فاضَتِ الأرواحُ شوقًا كلّما

نَظَرَتْ حتّى ولَوْ لَمْ تَنْطِقِ

كعبةُ الحسنِ ومحرابُ الهدى

قبلةُ الدين ونهجُ المُتّقي

………

مهبطُ الوحي وآياتُ المُنَى

وأمانُ الخاشعِ المعتَكِفِ

فَضلَتْ بالحسنِ أقمارَ الدجى

في الليالي الغُرِّ في المنتصَفِ

حارتِ الأوصافُ فيها والسمى

كلما قلتَ ومهما تَصِفِ

… ..

دعْكَ مِنْ ألْحاظ معسولِ اللمى

أحورِ الطرفِ وطولِ العُنُقِ

إنّما ذاك شجونٌ وهوى

وهيامٌ لمراضِ الحَدَقِ

………

ربّما تبصرُ ما لستَ ترى

من جمالٍ وبهاءٍ قُدُسِ

لم يكن إلا مِنَ الخلدِ أتى

لا منَ الشام ولا الأندُلُسِ

ذكره قد طاف بالنفس كما

طاف بي الشوقُ بحرِّ الأنفُسِ

……

أهِ ما أجملَهُ آهٍ ومَا

أصعبَ الوصلِ الذي لم يُطَقِ

يا لحظي حين أمضي محرما

بركابِ الحجِّ يا للأَلَقِ

………

يمّموا السيرَ إلى البيتِ خُطى

مكّةَ الغراءِ أرضِ الحَرَمِ

وأتوا شُعثًا وغُبرًا غُرَبا

فُقَرا بينَ يدَيْ ذي النِّعِمِ

فمتى الوصلُ أيا أمّ القُرى

ياحياضَ الجودِ بينِ الأمَمِ

…… ..

هيّجَ الحجّاجُ قَلْبِي عنْدَما

بَلَغوا البيت ولَمْ ألْتَحِقِ

ما عسى المرء الذي مثلي غدا

مثقلاً ما لم يجِدْ باللَّحِقِ

…… ..

بذنوبٍ ليس يحصيها سوى

خالقي ذو العفو والمغفِرَةِ

علّ ذا المذنبَ هذا الآثما

تائبٌ فَرّ مِنَ المعصِيَةِ

فيتوبُ الله عنهُ طالما

وهْو حولَ الكعبةِ المكْرَمةِ

……… .

لاعَنِي الشوقُ وأعياني الظَّمَا

عرّجوا بِي نحو خيرِ الطّرُقِ

أخْمِد الشوقَ بِرَيٍّ زمْزَما

حبذا الريّ الذي منهُ سُقِيْ

…… ..

رُبّ سُقيا بين مروٍ والصّفا

كانتِ الروحَ وراحَ البَدَنِ

ومبيتٍ بمنًى أرخى الكرى

وأرى الجفنَ لذيذَ الوَسَنِ

قلْ لمن راحوا وباتوا بمنى

كيف بالصّبِّ المشوقِ الشَّجِنِ

……… .

وبذي الوجدِ إذا جنَّ الدُّجى

هل طوى الليلَ بزوغُ الفَلَقِ

هل أتى مِنْ عرفاتٍ ما أتى

مِنْ عبيرِ الإقحوانِ العَبِقِ

…… .

(شعّتِ الأكوانُ وانجاب العمى)

في ليالٍ لا يواريها ظلامْ

عشرُ أيامٍ كراماتُ هُدى

عدّها الله لتهذيب الأنامْ

هُنَّ كالغيث إذا الغيث همى

من لك اليوم وبالغيث المُرَامْ

… ..

خيرُ أيّامِ البَرَايَا والورى

بالمزايا والعطاءِ الغَدِقِ

بلياليها تعالى أقسما

قسَمًا نصّ بأهدى الوَرَقِ

……

لعظيمٍ لم يكن يخفى على

أحدٍ يتلو بديْعاتِ السُّوُرْ

أو أحاديثَ النبي المصطفى

ما ابْنُ عبّاسٍ روى وابنُ عُمَرْ

وكفى المرء بها خيرًا ترى

حجّةُ البيتِ وتقبيلُ الحجرْ

…… ..

حجّةٌ مبرورةٌ يُمحا الخطا

إثرها ما لم يُحَط بالغَرَقِ

حجةٌ تطفي الْتِيَاعاتِ الحشى

ولَظَا السُّهْدِ وداءَ الأرقِ