الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » سوى الحب لا تشفي الفؤاد المكلما

عدد الابيات : 79

طباعة

سِوَى الْحُبِّ لا تَشْفِي الْفُؤَادَ المُكَلَّمَا

وَلا يَهْنِيءُ وَإِنْ كَانَ مُؤْلِمَا

وَمَا زَالَ ذُو الْقَلْبِ الخَلِّيِ مِنَ الهَوَى

كَظَمْآنَ لا يُرْوِي لَهُ مَوْرِدٌ ظَمَا

هُوَ الْدَّهْرُ كَالتَّيَّارِ يَكْتَسِحُ الْوَرَى

بِلَيْلٍ مِنَ الأَحْدَاثِ أَعْكَرَ أُهْيَمَا

فَمَا أَجْدَرَ الْقَلْبَيْنِ فِيهِ تَلاقَيَا

عَلَى سِقْوَةٍ أَنْ يَسْلُوهَا وَيَنْعَمَا

كَمَا يَتَلاقَى فِي طَرِيقٍ مَخُوفَةٍ

غَرِيبَانِ نَالَتْ شُقَّةُ السَّيْرِ مِنْهُمَا

وَكَمْ عَاشِقٍ يَسْلُو رَزَايَاهُ بِالْهَوَى

وَقَدْ يَجْتَلِي وَجْهَ النَّعِيمِ تَوَهُّمَا

كَسَالِكِ وَعْزٍ رَاقَهُ حُسْنُ كَوْكَبٍ

فَأَرْجُلُهُ تَدْمَى وَعَيْنَاهُ فِي السَّمَا

فَإِنْ نَالَهُ فِي الحُبِّ خَطْبٌ فَإِنَّهُ

لَيَقْضِي خَلِيفاً أَنْ يَمُوتَ فَيَسْلَمَا

عَفَا الله عَنْ صَبٍّ شَهِيدِ غَرَامِهِ

أَصَابَ جِرَاحاً حَيْثُمَا ظَنَّ مَرْهَمَا

فتى كَانَ ذَا جَاهٍ وَعِلْمٍ وَفِطْنَةٍ

كَرِيمَ السَّجَايَا مُسْتَحَبّاً مُكَرَّمَا

وَلَكِنْ لِكُلٍّ حَيْثُ جَلَّتْ سُعُودُهُ

شَقَاءٌ يُوَافِيهِ أَّجَلَّ وَأَعْظَمَا

سَبَتْ لُبَّهُ أَسْمَاءُ مُنْذُ احْتِلامِهِ

فَكَانَ الْهَوَى يَنْمُو بِهِ كُلَّمَا نَمَا

تَعَلَّقَهَا حُوريَّةً حَصَرِيَّةً

يَكَادُ يَكُونُ النُّورُ مِنْهَا تَبَسُّمَا

تَرَاءتْ مَعَانِيهَا بِمِرْآةِ قَلْبِهِ

فَثَبَّتَهُا فِيهَا الْغَرَامُ وَأَحْكَمَا

لَهَا شَعَرٌ كَاللَّيْلِ يَجْلُو سَوَادَهُ

بَيَاضُ نَهَارٍ يَبْهَرُ المُتَوَسِّمَا

وَعَيْنَانِ كَالنَّجْمَيْنِ فِي حَلَكِ الدُّجَى

هُمَا نِعْمَةُ الدُّنْيَا وَشِقْوَتُهَا سُمَا

وَأَهْدَابُ أَجْفَانَ تَخَالُ أَشِعَّةٌ

مُصَفَّفَةً غَرَّاءَ تُعْكَسُ عَنْهُمَا

ومُنْفَرِجٌ مِنْ خَالِصِ الْعَاجِ مَارِنٌ

كَأَنَّ الْهَوَى قَدْ بُثَّ فِيمَا تَنَسَّمَا

تُبَالِغُ فِيهِ الْحَاسِدَاتُ وِشَايَةً

وَمَا حُجَّةُ الْوَاشِي إِذَا الْحَق أَفْحَمَا

فَرُبَّ سَوِيٍّ عُدَّ عَيْباً بِمَوْضِعٍ

وَفِي غَيْرِهِ لِلْحُسْنِ كَانَ مُتَمِّمَا

وَرُبَّ غَرِيبٍ فِي المَلامِحِ زَانَهَا

وَكَانَ بِهَا مِنْ مُحْكَمِ الوَضْعِ أَوْسَمَا

وَثَغْرٌ كَمَا شَفَّتْ عَنِ الرَّاحِ كَأْسُهَا

يُتَوِّجُهَا رُدُّ الْحَبَابِ مُنَظَّمَا

وَخَصْرٌ إِلَيْهِ يَنْتَهِي رَحْبُ صَدْرِهَا

وَقَدْ دَقَّ حَتَّى خِيلَ بِالثَّوْبِ مُبْرَمَا

فَإِنْ أَقْبَلَتْ فَالغُصْنُ أَثْقَلَهُ الْجَنَى

فَمَالَ قَلِيلاً وَاسْتَوَى مُتَقَوِّمَا

تَعَلَّقَهَا غِرّاً لَعُوباً مِنَ الصِّبَا

فَمَا شَبَّ إِلاَّ رَاحَ وَلْهَانَ مُغْرَمَا

وَلازَمَهَا كَالظِّلِّ غَيْرَ مُفَارِقٍ

مَشُوقاً عَلَى كَرِّ اللَّيَالِي مُتَيَّمَا

وَكَانَتْ عَلَى الأَيَّامِ تَزْدَادُ بَهْجَةً

وَيَزْدَادُ إِعْجَاباً بِهَا وَتَهَيُّمَا

وَكَانَ عَلَى جَهْلٍ يَعِيشُ بِحُبِّهَا

وَبِالأَمَلِ المَدْفُونِ فِيهِ تَكتَمَا

يُسَرُّ سُرُورَ الطِّفْلِ بِالأُمِّ إِنْ دَنَتْ

وَيَبْكِي إِذَا بَانَتْ كَطِفْلٍ تَيَتَّمَا

وَلَمْ تُدْنِهِ غَضَّ الشَّبَابِ فَيَشْفِي

وَلَمْ تُقْصِهِ قَبْلَ الشَّبَابِ فيُفْطَمَا

فَكَاتِبَهَا يَشْكثو إِلَيْهَا عَذَابهُ

وَيَرْجُو ذَلِيلاً أَنْ تَرِقَّ وَتَزْحَمَا

وَلَكِنْ جَفَتْ فَانْدَكَّ مَعْقِلَ صَبْرِهِ

وَأَعْياهُ دَفْعُ اليَأْسِ عَنْهُ فَسَلَّمَا

لأَيَّ المُلُوكِ الصِّيدِ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ

كَبُرْجٍ وَمَا الأَبْرَاجُ مِنْهُ بِأَفْحَمَا

تَمَنْطَقَ مِنْ أَنْوَارِهِ بِعَقَائِقٍ

وَقُلِّدَ فَوْقَ الرَّأْسِ دُرّاً وأَنْجُمَا

نَعمْ هُوَ لِلْمُلُوكِ عَتِيقَةٌ

وَلَكِنْ غَدَتْ لِلفُحْشِ دَاراً وَبِئْسَمَا

حَبَاهُ أَمِيرٌ غَاشِمٌ لأَسَافِلٍ

بِعِرْضٍ تَوَلاَّهُ وَرُدَّ مُثَلَّمَا

كَذَا يَفْعَلُ الطَّاغِي المُطَاعُ فَإِنَّهُ

لَيَفْتُكُ مَحْموداً وَيَسْلِبُ مُنْعِمَا

بِنَاءٌ بِمَالِ النَّاسِ قامَ جِبَايَةً

وَلَوْ ذَوَّبُوا تَذْهِيبَهُ لَجَرَى دَمَا

هُنَالِكَ أَنْوَارٌ شَوَائِمُ لِلدجَى

رَوَامٍ بِهَا مَدْحُورةً كُلَّ مُرْتَمَى

جَواعِلُ أَيَّامِ الَّذِي هنَّ لَيْلهُ

نَهَاراً طَوِيلاً لا يُرَى مُتَقَسِّمَا

يُعَظِّمْنَهُ عَنْ أَنْ يَمُرَّ زَمَانُهُ

مُنَاراً كَحُكْمِ اللهِ وَالبَعْضُ مُظْلِمَا

إِذَا خِشِيَ الْجَانِي لِقَاءَ ضَمِيرِهِ

أَدَالَ مِنَ اللَّيْلِ المَصَابِيحَ وَاحْتَمَى

مَصَابِيحُ يَسْتَعْدِي بِهَا مَنْ يُضِيئُهَا

عَلَى ظُلُمَاتِ اللَّيْلِ أَوْ تَتجَرَّمَا

هُنَالِكَ إِطْعَامٌ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا

يَخُصُّ بِهِ مَنْ كَانَ لِلْحَقِّ أَهْضَمَا

وَمَنْ جُمْهُورٌ تَخَالُ رِجَالَهُمْ

نِسَاءٌ مُحَلاَّةً وَنِسْوَتَهُمْ دُمَى

يَمِيلُونَ مِنْ فَرْطِ المَسَرَّةِ نَشْوَةً

وَيُنْشِدُ كُلٌّ مِنْهُمُ مُتَرَنِّمَا

فَيَا أَيُّهَا الْعَافِي المُلِمُّ بِدَارِهِمْ

رُوَيْدَكَ لا تَغْبِطْ غَنِيّاً مُذَممَا

أَيُغْبَطُ مَنْ جَادَتْ يَدَاهُ بِعِرْضِهِ

لِمَا أَنَّهُ أَثْرَى بِذَاكَ فَأَكْرِمَا

وَمَنْ يَلْتَمِسْ رِزْقاً وَهَذَا سَبِيلُهُ

فَأَخْلِقْ بِهِ أَنْ يُسْتَهَانَ وَيُرْجَما

هَنِيئاً لَكَ الإِعْسَارُ وَالعِرْضُ سَالِمٌ

وَكُنْ مَا يَشَاءُ اللهُ جَوْعَانَ مُعْدِمَا

تَرقَّبْ عِقَابَ اللهِ فِيهِمْ هُنَيْهَة

تَجِدْ عِيدَهُمْ هَذَا تَحَوَّلَ مَأَتْمَا

كُلوا وَاشْرَبُوا مَا لَذَّكُمْ وَحَلالَكُمْ

وَفُضُّوا زُجَاجَ السَّلْسَبِيلِ المُخَتَّمَا

وَطُوفُوا سُكَارَى رَاقِصِينَ وَأَنْشِدُوا

وَلا تَسْمَعُوا صَوْتَ الضَّمِيرِ مُؤَثِّمَا

فَمَا هِيَ إِلاَّ لَحْظَةٌ ثُمَّ يَنْقَضِي

فَسُرُّوا بِهَا مَا تَسْتَطِيعُونَ رَيْثَمَا

وَمَنْ أَمْكَنَتْهُ فُرْصَةٌ غَيْرَ عَالِمٍ

بِمَا بَعْدَهَا فَلْيَنْهَبِ الصَّفْوَ مَغْنَمَا

وَلأَغْوِي عِبَادَ اللهِ أَسْمَاءُ وَابْذُلِي

لِحَاظَكِ آلاءً وَإِنْ كُنَّ أَسْهُمَا

مُحِبُّوكِ كُثْرٌ وَالأَبَرُّ مُعَاقبٌ

وَمَنْ بَرَّ بِالحَسْنَاءِ عُوقِبَ مُجْرِمَا

يُحِبُّكِ حَتَّى أَنْتِ مَعْنَى حَيَاتِهِ

إِذَنْ هُوَ أَوْلَى أَنْ يُسَاءَ وَيُظْلَمَا

وَمَهْمَا يَجِدَّ الوَجْدُ فِيهِ فَبَالِغِي

بِهَزْلِكِ حَتَّى تَقْتُلِيهِ تَهَكُّمَا

فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الرَّجَاءَ مُضَيَّعٌ

وَأَنَّ مَنَارَ بَانَ وَأَعْتَمَا

مَضَى يَتَمَشَّى فِي الْحَدِيقَةِ مُغْضَباً

يَكَادُ الأَسَى فِيهِ يُثِيرُ جَهَنَّمَا

يَرُوحُ وَيَغْدُو خَائِفاً ثُمَّ رَاجِياً

وَيَبْكِي حَزِيناً آسِفاً مُتَوَجِّمَا

تُشَاكَ بِمَرْأَى ذَلِكَ الرَّوْضِ عَيْنُهُ

وَيَحْسَبُ فِيهِ سَائِغَ الماءِ عَلْقَمَا

فَيَا لَعِقَابِ الفَرْعِ وَالأَصْلُ قَدْ جَنَى

لِيَغْدُوَ أَنْكَى مَا يَكُونُ وَأَصْرَمَا

يَقُولُ أَسِيفاً لَيْتَنِي كُنْتُ مُدْقِعاً

مِنَ الفَقْرِ لَمْ أَمْلِكْ رِدَاءً وَمَطْعَمَا

وَيا لَيْتَنِي أَقْضِي نَهَارِي مُتْعَباً

وَأَحْسُدُ فِي اللَّيْلِ الأَصِحَّاءِ نُوَّمَا

وَيَا لَيْتَنِي شَيْخٌ ضَئِيلٌ مُحَدَّبٌ

أَسِيفٌ عَلَى عَهْدٍ حَبِيبٍ تَقَدَّمَا

إِذَنْ كَانَ هَذَا العَيْشُ كَأْساً مَسُوغَةً

بِصَبْرِي أُحَلِّيهِ وَإِنْ يَكُ عَلْقَمَا

أَيَنْفَعُنِي جَاهِي وَعِلْمِي وَفِطْنَتِي

وَهَلْ عَصَمَتْ قَبْلِي سِوَايَ فَأُعُصَمَا

وَلَكِنْ أَرَى أَنَّ المَذَاهِبَ ضِقْنَ بِي

وَأَنَّ مَمَاتِي قَدْ غَدَا مُتَحَتِّمَا

وَإِنْ يَرْمِني بِالجُبْنِ قَوْمٌ فَإِنَّنِي

رَأَيْتُ اتِّقَاءَ الضَّيْمِ بِالمَوْتِ أَحْزَما

إِذَا اشْتَدَّ غَلْيٌ فِي إِنَاءٍ فَمَا الَّذِي

يُعَابُ عَلَيْهِ إِنْ وَهَى وَتَحَطَّمَا

وَإِن رَزَحَ الْحَمَّالَ مِنْ وِقْرِ حِمْلِهِ

أَيُلْقِيهِ عَنْهُ أَمْ يُطَاوِعُ لُوَّمَا

فَلَمَا انْتَهَى أَوْرَى الزِّنَادَ مُسَدَّداً

إِلَى قَلْبِهِ فَانْحَطَّ بِالدِّمَا

كَأَنَّ بِنَاءً رَاسِخاً فِي مَكَانِهِ

هَوَى بِشهَابٍ مُحْرِقٍ وَتَهَدَّمَا

كَأَنَّ الْجَمَادَ النَّاضِحَ الدَّمَ لَمْ يَكُنْ

سَمِيعاً بَصِيراً مُدْرِكاً مُتَكَلِّمَا

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمٌ هُنَاكَ وَلا نُهىً

وَلَمْ يَكُ فَضْلٌ يُسْتَفَادُ مُيَمَّمَا

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ حُبٌّ فَصَدُّ حَبِيبَةٍ

فَيَأْسٌ كَبُرَكَانٍ يَثُورُ تَضَرُّمَا

فَمَوْتُ بَرِيءٍ حَيْثَمَا بَاتَ جَدُّهُ

أَثِيمَاً بِأَمْوَالِ الْعِبَادِ مُنَعَّمَا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1076

قصيدة

739

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة