والحبّ الأوّل
وشِباك المنازل المأهولة بدمى
.والمقاهي المضفورة بنبض مدينة
توهّمنا العالم
يقايض ضحكاتنا القليلة
.بفرح لا يستثني صحراءَ أو حصاة
وهبناهُ حصّتنا من الزهر
أبهى ثيابنا
هالات هيّأناها لملاقاة الحبّ
.على شرفات ومفارق
قلنا: هذه هدايانا
.لإخوتنا والأشباه
لكنّ القطار مرّ من أمامنا
طويلاً متقطّعًا مثل كابوس ظهيرة
فارغًا إلّا من أكياس شفيفة تبتسم
بكدمات في الملامح
.وثقوب عميقة في الأرواح
نهر كهذا
.لا يكذب
12
ورق أصفر
.على أرصفة مصر الجديدة
،قرطاس قصر
.برديّة قمر
خريف كثيف
.كفصل أخير من رواية
​،جثث مغطّاة بجرائد
.توابيت بخفّة يافطات
ملاك من الكرتون الأسمر
يصدّ العاصفة بقصيدة صدره
عن ملكة ليل
.تتساقط في حماه
خرائط تتطاير
طوابع بأسنان مكسورة
.ضحكات تذاكر سفر
شهادات وفيّات
تكفي لكسو شجرة كافور
بأسماء شهداء
.دون الأربعين
كأكفاننا بين أكفّنا
.باقات باهتة متيبّسة
،جفّ الورد في دواوين أيدينا
.الرماد أنبت بيوتًا لا تعرفنا
نخيل وبنايات
.على صفحة نيل لا تُطوى
علبة كبريت مبتلّة
.دفتر ممزّق في جيبي
...ليس الوطن بألوان بطاقة بريديّة
،رسالة طافية في زجاجة
.قاهرة من ورق

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن سوزان عليوان

avatar

سوزان عليوان حساب موثق

لبنان

poet-suzanne-alaywan@

106

قصيدة

119

متابعين

سوزان عليوان شاعرة لبنانية، ورسامّة، ولدت في عام 1974 في بيروت، من أب لبناني وأم عراقية الأصل. بسبب الحرب في وطنها، قضت سنوات الطفولة والمراهقة بين الأندلس وباريس والقاهرة. تخرجت ...

المزيد عن سوزان عليوان

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة