عدد الابيات : 36
قِفْ بِالْمَنَازِلِ فِي سَلَقْـيـنَ الْمُنَى
وَانْظُرْ رُبَىً عَانَقْنَ فَوْقَ سَنَاهُ
وَابْكِ الْمَغَانِي حَيْثُ سَارَةُ سَكَنَتْ
فِي الدَّارِ لَمْ تَبْقَ الدِّيَارُ سِوَاهُ
دَارٌ تَـفَـتَّـحَ مِنْ نَـوَافِـذِ رُوحِـهَا
يَسْقِيكَ سُكْرًا طَـلُّـهُ وَهُـدَاهُ
كَانَتْ تُنَاجِي فِي الظَّلَامِ سُكُونَهُ
وَالْبَدْرُ يُصْغِي إِنْ تَحَدَّثَ فَاهُ
يَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تُجِيبُكَ خُطْوَةٌ
نَحْوَ الدِّيَارِ إِذَا دَعَـوْتَ صَدَاهُ؟
سَارَةُ، مَا أَغْلَى الْمَحَبَّةَ فِي دَمِي
كَالْوَشْمِ فِي صَدْرِي، تَحِنُّ شَذَاهُ
يَا نَبْضَ قَلْبِي إِنْ تَغِيبِي هَلَكَتِ
أَوْصَالِيَ اشْتَاقَتْ إِلَى لُقْيَاهُ
مُذْ وَدَّعَتْنِي وَالْجُفُونُ كَأَنَّهَا
سُحْبٌ أَذَابَ الدَّمْعُ فِي مَجْرَاهُ
لَا تَسْأَلِي الْعُشَّاقَ كَيْفَ تَعَذَّبُوا
اسْأَلِي فُؤَادِي كَمْ عَشِقْتُ نَدَاهُ
إِنِّي إِذَا ذَكَرُوا الْهَوَى بِسَلَقِينَ
خُيِّلَ لِي أَنِّي بِهَا عِطْرُهُ وَذُرَاهُ
مَا سَارَةُ إِلَّا بَدْرُ دَاجٍ نَوَّرَتْ
أَهْدَابُهَا حَيْرَ الدُّنَى وَسَنَاهُ
كَحْلَاءُ تُهْدِي لِلْغَرَامِ تَأَلُّقًا
وَالْحُسْنُ إِنْ نَظَرَتْ دَعَا مَرْآهُ
خَصْرٌ كَأَنَّ الْغُصْنَ مَالَ بِحِيلَةٍ
وَالشَّعْرُ لَيْلٌ نَسْجُهُ فَتَنَاهُ
وَالثَّغْرُ مِسْكٌ طَافَ فِي أَنْفَاسِهَا
فِيهِ الرُّبَى ذَاقَتْ شَذَى رَيَّاهُ
تَمْشِي فَتَسْبِي كُلَّ قَلْبٍ عَاشِقٍ
وَكَأَنَّهَا سُرُجُ الْمُنَى بِهُدَاهُ
آهِ عَلَى زَمَنِ اللِّقَاءِ بِسُهْبَةٍ
كُنَّا نُنَاجِي طَيْفَهَا وَسَنَاهُ
وَالنَّهْرُ يَشْهَدُ أَنَّنَا فِي ضِفَّتِهِ
نَرْسُمُ الْأَحْلَامَ فِي مَرْسَاهُ
وَكَأَنَّ فِي أَنْسَامِهَا تَرْنِيمَةً
تُسْبِي الْقُلُوبَ إِذْ هَفَتْ خُطْوَاهُ
وَسَمِعْتُ مِنْهَا هَمْسَ رُوحِي كَامِلًا
فَكَأَنَّنِي عِشْتُ الْهَنَا بِلُقَاهُ
وَالْيَوْمَ أَبْحَثُ عَنْ خَيَالٍ غَائِبٍ
يَأْبَى الرُّؤَى إِنْ جِئْتُ أَسْعَى لَاهُ
أَنَا الْمُتَيَّمُ فِي هَوَاكِ مُقَدَّمٌ
مَا خَابَ فِي سَيْفِ الْغَرَامِ رَجَاهُ
قَدْ قَارَعَتْنِي فِي الْهَوَى عُشَّاقُهُ
لَكِنْ سَبَقْتُ إِلَى الْمَدَى وَغِنَاهُ
أَنَا الْفَتَى إِنْ صَالَ قَوْمٌ هَائِمٌ
صُقْرِي يَهُزُّ الْمَدْحَ فِي مَغْزَاهُ
فَاسْأَلِي الْأَيَّامَ عَنْ بُطُولَتِهِمْ
تَلْقَيْ جِهَادِي سَاطِعًا فَضْلَاهُ
وَسَلِي الْكُمَاةَ إِذَا اصْطَلَى بِسُيُوفِهِمْ
هَلْ كَانَ غَيْرِي مُوقِدًا لُجَاهُ؟
مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَمَلُّ دُمُوعَهَا؟
حُزْنٌ بِسَمْعِكَ أَمْ جَفَاكِ شِفَاهُ؟
إِنِّي لَأَبْكِي كُلَّ دَارٍ سُرْتُهَا
وَسَقَيْتُهَا مِنْ دَمْعِيَ الْمُدْمَاهُ
وَسَلِي الْجِبَالَ إِذَا هَمَمْتُ بِذِكْرِهَا
هَلْ قَدْ سَمِعْنَ الْحُبَّ فِي نَجْوَاهُ؟
مَا بَيْنَ قَلْبِ الْعَاشِقِينَ مَحَاجِرٌ
إِلَّا وَفِيهَا لِلصَّبَابَةِ شَكْوَاهُ
وَالرُّوحُ مِنْ بَعْدِ الْفِرَاقِ كَأَنَّهَا
طِفْلٌ يُنَادِي فِي الظَّلَامِ أَبَاهُ
يَا سَارَةَ الْحَسْنَاءُ يَا أُنْشُودَةً
غَنَّى لَهَا التَّارِيخُ فِي ذِكْرَاهُ
أَقْسَمْتُ مَا غَنَّى "النَّبِيغُ" بِعِزَّةٍ
إِلَّا وَجِئْتُ الْيَوْمَ أَسْمَى حَدَاهُ
هَذِي الْقَصَائِدُ قَدْ بَنَيْتُ حُرُوفَهَا
مِنْ نُورِ فَجْرٍ وَارْتَقَيْتُ عُلَاهُ
وَسَلْ مُعَلَّقَاتِ الزَّمَانِ فَإِنَّهَا
تَشْهَدُ بِأَنِّي فَارِسٌ فُحْوَاهُ
مَا قُلْتُ هَذَا مَدْحَ نَفْسِي إِنَّمَا
صَوْتُ الْحَبِيبِ إِذَا نَدَتْ ذِكْرَاهُ
146
قصيدة