عدد الابيات : 32
هاتِ العُلومَ ونَعيّ عَنْ أَبْرَارِها
نَعيّ الفَطَاحِلَ وكُلُّ ذِي أَنْوَارِها
وانْهَضْ لَعَلَّكَ تَسْتَطِيعُ إنْقَاذِها
فَنَهْجَ الإنْحِطاطِ يُحيطُ عَلى مَقَامِها
فَهُنَاكَ تَحْتَضِرُ العُلومُ وتَخْتَفي
قُوَّةُ النُّبوغِ عَلَى سُمُوِّ أفكارِها
فِي كُلِّ بَادِرَةٍ وَكُلِّ قَضِيَّةٍ
تَزْدَادُ كَارِثَةٍ وأَوْجُ رَكاكَتِها
والجَهْلُ مَرْمُوقُ المَرَاتِبِ جالِسٌ
عَلَى الأَرَائِكِ والعُلا بِرِيَاضِها
فالدَّأْبُ أَعْوَجُ والمَهامُّ دَمِيمَةٌ
والسَّيْرُ أعْرَجُ والرِّيَاءُ مَسَارِها
والظُنُونُ سائِرَةٌ عَلَى أخْطَائها
باتِّجاهِ سَيْفِ جَهالَةٍ وسِهامِها
فأَشَدُّ مَا يَلْقَى الورى فِي أمْرِها
سَفْكُ الدِّماءِ ونُصْرَةُ طُغْيَانِها
سَائلْ بِها الأذْهَانَ تخْبركَ الَّذي
صارَ وبِئِسَ المَرْأَى في أَوْطَانِها
تَجَلَّى عَلَيْهَا القُبْحُ طُرًّا بَعْدَمَا
قَدْ هَزَّها الإقْبَالُ على إغْفَالِها
غَرَبَتْ بَوَادِرُ ضَوْءِها مِنْ بَعْدِ ما
قَدَّمَتْ رَفِيقَ الجَهْلِ في إصْلاحِها
والخَسْفُ يَملأُ شَأْنَها كَأَنَّمَا قَدْ
أَصْبَحَ عَصْرَ الظَّلامِ نُورَ آفَاقِها
تَجَرَّعَتْ فيهَا النَّفْسُ وَيْلَ مُرادِها
عَيْشًا يَخُطُّ السَّوادَ فَوْقَ بَياضِها
مِنْ كُلِّ مَنْصِبَ أَوْ نُفُوذٍ رَفيعٍ
مَصْدَرُ للنَّكَباتِ في أَعْمَاقِها
قَدْ عابَها ما كَانَتْ تَمْدَحُ بَعْدَمَا
دَهَسَ اليَمِينَ وَمَرَّ على أَحْلاَمِها
كَأَنَّ ارْتِفَاعَ الجَهْلِ في مَقاماتِها
زَئيرُ أُسُودٍ أَوْ وَحِيدُ مَآرِبِها
والهَدْمُ يَتَخَلُّلُ العُقولَ بِفَتْكِهِ
ويَجُرُّها بِطَريقِهِ إلى فَسادِها
أسْتَنْكِرُ المَشْهَدَ الألِيمَ فَإِنَّني
رَأَيْتُ في هَذا الحالِ بَقائِها
فَغَدَوْتُ أتأمَّلُ الأَحْوالَ مُتأسِّفا
والعُمْرُ يَذْهَبُ في تَقَلُّصِ رِحابِها
يَتَضَارَبُ عَقْلي كُلَّما تَجَمَّلَتْ لَهُ
وتبدَّى إِلَيْهِ التَخَلُّصُ مِنْ أغْلَالِها
سايَرْتُها ورَأَيْتُ خَلْفَ طِبَاعِها
دَوَامَ صَفْوٍ صِفْرُ في رُوَائِها
تَقَلَّبَتْ تَجُرُّ الإنْسُ خَلْفَ مُرورِها
وظَلَّتْ تَزُجُّ النُّفوسُ في أعْطَابِها
كُلَّما تَمَيَّزَتْ فيها سِماتٌ تَشَوَّهَتْ
وغَطَّى الجَهْلُ نُورَ جَمالِها
وبَعْثَرَتْ بَيْنَ قُلُوبِ صُروفِها
فَغَدَتْ تَلْعَبُ بِصِغَارِها وكِبارِها
في غَفْلَةٍ تَعَدَّدَتْ فِخاخُ طَريقِها
مَشَتْ إلَيْها الأقْوَامُ في نِسْيانِها
تَرَكَتْ خَلْفَها العِلْمُ وفِعْلَ مَصَالِحٍ
يَنْتَظِرْنَ بِالأوْطَانِ جَلْبَ صَلاحِها
والغَيْظُ تَنْشُرُهُ التَّوَافِهُ كُلَّما
ضَجَّتْ ثَعَالِبها تَأَهَّبَ ضِباعِها
ماذا هُنَالِكَ قَدْ جَرَى بِازْدِهارِها
بُطْلٌ جَثَمَ على صَدْرِ مَسارِها
لا الصَّادِقُونَ يَلْقَوْنَ فيها تَحَسُّنا
أَوْ بَلَغَ المَاكِرِينَ شَأْوَ صَفاءِها
واجْلِبْ حُماةَ الدِّينِ في هَيْئاتِها
أنِّي رَأَيْتُ القَوْمَ دونَ سِماتِها
وقُلْ لِظالِمِ العُلومِ في مَيْدانِها
وَيْلاً إِلَيْكَ فَلَسْتَ مِنْ حُفَّاظِها
4
قصيدة