عدد الابيات : 45
أَقْفَرْنَ حَتَّى صَفَّرَ الرِّيحُ الصَّدَى
فَضُحَى الْجَوَانِحِ كَالْغُرُوبُ
فَجَلَامِدٌ، فَخُفُوفُ دَوْسٍ
فَجِرَاحُ مَوْجٍ مُضْطَرِبُ
فَفِجَاجُ شَتَّانَ الْوُجُوهِ
مَا خَلَّفَ الدَّهْرُ الْمُهِيبُ
قَدْ أَجْفَلَتْهَا السُّنُونُ رُغْمًا
فَاسْتَحْوَشَتْهَا الْكُرُوبُ
مَسْرَحُ بَأْسٍ قَدْ تَنَادَتْ
فِيهِ الرِّجَالُ وَكُلٌّ بِهِ شَجُوبُ
مَنْ لَا يُرَاعِي الْحَتْفَ يُكْوَى
وَالشَّيْبُ نَارٌ الْقُلُوبُ
عَيْنَايَ يَشْكُو الدَّمْعُ مِنْهَا
وَيَجُرُّنِي الْأَسَى الْمُرِيبُ
أَوْ هَضْبَةٌ نَفَثَتْ جُحِيمًا
فَتَصَاعَدَ اللَّظَى الرَّهِيبُ
أَوْ شَقُّ صَدْعٍ فِي رُبًى
تَصُبُّهُ سُحُبُ الْغُيُوبُ
كَالْوَرْدِ يَرْوِي جَوْفَ عَيْنٍ
بِمَدَامِ نَفْسٍ لَا تَذُوبُ
تَحْنُو لِذِكْرَى الصِّبَا، وَالْمَشِيبُ
خَطَّكَ خَطَّ الْقَضَا الْعَجِيبُ
إِنْ جَدَّ جَفْنُ الزَّمَانِ بِوَصْلِهِمْ
فَكَمْ مَضَى غَيْرُهُمْ وَيَغِيبُ
وَإِنْ تَفَرَّدَ عَنْهَا نَدَى الْمَدَى
فَالْأَرْضُ تُنْقِذُهَا السُّحُبُ
وَكُلُّ ذِي لَذَّةٍ مُنْتَهٍ
وَكُلُّ رَاجٍ سَيُسْتَلَبُ
وَكُلُّ مَا فِي يَدِ الرَّاكِبِ
مَرَّةً لِسِوَاهُ يُوهَبُ
يَعُودُ غَائِبُنَا إِنْ عَادَ،
وَالْمَوْتُ فِينَا هُوَ الْغَرِيبُ
هَلْ يُشْبِهُ الْعُقْمُ نَبْعَ الزُّهُو،
أَمْ يُدْرِكُ الْحَاصِدُ مَا يَذْهَبُ؟
وَكَمْ تَفُوقُ السُّيُوفُ الْعَصِيَّةُ
عَزْفًا بِحَدِّ الْغُصْنِ الرَّطِيبِ
مَنْ لَمْ يُهَذِّبْهُ صَرْفُ الزَّمَانِ،
فَكَيْفَ يُهَذِّبُهُ الْخَطِيبُ؟
إِنَّ الْقُلُوبَ إِذَا نَقَتْ
أَصْفَى الْهَجُورُ بِهَا النَّسِيبُ
كُنْ فِي الدِّيَارِ سِرَاجَ سَعْيٍ
فَالضَّوْءُ يُدْرَكُ أَيْنَ تَهَرَّبُ
كَمْ قَرُبَ الْبَعِيدُ بِالْوَفَاءِ
وَخَابَ فِي الْأَرْحَامِ ذِي الْقُرْبُ
مَنْ رَكَنَ لِلنَّاسِ عَاشَ عَسِيفًا
وَمَنْ رَجَا الرَّبَّ لَا يَخِيبُ
عَيْشُ الْكَذُوبِ وَإِنْ طَالَ يُبْلِي
وَصِدْقُ مَنْ صَدَقُوا حَبِيبُ
وَرُبَّ دَرْبٍ ظَنَنْتُهُ هَلْكَى
وَجَدْتُ فِيهِ الرُّشْدَ الْقَرِيبُ
كَأَنَّمَا الْغَيْمُ فِيهِ وَسْوَسَ
وَالْخَوْفُ مَسْرَاهُ عَجِيبُ
غَادَرْتُهُ وَالْفَجْرُ يَهْمِسُ بِي
وَصَحْبِيَ الْغَافِي لَا يُجِيبُ
تَجْرِي كَأَنَّ الْأَرْضَ تَهْوَى بِهَا
وَالرَّمْلُ مِنْ حَوْلِهَا يَذُوبُ
خَفَّ عَلَيْهَا اللَّحْمُ إِذْ نَسَجَتْ
سِنُو دَهْرٍ بِهِ نُشُوبُ
كَأَنَّهَا مِنْ سُلَالَةِ فَحْلٍ
يَحْكِي الْوُحُولَ بِهِ الشُّحُوبُ
وَهَلْ يُجَارَى فُتُونُ رِيحٍ
إِذَا تَهَادَى بِهَا الْغُرُوبُ؟
وَذَاكَ عَهْدِي، إِذَا انْتَفَضْتُ
ثَارَتْ بِيَ الْأَرْوَاحُ وَالشُّهُبُ
رَيْحَانَةٌ فَاضَتْ نُعُومَتُهَا
وَالسِّرُّ عَنْ وَجْنَتَيْهَا يَشْهُبُ
مُرْهَفَةٌ كَالْوَهْمِ مَمْشَاهَا
تَغْدُو كَأَنَّ الْوَدَى يَطِيبُ
كَأَنَّهَا بَأْسُ الْفُصُولِ إِذَا
أُطْفِئَتِ النَّارُ وَالْعَخِيبُ
تَنْسُجُ مِنْ سِحْرِهَا مَهَابَةَ
الْعُمْرِ إِنْ فَاتَهُ الْمَحْبُوبُ
وَكَأَنَّهَا الْوَجْدُ حِينَ تَنْهَضُ
تَكْبُو وَيَنْهَلُّ فِيهَا الْحُوبُ
أَبْصَرْتُ الْخَوْفَ فِي جُفُونِهِ
وَالْقَلْبُ مِنْ خَوْفِهَا يَذُوبُ
كَأَنَّهَا الرَّعْدُ فِي سُكُونِ الدُّجَى
أَوْ سَهْمُ قَوْسٍ لَا يَخِيبُ
تَغْتَالُ بِالْبَصَرِ الْخَفِيِّ
وَفِي جُفُونِ الشَّكِّ تَسْرِي عُيُوبُ
تَرْكُضُ كَالْوَهْمِ لَا يُرَى أَثَرٌ
وَالصَّيْدُ مِنْهَا لَهُ نُحِيبُ
وَرَجَفَ الْقَلْبُ فِي جَوَانِحِهِ
فَالصَّوْتُ مِنْهَا لَهُ لَهِيبُ
مِثْلُ الْمَنِيَّةِ إِنْ أَقْبَلَتْ
مَا مِنْ فَكَاكٍ وَلَا هُرُوبُ
تَلْوِي بِهِ الْأَرْضَ فِي قَفْزَتِهَا
وَالْمَوْتُ فِيهَا لَهُ ضُرُوبُ
مِثْلُ الْقَضَاءِ إِذَا انْقَضَى حَتْمُهُ
لَا يَنْفَعُ الْخَوْفُ أَوِ النُّدُوبُ
81
قصيدة