عدد الابيات : 50
أَلَا يَا نَسِيمَ الْفَجْرِ هَلَّا تُخْبِرُ
عَنِ الْأَرْضِ حِينَ الشَّوْقِ فِيهَا يَتَفَوَّرُ
وَعَنْ زَهْرِهَا إِذْ طَابَ فِيهِ نُضَارُهَا
وَعَنْ طَيْرِهَا إِذْ غَنَّتِ بِعَزْفِ الْأَوْتَرُ
فُصُولُ الْحَيَاةِ تَسْتَفِيقُ كَأَنَّهَا
خَيَالٌ بَدَتْ فِي الْحُسْنِ وَهْيَ تَدُورُ
رَبِيعُ قُلُوبٍ يَجِيءُ بِالْبَهَاءِ كَأَنَّهُ
مَلَكٌ عَلَى سِحْرِ الْأَلْوَانِ جَاءَ يَطِيرُ
وَصَيْفٌ تُنَادِيهِ السَّمَاءُ بِعَطْفِهَا
إِذَا الشَّمْسُ فِي كَبِدِ الْفَضَاءِ تَسِيرُ
وَخَرِيفٌ إِذَا مَا الْحُزْنُ صَاغَ قَصِيدَةً
تُغَنِّي بِهَا أَوْرَاقُهُ وَتُبْنَى بِالْحَرْفِ جُسُورُ
وَشِتَاءٌ يُسَامِرُ فُؤَادَنَا بِمَوْجٍ عَاتِمٍ
يَبُوحُ بِأَلْقٍ بِهِ الْبَرْدُ الثَّقِيلُ يُدِيرُ
أَلَا قِفْ عَلَى الْأَطْلَالِ وَارْوِ الْمَشَاعِرَ
بِذِكْرَى تُعِيدُ الْقَلْبَ شَوْقًا وَتُبْهِرُ
فَهَاهِيَ رُوحُ الْأَرْضِ تَجْلُو سِرَارَهَا
وَتَكْشِفُ عَنْ أَسْرَارِهَا حِينَ تُزْهِرُ
رَبِيعٌ يَفِيضُ الْحُسْنُ فِي كُلِّ غُصْنِهِ
كَأَنَّ السَّمَاءَ تَرْتَدِي ثَوْبَ أَخْضَرَ
وَطَيْرٌ يُغَنِّي فِي الْفَضَاءِ كَأَنَّهُ
مَلِيكُ النَّدَى يُحْيِي الْغُصُونَ يَأْمُرُهُ
فَتَنْبُتُ فِي الْأَحْلَامِ أَلْفُ مَلَذَّةٍ
وَتَسْرِي بِرُوحِ الْكَوْنِ نَسَمَاتُ أَطْهَرُ
إِذَا مَا الرَّبِيعُ لَاحَ فِي كُلِّ زَهْرَةٍ
فَإِنَّ السَّنَا مِنْ نُورِ سَنَائِهِ يَتَكَسَّرُ
وَيَأْتِي الصَّيْفُ شَمْسًا تُزِيحُ خُمُودَهَا
فَتَرْقُصُ أَرْضُ الْكَوْنِ وَالْعُمْرُ يَزْهَرُ
وَتَلْمَعُ فِي الْأُفْقِ السَّمَاءُ كَأَنَّهَا
عَرُوسٌ بِهَا الْإِشْرَاقُ لِلرُّوحِ يُسْحِرُ
وَيَأْتِي الْخَرِيفُ فِي حَنِينٍ كَأَنَّهُ
بُكَاءُ الْمَسَاءِ الْحُلْوِ يَسْرِي وَيَسْخَرُ
وَتَسْقُطُ أَوْرَاقُ الْحَيَاةِ وَكَأَنَّهَا
دُمُوعُ الْقُلُوبِ تَحْتَ شَوْقٍ مُكَدَّرُ
وَيَسْكُنُ لَيْلُ الْكَوْنِ فِي صَمْتِ هَيْبَةٍ
كَأَنَّ النُّجُومَ السُّّمْرَ تَحْكِي وَتُخْبِرُ
وَيَسْرِي شِتَاءٌ فِي الْجِبَالِ كَأَنَّهُ
مَوَاوِيلُ طَيْفٍ فِي الضِّيَاءِ تُدَثِّرُ
ثُلُوجٌ تُعَانِقُ الْقِمَمَ بِنَصْعَةٍ
كَحُلْمٍ تَمَايَلَ فِي الْحَنَايَا وَأَسْحَرُ
وَيَجْرِي نَهْرُ الْبَرْدِ يَحْكِي مَلَاحِمًا
كَأَنَّ الْوُرُودَ النَّائِمَاتِ بِرُوحِي تُثَوِّرُ
فَتَرْتَاحُ رُوحُ الْعَاشِقِينَ لِعَطْفِهِ
وَيَحْضُنُ شَوْقَ الْأَرْضِ شَمْسٌ تُؤَزِّرُ
فَيَا رَوْضَةَ الْأَزْمَانِ، صُورَةُ جَوْهَرٍ
بِهَا السِّحْرُ يَعْلُو وَاللَّهِيبُ يُقَرِّرُ
إِذَا مَرَّ طَيْفُ الرَّوْضِ فِي كُلِّ قَلْبِنَا
تَمَاهَتْ جُرُوحُ الْعُمْرِ تَنْسَى وَتُسْفِرُ
وَهَا أَنَا فِي حِضْنِ الْخُلُودِ مُتَيَّمٌ
بِشِعْرٍ يَفِيضُ فِي الْخَوَاطِرِ يَقْطُرُ
رَبِيعٌ وَصَيْفٌ، وَالْخَرِيفُ يُغَنِّي
شِتَاءٌ كَسِحْرِ الْمَوْجِ فِي لَحْنٍ يَزْهَرُ
فَمَا لِلْحَيَاةِ إِنْ جَفَّتْ بَعْضَ عِطْرِهَا
وَمَا لِلرُّوحِ إِنْ غَابَ بِهَا الشِّعْرُ
تَطُوفُ الْفُصُولُ فِي عَصِيرِ أَلْوَانِهَا
كَحُلْمٍ تَطَاوَلَ فِي الزَّمَانِ وَيُزْهِرُ
رَبِيعٌ يُغَطِّي الْوَرْدَ بِيُسْرِ عَطْفِهِ
وَيَصْحُو بِهِ الْوَادِي وَكَأَنَّهُ أَغْدَرُ
وَتَهْمِسُ أَغْصَانُ النَّدَى فِي صُدُورِهَا
بِأَلْحَانِ صَمْتٍ بِالْمَدَى وَيَتَكَسَّرُ
وَيَحْضُنُ قَلْبُ الطَّيْرِ بَوْحًا مُنَمَّقًا
يَفِيضُ بِهِ شَوْقٌ وَكَأَنَّهُ أَحْمَرُ
إِذَا مَا الْمَسَاءُ جَاءَ لَيْلًا يُحَادِثُهُ
فَإِنَّ الْغُرُوبَ بَسْمَةٌ تُسْتَكْثَرُ
وَيَلْمَعُ شُعَاعُ الْحُبِّ فِي كُلِّ جَفْنِنَا
وَتَنْبُضُ رُوحُ الْكَوْنِ شَوْقًا تُكَرِّرُ
وَيُغْرِي الْغُصُونَ الْعِشْقُ كُلَّ هَمْسَةٍ
فَتَرْقُصُ أَوْرَاقٌ وَكَأَنَّهَا تَسْحَرُ
وَيَمْتَدُّ شِرْيَانُ الْحَيَاةِ مُزَخْرَفًا
يَفِيضُ بِأَسْرَارٍ لِلْقَلْبِ وَيُدَبِّرُ
فَيَا قَلْبُ، غَنِّ فِي الْفُصُولِ مُجَدِّدًا
لُحُونَ الْحَيَاةِ، وَعَزْمَهَا الْمُتَسَطِّرُ
رَبِيعٌ يُنَاجِي الْوَرْدَ فِي حُلُمِ الصِّبَا
كَعِطْرٍ تَهَادَى فِي الْمَدَى يَتَبَخَّرُ
وَصَيْفٌ يُشِعُّ النُّورَ فِي كُلِّ مَلْمَحٍ
وَجَفْنُ السَّمَاءِ بِالضِّيَاءِ يُزْخَرُ
وَخَرِيفٌ يُدَاعِبُ الْأَرْضَ حَانِيًا
كَأَنَّهُ نَايُ الْحُزْنِ يَهْمِسُ وَيَعْبُرُ
وَشِتَاءٌ يَبُوحُ بِالْوُعُودِ وَكَأَنَّهُ
عِنَاقُ الْوَفَاءِ لِحُبِّ قَلْبٍ لَا يُكَدِّرُ
تَدُورُ الْفُصُولُ فِي الْحَيَاةِ كَأَنَّهَا
أَهَازِيجُ حُبٍّ فِي الْوُجُودِ تُكَرِّرُ
فَيَا مَنْ يُرَتِّلُ شِعْرَهَا فِي مَعَابِدٍ
تَسَامَى بِهَا قَلْبٌ وَفِكْرٌ مُطَهَّرُ
هَلِ الْحُبُّ إِلَّا أَنْ تَعُودَ مُتَيَّمًا
لِكُلِّ جَمَالٍ فِي الطَّبِيعَةِ تُعْذَرُ؟
فَيَا رَوْضَةَ الْأَزْمَانِ، شِعْرٌ تَفَتَّحَتْ
زُهُورُكَ فِي الْأَحْلَامِ بُعْدًا وَتَحْضُرُ
وَهَا أَنَا أَبْحَرْتُ فِي بَحْرِ أَحْرُفِي
وَجَدَّفْتُ فِي عِشْقِ الْحُرُوفِ أُسَطِّرُ
فَكُلُّ نَغِيمٍ فِي الْقَوَافِي مُعَانِقٌ
قَصَائِدَ شَوْقٍ فِي الْحَنَايَا تُثْمِرُ
فَتَابِعْ دُرُوبَ الشِّعْرِ يَا قَلْبُ، لَا تَزَلْ
تُعِيدُ مَزَامِيرَ الْجَمَالِ وَتُسْفِرُ
إِذَا أَقْبَلَ الرَّبِيعُ كَغُصْنٍ مُعَطَّرٍ
فَإِنَّ السَّلَامَ فِي الْأَنَامِ مُصَوَّرُ
وَيَأْتِي الْخَرِيفُ كَالْغُرُوبِ مُؤَرَّقًا
كَأَنَّ الْأَمَانِي فِي الْفُصُولِ تُبَشِّرُ
41
قصيدة