(1)
أيها الطيف ، عِمُتَ صباحاً 
لم تزل أيها القمر الطيف،
في دمنا نشوةً وحبوراً ،
تدغدغ أحلامنا ،
وتُرصِّع أيامنا بالبهآء ،
وتَغمرنا بالحنين لأزمنةٍ خالدة .
 
أنت لهفتنا أيها الطيف ،
أنت الخداع الجميل ،
أنت ينبوع أسرارنا ،
والجمال الذي يتسامى ،
إلى نشوة اللَّذة القاتلةْ .
 
للسلام أتيتَ ،
من تخاريم ضوئك كان الكلام ،
ومن نورك المتمّوج طارت جميع الحروف ،
لم يزل نبضك المنتشي يتدفق ،
أوديةً من سخاءٍ ، وشوقٍ ،
وبوابةٍ يعبر الحُزن منها ،
إلى عالمٍ ، يكتسي بالبياض 
 
منكَ ألتمسُ الشِّعر ،
أنقشهُ صفحاتٍ تُشعُّ بنوركَ ،
تملأ أفئدةً لم تزل تتلمس في ضوء عينيك ،
وجه اليقين 
 
أنتَ وجه المسافة ، ما بين حُلمي وأمنيتي ،
أنتَ وحيُ القصيدةِ ،
همسُ الضميرِ ،
شفافيةُ البَوْحِ ،
دربُ الرِّضى ،
مرفأ الظلِّ للمُتْعَبينْ 
 
منك صُغتُ حياتيَ لوناً بديعاً ،
وطرّزتُ أغنيتي ،
وتلمّستُ من فيض وجهكَ ،
إشراقةَ الآخرين 
 
أصدقائي ، زغاريد لونٍ،
وأهزوجةٌ ، تتخلَّلُ وجهَ حياتي ،
باقةٌ ، تتنفَّسُ هَمِّي ،
وتمنحُ شعري ،
شِمِيمَ البنفسج والأقحوان.
 
إخوتي  فرحتي ، قوّتي ،
شغفي بالحياةِ ، ونبض حروفي ،
إطاري الجميل .
 
إمتدادي ، وعُمقي ، وأنشودتي ،
في ملامحهم ، ولَهي .
في مشاعرهم ، هدفي .
من ضمائرهم قفزت بسمة اللون 
في لوحتي .
 
كمْ ترآى لقلبي بأن الحروف هدايا ، مرايا ،
وميضٌ ، تثُورُ بها زُرقةٌ ،
وطريقٌ فسيحٌ إلى مُدنٍ عائمةْ 
 
المحبَّةُ ، مائدةٌ تتشبّع بالنور ،
في قلبها شمعة الخير والابتسام 
 
الوفاءُ بحارٌ …
وضوءُ ابتسامك في وجه صحبك ،
تاجٌ ، وسامٌ ،
يُزيّن صدركَ ، يزرع فيكَ البقاءْ 
 
أنْ تَرى سِحنة الموت ، خيرٌ بان لا ترى زمناً باسماً ،
يتطلَّع للضوءِ ،أو يتلألأ بالفرحة الزائدة
 
الطموح احمرارٌ،
مقاربةٌ للجديد العنيد ،
بِنآءٌ على زمنٍ جامدٍ ،
وصعودٌ الى شرفات البعيد 
 
العزيمةُ ، برقٌ مُضيءٌ ،
له نكهة الخوف ، والطّمَعِ المتحفز ،
علامتهُ البتُّ في الأمر ،
والخَلْقُ في باطن الروح ،
إشراقةً من جديدْ 
 
التحدي ، مزيجٌ من البرق والغيم ،
إرهاصةً لانتزاع المُفيدْ 
 
الجفآء سوادْ …
والتلاقي قلوبٌ مزركشة اللون ،
أنشودة للحياة 
 
الكلام الذي يحمل الصدق والحب ،
وردٌ ، وزهرٌ ، وعطرٌ ، وخمرٌ ،
وخبزٌ ، ومآءْ 
 
والهروب فراغٌ به يسكن الجوع ،
واليأس .. والإنفراد 
 
العطاءُ ، ادخارٌ ،
أنانية الفرد ، تعني كراهية النفس ،
لا حُبَّها 
 
والغرور ، خواءٌ ،
صعودٌ على دَرَج الطين ،
ركوبٌ على كتف الإنحناءْ.
والتعالي ضجيجٌ ،
تُفرقِعهُ .. عُلبَةٌ فارغةْ
 
الغناءُ ، …
صلاةٌ على صفحة المآءْ ،
شبابٌ يقودك في نزهةٍ ،
تتدافع في موكب الطيف ،
قطرة ماءٍ تلوذ بأخرى ،
يدحرجها الضوء في قوسك المكتسي بالمَرَحْ 
 
( 2 )
عالم اللون ، أولُ شئ ٍ نراهْ .
فكرة اللونِ ، في وعينا كانت البدء
لم تزل تتدفق في الوعي ،
تسمو بعالمنا ، تتسامى ،
تشكّل وجه العصور 
 
بسمةُ اللون ، أول ما كَتَبت صفحات الوجود .
أوّلُ معزوفة تتناغم ، في ملكوت الكمال ،
أوّلُ قافلةٍ تتهدَّجُ ، في مَلَكات الخيال
 
في دمِ اللون ، أبْحَرتُ طول حياتي ،
ومن شفةِ الضوء طارت إلى شفتي كلماتي 
هو صمتي وحزني ،
ولولاه ما وصلتْ ساحتي ، صرخاتي 
 
أرى اللون في الشئ ، والشئ في اللون ،
أرى فيه ، شمساً وظلاً ،
أرى فيه ، وجهَ البراءةِ ، روح البساطةِ ،
وجه التجهّم والعنفوان 
 
أرى فيه ، بُعْداً ، وشكلاً ، وظلاً ،
زماناً ، مكاناً ، ورائحةً ،
قالَبٌ وفراغ ، فرحةٌ ، واكتئاب ،
أرى فيه ماءً ،وزاداً ،
فضاءً يسافر في اللانهاية 
 
كلّ لونٍ أحسُّ بهِ ،
وألازِمُهُ ، وأُغنِّي لهُ ، وبهِ ،
أتحرَّكُ في واقعٍ إسمهُ اللون .
 
كلٌ ، له رؤيةٌ ونزوعٌ ،
وكلٌ ، له ذكرياتٌ مع اللون
 
كم تسآلتُ ما هو أجمل لونٍ نراه ؟
أنا لا أعشق اللون منفرداً ،
والجمال أُلامِسهُ في مقاربةِ الضّد ،
في شغفٍ يتوالد من غزَل اللون ،
من همسات الضياءْ 
 
لا أرى خارج اللون 
حِكمةُ اللون أناّ نراه
يقول لك اللون كل الذي لا تقول الحروف ،
وكل الذي لا تبوح به النغمات
 
للنفس ألوانها ،
والمزاج يقلب ألوانه مثلما يفعل الطّيف ،
حين يثورُ الغمام 
 
تضمحلُّ شفافية اللون ،
إلاَّ إذا صرخت فيك ،
إلا إذا أعلَنتْ وقت ميلادها ،
وتمادت بنغمتها في مجال الإثارة ،
 
حين يعود ولو من بعيدٍ ،
إلى نفس دائرة الشكل ،
رجْعُ الصدى
 
كل لونٍ نرى فيه سحر الإضاءة ،
وجهاً يصوغ الكمال .
 
يسافر في اللانهايةِ ،
يرقص في عالم الإحتمالْ
 
( 3 )
أسوَد:
 
السَّوادُ ، هو الكوْن ،
والضدّ ، والملكوت 
 
جنحٌ يرفرف في اللانهاية .
عُمقٌ يخبئ سر الحياة .
 
يفضح وجه اللآلِئ ،
وينقل صوت المحار ،
يخبئ كنز الجمال الدفينْ 
 
جبروتٌ يغطّي خطيئآتنا ،
يقسم الحسّ نصفين ،
يملك نصف الحياة 
 
في الأسود الحضن ، والحزن ، والملتقى.
وفي الأسود الموت ، والخوف ، والإنحناء
 
ملِكٌ في ثياب الغواني ،
يُداعب أذواقنا ،
عندما يتبعثر منتشراً في البياض،
حينما يتهدّج في خصلة الشَّعر ،
أو يتراقص فوق خضاب الحواشي ،
ويرقص في بسمة المقلتين 
 
يغوص بأعماقنا ،
يتدفق في صفحة العمر شعراً ونثراً ،
ولولاه ما عرف الناس وجه اليقين 
أسودٌ …
إنما هُو .. ماءٌ ، وتمرٌ ،
فضاءٌ ، وبحرٌ ،
ظلالٌ يلملمُ بوابة العاشقين 
 
أسودٌ ، يكسر اليوم دائرة الصمت ،
يثقب دائرة الرمز،
يستنسخ الفعل ،
يدخل دائرة الإشتعال 
 
يغوص الى واقعٍ ،
يتحرك فيك وخلفك ،
يعدو أمامك ،
يزرع في قدميك الإطاحةْ .
 
أسودٌ يومُك المُرتخي ،
والمصابيح تلفح وجهكَ ،
والضوء ينسلُّ من تحت اقدامك الخشبية ،
يرحل في شغف العلم ،
في فرح النور ،
أحزمةً تتسابق أليافها ،
تتدافع في قرية الكون ،
تجمع تاريخك المتكدّس ،
في قطعةٍ كالرُّقاقةِ ،
مدهونةٍ بالصفيحْ 
 
أسودٌ ، والخلافة تدفنُ اعلامها في الرمال 
وتسفّ الحداد على مفرق الشرق ،
ترفعُ أيديَها للغريب .
 
أسودٌ ، والقريب بعيدٌ علينا ،
وكل بعيدٍ قريب .
 
أسودٌ ، ليتها حفلةٌ ،
يتنكَّرُ فيها الحُفاةُ ،
ولكنه مأتمٌ قائمٌ ،
نتوالدُ فيه مدى الدهر ،
والدهرُ يبقى ،مدى الدهرِ ، مُنبطحٌ ،
فوق أطلالنا ،
فوق أحلامنا ،
والوجود غريبٌ علينا ،
وحتى الكتاب المبينُ ...
علينا ، غريبٌ .. غريبٌ .. غريبْ 
 
 
 
أحمرٌ …
 
إنما هو قلب الحقيقة ،
بل نشوة اللون.
 
ديك التصاوير ، والحلبات العنيفة 
لكنه قُدرة الفعل ، أو ردَّة الفعل ،
ينبوع نهر الحياة 
 
يتراقص في دمكَ المتدافعِ ،
في شبق العنفوان
 
أحمرٌ … والمراد هو القلب ،
أحمرٌ … والمراد شفاهٌ ، وخمرٌ ،
خدودٌ ، وزهرٌ ،
وينبوع ذكرى ، وأغنية للوطن 
 
أحمرٌ …
ليتهُ ظلَّ في وعينا أحمرا
ليتهُ ظلّ كالنجمة العِنَبية في وجنة القمريّة .
ليتهُ ظلّ منتشياً كالعقيق اليماني 
 
أحمرٌ … يادم الأخوين ،
الذي صار يعني دماء الشعوب .
 
أحمرٌ يا خدود الحقيقةِ ،
يا شهوة الإحتراق 
 
يا رماد الحريق الذي يتصاعد ،
في غابة الحُلم والذكريات الجميلة
 
ياالحريق الذي يتفجر من تحت أقدامنا ،
ياالدمُ المتناثر في كل منعطفٍ ،
في خطوط التلاقي 
 
أحمرٌ … يا الفنآءُ ،
الذي يتقمص وجه الحضارة 
 
أحمرٌ ... والحديث عن الكوكب الأخضرِ،
المتفحِّمِ ، والمتشرِّد ،
في حفلات الدُّخان 
 
أحمرٌ .. والجديدُ هنا جمرةُ الحقّ ،
وجه البطولة ،
مجد القرابين 
 
أحمرٌ .. والحديث هنا عن فلسطين ،
قلبي ، وقلبك ، قلب العروبة.
 
أحمرٌ .. والمرادُ الثَّرَى ، والشهيد ،
تراب العروبة ، أحجارها ،
كل أعلامها
 
علماً ، يتلفّعُ بالنار ، يا ليتني .
حجراً ليتني كنتُ ،
فوق رصيفِك يا قُدس ،
 
يا ليتني كنتُ جمرةَ عشقٍ
تزغرد في يد طفلٍ ،
يقاوم في وطن الانتفاضة .
 
أخضر …
 
أخضرٌ كاخضرار فؤادي ،
ولكنها خضرة الحُلم ،
والأمل المتملِّكِ قلب النبؤة 
 
أخضرٌ ..ليس معنى ،
ولكنه جوهرٌ مثل وجه بلادي .
 
هو جوهر ما أنت تحيا لهُ ، وبه ،
والنعيم الذي يتحرك في حضرة الذوق ،
أو يرتخي في سرير البصر
 
أخضرٌ ..والمراد الطفولة والحب والابتسام.
والعطاء الذي يتلبَّسُ دفء الأحاسيس ،
نبض المشاعر ،
يكسو ضفاف النفوس ،
ويملأُ بالخير نهر البشر 
 
أخضرٌ.. صار يعني متى ، ولماذا ، وكيف ؟
كيف أنتزعناك من قوس أيامنا ،
أيها الأخضر النُّضجْ ؟
كيف خُنت الربيع وهاجرت من حيّنا ،
وتركت الهواجس تجثو،
على صدرنا كالخريف !!
 
كيف هاجر عصفورك المنتشي ،
من حدائق أحلامنا ،
من جزائر حُبِّكَ ،
وانسلَّ من قلب أعلامنا الذهبيَّة .
 
هل تحرك فوج القطَا ، والكناري ،
إلى رحلة الصيف ،
أم حركته الرياح الى نجمة الغرب ؟
 
أخضرٌ.. لا يزال السؤال ،
يدبُّ على الأرض ،
كالهدهد المتخلف عن ركبه ،
لا يزال السؤال .
بعيدٌ ، قريبٌ ، ومستوطنٌ في الخيال 
 
لا يزال السؤال يشكل وجه الرِّضى ،
وظلال الفؤاد ،
يرفرف في شرفات الضمير،
الذي يتناثر من حولنا شجراً ،
وغصوناً تُميِّز أحلامنا ومعالمنا ،
وتصُدَّ الرِّمالْ 
 
أصفر …
 
أصفرٌ، يتدفق كالموج مرتحلاً ،
من بياض النقاوةِ ، .. حتى احمرار القلوب 
 
الإطار البديع على كل لونٍ ،
وفي الأخضر/ الأحمر/ الأسود/ المتداخل،
ينبض بالوحي والكبرياء 
 
يرصّع أجمل أوهامنا ، ويشُدُّ أساريرنا ،
ويطرِّز أجمل ما تشتهيه العيون 
 
يتأرجح بين الغواية والطيش ،
والغيرة النسوية
والبداية منهُ ،
ولكنه نابعٌ من خطوط النهاية .
 
نبض الحياة التي تتدفق من وجنةِ الشرق ،
يطوي الفضاء ، يفيض بهاءً ،
إلى أن يذوب ويحمرّ ،
مرتحلاً في خدود الأصيل
 
لو سألتَ الفراشةَ من تعشقين،
لقالت زهور الخزامَى ، وعبادة الشمس ، والتولبانْ
 
أصفرٌ.. يتألق كالذهب الحميريِّ القديم .
ويترك في باطن الوعي ذكرى حضارة .
 
يتراقص فوق ظهور القوافل ،
يرسم في صفحة الذهن أهزوجةًة تتدفقُ ،
فوق طريق اللّبانْ 
 
أصفرٌ ..لم يزل يتحدث عن زمن العَصب ،
والورْس ، والزعفران .
 
لم يزل يتخلَّل أحلامنا ،
ويحطّ الفواصل بين الفصول 
 
أصفرٌ .. والمرادُ الشهيّة والاشتهاء 
أصفرٌ.. والمرادُ الرجوع ،
إلى كل ماقِيل ، أو ما يُقالْ.
 
المرادُ الرجوع إلى رغد العيش حراً كريماً ،
إلى موسم النضج ،
المرادُ الرجوع .. إلى ساحة الكَرْمِ ،
والقمحُ والبُنّ .
 
المرادُ الرجوع … إلى ظل معزوفةٍ ،
تتمايل من حسنها ،
سنبلات الحقول 
 
أزرق …
 
أزرقٌ .. والمساحة أكبر ممّا ترى.
والوجوهُ ، الخطوط ُ، الهموم التي تتداخلُ ،
أو تتشابك ، أو تتشابه،
أكبر مما توقّعتَ ، أو تتوقّع .
 
أزرقٌ ..هو شاهد عصرٍ وخلفيةٌ للحروبْ.
هو باقةُ عَوْلَمةٍ تتدفّق من غُرفِ النوم ،
من شاشة الأفعوان .
يتحرّك في كل ناحيةٍ ، يتهدّل من شفة النور 
من ضحكة الموج في الشُّطأن .
 
سيّدُ اللون ،
وجهُ المدى ، وسرير الحياة .
إنه قوة الاختراق
ولكنه لُجّة الشوق ، والاشتياق 
 
كل لونٍ يتوقُ إلى فُسحةٍ فوق أعطافهِ ،
يتمنى السكينة والارتخاء بأحضانهِ ،
يتمنى الوفاقْ 
 
أزرقٌ .. والمُراد الوشاح الجميل ،
الذي يتمدد فوق شواطئنا كلِّها ،
ويرصِّعُ أقدامنا لؤلؤاً ومحارا.
 
أزرقٌ .. والحديث ، حديث العيون ،
هل حَلُمتَ بشقراء ترفُلُ في الأزرق المتلألئ ؟
ماذا وجدتَ بِزُرقةِ أحداقها ،
وهى ترنو إليك … ؟
 
ألاَ .. إنَّهُ الإ فتقارُ.......
إلى الآخرين 
1/6/2001م

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الكريم الشويطر

avatar

عبد الكريم الشويطر حساب موثق

اليمن

poet-Abdulkarym-al-showaiter@

169

قصيدة

20

متابعين

الاسم: د/ عبد الكريم عبد الله الشويطر تاريخ الميلاد: ٢٤ يوليو ١٩٥٠ الحالة الاجتماعية: متزوج، أب لأربعة أبناء وثلاث بنات التعليم: تلقى علومه الأساسية في مدينة إب، والمرحلة الثانوية في القاهرة وتعز. رُشح لدراسة العلوم ...

المزيد عن عبد الكريم الشويطر

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة