عدد الابيات : 45
وَجْدٌ يُصَوِّتُ فِي الآفَاقِ وَالجُّرَرُ
مِنْ دَفْقَةِ الحُبِّ، مِنْ لَحْنٍ، وَمِنْ شَجَنٍ
مِنْ دَمْعَةٍ فِي جَنَاحِ الشَّوْقِ تَنْحَدِرُ
أَنْشُودَةٌ نَسَجَتْهَا الرُّوحُ مُلْتَهِبًا
وَفِي المَعَانِي طُيُوفُ العِشْقِ تَنْتَشِرُ
هَذِي “سَارَةٌ”… وَفِي الأَحْرُفْ سَفِينَتُهَا
وَالشِّعْرُ يَخْرُجُ مِنْ خَدْرِ اللُّغَى خَفِرُ
فِي هَدْبِكِ الْغَضِّ بَرْقٌ لَا يُطَاوِلُهُ
سَيْفٌ، وَلَا خَنْجَرٌ فِي حِدَّةِ النَّظَرُ
سَارَةُ، يَا نُورَ عَيْنِي إِنْ تَبَسَّمَتْ
نَامَ الْوُجُودُ وَسَهْدِي رَاحَ يَسْتَطِرُ
يَا زَهْرَةً فَتَحَتْ فِي اللَّيْلِ أَجْنِحَةً
مِنْهَا الْعَبِيرُ إِذَا نَادَيْتُ يَنْهَمِرُ
مَاذَا جَنَيْتُ؟ سِوَى وَجْدِي إِذَا رَمَقَتْ
عَيْنِي، فَذَابَ الْحَنِينُ الْمُسْتَكِنُّ شِعرُ
إِنْ قَالَتِ الرِّيحُ: سَارَةُ مَرَّتْ عَطِرًا
قَامَتْ طُيُوفُ الْمَدَى مِنْ نَشْوَةِ الْعِطْرُ
إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فِي عَيْنَيْكِ ضُحًى
وَإِنْ أَتَى اللَّيْلُ، فِي هَدْبَيْكِ يَنْحَدِرُ
لَا تَحْسَبِي الصَّمْتَ ضَعْفًا مِنْ مُحِبِّكِ
ذَاكَ احْتِرَاقُ فُؤَادٍ فِي دُجَى السَّحَرُ
كُلُّ اللُّغَاتِ سُكُوتٌ حِينَ أَذْكُرُهَا
وَكُلُّ حَرْفٍ بِذِكْرَاكِ ارْتَدَى الْقَدَرُ
يَا سَارَةَ الْقَلْبِ، إِنِّي مَا حَيِيتُ هَوًى
إِلَّا هَوَاكِ... فَكُونِي النُّورَ وَالْبَصَرُ
يَا سَارَةَ الْوَجْهِ، كَمْ بِالْحُسْنِ مِنْ خَجَلٍ
وَكَأَنَّ خَدَّكِ غَيْمٌ مُوشِكُ الْمَطَرُ
وَالشَّعْرُ... مَاذَا عَسَى قَوْلِي يُصَوِّرُهُ؟
لَيْلٌ مِنَ الْوَرْدِ أَمْ بَحْرٌ مِنْهُ الدُّرَرُ
تَسْقِي الدُّجَى إِنْ مَرَرْتِ الْحُسْنَ قَافِلَةً
تَغْفُو الْجِرَاحُ، وَيَصْحُو الْوَرْدُ وَالزَّهَرُ
يَا بِنْتَ مَنْ خُلِقَتْ بِالْحُسْنِ مُفْرَدَةً
مِنْهَا الْقَصَائِدُ سِحْرًا لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ
مَا كُنْتُ أَهْوَى، وَلَكِنْ حِينَ أَبْصَرْتُهَا
ضَاعَ الضَّمِيرُ، وَغَابَ الْعَقْلُ فِيهِ السَّفَرُ
هِيَ لَيْسَتْ كَالنِّسَاءِ... الشِّعْرُ يَخْجَلُ
أَنْ يَسْمُوَ إِلَيْكِ، وَإِنْ يَغْتَرِفِ الْقَمَرُ
إِنْ قُلْتِ: "أُحِبُّكِ"، ارْتَجَّتْ مَجَرَّتُنَا
وَاشْتَقَّ صَوْتِي إِلَى نَجْوَى بِلَا وَتَرُ
وَسَكَبْتِ فِي أَضْلُعِي نَارًا مُؤَجَّجَةً
فَانْهَارَ قَلْبِي وَلَمْ يَنْهَرْ عَلَيْهِ الْخَطَرُ
هَذِهِ سَارَةُ.. فِي الْعُيُونِ قِصَّةٌ
وَفِي الْقُلُوبِ لَهَا الْحُبُّ الْمُعَمَّرُ
تَسِيرُ فِي الحُسنِ أَفْلَاكٌ مُهَيْمِنَةٌ
وَفِي خُطَاهَا سُرَجُ الشَّوْقِ تَسْتَعِرُ
وَإِنْ دَعَاهَا الجَمَالُ الفِكْرُ مُنْصَدِرٌ
عَنِ اللُّغَاتِ، بَهَا يُسْتَشْرَفُ البَصَرُ
مَا الحُبُّ إِلَّا حُرُوفٌ مِنْكِ نَاطِقَةٌ
وَمَا الهَوَى غَيْرُ صَوْتٍ فِيكِ يُقاهِرُ
وَالنَّفْسُ إِنْ رَامَتِ التَّأْمِيلَ مُشْتَعِلَةً
فَسَارَةُ الحُلْمِ، وَالتَّأْمِيلُ يَنْتَصِرُ
قَدْ قِيلَ فِي الحُبِّ إِفْرَاطٌ وَمُعْتَدِلٌ
وَمَا اعْتَدَلْنَا، وَلَا فَرَّطْنَا فِيه الخَطَرُ
أَنْتِ انْبِهَارُ العُيُونِ السَّاهِرَاتِ، وَمَا
كُنَّا نُجَازِي جَمَالَكْ، لَوْ دَفَعْنَا العُمُرُ
كُلُّ المَوَاجِيدِ قَامَتْ حِينَ أَبْصَرَتِ
فِي هَيْئَتِكْ أُنُوثَاتٌ لَهَا أَثَرُ
وَالْحُسْنُ، يَا فَاتِنَةَ النَّبْرَاتِ، مُنْفَرِدٌ
فِيكِ، الوُجُودُ عَلَى عِطْرِكِ مُؤْتَزِرُ
كُنْتِ المُنَادَى إِذَا مَا الْعِشْقُ أَطْرَبَنَا
وَكُنْتِ فِي نَغَمِ الآهَاتِ تُشْتَهَرُ
يَا كَامِلَةَ الحُسْنِ، إِنْ رُمْنَا تَشَبُّهَكِ
تَاهَ البَيَانُ، وَضَاعَ النَّظْمُ وَالفِكَرُ
إِنْ جَاءَ ذِكْرُكِ، عَطَّرْنَا المَدَى طَرَبًا
وَانْهَالَ مِنْ فَوْقِنَا الأَمْلَاسُ وَالدُّرَرُ
لَا الشَّمْسُ تُدْرِكُ نُورًا فِيكِ نَافِذَةً
وَلَا القَمَرْ فِي مَدَاهُ يُلْقِطُ النَّظَرُ
فِي لَحْنِ صَوْتِكِ أَنْسَامٌ مُرَجَّعَةٌ
تَهِيمُ فِي أُذْنِ مَنْ يَصْغِي وَيَسْتَمِرُّ
يَا رَقْرَقَ الْمَاءِ فِي لَحْنِ الحَيَاةِ، وَيَا
سِرَّ المَدَى، وَبَهَا الأَفْلَاكُ تَنْبَهِرُ
كُنْتِ السَّنَا، فَإِذَا أَظْلَمْتِ فِي نَظَرِي
أَمْسَى الْبَهَاءُ، وَذَابَ النُّورُ وَالْبَصَرُ
هَذِي المَلَامِحُ، لَا تُوصَفْ، فَفِي خَفَرٍ
يَهِيمُ قَلْبِي، وَفِي سِرِّي يَسْتَعِرُ
إِنِّي رَأَيْتُكِ وَالأَكْوَانُ مُنْصَدِعَةٌ
تَهْوِي جِبَالٌ، وَيَرْتَاعُ الَّذِي حَذِرُ
مَنْ أَنْتِ؟ كَيفَ سَكَنْتِ الرُّوحَ مُرْتَقِيَةً
وَكَيْفَ أَصْبَحْتُ فِي عَيْنَيْكِ مُنْكِسِرُ؟
أَنْتِ الدُّعَاءُ، وَفِي أَكْنَانِ مُهْجَتِنَا
تَجْرِي المَعَانِي وَفَوْقَ الحُبِّ تُفْاخِرُ
قَدْ قِيلَ: فِي الحُبِّ تُبْنَى دَارُ قَافِيَةٍ
تَسْقِيهِ “سَارَةُ” حَتَّى يَخْضَرَّ وَالشَّجَرُ
وَهَاكَ قَلْبِي، عَلَى شُرْفَاتِ قَصْرِكِ لَا
يَرْجُو سِوَاكِ، وَلَا يُغْرِيهِ مُنْتَظَرُ
خُذِي اللِّيَالِيَ وَالأَيَّامَ، وَاغْتَرِفِي
مِنِّي المَنَادَى، فَإِنِّي العِشْقُ وَالفِكَرُ
وَاخْتِمْتُ قَوْلِي، وَكُلُّ الحُبِّ مُنْكَبِرٌ
عَلَى جَمَالِكِ، وَالإِحْسَاسُ يَتَفَّجَرُ
81
قصيدة