فِي غِيَابِكِ،تَهُبُّ الرِّيَاحُ عَلَى جُدْرَانِ قَلْبِي،تَرْمِي أَفْكَارًا تَتَكَسَّرُ كَأَغْصَانٍ فِي عَاصِفَةٍ صَمْتَاءَ،أَيَّامٌ تَحْمِلُ الصَّدَأَ فِي ثَنَايَاهَا كَجُرْحٍ يَتَنَفَّسُ.
عِنْدَمَا تَبْتَعِدِينَ،تَصِيرُ الْمَسَافَاتُ أَقْفَاصًا تَحْتَضِنُ الْهَوَاءَ،كَنَجْمَةٍ تَرْتَجِفُ فِي عَيْنَيْكِ،تَهْوِي فِي ظِلِّ لَيْلٍ لَا يَرَاهَا.
وَغُرْبَةٌ تَسْكُنُ خُطَايَ عَلَى أَرْضٍ تَصْفَعُنِي،ظِلٌّ يَرْقُصُ أَمَامِي كَذِكْرَى لَا تَعْرِفُنِي،يَغْسِلُنِي الْبُعْدُ بِمَاءِ الرَّمَادِ،أَمْ يَرْمِينِي فِي بَحْرٍ تَأْكُلُهُ أَمْوَاجُهُ؟
أَنْتِ الصَّمْتُ الَّذِي يَكْمُنُ فِي صَدَى الرِّيَاحِ،وَصَوْتٌ يَهْمِسُ فِي حَجَرٍ يَحْمِلُ أَنِينَ الْجُدْرَانِ،كُلَّمَا اقْتَرَبْتُ،تَبَاعَدَتْ رُوحِي كَطَيْرٍ يَرَى سَمَاءَهُ فِي قَفَصٍ،أَجْرَاسٌ تَرِنُّ فِي لَيْلٍ أَصَمَّ،تَذُوبُ فِي تُرَابٍ يَبْكِي صَمْتَهَا.
أَتُرَى الصَّمْتُ نَبْضٌ سَرَقَتْهُ الْحِيطَانُ،أَمْ أَنَا ظِلٌّ يَسِيرُ فِي دَائِرَةِ الرِّيحِ؟وَالضَّيَاعُ يَنْبُتُ كَشَجَرَةٍ بَيْنَ الْعُرُوقِ،كَلِمَاتٌ تَسْقُطُ كَأَوْرَاقٍ تَحْتَرِقُ بِلَا نَارٍ،أَتَكَسَّرُ الْحَيَاةُ كَحُلْمٍ فِي يَدِ الرَّمَادِ؟
زُجَاجٌ مَكْسُورٌ يَرْسُمُ وَجْهًا تَاهَتْ أَغْصَانُهُ،حِينَ أَبْتَعِدُ،يَصِيرُ الدَّرْبُ ظِلًّا يَفْتَرِشُ الْغُبَارَ،أَمْ أَقْتَرِبُ مِنْ ضَوْءٍ يَحْرِقُنِي بِصَمْتِهِ؟
أَسْمَاءٌ تَهْوِي كَرَمَادٍ فِي لَيْلٍ يَأْكُلُ نَجْمَهُ،لَكِنْ فِي سُكُونِكِ،تَنْبَثِقُ الذَّاتُ كَنَبْضٍ مِنْ ظِلٍّ يَتَنَفَّسُ،كَحَمَامَةٍ تَرَى جَنَاحَيْهَا فِي رِيحٍ تَحْمِلُ جُرْحَهَا.
حَطَامٌ يَنْثُرُ نَفْسَهُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَظِلِّ الْغُبَارِ،كُلَّمَا رَحَلْتِ،نَمَتْ حَدِيقَةٌ مِنْ ظِلالِ الْفَرَاغِ فِي الصَّدْرِ،أَسْقُطُ فِي بَحْرٍ تَرْقُصُ أَمْوَاجُهُ بِلَا سَفِينَةٍ،
ظِلُّ حُلْمٍ أَطَارِدُهُ كَطَائِرٍ بِلَا أَجْنِحَةٍ،وَالْأَرْضُ تَبْتَلِعُ خُطَايَ كَذِكْرَى تَحْتَرِقُ،مِنْ دَارٍ ذَابَتْ فِي عَيْنِ الرِّيحِ،إِلَى زَمَنٍ يَرْقُصُ بِقَلْبٍ تَاهَ فِي ظِلِّهِ،نَبْضَةٌ تَسْكُنُ بَيْنَ أَنْفَاسِ الْمَوْتِ،جُرْحٌ يَرَى نَفْسَهُ فِي عَيْنَيْكِ،
وَمَكَانٌ يَصْرُخُ بِصَمْتِ النَّبْضِ،أَسْأَلُ:الْفَقْدُ ظِلٌّ يَرْسُمُ الرُّوحَ فِي الْهَوَاءِ،أَمْ حُلْمٌ تَنَفَّسَتْهُ الرِّيَاحُ؟أَنَا رِيحٌ تَحْمِلُ أَنْفَاسَهَا إِلَى الْفَرَاغِ؟تَرَيْنَنِي بَعِيدًا،وَأَحْتَرِقُ فِي تُرَابٍ يَرْقُصُ بِظِلِّ النَّارِ،أَقِفُ هُنَا،فِي غِيَابٍ يَنْبُتُ كَجَبَلٍ مِنْ رَمَادٍ،أَنْتَظِرُ طَرِيقًا كَطَائِرٍ يَحْنُو إِلَى جَنَاحٍ ضَاعَ فِي ظِلِّ الرِّيحِ.
89
قصيدة