الديوان » عمار شاهر قرنفل - الرحال » معلقة الوجد والغرام

عدد الابيات : 211

طباعة

أَمِنْ دِيَارٍ بِسَفْحِ الرَّبْوِ لَمْ تُكْلَمِ

تَسْفُو الرِّيَاحُ بِهَا وَتَسْفَكُ الدِّيَمِ

أَطْلَالُهَا بَيْنَ الرُّبَى مَخْشُوشِنَةٌ

كَأَنَّهَا وَشْمٌ بِكَفِّ مُعَصَّمِ

بِهَا الظِّبَاءُ تَخُطُّ فِي الرَّمْلِ أَثَرَهَا

وَتَرْتَعُ الْوُحُوشُ فِي سُهُولٍ وَأَكَمِ

وَقَفْتُ فِيهَا بَعْدَ عِقْدَيْنِ مُتَّكِئًا

أَتَأَمَّلُ الْأَثَافِيَّ وَالنُّؤْيَ الْمُفَدَّمِ

فَقُلْتُ: سَلَامًا أَيُّهَا الرَّبْعُ وَانْعَمِ

فَإِنَّ فِي ذِكْرَاكَ شَجْوًا مُتَلَدِّمِ

أَيْنَ الظَّعَائِنُ الَّتِي كُنَّا نُرَافِقُهَا

فِي السَّحَرِ الْبَاكِرِ وَالْفَجْرِ الْمُسَلَّمِ

يَجْتَازْنَ الْوِدْيَانَ وَالْقِفَارَ مُتَّجِهَاتٍ

نَحْوَ الْمَجْدِ وَالْعِزِّ وَالْفَخْرِ الْمُرَصَّمِ

عَلَيْهِنَّ مِنْ ثِيَابِ الْفَخْرِ زِينَةٌ

تَلُوحُ كَأَنَّهَا النُّجُومُ فِي الظُّلَمِ

يَسِرْنَ فِي الْبَيْدَاءِ كَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ

تَخْطُفُ الْأَبْصَارَ بِجَمَالٍ مُتَرَسِّمِ

فَأَيْنَ أَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ الْوِدِّ وَالْوَفَا

هَلْ تَرَكْتُمُ الْحَبَّ وَالْعَهْدَ الْمُحَكَّمِ؟

أَأَثَرٌ لَدَيْكَ بُعَيْدَ عَهْدٍ مُكَلَّمِ

بِرَوْضِ الْحُجُونِ الْمُشْرِفِ الْمُتَرَجَّمِ

وَسَفْحٌ تَرَقَّى فَوْقَهُ الطَّلَلُ الَّذِي

كَخَطِّ يَدٍ بَيْنَ الْجُدُودِ الْمُنَمْنَمِ

تَرَاهُ الْمَهَا وَالْعِيسُ مَشْيًا بَيْنَهُمْ

كَأَنَّ الطُّلُولَ قُبُورُ قَوْمٍ بِالْأَشَمِّ

وَوَقْفَةُ مُرْتَادٍ تَوَارَى طَيْفُهُ

عَلَى مَرْقَدٍ أَمْسَى الزَّمَانُ بِمُظْلِمِ

وَمِجْمَرَةٍ قَدْ كَانَ فِيهَا أَهْلُنَا

فَبَانُوا، وَغَاضَ النُّورُ مِنْ جَمْرِ مَيْسَمِ

وَحِينَ اسْتَبَنْتُ الرَّبْعَ قُلْتُ مُخَاطِبًا

سُقْيًا لِدَارٍ قَدْ غَدَتْ كَالْمُحَرَّمِ

أَتَدْرِي خَلِيلِي أَيْنَ سَارَتْ رِفَاقُنَا؟

لَعَلَّ الرُّبَى تَأْوِي مَلَامِحَ مُرْغَمِ

رَكِبْنَ النَّجَائِبَ مُخْمَلَاتٍ غَضَابِقٍ

وَقَرَّنَ الْمَطِيَّ بِخَيْطِ دَمْعٍ مُتَهَدِّمِ

لَهُنَّ بَرِيقٌ فِي الْعُيُونِ كَأَنَّهُ

سِجَالُ الْمُنَى فِي لَحْظِ عَيْنٍ مُتَيَّمِ

خَرَجْنَ كَبَدْرٍ فِي سَوَادِ دُجَاهُهُ

يُنَازِعُ فِكْرَ الْعَاشِقِ الْمُتَعَلِّمِ

أَخَذْنَ مَسَالِكَ الْعَقِيقِ وَسِحْرُهُ

يُضِيءُ كَحُلْمٍ فَوْقَ مَاءٍ مُبَسَّمِ

وَجُزْنَ الْجِبَالَ الْغُرَّ مِنْ بَعْدِ شُعْبَةٍ

إِلَى مَسْلَكٍ مَحْفُوفِ سَهْلٍ وَأَكَمِ

وَمِنْ بَعْدِهَا السَّوْبَانُ فَانْهَلَّ وَابِلٌ

عَلَى كُلِّ مَدْمُومٍ بِلَوْنٍ مُعَصَّمِ

فَكَأْسُ الرَّدَى فِي كُلِّ دَارٍ أَقَامَهَا

غُبَارٌ كَمِسْكٍ فَوْقَ صَخْرٍ مُهَدَّمِ

وَإِذْ وَرَدَتْنَ الْمَوْرِدَ الْعَذْبَ شِرْبُهُ

فَمِنْهُنَّ مَنْ جَفَّتْ وَمِنْهُنَّ مَنْ ظَمِي

وَحِينَ بَدَا الْحَاضِرُ الْجَافِي كَسَائِمٍ

أَبَى الْأُنْسُ إِلَّا أَنْ يُخَالِطَ مَأْتَمِي

وَهَذَا ابْنُ مُرَّةَ قَدْ أَطَارَ غَضَابَهُ

فَكَانَتْ لَهُ سَيْفَ الْمَنِيَّةِ فِي فَمِ

فَحَلَّفْتُ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَنُورِهِ

وَكُلِّ خُطًى مِنْ آلِ جُرْهُمَ فِي الْحَرَمِ

لَقَدْ كُنْتُمَا يَا سَيِّدَيَّ مِثَالَنَا

لِكُلِّ خَلِيلٍ فِي الْوِدَادِ الْمُنَعَّمِ

أَقَمْتُمَا بَيْنَ الْبُيُوتِ كَأَنَّمَا

بُنِيتُمَا فَوْقَ الْوَفَاءِ الْمُحَكَّمِ

جَلَائِلُ فَخْرٍ فِي ذُرَى الْعِزِّ مَغْنَمِ

وَمَنْ رَامَ مَجْدًا خَالِصًا فَهُوَ أَعْظَمِ

تَوَارَثَهُ الْقَوْمُ الْكِرَامُ كَأَنَّهُ

ذُخَارُ السَّمَا مَسْجُورُ مَزْنٍ مُخَيَّمِ

تُجَبَّرُ فِيهِ الْجُرْحُ حَتَّى كَأَنَّهُ

سَنًا النُّورِ فِي حُنْدُسِ اللَّيْلِ مُعْتِمِ

وَتَجْزِي جُرُوحَ الْحَرْبِ مَنْ لَيْسَ آثِمًا

بِمَا لَمْ يُجَرِّبْ سَيْفَهَا الْمُتَقَدِّمِ

يُغَرِّمُ قَوْمٌ قَوْمَهُمْ بِصَرَامَةٍ

وَلَمْ يُهْرِقُوا سَفْكًا بِعَيْنٍ أَسْحَمِ

فَمَنْ لِذُبْيَانَ الْحِلْفِ يُبْلِغُ نَصِيحَتِي

وَيَقْرَعُ أُذْنَ الْحِلْمِ فِي الْحَرْبِ الْمُرْغَمِ

أَقْسَمْتُمُو لَفْظًا عَلَيْهِ شَوَاهِدُ

فَلَا يَخْفِ مَا تُضْمِرُ الصُّدُورُ الْمُتَكَتِّمِ

فَمَهْمَا تَكْتُمُوا فَاللَّهُ يُظْهِرُهُ

وَمَا غَابَ عَنْ عَيْنِ الْخَبِيرِ الْمُحَكَّمِ

وَيُكْتَبُ فِي السِّجِلِّ بَيِّنًا نَصُّهُ

فَيُجْزَى بِيَوْمِ الرُّعْبِ أَوْ يُنْتَقَمِ

وَمَا الْحَرْبُ إِلَّا نَارُهَا حِينَ تُوقَدُ

تَكَشِّرُ عَنْ نَابٍ كَلَيْثٍ مُضَيَّمِ

إِذَا هِجْتُمُوهَا عَادَتِ الْعَارَ كَيْدَهَا

تُؤَجِّجُ فَتُحْرِقُ كَالْمُسِيلِ الْمُجَشَّمِ

تَدُورُ عَلَيْكُمْ كَالرَّحَى فِي ثِقَالِهَا

وَتَلْقَحُ دَاهِيَةً تُوَالِدُ مِنْ جَحِمِ

فَتُنْتِجُ نَسْلًا لَيْسَ فِيهِ مُبَشِّرٌ

كَأَحْمَرِ عَادٍ سَوْطُهُ غَيْرُ مُرْحِمِ

وَتُغْدِقُ أَرْزَاقًا تُضِلُّ أَهْلَهَا

كَقُرَى الْعِرَاقِ لِابْنِ حَرْبٍ مُغَنَّمِ

لَعَمْرِي لَقَدْ جَرَّ الْوَبَالَ عَلَيْهِمُ

فَتًى مَا يُجَارَى صَوْلُهُ فِي التَّقَدُّمِ

وَقَدْ كَتَمَ الْأَسْرَارَ فِي صَدْرِهِ الَّذِي

تَفَجَّرَ وَجْهًا دُونَ شَكْوَى تُكَلِّمِ

فَقَالَ: أُجَرِّبُ كَيْدَ قَوْمِي وَثَوْرَتِي

وَأَكْفِي بِنَصْلِي وَالرِّجَالِ الْمُلَجَّمِ

فَثَارَ، وَمَا خَافَتْ بُيُوتٌ قَرِينَةٌ

لَدَى أُمِّ قَشْعَمِ حِينَ بَاتَتْ تُعَلِّمِ

لَدَى أَسَدٍ جَسُورِ بَأْسٍ مُمَزَّقٍ

لَهُ زَئِيرٌ يَسْتَفِزُّ الْمُتَرَحِّمِ

إِذَا ظَلَمُوا، رَدَّ الْمَظَالِمَ عَاجِلًا

وَإِنْ يُظْلَمُوا، فَالرَّدُّ مِنْهُمْ أَحْزَمِ

لَعَمْرُكَ مَا نَالُوا التُّقَى مِنْ دِمَائِنَا

وَلَا طَاشَتِ الرُّمحُ الْكَرِيمُ الْمُعَلَّمِ

وَمَا خَاضَ غَمْرَ الْقَتْلِ مِنْهُمْ مُجْتَدٍ

وَلَا جَادَ فِي الْهَيْجَاءِ وَهْبٌ بِمَغْنَمِ

فَمَا كَانَ إِلَّا الْقَوْمُ فِي عَقْلِ حِلْمِهِمْ

يُسَيِّرُهُمْ حَزْمُ الْعَلَالَةِ الْمُنْظَمِ

غَرَامَاتُ مَالٍ تُسْتَقَى مِنْ كُهُولِهِمْ

بِأُسْوَةِ مَالٍ سَاطِعٍ كَالْمُقَسَّمِ

لِأَحْمَاسِ قَوْمٍ لَا يُجَارَى قَرَارُهُمْ

إِذَا دَجَّ لَيْلُ الْخَوْفِ فِي الْمُتَكَتِّمِ

فُحُولٌ كِرَامٌ لَا يُضَامُ حِمَاهُمُ

إِذَا جَادَلَ الْوِتْرَ الظَّلِيمُ الْمُذَمَّمِ

مَلِلْتُ اصْطِنَاعَ الْعَيْشِ، وَالْعُمْرُ خَادِعٌ

فَمَنْ عَاشَ دَهْرًا طَالَ فِيهِ التَّنَدُّمِ

رَأَيْتُ الْمَنَايَا لَا تُمَيِّزُ نَازِلًا

فَتَخْبِطُ خَبْطَ الرِّيحِ فِي الْمُتَظَلِّمِ

وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْأَمْسِ وَالْيَوْمِ بِيَقَظَةٍ

وَلَكِنَّنِي عَنْ سِرِّ غَدْ فِي التَّكَتُّمِ

وَمَنْ لَمْ يُدَارِ النَّاسَ فِي كُلِّ شُبْهَةٍ

يُعَضُّ بِنَابٍ فِي خُفُوقِ التَّنَدُّمِ

وَمَنْ يَكُ ذَا جُودٍ فَيَبْخَلْ بِخَيْرِهِ

يُغَنَّى بِغَيْرِ الْفَضْلِ لِلنَّاسِ وَيُذْمَمِ

وَمَنْ يَجْعَلِ الْإِحْسَانَ دِرْعًا لِعِرْضِهِ

يَسُدُّ مَفَازَ الذَّمِّ عَنْ كُلِّ مُغْرِمِ

وَمَنْ لَا يُدَافِعْ حَوْضَهُ عَنْ عَدُوِّهِ

يُهَدَّمْ، وَمَنْ لَا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ

وَمَنْ خَافَ أَسْبَابَ الْمَنِيَّةِ لَاقَهَا

وَلَوْ سَعَى فِي السُّحُبِ بِالسَّيْفِ الْمُعَلَّمِ

وَمَنْ لَمْ يَشُقَّ الزَّاجِرَاتِ بِعَزْمِهِ

رَكِبَتْهُ سُيُوفُ الدُّهَاةِ بِمِحْجَمِ

وَمَنْ يُوفِ لَا يُلْفَى عَلَيْهِ مَلَامَةٌ

وَمَنْ يَصْفُ قَلْبًا لِلْبَرَاءَةِ يُكْرَمِ

وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَلْقَ الْعَدُوَّ مُوَارِبًا

وَيَحْسَبُهُ فِي الْمَكْرِ ظِلًّا مُبَسَّمِ

وَمَنْ لَا يُعِزُّ النَّفْسَ تَنْزِلْ مَكَانَةً

وَمَا فَوْقَ ذِي الذُّلِّ سِوَى التَّتَظَلُّمِ

وَمَهْمَا تَكُنْ فِي الْمَرْءِ خَصْلَةُ خَفِيَّةٌ

فَإِنَّ ضَمِيرَ الدَّهْرِ عَنْهَا لَيَعْلَمِ

وَمَنْ ظَلَّ يُرْضِي النَّاسَ دَهْرًا بِنَفْسِهِ

يُسْأَمْ، إِذَا مَا الْفَقْرُ عَضَّ الْمُكَرَّمِ

أَمِنْ دَارِ أُمِّ أَوْفَى، رَسْمُهَا لَمْ يُكَلِّمِ

بِحَوُمَانَةِ الدُّرَّاجِ فَالْمُتَثَلِّمِ

وَبَيْتٌ لَهَا بِالرَّقْمَتَيْنِ كَأَنَّهُ

وَشْمٌ عَلَى مِعْصَمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ

بِهَا الْعِينُ وَالْأَرَآمُ يَمْشِينَ خِلْفَةً

وَأَطْلَالُهَا تَنْهَضُ مِنْ كُلِّ مَجْثِمِ

وَقَفْتُ بِهَا بَعْدَ عِشْرِينَ حِجَّةً

فَلَأَيًا عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ

أَثَافِيَّ سُودٌ فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ

وَنُؤْيًا كَجِذْمِ الْحَوْضِ لَمْ يَتَثَلَّمِ

فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا

أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ

تَبَصَّرْ خَلِيلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ

تَحَمَّلْنَ بِالْعَلْيَاءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُمِ

عَلَوْنَ بِأَنْمَاطٍ عِتَاقٍ وَكِلَّةٍ

وَرَادٍ حَوَاشِيهَا مُشَاكِهَةِ الدَّمِ

وَفِيهِنَّ مَلْهًى لِلصَّدِيقِ وَمَنْظَرٌ

أَنِيقٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ الْمُتَوَسِّمِ

بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحَرْنَ بِسُحْرَةٍ

فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ

جَعَلْنَ الْقَنَانَ عَنْ يَمِينٍ وَحَزْنَهُ

وَكَمْ بِالْقَنَانِ مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْرِمِ

ظَهَرْنَ مِنَ السَّوْبَانِ ثُمَّ جَزَعْنَهُ

عَلَى كُلِّ قَيْنِيٍّ قَشِيبٍ مُفَأَّمِ

كَأَنَّ فُتَاتَ الْعِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ

نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الْفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ

فَلَمَّا وَرَدْنَ الْمَاءَ زُرْقًا جِمَامُهُ

وَضَعْنَ عِصِيَّ الْحَاضِرِ الْمُتَخَيِّمِ

سَعَى سَاعِيَا غَيْظِ بْنِ مُرَّةَ بَعْدَمَا

تَبَزَّلَ مَا بَيْنَ الْعَشِيرَةِ بِالدَّمِ

فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الَّذِي طَافَ حَوْلَهُ

رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ

يَمِينًا لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدْتُمَا

عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيلٍ وَمُبْرَمِ

تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَا

تَفَانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشِمِ

وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعًا

بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ الْأَمْرِ نَسْلَمِ

فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَلَى خَيْرِ مَوْطِنٍ

بَعِيدَيْنِ فِيهَا مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ

عَظِيمَيْنِ فِي ذُرَى الْمَكَارِمِ وَالنَّدَى

وَفِي كُلِّ حَيٍّ بِالْمُرُوءَةِ مُكْرَمِ

فَأَضْحَتْ مَآثِرُهُمْ تَلِيدًا وَطَارِفًا

كَأَنَّ نُجُومَ الْفَخْرِ فِيهِمْ تُنَجَّمِ

تَعَافَى جِرَاحُ الْحَرْبِ فِيهِمْ بِفَضْلِهِمْ

وَمَا جُرِمُوا لَكِنْ قَضَوْا لِلْمُجْرِمِ

يُغَالُونَ بِالْأَمْوَالِ مِنْ غَيْرِ سَطْوَةٍ

وَفِيهِمْ حِجًى لَا يُسْتَثَارُ بِمَغْنَمِ

فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي الْأَحْلَافَ أَنَّنِي

رَأَيْتُ وَفَاءَ الْعَهْدِ أَوْفَى مِنَ الْقَسَمِ

أَقْسَمْتُمُو، وَالسِّرُّ عِنْدَ إِلَهِكُمْ

فَلَا تَكْتُمُوهُ، إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمِ

يُدَبَّرُ فِي طَيِّ الصَّحَائِفِ أَمْرُهُ

وَيُدَّخَرُ، أَوْ يُسْتَعْجَلُ الْأَمْرُ فَيَنْقِمِ

وَمَا الْحَرْبُ إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ

فَلَا تَنْخَدِعُوا بِحَدِيثِ مُتَوَهَّمِ

مَتَى تُوقِدُوهَا تَنْفُثُ السُّمَّ وَالْعَنَا

وَتُضْرِمُ نَارًا كَالْهَجِيرِ الْمُضَرَّمِ

فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَا

وَتَلْقَحُ شَرًّا ثُمَّ تُنْجِبْ وَتُؤْتَمِ

فَتُنْتِجُ شَرًّا لَا يُرَجَّى صَلَاحُهُ

كَأَحْمَرَ عَادٍ، شُؤْمُهُ غَيْرُ مُنْعَمِ

وَتُغْلِلُ لَكُمْ أَرْضٌ بُعْدًا عَنِ النَّدَى

وَلَا تُغِلُّ الْقُرَى بِرَغِيفٍ أَوْ دِرْهَمِ

لَعَمْرِيَ إِنَّ الْقَوْمَ أَحْسَنَ جَارُهُمْ

حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَمَ ذَا الْعَزْمِ الْمُحْكَمِ

كَأَنَّهُ يُخْفِي بِسَوَادِ ضِغْنِهِ

حَدِيدًا لَهُ بَيْنَ الضُّلُوعِ تَجَشُّمِ

فَقَالَ: أَقْضِي حَاجَتِي ثُمَّ أَتَّقِي

عَدُوِّي بِرُمْحٍ فِي الْكُفُوفِ مُلَجَّمِ

فَهَاجَ، وَمَا فَزِعَتْ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ

لَدَى صَوْلَةٍ شَهِدَتْ بِهَا أُمُّ قَشْعَمِ

لَدَى أَسَدٍ يَشْكُو السِّلَاحَ إِذَا حَكَى

صَلِيلَ الظُّبَا مِنْ نَابِهِ الْمُتَقَدِّمِ

جَرِيءٍ إِذَا ظُلِمَ انْتَقَمْ بِظُلْمِهِ

وَإِنْ لَمْ يُظْلَمْ كَانَ مِنْ قَبْلِهِ الظُّلْمِ

رَعَوْا مَا رَعَوْا مِنْ ظَمَئِهِمْ، ثُمَّ أَوْرَدُوا

حِيَاضًا تُغْلِي بِالرِّمَاحِ وَبِالدَّمِ

فَطَاحُوا إِلَى آجَالِهِمْ ثُمَّ أَقْبَلُوا

إِلَى مَرْعَى الْخُلْدِ الْمُوبِلِ الْمُتَوَخِّمِ

أَلَا أَيُّهَا الرَّكْبُ الْمُغِيرُ عَلَى الدُّنَا

رُوَيْدَكُمُ، فَالدَّهْرُ كَالسَّيْفِ مُبْرَمِ

تُغِيرُ صُرُوفُ الْحَادِثَاتِ كَأَنَّهَا

نُجُومٌ تُجَرُّ السَّيْفَ فِي اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ

وَسَارَ الْهَوَى فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَفَتَّحَتْ

جِرَاحُ الْقُلُوبِ مِنَ الْحَنِينِ الْمُكَتَّمِ

فَمَنْ مُخْبِرٌ عَنِّي الرِّيَاحَ بِأَنَّنِي

بَكَيْتُ عَلَى ظِلِّي وَغَابَتْ تَرَسُّمِي

سَقَيْتُ رُبَى الْأَحْبَابِ دَمْعًا مُحَرِّقًا

كَأَنِّي أُسِيلُ الْقَطْرَ فِي الرَّمْلِ الْأَجْذَمِ

أُحِبُّ بِلَادَ اللَّهِ مَا دَامَ فِي الْمَدَى

صَدَى الْجَدِّ يَعْلُو فَوْقَ مَجْدٍ مُكَرَّمِ

إِذَا ذُكِرَ الْآبَاءُ كُنَّا رِجَالَهُمْ

نَرُدُّ الْمَنَايَا عَنْ دِيَارٍ وَنُحْجِمِ

وَنُلْبِسُ وَجْهَ اللَّيْلِ نُورَ سُيُوفِنَا

فَتُبْصِرُهُ الْأَعْدَاءُ فِي الظُّلَمِ الْأَتَمِّ

وَنَرْفَعُ أَرْوَاحًا مِنَ الْأَرْضِ زُهَّدًا

فَلَا نَبْتَغِي حَطَبَ الْحَيَاةِ الْمُهَزَّمِ

وَإِنْ قِيلَ: “مَنْ قَوْمٌ أَعَزُّ مَكَارِمًا؟”

قُلْنَا: “بَنُو الْعَزْمِ الَّذِي لَا يُهْزَمِ”

إِذَا مَا دَنَا خَطْبُ الزَّمَانِ تَهَيَّأْنَا

كَمَا يَتَأَهَّبُ لِلْحِمَامِ الْمُعَصَّمِ

نَعُدُّ الرَّدَى زَادًا، وَنَحْمِلُ صَبْرَنَا

كَمَا يَحْمِلُ الْقِدِّيسُ وَرْدَ التَّرَجُّمِ

نَصُونُ الْمَآثِرَ لَا نُفَرِّطُ فِي الدُّنَا

وَلَوْ بُتِرَتْ مِنَّا الْكُفُوفُ وَأُدْمِيَ

وَقَدْ نُطْفِئُ النِّيرَانَ مِنْ وَهْجِ الرَّدَى

بِصَبْرٍ يُرَبِّي النَّارَ حَتَّى تُسَلَّمِ

وَنُورِثُ أَبْنَاءَ الرِّمَاحِ عَقِيدَةً

تُسَاجِلُ شَمْسَ الْمَجْدِ فِي كُلِّ مُعْجَمِ

تُخْبِرُنَا الْأَيَّامُ أَنَّا إِذَا غَدَتْ

جِبَاهُ الْوَرَى تُدْنَى، رَفَعْنَا التَّكَرُّمِ

لَنَا لُغَةٌ فِي الْحَرْبِ لَيْسَتْ كُهُولَةً

وَلَا هِيَ مِنْ وَهْمِ الْحُرُوفِ الْمُهَنْدَمِ

بَلِ الطَّعْنُ فِيهَا فِعْلُنَا وَمَقَالُنَا

وَرَأْيُ السُّيُوفِ أَصْدَقُ الْمُتَكَلِّمِ

إِذَا اسْتَنْطَقَتْنَا الْخُطْبُ قُلْنَا بِصَارِمٍ

لَهُ لَهَبٌ يَجْتَاحُ صَدْرَ الْمُتَلَثِّمِ

فَتَخْرَسُ أَلْسُنُ مَنْ عَدَا وَتَنْك فِي

جَحَافِلُهُمْ فِي لَيْلِ خَوْفٍ مُعْتِمِ

وَمَا نَحْنُ إِنْ خُيِّرْنَا السِّلْمَ عَنْ دَمٍ

لَنَرْضَى، وَلَكِنْ بَعْدَ غَوْثِ الْمُظَلَّمِ

إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْعَدُوِّ وَبَيْنَنَا

سِوَى بَأْسِنَا، فَالْبَأْسُ أَوْفَى وَأَكْرَمِ

بَنَيْنَا مِنَ الْأَيَّامِ صَرْحًا مُؤَصَّدًا

وَصُغْنَا الْحَدِيدَ عَلَى سِيَاجِ الْمُكْرِمِ

تُسَلِّمُ لَنَا الدُّنْيَا رِقَابَ أَعَزِّهَا

فَلَا تُبْقِي إِلَّا الْمُطِيعَ الْمُسَلَّمِ

وَمَا فَخْرُنَا مَالٌ، وَلَا زُخْرُفٌ غَدَا

يُبَاعُ كَأَنَّهُ مِنْ عَقِيقٍ مُخَرَّمِ

وَلَكِنْ رِجَالٌ إِنْ دَعَتْهُمْ مَوَاقِفٌ

أَتَوْا كَصَوَاعِقِ الصَّيْفِ لَا بِالْمُتَرْجَمِ

يَمُوتُونَ مَوْتَ الْعِزِّ لَا يَشْتَكُونَهُ

كَأَنَّ الرَّدَى مِنْ سُكْرِهِمْ لَيْسَ مُؤْلِمِ

يُكَافِحُنَا الدَّهْرُ، وَنَضْحَكُ جُرْحَهُ

كَأَنَّا وَقُودُ الْحَرْبِ لَا الْمُسْتَسْلِمِ

وَمَا السَّيْفُ إِلَّا حِينَ يُشْحَذُ حَدُّهُ

كَأَرْوَاحِنَا تُجْلَى عَنِ الْغَيْمِ الْأَظْلَمِ

إِذَا ذَكَرَتْنَا الْأَرْضُ هَزَّتْ عُرُوقَهَا

كَأَنَّا النَّوَى فِيهَا مِنَ الْعَهْدِ الْأَقْدَمِ

كَأَنِّي أَرَى الْمَوْتَ السَّخِينَ يَدُورُ بِي

كَدَوْحَةِ بَانٍ فِي الرُّبَى لَمْ تُقَدَّمِ

يُحَاكِي خُطَى الرِّيحِ الْعَتِيقَةِ إِنْ دَنَا

فَلَا مُنْجِبٌ مِنْهُ، وَلَا الْمُتَغَشِّمِ

فَأَعْدَدْتُ نَفْسًا لَا تَهَابُ مَلَاقِفًا

وَلَا تَنْثَنِي فِي الدَّرْبِ خَوْفَ الْمُتَيَّمِ

رَأَيْتُ الْمُنَى مِثْلَ السَّرَابِ فَإِنْ أَتَى

أَزَاحَ بَرِيقَ الْحُلْمِ بَرْقٌ مُذَمَّمِ

فَمَا خِفْتُ مَوْتًا طَالَمَا كُنْتُ عَارِفًا

بِأَنَّ الرَّدَى بَابٌ لِأُفْقٍ مُكَرَّمِ

وَفِي الْحُسْنِ مِرْآةُ الْفَنَاءِ كَأَنَّمَا

جَمَالُ الدُّنَا مَوْتٌ بِلَوْنِ الْعَرَفْعَمِ

وَتَبْكِي الْمَنَايَا فِي اللَّيَالِي كَأَنَّهَا

حَسُودٌ عَلَى مَنْ مَاتَ مَوْتَ الْمُكَرِّمِ

فَدَعْهَا، فَإِنَّ الْمَوْتَ زَادُ فَوَارِسٍ

إِذَا ارْتَحَلُوا، تَبْكِي الْمَدَى وَالْمَرَاسِمِ

وَيَا مَوْطِنِي! لَوْ تَجَسَّدْتَ فِي الْوَرَى

لَكُنْتَ رِدَاءَ الْقَلْبِ، وَشُمُوخَ الْمُلْهِمِ

سَقَتْكَ السَّمَا غَيْثَ الْخُلُودِ فَكُلُّنَا

تُرَابُكَ يَوْمَ الْجُودِ أَوْ يَوْمَ الْمَحْزَمِ

أَيَا قِبْلَةَ الْأَرْوَاحِ إِنْ نَاءَتِ النَّوَى

وَإِنْ طَالَ بِي الدَّرْبُ وَصَوْتُ التَّرَجُّمِ

فَفِيكَ رَأَيْتُ الْحُبَّ أَوَّلَ خَطْوِهِ

وَفِيكَ تَنَامَى النُّورُ فِي جَفْنِ مُغْرَمِ

فَلَا غَادَرَتْ عَيْنَيْكَ إِلَّا وَكَبِدِي

تَنَاثَرَ فِيهَا الشَّوْقُ مِثْلَ التَّرَسُّمِ

حَبِيبَتِي، وَالْوَجْدُ فِيكِ مَشَاعِلُ

تَشُقُّ دُجَى قَلْبِي، وَتُوقِدُ أَنْجُمِي

وَفِي وَجْنَتَيْكِ السُّهْدُ يَبْرُقُ هَادِئًا

كَأَنَّكِ مِنْ خَمْرِ الدُّهُورِ الْمُعْتِمِ

إِذَا ابْتَسَمَتْ شَمْسُ الصَّبَاحِ تَذَكَّرَتْ

شِفَاهَكِ إِذْ كَانَتْ تُذِيبُ التَّكَتُّمِ

سَلَامٌ عَلَى تِلْكَ اللَّيَالِي الَّتِي بِهَا

نَسَجْتُ مِنَ الذِّكْرَى شِرَاعَ تَكَلُّمِ

وَحُبُّكِ مَجْدِي، مِثْلَ حُبِّ الْأَوَائِلِ

يُعَانِقُ مَجْدَ السَّيْفِ فِي دَارِ مُعْظَمِ

وَسِيرَتُنَا فِي الْأَرْضِ ذِكْرَى خَالِدَةٌ

كَأَنَّ الْجِبَالَ انْحَنَتْ دُونَ تَكَرُّمِ

فَنَمْضِي عَلَى ضَوْءِ الْحُرُوفِ كَأَنَّنَا

جِرَاحُ الزَّمَانِ وَمَجْدُهُ الْمُتَرَنِّمِ

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يُدْرِكْ مِنَ الْحِلْمِ سُلَّمَا

فَمَا نَفْعُ عَيْشٍ فِي الظِّلَالِ الْمُظَلَّمِ

وَإِنَّ أَخَا الْحِلْمِ الرَّفِيعِ إِذَا اعْتَدَى

عَلَيْهِ الْوَغَى، لَمْ يُطَأْطِئْ وَلَمْ يُجَمْجِمِ

يَبِيتُ عَلَى صَبْرِ اللَّيَالِي كَأَنَّهُ

جِدَارُ دُجًى لَا يَسْتَكِينُ لِمُجْرِمِ

وَفِي النَّاسِ مَنْ قَدْ يُبْتَلَى وَهُوَ صَابِرٌ

كَأَنَّ لَهُ فِي كُلِّ خَطْبٍ تَسَلُّمِ

وَلَيْسَ الْفَتَى مَنْ قَالَ كَانَ أَبِي، إِنَّمَا

هُوَ الْحُرُّ مَنْ يَبْنِي الْبِنَاءَ الْمُعَظَّمِ

إِذَا سَكَتَ الْأَحْرَارُ فِي زَمَنِ الْوَغَى

تَكَلَّمَ فِيهِمْ كُلُّ نَذْلٍ مُتَكَدِّمِ

وَكَمْ مِنْ غَيُورٍ مَاتَ حُرًّا وَلَمْ يَبِعْ

جِرَاحَ الْكَرَامَةِ بِابْتِسَامَةِ مُسَلَّمِ

أَلَا إِنَّ فِي الدَّهْرِ انْكِسَارَاتِ حِكْمَةٍ

تُعَلِّمُنَا مِنْ بَعْدِ جُرْحٍ مُعَلَّمِ

فَلَا تَطْلُبِ الدُّنْيَا وَفِيهَا مِنَ الْقَذَى

كَمَاءٍ تَرَكَّدَ فِي شِعَابٍ مُهَدَّمِ

وَإِنَّ أَعَزَّ النَّاسِ مَنْ بَاتَ وَاقِفًا

عَلَى قَدَرٍ مُرٍّ كَطَوْدٍ مُحَطَّمِ

أَلَا يَا حَنِينَ النَّفْسِ! هَلْ لَكَ مَوْئِلٌ

سِوَى طَيْفِ أُمِّي فِي الْمَسَاءِ الْمُظَلَّمِ؟

رَأَيْتُ شَبَابَ الْحَيِّ يُسْقَوْنَ فِي الدُّجَى

دِمَاءً، وَمَا ذَاقُوا سَرَابًا بِمَرْحَمِ

وَكَمْ بَطَلٍ شَادَ الْمَكَارِمَ وَانْطَوَى

كَأَنَّ سُطُورَ الْمَجْدِ رُوحٌ تُخَتَّمِ

وَمَا الْمَجْدُ إِلَّا وَهْجُ صِدْقٍ مُؤَصَّدٍ

بِأَبْوَابِ صَبْرٍ لَا تُفْتَحُ لِمُعْدَمِ

فَإِنْ عَزَّ قَوْمٌ بِالضَّلَالِ فَإِنَّهُمْ

سُرَابٌ، وَإِنْ شَامُوا السَّمَاءَ بِمِقْسَمِ

كَفَانَا مِنَ الْأَوْهَامِ دَرْبُ الْحَمَاقَةِ

وَمَا كُلُّ نَجْمٍ فِي الدُّجَى بِمُتَرْجَمِ

فَيَا سَائِلِي عَنْ سِرِّ هَذَا التَّهَالُكِ

أَجِبْهُ: بِأَنَّ النَّاسَ غَابُوا عَنِ الْقِيَمِ

إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَقِّ مِنْ نَاصِرٍ لَهُ

تَوَلَّى سَرَابُ الْقَوْلِ أَمْرَ الْمُنَغِّمِ

وَفِي الْأَرْضِ أَرْوَاحٌ تَئِنُّ مِنَ الْوَجَى

كَأَنَّ بِهَا سَكَرَاتِ مَوْتٍ بِمِعْصَمِ

فَخَلِّفْ لَنَا يَا دَهْرُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ

قَصَائِدَ تَبْكِي أَوْ تَمُوتَ عَلَى فَمِ

خَاتِمَةُ الْمُعَلَّقَةِ

أَيَا قَلْبُ، كَمْ خَبَّأْتَ فِي الصَّمْتِ لَوْعَةً

تُعَاتِبُ فِي طَيِّ الْمَسَاءِ الْمُتَرَحِّمِ

وَتُسْأَلُ: هَلْ فِي النَّاسِ مَنْ كَانَ صَادِقًا

إِذَا رُفِعَ السِّتَّارُ عَنْ كُلِّ مُبْهَمِ؟

وَهَلْ كَانَ حُبُّ الْأَمْسِ ظِلًّا مُبَارَكًا

أَمِ ارْتَحَلَ الْمَجْدُولُ فِي شَعْرِ مِيسَمِ؟

أَنَا الْعَاشِقُ الْمَهْزُومُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ

يُغَنِّي عَلَى أَطْلَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ

وَمَا كُنْتُ مِمَّنْ يَخْدَعُونَ بِحُسْنِهَا

وَلَكِنَّنِي كُنْتُ السَّقِيمَ الْمُتَيَّمِ

فَكَمْ فِتْنَةٍ هَبَّتْ عَلَيْنَا كَأَنَّهَا

سِهَامُ الدُّجَى مِنْ قَوْسِ شَيْطَانٍ مُرَجَّمِ

إِذَا لَاحَ بَرْقُ الْمَجْدِ فِي أُفْقِ النَّدَى

تَسَارَعَتِ الْأَرْوَاحُ نَحْوَ التَّزَحْزُمِ

وَكَمْ فَارِسٍ فِي الْحَرْبِ ضَلَّ جَوَادَهُ

وَمَا خَافَ أَنْ يَمْضِي بِسَيْفٍ مُعَلَّمِ

نَعِيشُ كَأَنَّ الْوَقْتَ مِلْءُ جِرَاحِنَا

وَيَحْفِرُ فِي صُدُورِنَا كُلَّ مَأْثَمِ

فَيَا دَهْرُ! هَلْ تُبْقِي لَنَا غَيْرَ حَسْرَةٍ

تُغَنَّى، وَتَبْكِي فَوْقَ قَبْرٍ مُكَدَّمِ؟

وَهَذِي الْحَيَاةُ الْعَابِرَاتُ كَأَنَّهَا

خَيَالُ سَرَابٍ فِي فَلَاةٍ بِمُحْدِمِ

تُفَاجِئُنَا مِنْ حَيْثُ لَا نَرْتَجِي لَهَا

وَتَتْرُكُنَا كَالْأُمْنِيَاتِ بِمُحْرِمِ

فَمَنْ قَالَ إِنَّ الْمَوْتَ يُنْهِي رَسَائِلًا

فَإِنَّ لَنَا بَعْدَ الْمَمَاتِ تَكَلُّمِ

نُدَوِّنُ أَحْلَامًا عَلَى شَطِّ غُرْبَةٍ

لَعَلَّ الصَّدَى يَأْتِي كَعَوْدِ الْمُتَفَحِّمِ

وَإِنِّي رَأَيْتُ الْحُزْنَ سَيِّدَ مُهْجَتِي

يُصَلِّي عَلَى وَجَعِي بِطَقْسٍ مُقَيَّمِ

أَيَا وَطَنِي! إِنِّي كَتَبْتُكَ فِي دَمِي

وَفِي كُلِّ جُرْحٍ كَانَ نَبْعًا مُرَجَّمِ

فَلَا تَهْجُرُوا أَرْضًا إِذَا مَا جَرَتْ بِهَا

دُمُوعُ الْأُبَاةِ كَالسَّحَابِ الْمُتَرْجِمِ

وَلَا تُطْفِئُوا نَارَ الْحَنِينِ بِصَفْحَةٍ

مِنَ الزَّيْفِ، أَوْ قَوْلٍ سَقِيمٍ مُتَهَدِّمِ

سَلَامٌ عَلَى مَنْ مَاتَ حُرًّا مُكَرَّمًا

وَلَمْ يَرْضَ عَيْشَ الذُّلِّ بَيْنَ الْمَغَارِمِ

وَإِنِّي رَأَيْتُ الْمَوْتَ عِزًّا لِمَنْ غَدَا

يَرَى الْعَارَ مَوْتًا فِي سَرِيرِ الْمُنَعَّمِ

خَاتِمَةُ الْمُعَلَّقَةِ (عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ)

يَا مَنْ سَعَى فِي الصُّلْحِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ

وَأَطْفَأَ نَارَ الْحَرْبِ وَالْخِصَامِ الْمُوَظَّمِ

لَكَ الْمَدَائِحُ فِي السُّهُولِ وَالْجِبَالِ

وَذِكْرُكَ فِي الْأَفْوَاهِ دَوْمًا مُتَخَتِّمِ

فَاحْفَظْ عُهُودَ الْوُدِّ وَالْوَفَا دَائِمًا

وَكُنْ لِلْخَيْرِ دَاعِيًا وَمُعَلِّمِ

فَإِنَّ فِي الْحِلْمِ نَجَاةً وَفِي الْعَفْوِ

رِفْعَةً وَفِي الْكَرَمِ مَجْدًا مُتَحَدِّمِ

وَإِنَّ مَنْ يَبْذُلُ الْمَعْرُوفَ فِي النَّاسِ

يَحْظَى بِالْمَحَبَّةِ وَالذِّكْرِ الْمُجَسَّمِ

فَاسْعَ لِلْخَيْرِ وَاتْرُكْ كُلَّ سُوءٍ

وَكُنْ فِي الْفَضَائِلِ دَائِمًا مُتَقَدِّمِ

فَإِنَّ الْمَجْدَ لَا يُنَالُ بِالْهَوَى

بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْجِدِّ وَالْعَقْلِ الْمُحَكَّمِ

وَإِنَّ مَنْ سَارَ فِي طَرِيقِ الْفَضَائِلِ

يَبْقَى ذِكْرُهُ خَالِدًا وَمُفَخَّمِ

فَهَذِهِ كَلِمَاتِي أَخْتِمُ بِهَا قَوْلِي

وَأَدْعُو لَكُمْ بِالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ الْمُعَظَّمِ

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

عمار شاهر قرنفل - الرحال

62

قصيدة

عمار شاهر قرنفل، كاتب وشاعر ومدوّن، يحمل دبلومًا في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة حلب. وُلد في سلقين في 31 مارس 1972، فكان للحروف فيه ميلاد آخر. عاشق للشعر، رحّال بين الكلمات والمعاني،

المزيد عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

أضف شرح او معلومة