الديوان » حسن جلنبو » سكَّة طويلة

سكّة طويلة
لمن يسألون عن الحبّ…
نحبُّ لنبقى على قيد أحلامنا…
ليكون بمقدورنا
أن نواصل هذا الهراءَ
المسمى حياة…
لنمنح للقلب فرصته للبقاء قليلا
فلا بدّ من ساعة للوفاة…
نحبُّ
لأنا خُلقنا نحبّ
وليس يليق بنا
غير أن نستمرّ على هذه الحال
حتى يحين الأوانُ
فنترك أسمالنا ونغادرَ
هذي الحياةَ
عُراة
******
إذا جاءك الحب فاهرب
ولا تنتظر أن يداهمك الشوق
لن تستطيع احتمال احتراق ضلوعك
عند الهزيع الأخير من العمر
بعد فوات الأوان
ولن تتمكن
من ضبط ساعة قلبكَ
حاول بأن لا تظلّ هناك
ولا تستمع لأحاديثه
لا تصدقه
لا تقترب منه
خشية أن تلفح النار صدرك
لم يبق في العمر متسع
لمزيدٍ من الوجد
لم يتبق أمامك
من فسحة لمزيد من الحزن
والدمع والسهد
لستَ، كذلك، في حالةٍ
قد تتيح لك الانتظار طويلًا
لترسم وهمًا جديدًا
فقد آن وقتُ الركون الى الواقع المرّ
دع عنك
إن جاءك الحبُّ
هذا التوهُّمَ
واهرب بعيدا
فقلبك أولى
بأن يستمرّ بقربك
حتى النهاية
ويغفو بضلعك
حين تقرر أن تستريح
الى آخر العمر.
******
وكيف نُرى؟
يا تُرى!
حين يطغى الحنين
ولا نستطيع اقتراف الهوى
من جديد
سنكتبُ سِفرًا جديدًا
من الحزنْ
نحاولُ
أن نمسح السطرَ
ثم نعيد الكتابةْ
لعل قليلا من الأحرف الهاربةْ
تعبّر عما يجول بخاطرنا من شجون
وتكتبنا في عداد الضحايا
تضيف اسمنا في سجلّ "النفوس"
غريبين
ولدنا غريبين
ثمّ
سنبقى غريبين
كالأمنياتْ
كلون الفراشاتْ
كرائحة الأرض
كالذكريات
التي لم تزل كلَّ حينٍ
تسيلُ على بابنا
كلما اقترب الغيم من سقفنا
كالصغار
الذين يخافون صوت الرعود
وصوت الرصاص
وصوت المدافع وهْيَ تدكّ البلاد
وتسحق من ظلّ في داره
من عباد.
لأنا غريبان
ستأكل من رأسنا الطير
حين نحاول أن نتذكر ما يفعل النصلُ
بالخاصرة
سنبقى غريبينْ
لئلا تعود الطيور لأعشاشها
في المساء
فنرجع يومًا
على صهوة الكفن "المتلفِّع"
بالشوق والوجد
والذاكرة
*****
أنا رجلٌ واقعيْ
لا أحبُّ الخيالْ
ولا أستطيع الجلوس
على عتبات الرؤى المستحيلةْ
أنا بعضُ عمرٍ
تماهى يفتش في زحمة العمر
عن صورةٍ
ما تزال تعود إليه صباحَ مساءْ
فيشربها مع خيوط الضياء
ويسأل عنها
النجومَ
ويكتب فيها
قصيدة شوق
ليرسلها مع رياح الصّبا
تحمل العطر في دفّتيها
وتلقي السلام على الواقفين بباب المحطة
ينتظرونَ
سماع النداء الأخيرْ
لكي يكملوا ما تبقى من السيرِ
في سكّةٍ
ما تزال
طويلة
*********
ولو عدتُ يومًا
سأهرب منّي
وأهربُ منكِ
كما يهرب الطفل
حين يرى غيمةً في المدى
فنروح نهرول
نقعدُ ...   نجلس ... نرقد ... نكذب .... نضحك
نبكي...نقهقه ...نحزن ... نفرح ... نتعب
نرتاحُ ... لا نستقرّ ... ننام... نفيق
نضيع ... نضجّ بنا ...
ثم نغدو خيالا
نحاول أن لا نظل على حالنا
ونسافر صوب البعيد
وأرجع وحدي
أئنّ ...أصيحُ ... أخافُ ...أضيعُ
فأبكي كثيرا
وأمسحُ دمعي بكفّي وحيدا
وأركضُ
أركضُ ...أهرب مني
أفتش عني ... أراني هناكَ
أضيّعني من جديدٍ
وأحلمُ ...أجفلُ
أقرأ سفر الحنين
أتمتمُ ...أضحكُ
أبكي كثيرا
وأرجع أضحكُ
كالشمس قبل انقشاع الغيوم
سأخفي بكفّيّ عينيّ
كي لا أراني
فأبكي كثيرًا
على كلّ شيء مضى
ثم لا أستطيع التذكر حقًّا
على أيّ شيء بكيتُ
على صوت أمّي؟….
على أمنياتي؟…..
على رحلتي كلّ يومٍ
شمالا جنوبا
على دارنا؟
أم على الأصدقاء الذين قضوا
قبل أن يطرح النخل
أثماره
قبل أن يضع الفقرُ
أوزاره
واستعاروا قميص الردى في سكونٍ
وراحوا يضيئون
ليل التراب وحيدين مثلي
فنرجع نبكي معا
من جديد
فآوي لعينيك
حين تضيقُ بيَ الأمنياتُ
ولم يتبقَّ سوى ما تبقّى
من الذكريات
وأذكر أنّا
جلسنا كثيرا
ضحكنا   ...ركضنا ... تعبنا ...
وعُدنا
نراود أحلامنا عن هواها
كأنّا صحونا على حلُمٍ نرجسيّ
وسرب حساسينْ
يغرّد فوق جبينكِ كل صباحٍ
فتشرق من وجنتيكِ الشموس
وكنتِ وكنتُ
ولكننا لم نعد متعبين
فما عاد يجمعنا غير ذكرى
ستمسحها قطرات المطر
ونصبح لا شيء
كما نحن دوما
مزيجٌ من الشيء ضاع بلا شيء
لأنّا غريبان.
أبوظبي 26 / 5 / 2023.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حسن جلنبو

حسن جلنبو

184

قصيدة

• مواليد الأردن - عمَّان. • بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، جامعة مؤتة 1994. • ماجستير في النقد والأدب، جامعة مؤتة 1998. • محرر إعلامي لدى شركة مياه وكهرباء الإمارات- أبوظبي. • عضو ر

المزيد عن حسن جلنبو

أضف شرح او معلومة