عدد الابيات : 34
نَامَ الْخَلِيُّ وَسَاهِرُ الشِّعْرِ مُنْتَصِبْ
يَسْرِي الْحَنِينُ بِصَدْرِهِ مِثْلَ اللَّهَبْ
يَا نَازِفَ الْحَرْفِ الَّذِي أَغْرَيْتَنَا
حَتَّى غَدَوْنَا فِي هَوَاكَ بِلَا عَتَبْ
سَلْنِي فَدَيْتُكَ كَيْفَ أُطْلِقُ صَوْلَتِي
فِي مُهْرَجَانِ الْعِشْقِ وَالنَّبْضِ الْعَجَبْ
هَذِي السُّيُوفُ مِنَ الْقَوَافِي لَمْ تَزَلْ
تَحْبُو عَلَى سَاحِ الْفَصَاحَةِ وَاللَّعِبْ
فَقِفِ الْمُبَارَزَ يَا نِزَارُ بِالشِّعْرِ فَإِنَّنِي
مَا كُنْتُ إِلَّا الشِّعْرَ فِي دَرْبِ النَّشَبْ
مَا كُنْتُ إِلَّا لَهَبَ الْغِنَاءِ مُسَافِرًا
بَيْنَ النِّسَاءِ وَمُنْعَطَفَاتِ الطَّرَبْ
هَذِي يَدَايَ تَخُطُّ نَارًا فِي الدُّنْيَا
وَتَصُوغُ مِنْ وَجَعِ الْحَبِيبَةِ مَا وَجَبْ
إِنْ كُنْتَ بَحْرًا فَالْقَصِيدُ سَمَاؤُهُ
وَالشِّعْرُ يَحْكُمُ بِالسُّطُورِ وَمَا كَتَبْ
أَنْتَ الَّذِي قَالَ الْحُرُوفَ فَأَزْهَرَتْ
وَأَنَا الَّذِي قَالَ الْحُرُوفَ فَالْتَهَبْ
فَالْيَوْمَ يَشْهَدُنِي الزَّمَانُ مُكَابِرًا
لِأَكُونَ بَحْرًا مُتْرَعًا بِلَظَى الْعَتَبْ
يَا شَاعِرَ الْعِشْقِ الَّذِي إِنْ مَرَّ فِي
سِفْرِ الْغَرَامِ تَوَشَّحَ الدُّنْيَا سُحُبْ
لَكَ فِي الْمَتَاهَاتِ الطِّوَالِ نَوَافِذُ
تَفْتَحْنَ كُلَّ جَمَالِكَ الْمُحْتَجِبْ
قُلْتَ: "أُحِبُّكِ"، فَاسْتَدَارَ الْكَوْنُ فِي
نَغَمٍ تَخَلَّقَ مِنْ تَمَايُلِكَ الْعَجَبْ
كَمْ مِنْ حَبِيبَةِ فَاتِنَةٍ فِي رَسْمِهَا
حَتَّى اسْتَحَتْ مِرْآةُ فَجْرٍ أَوْ شُهُبْ
مَلَكْتَ مَفَاتِيحَ الْحُرُوفِ بِسِحْرِهَا
فَأَتَتْكَ فَيْضًا مِنْ فُنُونٍ وَاللَّهَبْ
يَا سَيِّدَ الْأَنْوَاءِ قُلْ لِي كَيْفَ مَضَتْ
أَيَّامُكَ الْحُبْلَى بِأَنْفَاسِ الْحَبَبْ
هَلْ بَعْضُ غُرْفَتِكَ الْقَدِيمَةِ تَذْكُرُ الْـ
عِشْقَ الْمُعَلَّقَ فِي الْعُيُونِ وَالْكُتُبْ؟
أَمْ هَلْ تَأَلَّمَ فِي سُكُوتِكَ وَجَعُهَا
يَوْمًا فَكَتَّمَكَ الْغِيَابُ وَمَا انْشَعَبْ؟
قُلْتَ: "اِحْمِلُونِي لِلرَّصِيفِ لَعَلَّهُ
يَذْكُرُنِي قَلْبٌ بَكَى يَوْمًا وَحَبْ"
هِيَ الرُّؤَى وَالْبَوْحُ، وَالْقَلْبُ الَّذِي
يَجْرِي بِأَوْدِيَةِ السَّحَابِ بِلَا تَعَبْ
هِيَ الَّتِي لَمْ تَخْشَ مَوْتَ الْعُمْرِ فِي
عَيْنَيْكَ، بَلْ كَتَبَتْ هَوَاكَ عَلَى الْخَشَبْ
جَلَسَتْ تُسَافِرُ فِي الْمَرَايَا نَحْوَهَا
وَتُشَكِّلُ الْوَرْدَ السَّمَاوِيَّ الْعَجَبْ
كُلُّ الْحُرُوفِ تَشُدُّ مِنْ أَهْدَابِهَا
وَتُعِيدُ خَلْقَ الشِّعْرِ مِنْ دَمْعٍ سُكَبْ
إِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَمْنَحُهَا
عَقْدًا مِنَ الْأَلْمَاسِ فَالشِّعْرُ الذَّهَبْ
أَحْبَبْتُ حُبَّكَ يَا نِزَارُ لِبُلْقِيسَ كَأَنَّهُ
وَحْيٌ يَنُوسُ بِقَلْبِ سَيِّدَةِ الْعَصَبْ
وَجَعُ الْعُيُونِ مِنَ الْفِرَاقِ أَحَبَّنِي
حَتَّى سَقَانِي مِنْ فُؤَادِهِ اللَّهَبْ
يَا مَنْ تُعَلِّمُنِي الْبُكَاءَ بِحَرْفِهِ
كَيْفَ الْبُكَاءُ يَصُوغُ دَمْعَ الْمُغْتَرِبْ؟
هَذَا الْغَرَامُ لَهُ سُيُوفٌ قَوَاتِلُ
تُرْدِي الْمَشَاعِرَ فِي مَقَابِرِ مَنْ حَبْ
يَا وَطَنًا يَسْرِي بِشِعْرِي مِثْلَ أُغْنِيَةٍ
تَغَنَّى بِالْمَسَاءِ وَمَا تَغَبْ
قَدْ كُنْتَ أَبْهَى مِنْ بَسَاتِينِ الدُّجَى
وَأَجَلُّ مِنْ قَلْبٍ بِآهِ الْمُنْتَحِبْ
كُنْتَ الرَّصِيفَ الْمُتْعَبَ الْمَمْشُوقَ مِنْ
وَجَعٍ يَمُدُّكَ فِي الْمَسَاءِ بِمَا كَتَبْ
يَا نِزَارُ، هَذَا الشِّعْرُ صَرْحٌ خَالِدٌ
يَسْمُو كَحُلْمٍ فِي خَيَالِ الْمُغْتَرِبْ
جِئْتُكَ أَقْطُفُ مِنْ حُرُوفِكَ زَنْبَقًا
وَأُعِيدُ كَوْنَ الْحُبِّ أَبْهَى مَا يُحَبْ
هَذِي الْقَصِيدَةُ لَا تَمُوتُ فَإِنَّهَا
وَجَدَتْ لَدَيْكَ الْخُلْدَ فِي دُنْيَا الْأَدَبْ
140
قصيدة